الثورة نت/..

نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية الخميس 14 ربيع الآخر 1446هـ/ 17 أكتوبر 2024م.

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

بعد عامٍ كامل، وإذ نحن في الشهر الأول من العام الثاني للعدوان الإسرائيلي الهمجي الوحشي على قطاع غزة، وما يفعله العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ويرتكبه ضده من الجرائم الفظيعة في الضفة الغربية، وفي القدس، وفي أنحاء فلسطين بشكلٍ عام، والانتهاكات المستمرة والمتكررة ضد المسجد الأقصى والمقدسات، وصولاً إلى ما قام به العدو الإسرائيلي، من شن عدوانٍ كاملٍ وشامل ضد لبنان، والاعتداءات المستمرة على سوريا، وكذلك ما قام به العدو الإسرائيلي من اعتداءات ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، ومجريات الأحداث اليومية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، من جرائم الإبادة الجماعية التي يتفنن فيها العدو، وكذلك ما يفعله في لبنان بنفس الطريقة التي يمارسها في قطاع غزة، من الاستهداف الشامل لكل الناس: للمدنيين، للأطفال، للنساء، للرجال، للمصالح العامة… وغير ذلك، كل هذا يفترض بكل إنسانٍ- ولاسيَّما للمسلمين بشكلٍ خاص، والمجتمع البشري بشكلٍ عام- أن يكون قد بلغ إلى درجةٍ عاليةٍ من الوعي بحقيقة ما يجري، وخلفيات ما يجري، وما يسعى له الأعداء مما يفعلونه، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، والمسلمون بشكلٍ خاص، وفي المقدمة العرب، هم المعنيون أكثر بذلك؛ لأنهم هم المستهدفون بالدرجة الاولى من كل ما يقوم به العدو الإسرائيلي.

الجرائم الرهيبة جداً، وكذلك ما ترافق معها، وما يتعلق بها من المواقف الدولية والإقليمية وغير ذلك، هي كفيلةٌ بأن تصنع لكل إنسانٍ متابعٍ لهذه الأحداث أعلى مستوى من الوعي، وأن ترتقي به إلى أعلى درجةٍ من الوعي والبصيرة، وهذه مسألة نحتاج إليها حاجةً مُلِحَّة كأمةٍ مستهدفة، تحتاج في مقدمة ما تحتاجه إلى الوعي، الوعي بالأعداء، من هم الأعداء، وكيف هم، وما الذي يفيد في مواجهة خطرهم، والتصدي لخطرهم، الخطر الكبير جداً على الأمة في كل شيء: في دينها، ودنياها، وحياتها، واستقرارها، وأمنها… وغير ذلك، وكذلك ما الذي يمكن أن يفيد هذه الأمة في التصدي لذلك الخطر، الذي رأينا كيف هو، على أبشع درجة، على أسوأ مستوى، إجرام رهيب جداً، يستهدف الجميع بلا استثناء.

العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هل يستثني أحداً من أبناء المجتمع؟ ألم يستهدف الجميع: أطفالاً ونساء، كباراً وصغاراً؟ ألم يستهدف كل أبناء المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، أو توجهاتهم الفكرية، أو حتى طبيعة موقفهم من العدو الإسرائيلي؟ هل أفاد البعض أنه- مثلاً- بصفة إعلامي أو صحفي أو معلم أو طبيب، أو أي فئة من فئات المجتمع؟

العدو الإسرائيلي استهدف الجميع بلا استثناء، وقتل من الجميع، قتل الكبير والصغير، وقتل المرأة والرجل، ضاعت حقوق المرأة، وضاعت حقوق الأطفال، وضاعت كل الحقوق، استهدف المدنيين، ولم يعد يجدي عنوان مدنيين لحمايتهم، استهدف الصحفيين، والأطباء، والصيادلة، وكذلك استهدف المعلمين والطلاب، استهدف كل أبناء المجتمع، المزارع، الفلاح التاجر، استهدف الجميع استهدافاً شاملاً، وبحقدٍ فظيعٍ جداً، وبسلوكٍ إجرامي رهيبٍ جداً، الكل يرى من تلك المشاهد ما فيه الدلالة الكافية على مستوى الإجرام الصهيوني اليهودي.

وهكذا في عدوانه على لبنان، يستهدف كل لبنان، وكل الشعب اللبناني، يستهدف القرى والأحياء السكنية على أبنائها جميعاً بدون تمييز، يستهدف المدنيين، يستهدف كل المنشآت الخدمية، يستهدف حتى المسؤولين عن الجانب المدني والإنساني، كما هي جريمته في النبطية باستهدافه للجنة القائمة على الاهتمام بالنازحين، مسؤولي البلدية وغيرهم ممن يهتمون بالنازحين، يستهدف الجميع، عداء، وحقد، وإجرام شامل، ليس فيه استثناءات تجاه أحد.

برز اليهود كما ذكر الله عنهم في القرآن الكريم، وتجلَّت حقيقتهم في الواقع كما ذكرها الله في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، برزوا هم الأشد عداوةً، والأشد حقداً، وهم يتحركون وفقاً لذلك، وبما هم عليه من إجرام وطغيان، وعدم احترام لحق البشر في الحياة، ولا لأي حقوق متعارف عليها لدى البشر.

هكذا هم الأعداء، بذلك الرصيد الإجرامي، والوحشية والعدوانية، التي تكفي أن تصنع لدى الإنسان- وهي يومية على مدى عام وأكثر- أن تصنع للإنسان وعياً كافياً، وإلَّا فإذا لم نستفد هذا الوعي مع ما قد ذكره الله عنهم في القرآن الكريم، في آيات كثيرة جداً، مئات الآيات القرآنية، في سور عديدة في القرآن الكريم، إذا لم ينفع كل ذلك، لا القرآن الكريم، لا كلام الله ولا آياته، ولا هذه الوقائع والأحداث الرهيبة جداً اليومية، إذا لم يكف ذلك لصناعة الوعي لدى الإنسان، فمعنى ذلك: أنه يعيش حالة التيه، وأنه سيعزز لدى اليهود- نفسهم- القناعة بتصوراتهم تجاه العرب، وتجاه المسلمين، بأنهم أغبياء، وأنهم ليسوا من البشر، وأنهم لا يفهمون، ولا يعون، ولا يعقلون، وأنهم في أسوأ مستوى من الغباء، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً!

تجاه الأحداث هذه أيضاً برزت لنا الحقائق الأخرى: الدور الأمريكي الشريك، وهو شريكٌ بكل ما تعنيه الكلمة للعدو الإسرائيلي، شريكٌ في الإجرام والعدوان والطغيان، وشريكٌ أساسيٌ، لدرجة أنه لولا تلك الشراكة، لولا ذلك الدعم، لولا ذلك المستوى من الدعم الأمريكي والشراكة الأمريكية، لما كان العدو الإسرائيلي استطاع أن يستمر كل هذا الوقت، بهذه الوتيرة، بهذا المستوى من العدوان والإجرام، القنابل التي هي بالآلاف لتدمير المساكن، لقتل المدنيين، لإحراقهم في مخيماتهم، لاستهداف المدارس والمنشآت المدنية، وهي مكتظةٌ بالنازحين، لتدمير الأحياء السكنية والمدن والقرى، هي قنابل قدمتها أمريكا للإسرائيلي ليفعل بها ذلك، ليقتل بها الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، ليستهدف بها المدنيين، قدمت له أفتك القنابل ليقتل بها الأطفال والنساء، وليستهدف أولئك المسلمين العرب، ويسعى من خلال تلك الأسلحة، المصنَّفة بأنها محرمةٌ دولياً، يسعى لإبادتهم، مع التجويع الشديد.

الأمريكي هو شريكٌ للإسرائيلي في الإجرام، شريكٌ له في الأهداف، كلاهما يسعيان لتحقيق أهداف واحدة مشتركة، وبخلفيات أيضاً ومعتقدات هي متقاربة، ورؤية واحدة تجاه العرب، وضرورة إبادتهم، وكذلك التمكين للعدو الإسرائيلي للسيطرة على المنطقة، ما يحتله بشكلٍ مباشرٍ منها، وهي رقعة جغرافية واسعة، يأمل العدو أن يسيطر عليها بكلها تحت عنوان [إسرائيل الكبرى]، وما يسعى له أيضاً من ورائها، فيما عداها من بلدان المنطقة، ليسيطر عليها سيطرةً سياسية، سيطرةً اقتصادية، سيطرةً كاملة، تبقى شعوبها بلا حُرِّيَّة، ولا استقلال، ولا كرامة، وليس لها أيضاً الحق في أن يكون لها وجودها الحضاري المستقل على أساسٍ من دينها وانتمائها للإسلام؛ إنما تكون شعوباً مُسَخَّرة في خدمة الإسرائيلي بما يخدم مصالحه، ومستباحةً له يفعل فيها ما يشاء ويريد، ويطمس هويتها الإسلامية، ويجعل منها العوبة، العوبة يستغلها في كل ما يشاؤه ويريده.

تجلَّى هذا الدور الأمريكي، والدور الغربي معه، الدور لبريطانيا، لألمانيا، لفرنسا، لكبريات الدول الأوروبية، التي وإن قدَّمت أحياناً بعض التصريحات المخادعة؛ نتيجةً لحجم الإحراج، في مقابل الجرائم الرهيبة الفظيعة جداً، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، لكنها تُقَدِّم للعدو الإسرائيلي السلاح، المال، الدعم السياسي، وفي نفس الوقت أيضاً تقدِّم حتى على مستوى التصريحات، تصريحات تبرر له كل اجرامه، وعدوانه، وطغيانه، تصريحات تُعبِّر عن حالة حقد وعداء لهذه الأمة، وعن رؤية مشتركة كما قلنا، رؤية صهيونية، ومعتقد صهيوني، جمع الأنظمة الغربية مع العدو الإسرائيلي اليهودي وفق رؤية واحدة، وتوجهات واحدة، وأهداف واحدة يسعى الكل إلى تحقيقها.

مما هو مهمٌ جداً أن نعيه، وأن نفهمه: أن هذه الأحداث لم تأت بالصدفة، وليست هكذا مجرد أحداث طرأت وتفاجأ الجميع بها؛ إنما هي سلسلة لما قبلها، معاناة الشعب الفلسطيني لأكثر من مائة عام، مائة وخمسة أعوام، جزءٌ منها تحت الاحتلال البريطاني، وبعد ذلك أيضاً الاحتلال الصهيوني اليهودي، وفي كلا هذه الأعوام الطويلة، خمسة وسبعين عاماً من الاحتلال الصهيوني اليهودي، واليهود منذ يومهم الأول ظهروا متوحشين، مجرمين، حاقدين، وفي نفس الوقت يحظون منذ يومهم الأول بالدعم الغربي الواضح جداً، الذي يطلق لهم اليد لارتكاب كل أنواع الجرائم، وفعل ما يريدون للاحتلال، والمصادرة، والاغتصاب، والجرائم المتنوعة: القتل الجماعي، التهجير القسري للملايين، لفعل كل ما يشاؤون وكل ما يريدون، هم فوق القوانين، فوق الأنظمة، وواقع العرب- وفي المقدمة الفلسطينيين- أُمَّة صُودِرَت حقوقها، وأُمَّة إنما يعمل الأعداء على خداعها، خلال كل تلك المراحل التي كان فيها جولات كثيرة على مدى خمسة وسبعين عاماً، جولات كثيرة فيها تصعيد، فيها جرائم وحشية رهيبة جداً، جرائم إبادة جماعية، جرائم فظيعة، فظيعة بكل ما تعنيه الكلمة، يمارس العدو الاسرائيلي فيها وحشيته وعدوانيته، وتجرده من القيم الإنسانية والأخلاقية إلى أسوأ مستوى، أمام كل ذلك كانت تأتي بعد كل فترة جولات معينة، وما يهم الأمريكي، وما يهم دول الغرب فيها، هو: كيف تحقق تلك الجرائم وتلك الاعتداءات، كيف تحقق نتائج لصالح العدو الإسرائيلي، من جولةٍ إلى أخرى، وصولاً إلى هذه الجولة، التي لها أكثر من عام.

