تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تواجه أوروبا أزمة متصاعدة فى ندرة المياه، حيث يؤثر هذا التحدى على خمس أراضى الاتحاد الأوروبي، ويعانى نحو ثلث سكان القارة من تأثيراته سنويًا. ووفقًا لتقرير الوكالة الأوروبية للبيئة، فإن الضغط المتزايد على الموارد المائية يهدد قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة، فيما تعانى ما يصل إلى ثلثى المسطحات المائية من حالة بيئية سيئة.

تُعد أوروبا أسرع قارة فى العالم من حيث ارتفاع درجات الحرارة، ويعود ذلك جزئيًا إلى قربها من القطب الشمالي. إذ يؤدى ذوبان الجليد إلى كشف الأرض الداكنة التى تمتص الحرارة، مما يزيد من تسارع الاحترار العالمي. ونتيجة لهذه الظاهرة، شهدت أوروبا زيادة كبيرة فى الأحداث المناخية المتطرفة، بما فى ذلك الفيضانات والجفاف، التى أصبحت أكثر تواترًا وفتكًا. يؤدى الضغط المتزايد على إمدادات المياه إلى تهديد الصناعات الكبرى مثل المنسوجات والزراعة، التى تعتمد بشكل كبير على المياه. وتواجه هذه القطاعات تحديات كبيرة فى ظل ارتفاع درجات الحرارة وتزايد فترات الجفاف.

إلى جانب ندرة المياه، يعانى الاتحاد الأوروبى من تلوث واسع النطاق لمسطحاته المائية. وفقًا لتقرير الوكالة، فإن ما يقرب من ثلثى المياه السطحية، مثل البحيرات والأنهار، ليست فى حالة بيئية جيدة. وتتصدر دول مثل السويد وألمانيا وبولندا قائمة الدول الأكثر تضررًا نتيجة هذا التلوث. أحد الأسباب الرئيسية لتدهور جودة المياه فى أوروبا هو الزئبق المنبعث من محطات الطاقة التى تعمل بالفحم، وكذلك المبيدات الحشرية المستخدمة فى الزراعة، والتى تصل إلى مصادر المياه.

هذا التلوث يعمق أزمة المياه، ويضع النظام البيئى الأوروبى فى خطر. فى يوليو الماضي، وفى ذروة أزمة إمدادات المياه خلال الصيف، كتب وزراء البيئة فى ٢١ دولة من دول الاتحاد الأوروبى خطابًا إلى المفوضية الأوروبية، طالبوا فيه باتخاذ "إجراءات ملموسة" لتعزيز الأمن المائى وزيادة القدرة على الصمود أمام التحديات البيئية المتزايدة. تفاقمت الأزمة بشكل خاص فى جنوب أوروبا، حيث اضطرت دول مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا إلى فرض قيود مشددة على استهلاك المياه. فى بعض المناطق الإسبانية، اضطر السكان إلى تقنين استهلاكهم لضمان توفير المياه للسياح والمزارعين، فى حين شهدت الجزر اليونانية والإيطالية حصصًا يومية صارمة.

وتُعد الزراعة القطاع الأكبر استهلاكًا للمياه فى الاتحاد الأوروبي، حيث تستخدم نحو ٥٩٪ من إمدادات المياه، مقارنة بـ ١٣٪ للأسر والخدمات. وعلى الرغم من الإجهاد المائى المرتفع، إلا أن استهلاك المياه للرى الزراعى زاد بنسبة ٨٪ منذ عام ٢٠١٠ فى جنوب أوروبا. وتشير هذه الأرقام إلى الحاجة الماسة لتغيير الممارسات الزراعية لتقليل استخدام المياه والتكيف مع تحديات المناخ المتزايدة. كما يُعد تحسين إدارة الموارد المائية جزءًا أساسيًا من الحلول الممكنة لتخفيف آثار الأزمة.

