الجزيرة:
2024-10-17@19:36:27 GMT

غزة: ظروف إنسانية مأساوية وعجز المؤسسات الدولية

تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT

غزة: ظروف إنسانية مأساوية وعجز المؤسسات الدولية

في قلب غزة، حيث تتكسّر الأحلام على صخور الواقع المرير، تُبصر العيون مشاهدَ لا يمكن أن تُنسى. الأطفال يفترشون الأرض الباردة، ويلتحفون سماء تُسقط عليهم حممًا من قذائف الطائرات القاتلة. ترى الطفلة الجريحة في أركان المستشفى تنتظر أملًا يأتي من المجهول، بينما الأطباء يقفون عاجزين، لا دواء يشفي ولا معدات تخفّف الألم.

فيما يجمع أب شتات شمله وهو يستقبل أشلاءَ ابنته على دفعات من مستشفيَين مختلفين، بعد أن كان وعدها بتوفير حذاء، وجنينٍ قُتل في بطن أمّه الشهيدة بعدما كانت ترسم لنفسها ولابنها أحلامًا لا تنتهي فور توقف الحرب، فخطف أرواحهم صاروخ غادر دون أن يمهلهم ويمكنهم من تناول وجبة الإفطار! في هذه الأرض التي نُهبت أحلامها واغتيلت ابتسامات أطفالها، لا تجد إلا الصبر زادًا، والإيمان جدارًا يتكئ عليه الناس في مواجهة حصارٍ لا ينفك يُحكم قبضته وحربٍ ضروس حوّلت حياة أهله لجحيم.

غزة، تلك البقعة الصغيرة التي تُحاصر من كل جانب، ويشترك في حصارها العربي المطبع المتحامل، والعدو الهمجي الصائل، تعيش تحت حصار لا يعرف الرحمة منذ 17 عامًا. كل شيء في هذه الأرض بات خاضعًا لقيود المحتل، من الماء إلى الدواء، من الغذاء إلى الكهرباء. 100% من سكانها الآن يعتمدون على المساعدات، وأكثر من 85% منهم يعيشون نازحين داخل وطنهم. هؤلاء النازحون يبحثون عن مأوى بين أطلال بيوتهم المدمرة، وفي مساحة أقل من 36% من مساحة القطاع، لكن الحصار يجعلهم يعيشون بلا مأوى حقيقي، بلا أمان ولا استقرار.

حصار جعل القطاع الصحي في غزة يعاني ويعجز عن تلبية احتياجات المرضى والمصابين. مستشفيات خارج الخدمة والذي يعمل منها يعمل بربع طاقته، دون طاقم مناسب ودون إمكانات متوفرة، بينما يتكدس المرضى الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية طارئة بلا أمل في علاجٍ قريب. الأطباء، أولئك الجنود الذين يقاتلون من أجل الحياة، يقفون على حافة الانهيار؛ إذ لا يوجد سوى القليل من المعدات، ولا دواء يكفي حتى لجرح واحد. لقد تحولت المستشفيات إلى مسارح للألم، حيث يموت المرضى ببطء، وهم يعلمون أن الأمل بات سرابًا بعيدًا.

في قلب هذا الجحيم وأتون الحصار يقف العاملون في مجال الإغاثة كرموز للإنسانية التي لا تنكسر. أكثر من 150 من هؤلاء الأبطال فقدوا حياتهم، وهم يحاولون إيصال الغذاء والماء للنازحين والمحتاجين، وبناء المأوى للمشردين، وإعادة ترميم المستشفيات وحفر الآبار.  قُتلوا تحت القصف، وهم يحملون على أكتافهم رسالةً واحدة: "إنقاذ الأرواح". قدموا خدمة مجتمعهم والفئات الضعيفة والمهمشة على حياتهم غير آبهين بآلة البطش والقتل من قبل الاحتلال، وغير مكترثين بماكينة التشويه والتشهير من أذناب الاحتلال.

ورغم كل ذلك، تظل المساعدات تصل ببطء، فالاحتلال يتحكم في كل شريان ينبض في غزة، ويغلق المعابر متى شاء، ليترك الشعب يعاني من الجوع والعطش بلا أمل في الغد، بل ويصنع الفوضى من خلال تمكين عصابات الجريمة المنظمة من الاستيلاء على شاحنات المساعدات واستهداف فرق تأمينها.

وعلى الرغم من الجهود التي تُبذل يوميًا لإغاثة غزة، يبقى العمل الإنساني مشلولًا في مواجهة سيطرة الاحتلال على المعابر. فتح المعابر هو الشريان الذي يُبقي غزة حية، لكن إسرائيل تغلق هذا الشريان متى أرادت؛ لتقطع على الناس حتى الهواء الذي يتنفسونه. ومع كل يومٍ يمر، يتفاقم نقص التمويل، ليزيد من تعقيد الوضع، ويجعل المنظمات عاجزة عن تلبية الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع.