هذه الجولة من أهم ما فيها: أنها تجعل هذا الجيل من أبناء العرب والمسلمين، وأبناء العالم، يعرفون ما قد غُيِّب عنهم في المراحل الماضية، والجولات الماضية، ما غُيِّب عنهم في مناهج التعليم الدراسي الرسمي في المدارس والجامعات، ما غُيِّب عنهم في الإعلام، ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية وبكل أنواعها، ما غُيِّب عنهم على مستوى التثقيف والكتب والكتابات، عن جرائم العدو الإسرائيلي، عن عدوانيته، عن اهدافه الخطيرة، عن حقيقة مؤامراته، عن مستوى ما يسعى لتحقيقه، يظهر من جديد، يرى هذا الجيل، يرى ما غيب عنه، ويسمع ما غب عن في الماضي، يراه بالصوت والصورة، يراه في وسائل الإعلام، يرى الجرائم الفظيعة، يرى التجويع الرهيب، والتي قد تكون أيضاً بأكثر من ما قد مضى في أي جولة من الجولات الماضية، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً.

وكذلك من كان قد نسي، من الجيل الماضي، من أبناء الجيل الماضي، الذين قد نسي الكثير منهم ما حصل سابقاً، ليتذكر الجميع بهذه الأحداث، ما هو هدف هذا العدو؟ ما هي توجهاته؟ ماذا يسعى له؟ كيف هي وحشيته؟ كذلك تجلى للجميع أنه لا أمم متحدة، ولا مجلس أمن، ولا منظمات دولية، ولا محاكم دولية، ولا أعراف، ولا قوانين، ولا أي شيء يمكن أن يدفع خطر ذلك العدو، سوى أن تنهض هذه الأمة المستهدفة، هي بنفسها بمسؤوليتها، الإنسانية، والإسلامية، والأخلاقية، أن تتحرك وفق ذلك لدفع الخطر عن نفسها.

رأينا ثمرة الصمود، وتماسك الأخوة المجاهدين في قطاع غزة، وكذلك الأخوة المجاهدين في حزب الله في لبنان، صمودهم، وثباتهم، وتماسكهم، وفاعلية عملهم، وموقفهم، وثباتهم، واستبسالهم في التنكيل بالعدو، بالرغم من الخذلان الهائل جداً من محيطهم العربي والإسلامي، بل من تواطئ البعض في هذا المحيط العربي والإسلامي لصالح العدو، وكيف أن العدو إنما يلجأ إلى الإجرام الجماعي، إمَّا إلى الاغتيالات، وإمَّا إلى القتل الجماعي للمجتمع، للناس، للأهالي، للأطفال، للنساء؛ أمَّا في ميدان المواجهة، فنرى أنه حتى على مستوى القدرات المحدودة جداً، لأعداد محدودة للآلاف من المجاهدين، كيف كانت ذات تأثير على العدو، كيف ظهرت تلك المجاميع، أولئك المجاهدون كيف ظهروا بفاعلية، بقوة، بتماسك، بثبات، وألحقوا الخسائر الكبيرة بالعدو، لنعرف فعلاً جدوائية الجهاد وثمرته، كيف لو حظي أولئك المجاهدون بالدعم اللازم من هذه الأمة المتخاذلة؟ كيف لو انطلق المزيد ايضاً وتعاونوا؟ كيف لو تحركت هذه الأمة وفق ذلك الخيار، الذي لا يجدي إلا هو، وهو خيار الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؟

على كُلٍّ، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يريد لنا كمسلمين أن نكون على درجةٍ عاليةٍ من الوعي؛ ولـذلك تحدث في القرن الكريم حديثاً واسعاً عن عداء هذه الأمه، عن اليهود أنفسهم، عن فريق الشر، والغدر، والظلم، والإجرام، والكفر، من أهل الكتاب، وبيَّن لنا ما فيه الكفاية عنهم، وعمَّا يفيد في مواجهتهم، وقال “جَلَّ شَأنُهُ” في هذا السياق: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]، فهو أخبرنا عنهم؛ حتى لا نكون أغبياء، ننظر إليهم نظرة غير صحيحة، نظرة المنخدعين بهم، وكذلك قَدَّم لنا الحلول التي تفيدنا في دفع خطرهم، والتصدي لشرهم، والواقع بكل ما فيه هو يقدِّم الشواهد الكثيرة جداً بما ذكره الله عنهم في القرآن الكريم.

الإجرام اليهودي الصهيوني في الشهر الأول للعام الثاني، في عدوانه الوحشي على قطاع غزة، مستمرٌ في جرائم الإبادة الجماعية، كما في العام الماضي المنصرم، يستمر العدو الإسرائيلي بكل وحشية، بكل إجرام، في الاستهداف للنازحين، في مراكز الإيواء، في المدارس، في خيمهم، يستهدفهم بما تزودهم به أمريكا من قنابل مُدَمِّرة وحارقة، يستهدفهم في خيمهم القماشية، التي هي من النايلون، يستهدفهم بالقنابل الحارقة؛ لإحراق الأطفال، والنساء، والشيوخ، لإحراق النازحين في تلك الخيام، في إبادة جماعية، كما فعله في (مستشفى دير البلح)، عندما استهدفهم بالقنابل الحارقة، وأحرق ما يقارب ثلاثين خيمة على من فيها من النازحين، واستمر الاحتراق قرابة ساعةٍ كاملة، كذلك الاستهداف لهم في المدارس ومراكز الإيواء كما في دير البلح أيضاً.

أيضاً العدوان البربري، الوحشي، الفظيع، الإجرامي، على شمالي قطاع غزة، وبات من الواضح أن العدو يسعى إلى أن يستأصل أبناء الشعب الفلسطيني في شمال القطاع، يسعى للإبادة الجماعية وللتهجير القسري، يقوم بجرائم متنوعة، منها: التدمير والنسف لكل المباني، أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية- كما في الإحصائيات التي وصلتنا- قام العدو الإسرائيلي بتدميرها في شمال القطاع، يستخدم ليس فقط القنابل التي يلقيها من الطائرات، القنابل الأمريكية والأحزمة النارية، بل استخدم أيضاً البراميل المتفجرة، والروبوتات المُدمِّرة، التي يستخدم فيها الأطنان من المتفجرات؛ للنسف الكامل للمنازل وللبيوت، يحاول ألَّا يبقى في شمال القطاع أي معالم للحياة أبداً، وألَّا تبقى أرضاً صالحةً للاستقرار فيها، والحياة عليها، والسكن فيها.

كذلك القتل الجماعي، القتل في المنازل، والقتل حتى في الشوارع والطرقات، حتى عندما يتَّجه البعض من الأهالي للنزوح، وهو يسعى لتهجيرهم قسرياً، وإلى إجبارهم من الخروج من شمال قطاع غزة، حتى من يخرج منهم يستهدفهم في الشوارع، ويستهدفهم في الطرقات، إلى درجة أنه لم يتمكن لم يتمكن الناس من إنقاذ الجرحى في الطرقات، ولا من انتشال الجثامين من الشوارع، فبقيت الجثامين منتشرةً في الشوارع، يسعى أيضاً لمنع الغذاء والماء عنهم؛ حتى يميتهم بالظمأ والجوع، وبشكلٍ وحشيٍّ وإجراميٍّ، أمام مرأى ومسمع من كل دول العالم.

بهذه الوحشية والإجرام نرى الوضع المأساوي جداً في شمال قطاع غزة، وفي شمال القطاع المأساة الأكبر أيضاً في (مخيم جبالها)، القتل الجماعي، التدمير الرهيب، التعذيب بالجوع والعطش… وغير ذلك، والمعاناة هي في كل قطاع غزة، لكنّها في شمال القطاع أكثر، وفي (مخيم جباليا) تظهر بشكلٍ أكبر. يركِّز على الاستهداف للمستشفيات، ويستهدفها بشكلٍ متكرر، وإذا أُعيد تشغيل مستشفى مُعَيَّن للضرورة، فهو يعود إلى استهدافه من جديد، وإلى منع تقديم الخدمات الطبية، وإلى إخراج حتى الأطفال من الحَضَّانات، يستهدف الجميع بكل وحشية، بكل إجرام، وكل ذلك يتم بدعمٍ ومشاركةٍ أمريكية، وتأييدٍ غربي، ودعمٍ غربي، ومساندة غربية.

ولــذلك يعتبر الوضع الآن في شمال القطاع عار على المجتمع البشري، وعار في المقدمة على الأمة الإسلامية، التي مهما تفاقم الوضع، ومهما كبرت المأساة، ومهما اشتد الظلم والمعاناة، التي يعانيها الشعب الفلسطيني، لا تتحرك أكثر، ولا يتغير الواقع تجاه ما يقوم به الأنظمة في العالم الإسلامي، روتين استمروا عليه، وأصبحوا في حالة شبه حالة اعتيادية، وكأن ما يجري هناك شيءٌ عادي، يسكتون عنه، أو يطلقون البعض من البيانات والتصريحات، أو القمم؛ لكن دون أي خطوات عملية جادَّة، حتى في الحد الأدنى، حتى في الحد الأدنى.

مع كل ذلك، فالإخوة المجاهدون في قطاع غزة ثابتون، ومستمرون في عملياتهم البطولية، المُنَكِّلة بالعدو، كتائب القسام نفَّذت ما يقارب (خمسة وثلاثين عملية)، استهدفت بها آليات العدو وقواته الراجلة، في عددٍ من الأماكن والمحاور، في مختلف محاور القتال في قطاع غزة، سرايا القدس أيضاً قصفت بالصواريخ إلى المغتصبات التي في محيط قطاع غزة، التي يطلق عليها [مستوطنات غلاف غزة]، بقية الفصائل المجاهدة أيضاً لها إسهاماتها وعملياتها التي أعلنت عنها.

وهناك دلالة مهمة على استمرار هذه العمليات، لثبات وتماسك المجاهدين في قطاع غزة، بالرغم من مرور عام كامل من الدمار، والقتل، والحصار الشديد، وبالرغم من أنهم يعانون من الخذلان العربي والإسلامي في معظمه، على مدى كل هذه السنوات الماضية، لأكثر من عشرين عاماً، لكن مع كل ذلك نراهم فيما هم عليه من ثبات، من تماسك، من صمود، من فعل وعمل، ومعنى ذلك: أن هذا الخيار هو خيار فعَّال، ومتاح، ومؤثِّر، وممكن، ولا خيار في الواقع يمكن أن يجدي إلا هو.