مع استمرار ارتفاع الضغوط على الموارد المائية، من المتوقع أن تتفاقم الأضرار الاقتصادية المرتبطة بالأحداث المناخية. فى عام ٢٠٢٢، تسببت موجات الجفاف والحرائق فى أضرار تقدر بنحو ٤٠ مليار يورو فى الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لتقديرات مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية، فإن الأضرار المباشرة الناجمة عن الفيضانات قد تزيد بمعدل ستة أضعاف بحلول عام ٢١٠٠.

لتجاوز هذه التحديات، قدّر تقرير منفصل نشرته هيئة المياه الأوروبية الحاجة إلى استثمار ٢٥٥ مليار يورو فى البنية التحتية للمياه على مدار السنوات الست المقبلة. هذا الاستثمار ضرورى لضمان امتثال الدول الأوروبية لمعايير الاتحاد الأوروبى المتعلقة بالنظافة وإمدادات المياه. بينما تواجه أوروبا تحديات متزايدة تتعلق بندرة المياه وتغير المناخ، يبدو أن الحل يكمن فى الاستجابة السريعة من خلال تحسين إدارة الموارد المائية، والاستثمار فى البنية التحتية، وتعديل السياسات الزراعية لتقليل استهلاك المياه. بدون تحرك عاجل، ستظل القارة الأوروبية عرضة لأضرار بيئية واقتصادية كبيرة فى المستقبل القريب.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أوروبا الاتحاد الأوروبي المياه الفيضانات الجفاف الموارد المائیة استهلاک ا

إقرأ أيضاً:

جغرافيا المياه في أفريقيا.. ثروة وتوترات ونزوح

من نافذة الطائرة وعلى امتداد البصر إذا ما ارتحلت في سماء أفريقيا، يمكنك رؤية مجاري الأنهار مثل الشرايين تتدفق داخل الحدود الجغرافية وتتجاوزها أحيانا لترسم لوحة للحياة من دول المنبع إلى دول المصب، بيد أنه بالنظر من قرب إلى الخريطة السياسية لأفريقيا، ثاني أكبر قارة في العالم، لن تخطئ العين نقاطا سوداء تتناثر في أرجاء القارة، تشير الى بؤر نزاعات وصراعات وتوتر، بعضها مدفوع باهتمام غربي للاستحواذ على الموارد النادرة على حساب "دماء الأفارقة" حسب ما يقول محللون، بينما يرتبط بعضها الآخر بانعدام الأمن المائي والغذائي.

تغير مناخي وسوء إدارة

ثنائية المياه والمعادن النادرة ليست وحدها ما يرسم معاناة أفريقيا، فالقارة الأم كما يسميها كثيرون ترزح تحت وطأة مزيج قاس من تغير المناخ وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع في قارة تحتل نسبة كبيرة من الموارد الطبيعية في العالم، القابلة للتجديد وغير المتجددة.

وتملك القارة، حسب ما يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 8% من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي و12% من احتياطي النفط العالمي و40% من الذهب و80 إلى 90% من الكروم والبلاتين، وأكبر احتياطي من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك القارة 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم بما يكفي لإطعام 9 مليارات نسمة و10% من مصادر المياه العذبة الداخلية المتجددة.

لكن مع ذلك، يقدّر خبراء أن أكثر من 500 مليون شخص في 19 دولة يواجهون انعدامًا شديدًا في الأمن المائي، في حين يفتقر حوالي 340 مليون أفريقي إلى مياه الشرب النظيفة. هذا الرقم يعدّ ضخما، خاصة عند أخذ تعريف الأمم المتحدة للأمن المائي بأنه "قدرة السكان على الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه للحفاظ على سبل العيش وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية". ويصبح غياب المياه أو ندرتها من أهم مسببات الصراعات، سواء داخل الدول أو عبر الحدود.

ومن منظور الأمم المتحدة، لا يقتصر الأمن المائي على كمية المياه المتاحة في بلد معين، بل يشمل أيضًا كيفية إدارة هذه الموارد لضمان تلبية احتياجات السكان من مياه الشرب الآمنة وتوفير المياه اللازمة للنشاطات الاقتصادية.