لم يتغير شيء في القطاع منذ عام، على العكس زاد تدهور الأوضاع الإنسانية، وضعفت القدرة الشرائية عند جميع فئات الشعب الفلسطيني رافقه ارتفاع فاحش في أسعار البضائع، إلا أن هناك من قد اعتاد المشهد او استُنزف وبدأ ينصرف عن غزة واحتياجاتها!

اليوم، تأتي الصحة على رأس الأولويات في غزة، فالمستشفيات بحاجة إلى أدوية ومعدات طبية فورية، وإلا سيستمر عدد الضحايا في الارتفاع بشكل مأساوي. الماء والغذاء، وهما أساس البقاء، باتا أيضًا شحيحين. الأطفال الذين كانوا يضحكون ويلعبون في الشوارع، باتوا اليوم يعانون من سوء التغذية، ويواجهون خطر المجاعة، بينما يُمنع عنهم حتى الماء النظيف.

وعليه يجب ضمان دخول الأدوية والمعدات الطبية بشكل عاجل ومستمر عبر ممرات إنسانية محمية من القصف. لا يمكن أن تتوقف الحياة؛ لأن المحتل يريد ذلك. وتوفير المستشفيات الميدانية، حيث يجب أن تكون الأولوية القصوى لتوفير الرعاية الفورية للجرحى والمرضى، في ظل النقص الحاد في البنية التحتية الصحية.

ويجب العمل على تأمين الغذاء والمياه النظيفة وأن يكون على ذلك رأس الأولويات، فكلما تأخر دخول هذه الإمدادات، ازدادت الأزمة الإنسانية سوءًا. يجب أن تعمل المنظمات الدولية على الضغط لإدخال المواد الغذائية بشكل مستمر ودون انقطاع.وعلى جهات إنفاذ القانون في قطاع غزة والعشائر القضاء على عصابات الجريمة المنظمة التي تعترض الشاحنات مهما تطلب الأمر، فلا يمكن الصمت على من يسرق قوت الأطفال، ودواء المرضى، ويحظى برعاية وتأمين الاحتلال.

ختامًا؛ غزة، تلك الأرض الصغيرة التي باتت رمزًا للعالم بأسره، تُعيد كتابة تاريخ الأمة. صمودها في وجه الحصار، تمسكها بالحياة رغم كل الظروف، هي شهادة حية على أن العزة لا تُشترى، وأن المقاومة لا تنكسر. غزة بشعبها الحر الشعلة التي تضيء عتمة العالم، فهم الصوت الذي لا يخبو، وهم الأمل الذي يُبقي الجميع في انتظار الفجر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التی ت الذی ی

إقرأ أيضاً:

أوضاع إنسانية كارثية شمالي قطاع غزة.. وألمانيا تحرّض إسرائيل على قصف المنشآت المدنية

 

◄ حرب إبادة وتجويع لسكان شمال غزة منذ 12 يوما

قصف مركز توزيع مساعدات في جباليا تابع لـ"أونروا"

مطالبات عاجلة بفتح ممر آمن لإنقاذ المنظومة الصحية في شمال القطاع

الأمم المتحدة: تصعيد إسرائيل في الشمال يهدد بقاء السكان على قيد الحياة

"أونروا": عمليات الوكالة في غزة تقترب من الانهيار

الخارجية الألمانية لا تمانع قصف إسرائيل للمنشآت المدنية

استنكار أممي للتصريحات الألمانية حول قصف المنشآت المدنية

"حماس": تصريح وزيرة الخارجية الألمانية "وقح وفاضح"

دعوات للتحقيق مع وزيرة الخارجية الألمانية بسبب تصريحاتها

 

الرؤية- غرفة الأخبار

تتواصل الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في مختلف مناطق القطاع وخاصة في الشمال الذي يتعرض للإبادة الجماعية منذ بدء العملية الإسرائيلية في السادس من أكتوبر الماضي، إذ كثف جيش الاحتلال من قصف المنازل ومدارس الإيواء والمستشفيات، ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية.

واعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مركز توزيع مساعدات في جباليا شمال قطاع غزة تابعا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" جريمة إبادة، موضحة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفت المركز في ظل وجود عدد كبير من المواطنين، معظمهم من النساء وكبار السن، أثناء انتظارهم للحصول على بعض المساعدات، مما أدى لاستشهاد وجرح نحو 40 مواطنا.

وأضافت أن هذا القصف "جريمة صهيونية تأتي في إطار الإبادة المستمرة، وتطبيقا لما تسمى خطة الجنرالات لتهجير شعبنا، التي يسعى الكيان النازي إلى تطبيقها ضد أهلنا في شمال القطاع".

وتابعت أن "هذا القصف الهمجي على منشأة أممية واستخفاف الاحتلال بقتل المدنيين، ومواصلة استهداف العشرات من المقرات والمنشآت الأممية في القطاع، استخفاف صهيوني وتطاول على المجتمع الدولي والأمم المتحدة".

ودعت حماس إلى "تحرك دولي عاجل لوقف إرهاب وعدوان الكيان الصهيوني الذي يهدد السلم والأمن الدولي، بجرائمه وانتهاكاته الفظيعة للقانون الدولي، وكافة الأعراف الإنسانية والدولية".