العرب جربوا التنازلات كثيراً، جربوا الاستجداء للسلام حتى من الأمريكي، الذي هو شريكٌ للإسرائيلي حتى في الأهداف نفسها، في الأهداف التي يريدها العدو الإسرائيلي، في أن يكون هناك ما يسمى إسرائيل الكبرى، وأن تكون هي المسيطرة على العالم العربي بشكلٍ كامل، هذا هو هدف أمريكي، وليس مجرد هدف إسرائيلي، ومع كل ذلك كم استجدى العرب السلام من أمريكا، ومن أوروبا، واستجدوه من الأمم المتحدة، ومن مجلس الأمن، على مدى عقود من الزمن، وفي جولات بعد جولات؛ ولكن حالهم هو كما عبَّر عنه القرآن الكريم: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}[الرعد:14]، ضياع وسراب ووهم.

فثبات الإخوة المجاهدين هو ثباتٌ مهم، له دلال مهمة؛ ولــذلك على العرب مسؤولية كبيرة في أن يدعموهم، كل أشكال الدعم: الدعم العسكري، الدعم المادي، الدعم الإعلامي، بدلاً من أن تُسَخِّر بعض الأنظمة العربية إعلامها لخدمة العدو الإسرائيلي، واجبها أن تُوَجِّه إعلامها لدعم المجاهدين في قطاع غزة، الإسناد بكل أشكاله.

لو حصل وتوفر الدعم العربي اللازم للشعب الفلسطيني ولمجاهديه، لكان الوضع مختلفاً عمَّا هو عليه، نحن نرى مستوى الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل، ونرى في المقابل مستوى التخاذل العربي تجاه الشعب الفلسطيني، لو أن العرب قدَّموا للشعب الفلسطيني بأقل حتى مما يستهلكونه في أمورهم العبثية، لكان الشعب الفلسطيني الآن في مستوى متقدم في موقفه، وتماسكه، وفعله، وتأثيره؛ ولكنَّ حالة التخاذل هي حالة واضحة.

فيما يتعلق بجبهة لبنان، التي انتقلت من جبهة إسناد إلى ما هو أكثر، إلى جبهة أساسية، العدو الإسرائيلي أعلن عدوانه الشامل على لبنان، واتَّجه على مستوى القصف، بتكثيف القصف على لبنان؛ ليشمل معظم لبنان، وصل القصف حتى إلى بيروت، وتكرر القصف على بيروت؛ أمَّا الضاحية فهو يستهدفها بشكلٍ مكثفٍ جداً، يستهدف المناطق، الأحياء السكنية، القرى، المساكن في جنوب لبنان، في شمال لبنان، في شرق لبنان، في مختلف انحاء لبنان، وأيضاً يشن حرباً إعلامية، نفسية، سياسية، مع الأمريكي جنباً إلى جنب؛ بهدف خلخلة الجبهة اللبنانية من الداخل، واثارة الفتن في الداخل اللبناني، وتحريك بعض الجهات السياسية في داخل لبنان؛ بهدف الابتزاز من خلال الوضع الراهن، والضغط الذي يمارسه العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان؛ بهدف تغيير الوضع السياسي في لبنان.

أهداف العدو الإسرائيلي تجاه لبنان هي أهداف واضحة، العدو الإسرائيل يُشَكِّل خطراً وتهديداً حقيقياً للبنان منذ زمنٍ طويل، منذ بدء تكوين العدو الإسرائيلي، وبناء كيانه المحتل الغاصب، ومنذ بدء توافد العصابات الصهيونية في فلسطين، وهي تشكل تهديداً للبنان، ضمن المعتقدات الإسرائيلية، ضمن الثقافة الإسرائيلية، ضمن الخطط الإسرائيلية، والأهداف الإسرائيلية، لبنان مستهدفٌ، والعدو الإسرائيلي طامعٌ في السيطرة على لبنان، وهو اتَّجه وفق تلك الأطماع سابقاً لاحتلال لبنان، ووصل إلى بيروت؛ ولكنَّه طرد من لبنان طرداً، طرده الشعب اللبناني من خلال مجاهديه الأعزاء الأبطال في حزب الله، ومن معهم، ممن وقف معهم وساندهم وشارك معهم، لكن حزب الله كان له الدور المحوري والأساسي في طرد العدو الإسرائيلي من لبنان، ومع ذلك لم يتوقف العدو الإسرائيلي عن مؤامراته على لبنان، ولا يزال متجهاً بتوجهه العداء بشكلٍ مستمر تجاه لبنان؛ ولــذلك هو بشكلٍ مستمر في مؤامرات، في تحضيرات دائمة للعدوان على لبنان، ومن الواضح أنه كان يحد لأي جولة جديدة يستهدف بها لبنان، وهذه مسألة واضحة في واقع العدو الإسرائيلي.

العدو الإسرائيلي بعد ما نفَّذه من جرائم الاغتيالات، التي استهدف بها القادة الأعزاء العظماء في حزب الله، وأستهدف بها سماحة الأمين العام لحزب الله، الشهيد العزيز السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، كان يتصور أنه بذلك قد ضرب الروح المعنوية لإخوتنا الأعزاء المجاهدين في حزب الله، وأنه قد أرهب الساحة اللبنانية بكلها، وأنه بذلك سيتمكن من تنفيذ أهدافه لاجتياح لبنان؛ ولــذلك اتَّجه نحو إعلان العدوان الشامل، واتَّجه أيضاً نحو الحرب البرية، ودفع بأربع فرق عسكرية، وأكثر منها، ولا يزال يحشد المزيد؛ من أجل ما أعلنه من هدف للاجتياح البري، والتَّوغُّل البري، ولكنَّه صُدِم، وتفاجأ، ودهش هو والأمريكي أيضاً؛ لأن التقديرات الإسرائيلية والأمريكية كانت تقديرات واحدة، في أن الظروف باتت مهيأةً للعدو الإسرائيلي، لاجتياح لبنان، وتصفية الوضع في لبنان لصالح العدو الإسرائيلي، ولما هو أكثر من لبنان.

العدو الإسرائيلي، ما بعد استهدافه لسماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، كان حديثه عن أطماعه الكبرى، عن أن ذلك يُمَثِّل نقطة تحول على مستوى المنطقة بشكلٍ عام، وأيضاً أنه سيسعى بعد ذلك إلى تغيير واقع الشرق الأوسط بكله، وليس فقط لبنان، وذلك لما تمثله- فعلاً- جبهة لبنان الصامدة، جبهة حزب الله، التي هي جبهة لصالح الأمة الإسلامية بكلها، لصالح العرب جميعاً، لصالح شعوب المنطقة بأجمعها، فالعدو الإسرائيلي يتصور أنه بإزاحته لهذه الجبهة، سَيُمَهِّد الطريق لتحقيق أهدافه في بقية العالم العربي والإسلامي؛ ولــذلك اتَّجه بكل غرور، بكل طمع، بكل حقد، بكل كبرياء، نحو التَّوغُّل البري؛ ولكنَّه صُدِم وفوجئ- كما قلنا- هو والأمريكي:

أولاً: بثبات الإخوة المجاهدين في حزب الله وتماسكهم، فقد ظهروا متماسكين، ثابتين، صامدين، مستبصرين، متفانين.

وأيضاً بفعلهم، لا يزالون يجاهدون بكل فاعليَّة، بكل تماسك، وفق خطط مدروسة، وفق عمل مدروس، وبثباتٍ تام، وبدون أي انكسار للروح المعنوية، ولا فشل، ولا اضطراب.

هم يقاتلون العدو الإسرائيلي بثبات، وتماسك، وبشكلٍ مدروس، ويظهر بشكلٍ واضحٍ في أدائهم القتالي تماسكهم التام، وأن القيادة والسيطرة موجودة، وأن تماسك الحزب بشكلٍ كامل لا يزال واضحاً بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولــذلك ظهر موقف حزب الله قوياً بكل ما تعنيه الكلمة، قوياً في كل الاتجاهات:

على مستوى القصف الصاروخي، الذي اتَّجه نحو التزايد، وكذلك في مدى الفعل الصاروخي، والاستهداف الصاروخي ضد العدو الإسرائيلي، وصولاً إلى حيفا، وصولاً إلى تل أبيب، وبزخمٍ كبير، أصبح القصف الصاروخي يتَّجه من جهة حزب الله ضد العدو الإسرائيلي بالمئات في بعض الأيام، فالزخم الصاروخي هو إلى ازدياد.

والثبات في الميدان، والعمليات القتالية هي وفق خطط مدروسة، وبتماسك تام، وإدارة متماسكة وثابتة.

وكذلك على مستوى الأداء الإعلامي.

على مستوى الأداء الإنساني.

أنشطة حزب الله في الساحة اللبنانية هي أنشطة متكاملة، وتماسكه واضح.

على مستوى الجبهة السياسية كذلك، العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي، كلٌ منهما يسعى ضمن خطط موحدة، وعمل مشترك، إلى تغيير الوضع السياسي في لبنان؛ لكنَّه يظهر في الساحة اللبنانية، لدى معظم المكونات اللبنانية، الوعي، والتماسك، والحذر، وانتباه، وإن شاء الله تفشل كل المساعي الرامية إلى التلعُّب بالساحة الداخلية اللبنانية.

المسؤولية كبيرة على مستوى المحور، في الدعم والمساندة للشعب اللبناني، لحزب الله في لبنان، الحكومة اللبنانية أيضاً، الدعم السياسي والإعلامي والإنساني، وعلى مستوى العرب جميعاً، على مستوى المسلمين جميعاً، عليهم أن يقفوا مع الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، وقفةً صادقةً جادَّة، وقفةً شاملة على كل المستويات: بالدعم السياسي، والمالي، والإنساني، والإعلامي، وكذلك بالدعم العسكري وكل أشكال الدعم.

خيبة أمل العدو وفشله وهزائمه المتكررة في البر باتت واضحة، وهو يتكبَّد الخسائر الكبيرة، وهذه من النقاط المهمة جداً: العدو يخسر الكثير من جنوده وضباطه، قتلى وجرحى، مع أنه يحاول أن يتكتم على حجم خسائره، وهذه سياسة يعتمد عليها في كل الجبهات، يحاول أن يتكتم على مستوى خسائره في قطاع غزة، وأيضاً في الجبهة اللبنانية، وتجاه أي قصف يستهدفه من هنا أو هناك من جبهات الإسناد، يسعى دائماً إلى التعتيم الإعلامي، ويحاول أن يتكتم على مستوى وحجم الخسائر؛ بهدف الحرب النفسية، ولكن حجم خسائره، وما يحصل من القتلى والجرحى في صفوف قواته المعتدية في الحدود اللبنانية، أصبح أكثر من مستوى التكتيم والتعتيم الإعلامي، وأصبح يظهر إلى العلن، وهذه مسألة مهمة جداً، في مقابل ما كان عليه من الغرور، والطموح لأن يحقق أهدافه، أصبح يطلق يده في لبنان حتى لاستهداف (قوات اليونيفيل)، وكيف كانت ردة الفعل من مختلف الدول، من الأمم المتحدة، من الدول المشاركة في (قوات اليونيفيل)، والتي هي مهددة، وجنودها مهددون بذلك الاستهداف؟ كانت ردة الفعل أشبه ما تكون بردة فعل عاطفية، لم ترقَ إلى مستوى مواقف عملية، وإجراءات عملية؛ لأنه في هذا السياق الذي يريد الأمريكي أن يبقى الجو مفتوحاً للعدو الإسرائيلي، وأن يطلق يده ليتصرف كما يشاء ويريد.