عنف على خلفية الموارد

سجلت القارة الأفريقية بين عامي 2022 و2023 ارتفاعًا بنسبة 34% في حوادث العنف المرتبطة بموارد المياه، وفقًا لمركز العلوم والبيئة في الأمم المتحدة. وتصدرت أفريقيا قارات العالم في عدد النزاعات والصراعات المتعلقة بمصادر المياه، بحسب تقرير حالة البيئة في أفريقيا لعام 2024. كذلك شهدت القارة 1800 نزاع داخلي متعلق بمصادر المياه بين الأعوام 1989 و2011. هذه الأرقام المفزعة تضاف إلى واقع قاس يتمثل في افتقار حوالي 340 مليون شخص في أفريقيا إلى مياه الشرب النظيفة.

منظر جوي لوادي النيل (رويترز)

تشترك الدول الأفريقية بحوالي 85% من مصادر المياه من الأحواض النهرية، ويعبر ثلث الموارد المائية العذبة في القارة الحدود بين أكثر من دولة، كما تتشارك أكثر من دولة في 106 طبقات مياه جوفية. ورغم ذلك، تشير الأمم المتحدة إلى أن الدول المعنية لا تزال غير قادرة على تحقيق التعاون المطلوب لإدارة هذه الطبقات المائية، مما يجعل المياه من أخطر عوامل التوتر، وفقًا لتحذيرات خبراء اليونيسكو. وتؤكد المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي أن "الحفاظ على السلام يتطلب التحرك بسرعة لحماية الموارد المائية وتعزيز التعاون الإقليمي والعالمي في هذا المجال".

ويقدر مركز العلوم والبيئة الأممي أن الإجهاد المائي الناجم عن تغير المناخ واستنفاد مصادر المياه سيؤدي إلى تهجير مليون أفريقي بحلول عام 2030، مع انخفاض متوقع في إنتاج الغذاء يراوح بين 6% و14% بحلول عام 2050.

جغرافيا التوترات المائية

تقول الأمم المتحدة إن الإدارة الرشيدة للموارد المائية الوطنية والتعاون عبر الحدود تعدّ ركنا أساسيا لاستعادة الأمن المائي المفقود. ولكن أفريقيا، الغنية بالمياه، لا تزال تفتقر إلى رؤية قارية متماسكة تضمن تناغما في حماية الموارد المائية واستغلالها. وتعد أحواض الأنهار من أخطر رقع التوتر، من النيل حتى حوض نهر السنغال، مرورا بمنطقة البحيرات الكبرى إذ يخيم عدم اليقين في دول المنابع والمصبات.

صيادون على شاطئ بحيرة فيكتوريا بأوغندا (الجزيرة)

نهر النيل: فتيل التوتر الأخطر في القارة، تتأثر به دول المنبع والمصب من مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا إلى كينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية. ويمثل التوتر بين القاهرة وأديس أبابا مثالا على الوضع الحرج الذي يمكن أن تسلكه صراعات المياه في القارة.

بحيرة فيكتوريا: تواجه دول حوض البحيرة، كينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية، تحديات في إدارة الموارد المائية المشتركة، مع تزايد نشاطات التعدين والتصنيع والمجموعات المسلحة.

نهر النيجر: تزيد موجات الجفاف التي تتأثر بها القارة من تحديات تقاسم المياه لا سيما في فترات الجفاف الناتجة عن الطقس المتطرف، وتتأثر مالي والنيجر ونيجيريا وبنين وبوركينا فاسو وتشاد.

أشجار في منطقة الجدار الأخضر العظيم للصحراء والساحل في السنغال (رويترز)

بحيرة تشاد: تقلصت البحيرة بسبب التغيرات المناخية وعوامل تتعلق بإدارة الموارد ترافقت مع نزاعات بين دول البحيرة من تشاد والنيجر إلى نيجيريا والكاميرون. ويقول معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي إن حالة البحيرة تعد نموذجا دالا على خطورة انحسار مصادر المياه. ويهدد الانكماش الهائل الذي يصيبها مصدر رزق 30 مليونا من المزارعين والصيادين الذين يعتمدون عليها.