بدوره، طالب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، بفتح ممر آمن "بشكل فوري وحقيقي" لإنقاذ المنظومة الصحية شمال القطاع، التي "تمر بوضع كارثي وغير مسبوق" بسبب عدوان جيش الاحتلال.

وفي ظل هذه التصعيدات الخطيرة، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في كلمة بجلسة عقدت في الجمعية الاتحادية الألمانية، إن "الدفاع عن النفس يعني بالطبع تدمير الإرهابيين، وليس مهاجمتهم فقط"، زاعمة أن حماس تختبئ في التجمعات المدنية والمدارس.

واستنكرت المفوضة الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، هذه التصريحات قائلة: "بصفتي خبيرا مستقلا تابعا للأمم المتحدة فإنني قلقة بشدة من الموقف الذي تتخذه ألمانيا تجاه إسرائيل وفلسطين وما يحمله من تداعيات خطيرة وعواقب".

وأضافت: "يجب على الوزيرة تقديم الأدلة على ما تدعيه، ثم توضيح كيف يبرر فقدان الأهداف المدنية للحماية المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة وأماكن أخرى، وإذا قررت ألمانيا الوقوف إلى جانب دولة ترتكب جرائم دولية فهو اختيار سياسي لكنه يحمل أيضًا تبعات قانونية".

ودعت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، الأربعاء، إلى فتح تحقيق ضد وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، من قبل المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية تبريرها جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين، واصفة تصريحاتها بـ"الخطيرة".

كما انتقدت حماس تصريح وزيرة خارجية ألمانيا بشأن عدم ممانعة حكومتها من استهداف إسرائيل للمدنيين والمستشفيات، ووصفته بأنه "تصريح وقح وخرق فاضح لاتفاقية 1948 لمنع الإبادة الجماعية واعتراف صريح بالمشاركة في دعم الاحتلال".

وأكدت الحركة أن تصريح الوزيرة الألمانية "غطاء لجيش الاحتلال الصهيوني لارتكاب مزيد من جرائم الإبادة الجماعية ضد شعبنا".

وحذر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من أن الوضع في شمالي غزة "كارثي"؛ حيث لا تعمل سوى 3 مستشفيات، بينما تكثف إسرائيل من عملياتها العسكرية.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن التصعيد في الشمال "يقوض بشدة قدرة الناس على الوصول إلى وسائل البقاء على قيد الحياة".

وأضاف أن شركاء الصحة التابعين للأمم المتحدة أفادوا بأن المستشفيات الثلاثة "تعاني من نقص شديد في الوقود والدم ومستلزمات الإصابات والأدوية".

وأشار دوجاريك إلى أن منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة حذرت من أن "مستشفى كمال عدوان لا يزال مثقلاً؛ حيث يستقبل بين 50 و70 مصاباً جديداً كل يوم".

بدوره، قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني، إن عمليات الوكالة في قطاع غزة تقترب من نقطة الانهيار، بسبب تزايد الظروف المعقدة.

وأضاف خلال مؤتمر صحافي في برلين: "لن أخفي حقيقة أننا قد نصل إلى نقطة لن نتمكن بعدها من العمل، نحن نقترب جداً من نقطة الانهيار المحتملة. متى ستكون؟ لا أعرف، لكننا قريبون جدّاً من ذلك".

وذكر أن الوكالة تواجه مزيجاً من التهديدات المالية والسياسية لوجودها، إضافة إلى الصعوبات التي تتعرض لها العمليات اليومية، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى المساعدات في مواجهة خطر المرض والمجاعة.

وحذّر من أن هناك خطراً حقيقياً من احتمال حدوث مجاعة أو سوء تغذية حاد، مع اقتراب فصل الشتاء وضعف أجهزة المناعة لدى السكان.




 

مقالات مشابهة

  • وزير التموين يؤكد أهمية التعاون مع المؤسسات الدولية بشأن استيراد السلع الأساسية
  • أوضاع إنسانية كارثية شمالي قطاع غزة.. وألمانيا تحرّض إسرائيل على قصف المنشآت المدنية
  • تفاصيل جديدة تكشف عن ظروف استشهاد الأسير محمد موسى في سجون الاحتلال
  • الاحتلال يغلق معابر غزة لليوم الـ 163 التوالي وتحذيرات من كارثة إنسانية شاملة في القطاع
  • ختام البطولة الدولية لمصارعة الاستسلام (ADCC) بنادي الجزيرة
  • وزير المالية: تعظيم التعاون مع المؤسسات الدولية لدعم المشروعات التنموية
  • هيئة الأسرى: ظروف مأساوية يعيشها المعتقلون في سجن "جلبوع "
  • متورطون سرًا في صفقات قاتلة.. ما قصة بنوك التسليح الدولية التي تموّل نتنياهو؟
  • المرأة الجديدة تنظم ورشة حول حقوق النساء في الأرض والآليات الدولية للدفاع عنها