على كُلِّ، العدو الإسرائيلي وهو يعتمد على الجرائم لاستهداف الشعب اللبناني، كما يفعل في قطاع غزة، لكنه فاشل، وحزب الله له بالمرصاد، والمجاهدون الأعزاء في حزب الله هم اليوم أكثر تصميماً، وعزماً، وثباتاً، ووفاءً، في تصديهم للعدو الإسرائيلي، وفي أدائهم لمهامهم ومسؤوليتهم الجهادية المُقدَّسة، وهم اليوم بعد استشهاد سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، والقادة العظماء في حزب الله، لم يزدادوا إلا وفاءً، واستبسالاً، وعزماً، وتفانياً، لأداء مهامهم الجهادية.

فيما يتعلق بجبهة الإسناد العراقية، فهي اتَّجهت إلى التصعيد وأكثر من أي وقتٍ مضى، ومن الواضح على مستوى النشاط الواسع في الشعب العراقي، كذلك الاتِّجاه للتفاعل أكثر، بعد تصعيد العدو الإسرائيلي على لبنان أكثر، مع ما يفعله في قطاع غزة، بات هناك أيضاً المزيد من التفاعل في الشعب العراقي، وهذا هو المفترض بكل الشعوب العربية، أنه كلما زاد العدو الإسرائيلي في تصعيده، وأمتدَّ عدوانه إلى أي بلدٍ عربي، أو استمرَّت جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وزاد من غيِّه وعدوانه، أن يكون هناك تفاعل أكثر.

العراق، من الواضح أنه مستهدف من العدو الإسرائيلي، وهو ضمن الخطة الإسرائيلية في (إسرائيل الكبرى)، من النيل إلى الفرات، الفرات في العراق، الكل مستهدف من قِبَل الإسرائيلي، وأيضاً ما ظهر من العدو الإسرائيلي من عدائه الشديد للمرجعية الدينية في العراق، بكل ما لها من ثقل، وأهمية كبيرة في العراق، وفي الساحة الإسلامية، هو بذلك يُظهر حقده على الجميع، وأنه يحقد على كل شيءٍ في هذه الأمة، على كل ركائز القوة في هذه الأمة، على كل ما له أهمية وثقل في هذه الأمة؛ ولــذلك هو استفز الشعب العراقي بذلك، وهناك تحركات كبيرة في العراق، والأمل أكثر أن تستمر العمليات- إن شاء الله- بشكلٍ فاعل، لإسناد غزة ولبنان، وكذلك بالدعم العراقي السياسي والإنساني للبنان.

فيما يتعلق أيضاً بالعدو الإسرائيلي، في موقفه وعدوانه ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، العدو الإسرائيلي، على مرأى ومسمع من العالم، ابتدأ هو بالاعتداء إلى داخل الجمهورية الإسلامية في إيران، واستهدف الشهيد الكبير، الشهيد الإسلامي القائد الكبير/ إسماعيل هَنِيَّة “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، في طهران، وهو ضيفٌ لدى الجمهورية الإسلامية في إيران، استهدف أيضاً الإيرانيين في سوريا (في القنصلية)، استهدف بعمليات استهدافات كثيرة، ومن قبل ذلك اغتيالات كثيرة، حتى في داخل إيران، فالعدو الإسرائيلي هو الذي ينتهك ابتداءً السيادة الإيرانية، يعتدي ابتداءً ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وعندما ترد عليه الجمهورية الإسلامية في إيران، وفق حقها بكل الاعتبارات، حقها الشرعي والقانوني، وحتى وفق مواثيق الأمم المتحدة، والقانون الدولي… وغير ذلك، فالإسرائيلي، والأمريكي، والدول الغربية، تعتبر هذه مشكلة وتصعيداً، لماذا؟

المعادلة التي يريدها الأمريكي، ويريدها الإسرائيلي، وتريدها دول الغرب في منطقتنا، هي: الاستباحة لصالح العدو الإسرائيلي، أن يكون كل بلدٍ إسلامي، كل بلدٍ عربي، مستباحاً للعدو الإسرائيلي، وللعدو الإسرائيلي أن يفعل فيه ما يشاء ويريد، أن يقتل من أراد، وأن يعتدي على من أراد، دون حتى ردة فعل.

وهذه المعادلة غريبة جداً! يعني: لا يمكن أن تكون مقبولة حتى في عالم الحيوانات، غريزة الدفاع عن النفس هي غريزة حتى في الحيوانات، وهي فطرة لدى المجتمع البشري، لكن ما تريده أمريكا، ما تريده الدول الأوروبية من المسلمين: ألَّا يدافعوا عن أنفسهم، وألَّا يفعلوا أي شيءٍ ضد العدو الإسرائيلي عندما يعتدي عليهم، بل أن يتقبَّلوا عدوانه بكل استسلام، بكل خنوع، وهذا ما حاولوا أن يقنعوا إيران به: ألَّا ترد على اعتداءات العدو الإسرائيلي، وعندما ترد، يسمون ما يُحَضِّر له العدو الإسرائيلي من عدوانٍ جديد، يسمونه بالرد الإسرائيلي، وهو ليس رداً، الذي قام بالرد هو الجمهورية الإسلامية في إيران؛ أمَّا العدو الإسرائيلي فما يقوم به هو ابتداءٌ بعدوان، يبتدأ بالعدوان وليس رداً، الذي يرد هو العرب والمسلمون، ولكن حتى على هذا المستوى: مستوى الرد على ما يفعله العدو الإسرائيلي، الغرب يريد منهم ألَّا يردوا.

الغرب (أمريكا والدول الأوروبية) يطلقون يد العدو الإسرائيلي ويدعمونه، ويشاركون معهم، ويوفرون له كل أشكال المساندة والدعم، ليفعل ما يشاء ويريد؛ ليحتل الأرض، ليقتل الناس، ليصادر ممتلكاتهم، ويدمِّر مدنهم، وقراهم، ومساكنهم، ومصالحهم، ليختطف، ليعذِّب، ليجوِّع، ليعمل ما يشاء ويريد، ويقدمون لهذا عنوان [الدفاع عن النفس]!

فاليهود الصهاينة يأتون من أصقاع أوروبا، ومن دول متعددة، ليحتلوا فلسطين [دفاعاً عن النفس]! أيُّ دفاعٍ هذا؟! ليقتلوا الأطفال والنساء، عنوان [دفاع عن النفس]! ليصادروا المزارع والممتلكات والمنازل [دفاع عن النفس]! ليبتدئوا لبنان بالعدوان [دفاع عن النفس]! ليرسلوا كلابهم البوليسية لنهش الطاعنين في السن [دفاعاً عن النفس]! ليعملوا على تجويع أكثر من مليون إنسان في قطاع غزة [دفاع عن النفس]! ليدمِّروا المستشفيات، وليقتلوا المرضى من الأطفال والنساء، وحتى الأطفال في الحضَّانات، [دفاعاً عن النفس]! ليدمِّروا المستشفيات ويحوِّلوها إلى مقابر جماعية، والعنوان عند الألماني، عند البريطاني، عند الفرنسي، عند الأمريكي، [دفاع عن النفس]!

أمَّا الفلسطيني، صاحب الأرض، صاحب المنزل، المعتدى عليه، الذي هُوجِم إلى موطنه وإلى منزله، فليس له أن يفعل أي شيء، إذا دافع، وهو الذي فعلاً ما يقوم به هو دفاع بكل ما تعنيه الكلمة، فذلك عمل إرهابي، إجرامي!

أمَّا اللبناني، إذا هاجمه العدو الإسرائيلي، وقتله، واستهدفه، فليس له أن يقوم بأي شيء، لا كحزب، ولا كشعب، هذا إرهاب!

وهكذا هو حال السوري، المصري، الإيراني… أي بلد عربي، ليس له أن يفعل أي شيء، عندما يأتي الصهاينة اليهود ليحتلوا أرضه، وليصادروا حرِّيَّته واستقلاله، ليقتلوا الأطفال والنساء، وليفعلوا ما يشاؤون ويريدون، من يتصدى لهم، فعمله مُجَرَّم، وإرهاب! وليس فقط أمريكا توصِّف ما يفعله بإجرام وإرهاب؛ وإنما أيضاً حتى أنظمة عربية، وصَّفت ما تقوم به حماس، وما تقوم به حركة الجهاد الإسلامي، ما يقوم به مختلف الفصائل المجاهدة في فلسطين بأنه إرهاب، فهكذا يُقدِّمون الأمور معكوسةً تماماً، بكل ظلم، بكل جور، يقلبون الحقائق بهذا الشكل الواضح.

وعلى كُلٍّ، المعادلة التي يريد الأمريكي فرضها في منطقتنا، لا يمكن أن يفرضها على الجمهورية الإسلامية في إيران، أن يعتدي عليها العدو الإسرائيلي ولا ترد، والموقف الإيراني واضح، وشجاع، وصريح، وهو موقف حق لإيران، بل مسؤولية عليها وليس فقط حقاً، أن تتصدى للعدوان والطغيان، والجبروت والكبر الإسرائيلي، مسؤولية المسلمين جميعاً أن يتحركوا ضد العدو الإسرائيلي، وأن يجاهدوا في سبيل الله، إذا لم يجاهدوا في سبيل الله في مواجهة العدو الصهيوني اليهودي، بالرغم مما يرتكبه من الإجرام والعدوان، وهو يشكل تهديداً عليهم، في دينهم ودنياهم ومُقَدَّسَاتِهم، فمتى سيجاهدون؟! ومن يجاهدون؟! ولأي شيءٍ يجاهدون؟!

العدو الصهيوني هو عدوٌ لهذه الأمة في دينها، يسيء إلى نبيها، إلى كتابها، إلى مقدساتها، الأطماع الصهيونية والمشروع الصهيوني هو واضح، وهو صريح، وهو معلن، وهو موجودٌ في كتبهم، في ثقافتهم، في معتقداتهم، في مخططاتهم، في توجهاتهم، [إسرائيل الكبرى]، لا يمكن أن يوقف ذلك المشروع الصهيوني إلَّا الجهاد والمجاهدون، ولم يعرقله ويُعِقه حتى الآن إلَّا جهاد المجاهدين في فلسطين ولبنان، لو كان العدو الإسرائيلي تخلَّص منهم؛ لكان قد اتَّجه- اتَّجه وفق تلك المخططات، وفق ذلك المشروع- ليمتد، ليسيطر على الشام بكلها، ليسيطر على الأردن، ليسيطر على سوريا، ليسيطر على لبنان، ليسيطر على أجزاء من العراق في الحد الأدنى، وليسيطر على أجزاء من مِصر في الحد الأدنى، وليسيطر- كما يقول الصهاينة- على ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية، ومكة والمدينة مستهدفة من العدو الإسرائيلي، هناك كتابات، هناك مقالات، هناك تصريحات، هناك خطط، لتحقيق هذه الأهداف العدوانية والتوسعية، التي تستهدف أُمَّتنا الإسلامية، والذي يعيق العدو هو: صمود المجاهدين في غزة وفلسطين، صمود المجاهدين من حزب الله في لبنان، على مدى كل هذه العقود الماضية من الزمن، والعدو الإسرائيلي يسعى ليتخلص من هذا العائق، وإذا حقق أي نتيجة معينة، يفصح عن نواياه العدوانية التوسعية، ويكشف عن مخططاته.

ما يسمى بوزير المالية في الحكومة الإسرائيلية، ما يسمونه بـ[الحكومة الإسرائيلية] في العصابة الصهيونية، يُعبِّر عن هذه الأهداف التوسعية، التي تشمل الشام جميعاً، وتشمل أيضاً ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية.