حوض نهر الليمبوبو: دول حوض النهر من جنوب أفريقيا وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق تشهد توترات ونقصا حادا في المياه لا سيما خلال فترات الجفاف.

حوض نهر السنغال: الذي عانى طويلا من فقدان التوزيع العادل للمياه الذي أدى إلى نشوب توترات بين دول الحوض من السنغال إلى موريتانيا ومالي وغينيا.

وبحسب البنك الدولي، توصلت الدول المعنية إلى مشروع لإعداد "معادلة لتقاسم تكاليف مشاريع إنمائية" تتيح الاستفادة من الموارد وتوزيعها بين الدول.

تجارب ناجحة

في مقابل خارطة التوتر، يمكن رسم خارطة ربما تشي بوضع أكثر استقرارا، فالصورة ليست قاتمة بشكل كلي، إذ يقول البنك الدولي إن مجموعة من المشاريع في أفريقيا قد تكون بصيص أمل ترسم ملامح توافقات أوسع.

فقد توصلت بوروندي ورواندا وتنزانيا إلى إنجاز مشروع "شلالات روسومو الإقليمي للطاقة الكهرومائية" الواقعة على نهر كاجيرا على الحدود بين الدول الثلاث، والذي سيوفر طاقة بنحو 80 ميغاواتا سنويا ستقتسمها الدول الثلاث بالتساوي، وهو مشروع استغرق تنفيذه بالكامل قرابة عقد.

ندرة المياه والتغير المناخي
الجفاف أضرّ بمزرعة مصرية كانت تروى سابقا من النيل (رويترز)

وفي مقابل نقاط الأمل القليلة، توسعت مصاعب أفريقيا مع اشتداد حدة التغييرات المناخية، وما يستتبع ذلك من موجات جفاف حادة في مناطق وفيضانات في مناطق أخرى. فقد حذرت الأمم المتحدة من أن ملايين الأشخاص في أفريقيا جنوب الصحراء يعانون من الجوع بسبب ما وصفته "بالجفاف التاريخي". وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي تومسون فيري "لقد أدى الجفاف التاريخي إلى أسوأ أزمة غذائية حتى الآن في القارة، ودمر حياة أكثر من27 مليون شخص"، بينما يعاني نحو 21 مليون طفل من سوء التغذية. وقد دفعت موجات الجفاف السلطات إلى اللجوء لإجراءات كان يستحيل التفكير فيها، فبعد أن قضى الجفاف على 70% من المحاصيل الزراعية في زامبيا و80% من غلة زيمبابوي اضطرت السلطات إلى إطعام السكان لحوم الفيلة.

المناخ المتطرف عمّق من حجم أزمة القارة، فازدادت موجات النزوح الداخلية، إذ يقدر مركز رصد النزوح العالمي أن عدد النازحين داخليا في أفريقيا بنهاية عام 2022 بلغ نحو 7.4 ملايين نازح.

مقالات مشابهة

  • جغرافيا المياه في أفريقيا.. ثروة وتوترات ونزوح
  • التغيرات المناخية تهدد موسم التزلج بأوروبا.. ماذا يحدث في القارة العجوز؟
  • من النخيل إلى الرمال.. كيف يدمر تغير المناخ اليمن الأخضر
  • الأمم المتحدة تكشف تفاصيل ندرة موارد المياه في أفريقيا
  • "سويلم": قطاع المياه بإفريقيا يواجه تحديات ندرة المياه وتأثيرات تغير المناخ
  • مسؤولة يونانية تتهم الاتحاد الأوروبي بالفشل في التعامل مع قضية الهجرة في ظل الحرب وتغير المناخ
  • تحديات منتجعات التزلج الأوروبية في مواجهة الطقس الدافئ وتغير المناخ
  • دولة عربية تواجه الجفاف باستثمار 5.4 مليار دولار في تحلية المياه
  • البيئة الأوروبية تحذر من تحديات إمدادات المياه بسبب تغير المناخ