البعض من العرب لا يستوعبون مثل هذا الكلام؛ لأنَّهم لم يستفيدوا من القرآن الكريم، ولا فيما ذكره الله عن اليهود في القرآن الكريم، وهم أيضاً لا يستفيدون من الوقائع والأحداث، ولا يعرفون ويَطَّلِعُون ماذا لدى العدو، ما يقوله العدو، ما هو عند العدو ثقافة، وفكرة، ورؤية، وخطة، واستراتيجية، يتحرَّك على أساسها، وهذه مشكلتهم.

على كُلٍّ، العدو الإسرائيلي يتحرَّك ضمن أهداف شيطانية توسعية خطيرة، تشاركه أمريكا فيها، هي تشاركه في الخلفيات، والأهداف، والتوجُّهات، والمواقف، وهي تُشَكِّل خطورةً وتهديداً على أُمَّتِنا بكلها؛ ولــذلك عندما طالت هذه الأحداث، فواحدٌ من أسباب ذلك هو: الدور الأمريكي والغربي، وهذه الأطماع، وهذه المخططات أيضاً.

الحالة بالنسبة للعرب حالة حساسة وخطيرة جداً؛ لأنه لن يجديهم لا اللجوء إلى تلك المنظمات الدولية، لم يُفِد شيئاً، هل أفاد فلسطين بشيء؟ عندما اتَّجه البعض من أبناء الشعب الفلسطيني في خيار المفاوضات، واستجداء السلام، هل وصلوا إلى نتيجة؟ لم يصلوا إلى نتيجة أبداً.

[نتنياهو] في الأمم المتحدة يُظهر خريطةً يلغي فيها فلسطين نهائياً، يلغي فيها حتى ما كان قد تم الحديث عنه، أو وُقِّع عليه سابقاً في اتفاقيات بإشراف أمريكي وأممي، انتهى بكله.

العرب اليوم لن يفيدهم لا استجداء السلام من أمريكا، أمريكا مشتركة مع الإسرائيل في نفس الخطط والأهداف، ولا حتى العمالة، ولا حتى الخيانة، ولا حتى التطبيع، كل ذلك هو تمكينٌ للعدو الإسرائيلي، وتقريبٌ له من تحقيق أهدافه بأقل كلفة؛ ولــذلك حتى القمة الخليجية الأوروبية، على ماذا كانت ترتكز بالأمس؟ كان الأوروبيون يطرحون فيها- كخيار أساسي، وكأساس ومنطلق لتلك الشراكة التي يتحدثون عنها- ما يسمى بطريق الهند، إلى الشرق الأوسط، إلى أوروبا، نفس ما أعلنه [المجرم نتنياهو] في الأمم المتحدة. بمعنى: أن التوجه الأمريكي والتوجه الأوروبي هو ربط الكل في المنطقة بالسيطرة الإسرائيلية: السيطرة الاقتصادية، السيطرة السياسية، السيطرة العسكرية، السيطرة الثقافية والفكرية… السيطرة الكاملة، وأن تكون الدول العربية خاضعةً بالمطلق، لما يخدم المصلحة الإسرائيلية، والمصلحة الصهيونية، ويعزز من سيطرة ونفوذ العدو الإسرائيلي؛ فالخيار ليس هو خيار الاستجداء للسلام.

ولذلك أنا أقول لكل المتربصين، الذين يتصورون أنهم بمأمن من العدو الإسرائيلي: ليس هناك أحد في المنطقة بكلها بمأمن من المؤامرات الإسرائيلية، الطموح الإسرائيلي واضح، الأهداف الإسرائيلية واضحة، عندما يتحدث [المجرم نتنياهو] عن تغيير الشرق الأوسط، فهو أيضاً يستهدفكم أنتم أيضاً في بلدانكم؛ لتكونوا أذلاء، مهانين، خانعين خاضعين تحت سيطرته، ولمصلحته، ولتكونوا أيضاً مستباحين، ما قد يظهره تجاهكم، ويخدعكم به لبعض الوقت، وكأنكم أصبحتم شركاء، لا شراكة مع العدو الإسرائيلي؛ إنما ذُل وإهانة، وعبودية واستغلال، ما يظهره العدو الإسرائيلي هو فقط مؤقَّت، لمرحلة مؤقَّتة؛ حتى يتمكن أكثر، وفيما يساعده لاحقاً على تحقيق أهدافه كاملة، ليس لكم عنده أي احترام، ولا تقدير، ولا عند الأمريكي، ولن يحميكم الأمريكي من الإسرائيلي، من يتصور من العرب أن الأمريكي سيوفر له الحماية من الإسرائيلي؛ فهو أغبى حتى من الحمار، أكثر غباءً من الحمير من يتصور هذا التصور. الأمريكي والإسرائيلي وجهان لعملةٍ واحدة، توجهاتهم واحدة، أهدافهم مشتركة، هم كلهم أعداء لهذه الأمة، والواقع يشهد.

فيما يتعلق بجبهة يمن الإيمان والجهاد، في (معركة الفتح الموعود، والجهاد المُقَدَّس)، فالعمليات- بتوفيق الله تعالى- مستمرة:

العمليات في البحار مستمرةٌ، وصل عدد السفن المستهدفة، المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي والبريطاني، إلى: (مائة وستة وتسعين سفينة)، مع سيطرة كاملة في الموقف من العدو الإسرائيلي، ومنعه من الملاحة في البحر الأحمر.

الإسناد بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة إلى فلسطين المحتلة مستمرٌ أيضاً، في هذا الأسبوع بـ (خمسة وعشرين) صاروخاً بالِسْتِيّاً ومُجَنَّحاً، وطائرة مُسَيَّرة.

الأنشطة الشعبية مستمرة، وأكبر خروج على مستوى العالم كله، في ذكرى طوفان الأقصى، تلبيةً لدعوة إخوتنا في حركة المقاومة الإسلامية حماس، كان خروج الشعب اليمني، في كل العالم لم يخرج شعبٌ في أي بلد كما خرج الشعب اليمني، هذا يدل على مستوى التفاعل الواسع الكبير.

الأمريكي من جانبه، يواصل عدوانه هو والبريطاني، بالقصف الجوي والبحري ضد بلدنا في كل أسبوع، وحتى في البارحة كان هناك عمليات قصف، يواصل أيضاً مساعيه العدوانية في التحريض للآخرين، والسعي لتوريط الآخرين، وهو يسعى بشكلٍ مستمر لتوريط تحالف العدوان، وغيره أيضاً من الدول، لكنه حتى الآن يفشل، وإن شاء الله يفشل أيضاً بشكلٍ مستمر.

الحملة الدعائية والإعلامية ضد شعبنا العزيز، المستهدفة للجبهة الداخلية مستمرة، والأبواق الأمريكية والإسرائيلية، والأقلام التي تشتغل لخدمة أمريكا وإسرائيل، لا تنفك ليلاً ولا نهاراً في الاستهداف لجبهة شعبنا الداخلية، لكنَّ شعبنا العزيز على درجة عالية من الوعي، ويدرك ما الهدف من وراء الشائعات، والدعايات، والحرب النفسية، ومساعي الأعداء لخلخلة الجبهة الداخلية، ومساعي الأعداء لصرف الاهتمام عن هذه المواقف المُشَرِّفة والعظيمة لشعبنا العزيز، التي تُجَسِّد انتماءه، ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيُّة)).

شعبنا العزيز مستمرٌ في موقفه، لإسناد الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، للوقوف مع المجاهدين في فلسطين ولبنان، للوقوف ضد عدو الله، وعدو الإنسانية، وعدو الإسلام والمسلمين، العدو الصهيوني اليهودي، وأعوانه وشركاءه، وشعبنا مستمرٌ في جهاده، عسكرياً، وسياسياً، وإعلامياً، وبالأنشطة الشعبية، وشعبنا العزيز مستمرٌ في خروجه المليوني الأسبوعي، الذي هو جزءٌ من جهاده، يُعَبِّر عن وفائه، يُعَبِّر عن مصداقيته، يُعَبِّر عن ثباته، الذي لا يتزحزح، ثباته الذي هو كثبات ورسوخ جباله الكبيرة والشامخة.

أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج يوم الغد إن شاء الله، خروجاً مليونياً مُشرِّفاً، جهاداً في سبيل الله تعالى، ونُصرةً للشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، وحسب الترتيبات المعتمدة.

نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَمُنَّ بِالنَّصرِ لِكُلِّ جَبَهَاتِ الجِهَاد، فِي فِلَسْطِينَ، وَلُبْنَان، وَاليَمَن، وَسَائِرِ جَبَهَاتِ الجِهَاد، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، نِعْمَ المُولَى وَنِعْمَ النَّصِير.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: الجمهوریة الإسلامیة فی إیران العدو الإسرائیلی من من العدو الإسرائیلی ضد العدو الإسرائیلی بکل ما تعنیه الکلمة ا العدو الإسرائیلی للعدو الإسرائیلی العربی والإسلامی الصهیونی الیهودی فی القرآن الکریم والشعب اللبنانی الأطفال والنساء الشعب الفلسطینی الشعب اللبنانی إسرائیل الکبرى فی الحد الأدنى فی شمال القطاع الأمم المتحدة القتل الجماعی دفاع عن النفس شعبنا العزیز المجاهدین فی على قطاع غزة فی سبیل الله لصالح العدو هذه الأحداث حزب الله فی فی حزب الله فی قطاع غزة فیما یتعلق ما یقوم فی العراق لحزب الله فی فلسطین من الواضح هذه الأمة على لبنان على مستوى س ب ح ان ه ت ع ال ى وکذلک ما له العدو من أبناء مستوى من ما یفعله البعض من فی لبنان وغیر ذلک من الوعی شاء الله التی هی ما یسعى یمکن أن على مدى أکثر من أن یکون عنهم فی ر ض و ان الله عن لیس فقط على ک ل فی هذا الذی ه حتى فی على کل أی شیء ب عنهم لیس له ل التی ل الله ذلک هو ما فیه التی ت کل ذلک الله ع إذا لم

إقرأ أيضاً:

في محاضرته الرمضانية السادسة والعشرين قائد الثورة: طموح الإنسان المؤمن يجب أن يكون في مرتبة الصالحين

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

استكمالاً للآيات المباركة من (سورة الشعراء)، في قصة نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، كُنَّا قد وصلنا إلى قوله:

{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:82].

تحدثنا عن أهمية يوم الدين، يوم الجزاء على الأعمال، الذي هو بداية الحياة الأخرى، فيما فيها من مصيرٍ محتومٍ:

• إمَّا إلى الجنة، في خيرها العظيم، ونعيمها الخالص والراقي والأبدي.

• وإمَّا إلى النار، في عذابها الشديد، والعذاب المخزي المهين للإنسان، والذي هو عذابٌ وشقاءٌ للأبد والعياذ بالله.

في اهتمامات الإنسان المؤمن، يحسب حساب هذا المستقبل، لا يتَّجه اهتمامه في هذه الحياة نحو متطلباتها العاجلة، بل يجعل سعيه في هذه الدنيا مرتبطاً أيضاً باهتمامه بمستقبله في الآخرة؛ ولـذلك هناك مساحة واسعة- كما شرحنا في المحاضرة الماضية- في رسالة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، من خلال رسله، وأنبيائه، وكتبه، مساحة واسعة تُذكِّرنا بمستقبلنا في الآخرة، وأهمية هذا المستقبل:

• أهميته في أن تستقيم لنا حياتنا هنا.

• وأهميته كذلك حينما تستقيم حياتنا هنا؛ ليستقيم لنا هناك.

فهناك ارتباط ما بين الأولى والأخرى (الحياة الأولى، والحياة في الآخرة)؛ فاهتمام الإنسان المؤمن هو اهتمامٌ يجمع بين اهتماماته في هذه الدنيا، شؤونه في هذه الدنيا، مع ربطٍ لها بمستقبله في الآخرة.

يوم الجزاء على الأعمال يومٌ عظيم، يومٌ مهم، يوم الحساب، يوم القيامة، لا يمكن للإنسان أن يغيب عن ذلك المشهد، أو أن يتهرَّب عن الحضور، أو أن يمتنع عن أن يبعث في يوم القيامة ويحاسب ويجازى، لا يمكنه ذلك، والله لا ينسى أحداً، ولا يغفل عن أحد «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والإنسان المؤمن هو يحمل تجاه يوم القيامة ويوم الجزاء حالة الخوف، وحالة الرجاء، وهما متلازمان في الجانب الإيماني:

• الخوف من التفريط، من التقصير، من المعصية، من التهاون بالذنوب، الخوف من تبعات الأعمال وآثارها، حينما تكون أعمالاً سيئة.

• وفي نفس الوقت الرجاء لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في مغفرته، في عفوه، في فضله، في رحمته.

ولـذلك فالإنسان مع خوفه لا يصل به خوفه إلى اليأس، أو إلى أن يتصور حينما بدرت منه، أو حصلت منه زلَّات في هذه الدنيا، أو تقصير في مسؤوليات، أو أعمال، أنه مهما رجع إلى الله، مهما تاب وأناب، مهما عمل لتلافي تقصيره؛ فهو لن يحظى بمغفرة الله، ولا بعفو الله، هي حالةٌ خطيرة؛ لأن الشيطان هو يشتغل في الاتِّجاهين:

• يشتغل في اتِّجاه: أن يؤمِّنك من عذاب الله، ويصل بك إلى درجة الاستهتار؛ حتى لا تبالي فيما تعمل، تُمَنِّي نفسك، تُمَنِّي نفسك بالمغفرة، تُمَنِّي نفسك بأنك ستتوب في يومٍ من الأيام، أو حتى لو لم تتب، فسيغفر لك، وهذه حالة خطيرة جداً حالة الأماني، حذَّر الله منها في القرآن الكريم، وحالة التسويف، حالة الاستهتار بالأعمال، والجرأة على المعاصي، والشيطان يشتغل عليها.

• وقد يشتغل في اتِّجاه آخر: إذا كان لديه احتراز من هذا الجانب، وانتباه، وتذكُّر بآيات الله، وإدراك لمخاطر المعاصي، ومساوي التفريط في طاعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وما يترتب على ذلك، قد يأتيك من جهة أخرى؛ في محاولةٍ لأن يزرع اليأس في قلبك، بأنك لن تحظى بمغفرة الله، أنت مُقَصِّر، أنت مذنب، أنت مخطئ؛ وبالتالي مهما توبت، مهما رجعت إلى الله، مهما عملت؛ فأنت لن تصل إلى أن تحظى بمغفرة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وعفوه، وهذه الحالة من التيئيس حالة خطيرة جداً، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:87].

فلـذلك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يُعَلِّمنا أن نجمع بين الأمرين: بين حالة الخوف، والرجاء، ويبيِّن لنا ما عليه أولياؤه من أنبيائه والهداة من عباده، وحتى ملائكته، أنهم يجمعون بين الخوف والرجاء: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء:57]، فهم يخافون العذاب، وفي نفس الوقت يرجون رحمة الله، ويرجون المغفرة.

والرجاء هو حافزٌ على العمل، ليس دافعاً إلى الاستهتار، الرجاء الصادق هو يدفع الإنسان إلى العمل؛ ولهـذا يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]، فالرجاء الصادق هو حافزٌ على العمل؛ لأنك تعمل ولديك أملٌ بالله: أنه سيقبل عملك، سيضاعف لك الأجر، سَيَمُنُّ عليك بالرعاية، والرحمة، والمغفرة، فيما شاب عملك من تقصير، أو نقص، أو قصور؛ فهو حافز على العمل، ومشجعٌ على العمل.

ومعه حسن الظن بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، برحمته الواسعة، بغفرانه العظيم، وفي نفس الوقت تشجيعٌ كبيرٌ على العمل؛ لأن الإنسان يحمل، إذا كان مؤمناً واعياً، هو دائماً يحمل روحية الشعور بالتقصير، وهو بعيدٌ عن مشاعر الغرور، والعجب بالنفس، مثلما عليه أنبياء الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يتَّجهون الاتِّجاه الإيماني في أرقى مستويات الإيمان، وأرقى درجات الإيمان، يتَّجهون لأداء مهامهم المُقدَّسة العظيمة، في التبليغ لرسالة الله، والسعي لإقامة دين الله، ولهداية عباد الله، وفي نفس الوقت يعتبرون أنفسهم مُقَصِّرِين، يطلبون من الله المغفرة، بالرغم مما هم عليه، لكنهم يدركون عظيم حق الله، عظيم حق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عليهم، عظيم حق الله على الإنسان، مهما عمل الإنسان، فلا يساوي عمله شيئاً في مقابل عظمة الله، وعِظَم حق الله عليه، ولكن الله يقبل مِنَّا القليل، ويجازي عليه الكثير، ولـذلك يبقى الإنسان بعيداً عن مشاعر الغرور، مشاعر العُجْب، ومشاعر الاستهتار، وجامعاً بين الخوف والرجاء مع بعض، كُلٌّ منهما يدفع الإنسان، ويُمَثِّل له دفعةً عمليةً في طاعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

مخاطر الذنوب على الإنسان هي مخاطر كبيرة جداً، على علاقته بالله، وعلى رعاية الله له، تأثيرها على:

• علاقتك بالله من جهة، ومنزلتك عند الله، وواقعك الإيماني، وحالتك الإيمانية.

• تأثير حتى على المستوى النفسي.

• وتأثير في مدى رعاية الله.

لـذلك فالإنسان يبقى دائماُ يسعى إلى طلب المغفرة، والخلاص من الذنوب وتأثيراتها على نفسه، واتِّجاهه العملي يبقى اتِّجاهاً إيمانياً بأقصى ما يتمكن، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يصف عباده المؤمنين بمواصفاتهم الراقية العظيمة (المتقين)، فيقول عنهم: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران:17]، فهم يطلبون من الله المغفرة، وهم يحاولون أن يغتنموا حتى وقتاً من أهم الأوقات للدعاء، واستجابة الدعاء: وقت الأسحار، ما قبل الفجر، في آخر الليل، في الثلث الأخير من الليل؛ بينما هم يتَّصفون بتلك المواصفات الراقية العظيمة، فهم:

• أهل صبر، والتزام عملي نتيجةً لهذا الصبر: الصبر في إطار العمل بطاعة الله، في القيام بما أمر الله، في الانتهاء عن مناهي الله، النهوض بالمسؤوليات الإيمانية المهمة، التي تتطلب الصبر، كـ: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة القسط.

• أهل صدق: في أقوالهم، في أفعالهم، في انتمائهم، في معتقداتهم، في تَوَجُّهاتهم… كلها قائمة على الصدق: الصدق مع الله، الصدق مع أنفسهم، الصدق مع الناس، الصدق في الانتماء، الصدق في الموقف.

• وهم أهل قنوت: خضوع لله، والتزام بطاعة الله، وانقياد لأمر الله، ليسوا متعنتين، ولا منحرفين.

• وهم مع ذلك أهل إنفاق وعطاء: ليسوا بخلاء، ينفقون في سبيل الله، ينفقون في سُبل الخير والبر، يحملون روحية الإحسان، وروحية العطاء.

• ومع ذلك هم مستغفرون بالأسحار: فلديهم اهتمام بطلب المغفرة، يستشعرون التقصير، بالرغم مما هم عليه من التزام وطاعة، لكنهم يستشعرون حالة التقصير؛ فلم يصبهم الغرور، ولا العجب بالنفس، ولم يتَّجهوا إلى حالة التكبر، أو يتأثروا بحالة التكبر والعياذ بالله.

{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:82]، فأنا أحمل الرجاء في أن يغفر لي، وغيره لن يغفر لأحد، غير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لا يتمكن من أن يُخَلِّصك من ذنوبك، {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران:135]، لابدَّ من التَّوَجُّه إلى الله، والطاعة لله، والإنابة إلى الله؛ حتى لا تأتي يوم القيامة مُحَمَّلاً بأوزارك وذنوبك؛ لأنه لا خلاص هناك، إذا قدمت على الله يوم القيامة، وأنت محملٌ بالذنوب والأوزار، لم تتخلص منها في الدنيا؛ فحينها لا يمكن لأحد أن ينقذك، ولا أن يُخَلِّصك مما أنت مُحَمَّلٌ به من الذنوب والأوزار، ولا توبةٌ تُقبل، ليس هناك مجال للتوبة والاعتذار والخلاص من ذلك، {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}[فصلت:23-24]، ليس هناك قبول لِلعُتْبَة، والرجوع، والتوبة، والإنابة، وتقول: [أنا الآن تائبٌ من هذا الذنب]، بل في حالة الموت نفسها، في الدنيا نفسها حينما تأتيك حالة الموت وأنت مسوِّفٌ للتوبة، لم تتب إلى الله، ثم تتوب عندما يأتي الموت؛ حينها لا تُقْبَل منك توبتك في تلك اللحظة، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}[النساء:18]، (تُبْتُ الْآنَ) عندما شاهد الموت، أيقن برحيله من هذه الدنيا، ليس هناك مجال لذلك؛ فلـذلك يحمل الإنسان الرجاء في الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأنه وحده هو من يغفر الذنوب، ويتَّجه إليه.

بعد هذا العرض، الذي يُبَيِّن أن الذي يستحق العبادة وحده هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ لأن بيده حياتنا، ورزقنا، وموتنا، ومستقبلنا إليه، ومصيرنا في الآخرة إليه، ولا يتمكن من أن ينقذنا من ذنوبنا إلا هو، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الذي يطعمنا، ويسقينا، وإذا مرضنا فهو الذي يَمُنُّ علينا بالشفاء… وغير ذلك من نعمه، نعمة الهداية في مُقَدِّمة النعم، ومفتاح لكل النعم، بعد هذا العرض، الذي هو كله يدل على أن الجدير بالعبادة هو الله وحده، اتَّجه بشكل دعاء:

{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83].

وهذا العرض فيما يتعلق بالدعاء، أولاً: هو يبيِّن أن الذي هو جديرٌ بالعبادة، ومن أهم ما في العبادة هو الدعاء، ويملك لنا حينما ندعوه النفع، ودفع الضر، والخير المعنوي والمادي، والخير في الدنيا والآخرة، الذي يملك لنا كل ذلك هو الله، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من يسمعنا حينما ندعوه، ويعلم بنا، ويعلم بأحوالنا، وهو الذي يستجيب الدعاء، إذا كان الإنسان مستجيباً لله، وسائراً في طريق هديه، هو الذي يستجيب الدعاء «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ فهو إذاً وحده من هو جديرٌ بالعبادة، يستحق العبادة؛ لأن من أهم ما في العبادة هو: الالتجاء بالرجاء، والرغبة، والآمال، فيما يملكه الله ولا يملكه غيره، وما لا يقدر عليه غيره، هو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» على كل شيءٍ قدير، بيده الخير كله، فهو اتَّجه بالدعاء؛ ليبين لهم ذلك، فنفس الاتِّجاه بالدعاء هو أيضاً في هذا السياق: في سياق عرض أن المستحِق للعبادة وحده هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومن أهم ما في العبادة: الدعاء.

في مُقَدِّمة دعائه هذا: اتَّجه إلى الله يطلب منه ومن فضله هذا الطلب: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83].

فيما نطلبه من الله، وفيما ندعوه، عادةً ما تغلب على ذلك- على مضمون الدعاء نفسه- اهتماماتنا، ما الذي هو مهمٌ بالنسبة لدينا نحن، في تقديراتنا، في تصوراتنا، في التفاعل النفسي مع الأمور؛ ولـذلك في العادة في واقع الناس، قد تكون أكثر أدعيتهم مُتَّجهةً إلى الله في أمورهم المعيشية والحياتية؛ لأنها ضاغطةٌ عليهم، قد يكون من أكثر ما يدعو الناس، يدعون الله به، ويرجونه من الله، ويكثرون من الدعاء فيه، هو:

• مطالبهم في هذه الحياة المطالب المادية: الرزق، أمور المعيشة… وغير ذلك من المتطلبات هذه الحياة.

• أو ما هم يعيشون حالة الضغط منه في واقعهم النفسي: هموم مُعَيَّنة، مشاكل مُعَيَّنة.

هذا للإنسان الذي يُقبل عادةً على الدعاء.

ولكن نتعلم من الأنبياء «عَلَيْهِمُ السَّلَامُ»، نتعلم من الأدعية القرآنية: كيف نعيد ترتيب أولوياتنا واهتماماتنا، بحيث تشمل ما قد نغفل عنه من الأمور ذات الأهمية الكبيرة لنا في حياتنا؛ لأن اهتمامنا وتفاعلنا قد يكون- وفق قصور رؤيتنا ونظرتنا- منحصراً في هموم مُعَيَّنة، مطالب مادية، أمور معيشية ضغطة، ولا نقصد أن الإنسان يترك الدعاء بشأنها، الإنسان يتَّجه إلى الله لخير الدنيا والآخرة، يتَّجه إلى الله تجاه همومه، ومشاكله، والأمور الضغطة عليه؛ لكن لا يغفل عن الأمور المهمة، التي ينبغي أن تكون ضمن اهتماماته؛ وإنما مع قصور نظره، وقلة معرفته ووعيه، لا يدرك أهميتها له، في كل شؤون حياته، وفي مسار حياته بكلها.

ولـذلك نجد هنا في مُقَدِّمة أدعيته (أدعية نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ») هذا الدعاء: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83]، ما هو الحكم؟ الحكم له تعريفات واسعة، وعادةً ما يُرَكِّز المفسرون على جوانب منها، ويربطون بينه وبين الحكمة، ويتَّضح أنه يجمع عِدَّة أمور، يعني: يجمع بين أن يهبك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: هدايةً، وملكةً، وزكاء نفس؛ بحيث:

• تتعامل مع مختلف الأمور بمقتضى الحكمة؛ فتكون صائب الفكر، راشداً في فكرك، مهتدياً للخير.

• وتكون- في نفس الوقت- زاكي نفس.

• وتملك أيضاً التوازن النفسي، الذي يساعدك على أن تتصرف مع الأمور بحكمة.

وبمجموع هذه الأمور، حينما يَمُنُّ الله عليك بالهداية، والرشد، والإصابة في الفكر، في النظرة إلى الأمور، في الحكم عليها، في التقييم لها، والتوازن النفسي، وفي نفس الوقت زكاء النفس، في الخلاص من المؤثرات السلبية على نفسيتك؛ فأنت ستتصرف مع الأمور بشكل صحيح؛ لأنك تملك الرؤية الصحيحة تجاه الأمور، ولديك أيضاً الملكة النفسية في التعامل الصحيح، والتصرف الصحيح مع الأمور.

لأنه في موضوع الحكمة لا تكفي المعرفة، الإنسان أحياناً يعرف تجاه موضوع مُعَيَّن، أو قضية مُعَيَّنة، قد يعرف ما هو التصرف الحكيم، أو الموقف الحكيم، ولكنه قد لا يعمل بمقتضى ذلك، ولا يتصرف على أساس ذلك، بل قد يتعامل بطريقة أخرى ليست حكيمةٍ، أو يتبنى موقفاً ليس حكيما، لماذا؟

• بسبب العامل النفسي: حالة الانفعال، أو الغضب، أو الخوف، أو المؤثرات النفسية الأخرى.

• أو جانب- مثلاً- متعلق بالجانب الأخلاقي: لم يمتلك على مستوى زكاء النفس والأخلاق ما يُمَثِّل حافزاً نفسياً، ودافعاً نفسياً له، ليعمل ذلك العمل الحكيم، أو يتصرف ذلك التصرف الحكيم، أو يقف ذلك الموقف الحكيم.

ولـذلك فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» حينما يهبك: هدايةً، وزكاء نفس، وملكةً نفسيةً، وتوازناً نفسياً؛ فأنت تتعامل مع الأمور برؤية صحيحة، وتتصرف على أساسها، وبمقتضى الحكمة، وبرشدٍ وصواب؛ فتجمع بين الفكرة الصحيحة، الرؤية الصحيحة، والالتزام بها في مقام العمل.

وهذا ما يحتاجه الإنسان جداً:

• في مسيرة حياته بشكلٍ عام، كإنسانٍ مؤمن في هذه الحياة.

• وتجاه المواقف، ولاسيَّما فيما يتعلق أيضاً بالمسؤوليات، حينما يكون الإنسان في مقام مسؤولية، وقد يتعامل مع ظروف مُعَقَّدة، وأوضاع صعبة، ويواجه تحديات كبيرة، ومشاكل متنوعة؛ يحتاج إلى أن يتعامل معها برشد، وحكمة، وهداية، وأن يتصرف بتصرفٍ صحيح، هذا ممن نحصل عليه؟ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

هذا العطاء المهم، في زكاء نفوسنا، واستقامة نفوسنا؛ وفي ما يهبنا الله من هداية، ورشد، ومعرفة صحيحة، وفهم صحيح، ونظرة صحيحة إلى الأمور، ونظرة صائبة إلى الأمور، نحتاج فيه إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

والإنسان بحاجة إلى ذلك كشخص، والمجتمع كمجتمع، لربما من أكبر ما تعاني منه أمتنا الإسلامية، التي تؤمن بالله، وكتابه (القرآن الكريم) كتاب الهداية، وبكتب الله ورسله، أنها تفقد هذا الحكم، وتتصرف في معظم الأمور، وتقف في معظم المواقف، بغير رشد، بغير هداية، بغير إصابة، بغير رؤيةٍ صحيحة، بغير تصرفٍ صحيح؛ فصلتنا الإيمانية بالله، وصلتنا بهداية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هي تبنينا في رشدنا، في فكرنا، في فهمنا، في وعينا، في زكاء أنفسنا، في صلاح أنفسنا والاتِّزان النفسي، بما يؤهلنا لأن ننطلق في مسيرة هذه الحياة هكذا: برؤية صحيحة، بتصرفٍ صحيح، بعملٍ صحيح، بمواقف صحيحة.

{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83]، لأكون صالحاً في نفسي، ومع الصالحين في زمرتهم، وهذا أيضاً من أهم الأمور.

بل الشيء العجيب عندما نتأمل في دعاء الأنبياء، حتى في قصة نبي الله سليمان، وفي قصة نبي الله يوسف «عَلَيْهِمَا السَّلَامُ»، ونجد أيضاً فيما يتعلق بالمواصفات الراقية للمؤمنين، نجد أنهم بالرغم من كل ما قد وهبهم الله، على المستوى المعنوي، والمستوى المادي: ما وهبهم من هداية، من توفيق، من رشد، من معرفة، من نور، من بصيرة، وارتقاء إيماني، وزكاء نفوس… وغير ذلك، وما وهبهم من تمكين، وما وهبهم أيضاً في هذه الحياة من نعمٍ متنوعة؛ تبقى آمالهم، واهتمامهم، ويبقى تطلُّعهم فيما يتعلق بالمقام الذي يطمحون للوصول إليه، هو هذا العنوان: الصلاح، وأن يكونوا من الصالحين:

• {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[النمل:19]، هكذا دعا نبي الله سليمان «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، بالرغم مما قد منحه الله من نبوَّة، وملك، وإمكانات، وهداية… [أريد أن أكون من الصالحين].

• في دعاء نبي الله يوسف «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، بعدما وهبه الله به من النعم، والتمكين، والمقام العظيم، يدعو أيضاً بأن يدخله الله في عباده الصالحين، ويلحقه بعباده الصالحين.

• وهذا نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في مقامه العظيم، يطلب هذا الطلب.

الإنسان المؤمن، آماله، وتطلعاته، وتَوَجُّهاته، إلى المرتبة التي هي مرضيةٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يعني: عندما نتأمل في واقع الناس، ونلحظ ماهي اهتماماتهم على مستوى المقامات: البعض يريد وظيفة، منصباً مُعَيَّناً، لقباً مُعَيَّناً في إطار منصب مُعَيَّن، مثلاً: رتبة عسكرية مُعَيَّنة، طموحه في هذه الحياة أن يصل إلى رتبة مشير، أو رتبة عقيد، أو رتبة لواء، طموحه في مستوى مُعَيَّن، مثلاً: في المستوى الأكاديمي، أن يصل إلى عنوان بروفيسور مثلاً… وهكذا في اتِّجاهات مختلفة من شؤون الحياة.

الطموح الذي يطمح فيه الإنسان المؤمن مهما بلغ إيمانه: أن يكون في مرتبة الصالحين، هو يدرك أهمية هذا في المنزلة عند الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويدرك أهمية ذلك في القيمة الإنسانية والأخلاقية. قيمة لك كإنسان، المكانة العالية لك كإنسان، التسامي لك كإنسان، أن تكون من الصالحين.

يكون الإنسان صالحاً بخلوصه من الفساد، ومن كل آفات الفساد، وأن يستمر له ذلك الحال، وهذا مما يحرص عليه أنبياء الله حينما يدعون بهذا الدعاء (مِنَ الصَّالِحِينَ)؛ ليبقى صالحاً، ليستمر في طريق الصلاح، وليرتقي في مراتب الصلاح؛ لأن مراتب الصلاح- أيضاً- مراتب متفاوتة، متفاوتة.

فالإنسان في اتِّجاهه ليكون إنساناً صالحاً، بالعمل على أن يَخْلُص من كل آفات الفساد، يكون خالصاً من حالة الفساد: في نفسه، في أعماله، في تصرفاته، وهذا ما يتَحَقَّق للإنسان باستقامته على منهج الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، حيث تزكو النفس، ويَصْلُح العمل؛ فيتخلص الإنسان من شوائب الفساد:

• على المستوى النفسي، وعلى مستوى تَوَجُّهاته، وقلبه، ومشاعره.

• وعلى مستوى العمل، على مستوى الموقف، على مستوى التصرف.

وهذا يسمو بالإنسان، يسمو به كإنسان في درجات الكمال، وفي المنزلة عند الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83].

ثم أيضاً في هذا الجانب، الإنسان مرتبطٌ بالصالحين من أنبياء الله، والهداة من عباد الله، وأولياء الله، له بهم هذه الصلة والعلاقة الإيمانية: يُحِبُّهم، يتولاهم، يقتدي بهم، يتأسى بهم؛ لأن هذا أيضاً مما يحقِّق له الصلاح، وفي نفس الوقت هو مرتبطٌ بهم، هو في زمرتهم، في اتِّجاههم؛ لأنه اتِّجاه ممتد، مسيرةٌ عملية فيها الهداة من أولياء الله، من أنبياءه، والصالحين من عباده من ورثة كتابه.

الإنسان لا يتَّجه الاتِّجاه الإيماني ويحمل الشعور الانفرادي: أنه لوحده، صالحٌ لوحده، اتِّجاهه لوحده؛ هناك الأسوة في طريق الصلاح، هناك القدوة، لا يمكنك أن يتَحَقَّق لك الصلاح وتنفصل عن مسارهم، عن الاقتداء بهم، حتى عن المحبة لهم والتولِّي لهم؛ لأن هذا مما يساعدك على أن يتَحَقَّق لك الصلاح، وهو جزءٌ من الصلاح بنفسه. الكلام عن هذا الموضوع يطول، ونحن نسعى على الاختصار.

{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}[الشعراء:84].

وذلك ليمتد تأثيري في الهداية للناس إلى طريق الحق، وإلى طريق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وفي العمل لإصلاحهم وإنقاذهم، ليمتد ويتجاوز زماني ومكاني، وهذا شيء عجيب في طموح نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وفي تَعَلُّقِه بالحق والهدى.

تَعَلُّق الإنسان بالحق والهدى، وانتماؤه الأصيل له، يجعله حريصاً على نصرة هذا الحق، وهذا الهدى، وأن يَعُمَّ في أرجاء الناس، في أرجاء المعمورة، في أوساط المجتمع، وفي نفس الوقت حرصه على هداية الآخرين، يجعله حريصاً على أن يهدي أكبر قدرٍ ممكنٍ من الناس؛ فلـذلك هو يرغب في أن يكون في طريقته، ونهجه، وما هو عليه، مذكوراً بالخير وبالصدق، وأن يمتد هذا الذكر في الآخِرِين، بما يتجاوز زمانه ومكانه، ليمتد مع ذلك هذا التأثير في هداية الناس، حينما ينظرون إلى تلك الطريقة أنها طريقة عظيمة، مُقَدَّسة، ناجحة، صالحة؛ فيها الفوز، فيها الفلاح، فيها الخير؛ فينجذبون إلى ذلك؛ فيمتد هذا التأثير في هدايتهم، وفي خدمة طريق الحق والهدى، متجاوزاً لزمانه ومكانه.

{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}[الشعراء:85].

الجنــــة، التي هي من وعد الله العظيم، وهي الجزاء العظيم الأوفى، بما فيها من النعيم المادي والمعنوي؛ لأن جزءاً مهماً من نعيم الجنة هو: التكريم المعنوي، ومعه النعيم المادي، الذي هو راقٍ جداً.

الله علَّمنا فيما يتعلق بما وعدنا به، من الجزاء العظيم على الأعمال الصالحة والتقوى، وعدنا بالجنة، قدَّم لنا في كتبه: أوصافها، أنواع النعيم فيها، الأحوال للإنسان فيها، على نحوٍ واسع، في القرآن الكريم بشكلٍ عجيب جداً، يتحدث عن الجنة:

• عن سعتها: عالم عظيم ووسيع، وشاسع جداً، {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}[آل عمران:133]، وفي نفس الوقت مع سعتها الهائلة جداً هي بكلها جنة، ليست صحاري، ليست قِفَاراً خالية غير صالحة للحياة، بل هي بكلها جنة.

• يذكر ما فيها من النعيم بكل أنواعه: ما فيها من المزارع، من البساتين، من الأشجار، من الثمار، من الفواكه، التي هي بأعداد هائلة جداً: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}[الرحمن:52].

• يذكر ما فيها من الأنهار المتنوعة، بما في ذلك الأنهار من اللبن، والعسل… وغير ذلك، مع أنهار الماء، الذي هو صافٍ ونقي، ولا يشوبه شائبة، ولا يتغير، ولا يَأسَن… ولا أي شيءٍ من ذلك، من العلل والآفات التي تؤثِّر عليه.

• يذكر ما فيها من المساكن الطَّيِّبَة.

• ما فيها أيضاً من الحياة الأبدية، بسلامةٍ من الموت، والهرم، والمرض، والغم، والضَّجَر، والنصب، والتعب.

• الحياة فيها بطريقة محترمة جداً وراقية، ليس هناك ما يجرح مشاعرك حتى بكلمة مسيئة، أو تجرح مشاعرك: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}[الغاشية:11]، تعيش فيها محترماً، في النعيم الواسع العظيم: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:35]، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ}[الزخرف:71]، أرقى النعيم فوق حتى تقديرات الإنسان: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة:17]، أرقى النعيم المادي، بأصناف كثيرة وهائلة جداً، وحياة سعيدة.

• يصف ما فيها من: الحور العين، والمساكن، ومجاورة الأنبياء وأولياء الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والرفقة مع الصالحين… أنواع النعيم العظيم جداً.

كل ما يُمَثِّل رغبةً وحاجةً حقيقيةً للإنسان، هو متوفرٌ فيها بأرقى مستوى، وخالصاً من كل شوائب تُنَغِّص على الإنسان حياته ومعيشته؛ فهي بالشكل الذي يرغب فيها الإنسان، يعني: الله لا يعرض لنا نعيماً عادياً نرى في الدنيا أحسن منه، أو يُقَدِّم لنا أحدٌ عروضاً أكبر، بين كل العروض المغرية، التي تؤثِّر على الكثير من الناس، لو يُقَدِّم الإنسان مقارنة، يقارن- هو بنفسه- قبل أن ينجذب إلى طريق الباطل، أو خط الباطل، أو طريق الشهوات العمياء بطريقة منفلتة: بين كل رغباتك، وشهواتك، وآمالك، وطموحاتك المادية والمعنوية، استعرض لنفسك أنت، ما هو الذي قد تتَّجه به فيبعدك عن الجنة، ما هو؟ هل هو مثل ما في الجنة، أو أرقى من ذلك؟ فلا بأس تفضل؛ ستجده ليس شيئاً، لا يساوي شيئاً في مقابل الجنة، فلماذا إذا كان ما يغويك، أو يغريك، أو يُضِلُّك، أو يفسدك، أو يوقعك في العصيان: رغبات، وطموحات، وشهوات، لماذا لا تنظر إلى ما هو أرقى منها، أعظم منها، أفضل منها، وللأبد، في حياة هنيئة، وتنجذب إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؟!

غفلة الإنسان عن مثل هذه المقارنة، وعن التأمُّل فيما عرضه الله من النعيم، هي حالة خطيرة على الإنسان؛ تجعله يُهْلِك نفسه، يوبق نفسه، من أجل شهوةٍ زائلةٍ فانية، يعقبها الندم، ويعقبها العذاب، ومُنَغَّصة؛ ولـذلك هذا مما يَشُدُّنا إلى الله، تتحوَّل نفس شهواتنا، رغباتنا، آمالنا، طموحاتنا المادية، طموحاتنا المعنوية، تتحوَّل بكلها إلى عامل يَشُدُّنا إلى الله؛ لأن لدى الله أعظم ما نرغب به، وأرقى حتى مما نتصوره، في هذا نفسه: في مجال الشهوات، والرغبات، والأطماع المادية، والأطماع المعنوية، ومقام التكريم، والأهمية… وغير ذلك؛ المساكن، الحور العين، أنواع الطعام، أنواع الشراب، أنواع الملابس، أنواع الأثاث، المزارع، البساتين، المُلك العظيم، والتكريم المعنوي، تكريم حتى من جهة ملائكة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

ولهـذا استعراض ذلك يَشُدُّ الإنسان إلى الله، وهذا مما يفيدنا عندما نتلو القرآن الكريم، وفي التذكير أيضاً؛ ليكون ذلك حافزاً لنا على الابتعاد عن المغريات، والأطماع، والأهواء، التي تبعدنا عن طريق الله ونهجه «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ}[الشعراء:86].

دعاؤه بالمغفرة لأبيه هو: دعاءٌ بأن يوفِّقه الله للتوبة، ولا يعاجله بالعقوبة قبلها، يعني: ليس معناه أنه يطلب من الله أن يسامح أباه، ويبقى أبوه على شركه، يبقى على حالة الشركة، ليس المقصود ذلك، لا، هذا لكان إغراءً على المعصية لكنه يطلب من الله هذه المغفرة، التي فيها الإمهال، وعدم المعاجلة بالعقوبة، والتوفيق للتوبة، من مثل قول الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ}[النحل:61]، من مثل قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}[الرعد:6]، يعني: يُمْهِل، يُوَفِّق البعض للتوبة، يترك لهم المجال ليتوبوا.

وكان هذا الاستغفار عن موعدةٍ وعدها إياك، كما في الآية المباركة الأخرى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[التوبة:114]، حينما لاحظ إصراره وعناده.

{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}[الشعراء:87].

يوم البعث: يوم القيامة، يوم القيامة. من أهم ما في يوم القيامة في مقام الحساب والجزاء، هو: انكشاف الناس على حقيقتهم، والتعامل معهم على أساس ذلك.

في الدنيـــا، قد يكون البعض حتى من كبار الطغاة والمجرمين، يُقَدِّم نفسه، ويمتلك من وسائل الإعلام ومن الأعوان من يُمَجِّدُونه، من يُعَظِّمونه، من يُقَدِّمونه رمزاً للناس، من يَشُدُّون الناس إليه، من يحاولون أن يُغَطُّوا على جرائمه وقبائحه وسيء أعماله، ويكون في مقامٍ معنويٍ مُعَيَّن، في نفوذه، في تأثيره، في شعبيته؛ ولـذلك نجد في هذه الدنيا الكثير من الطغاة والمجرمين ولهم شعبية واسعة في المجتمع، البعض حتى من كبار الطغاة، من أسوأ المجرمين في الأرض، وكان له شعبية مُعَيَّنة، ومقام معنوي عند الناس، يعني: عندما تشاهد- مثلاً- في التلفاز مشاهد تشييع جثمان (إستالين)، واحد من أكبر المجرمين في العالم، في (الاتحاد السوفيتي)، وترى كم التف من الجماهير، والبعض من عامة الناس يبكون عليه بكاءً شديداً.

ففي هذه الدنيا، قد يكون الإنسان استند إلى ماله، إلى- أيضاً- التأثير على المجتمع فيما يتعلق باعتبارات مُعَيَّنة، تصبح ذات أهمية لدى الناس، وفي منظورهم، ويكون الإنسان من خلالها مهماً عندهم، وَمُعَظَّماً وَمُرَمَّزاً لديهم بسببها.

لكن في مقام القيامة، يظهر الناس على حقيقتهم، بمعيار الأعمال الصالحة والأخلاق، القيمة الحقيقية للإنسان؛ وبالتـالي يظهر البعض ممن كانوا في الدنيا إِمَّا يُغَطُّون على جرائمهم، ويُرَمِّزُون أنفسهم، ويُرَمِّزوهم أتباعهم والضالُّون معهم، يظهرون على حقيقتهم، وهي حقيقة مخزية، تظهر مساوئ أعمالهم، قبائح أعمالهم، وآثارها في الحياة، كم كانت تأثيراتها سيئة، ويظهرون في حقيقتهم، فيما كانوا عليه من السوء، من القُبْح، من الإجرام، من الدناءة.

ومع ذلك هناك التوبيخ لهم، الإهانة، والفضيحة لهم في مشهد القيامة، على مرأى الخلائق، ومسمع الخلائق، بمحضر ملائكة الله، وأنبياء الله؛ فهو مشهد رهيب جداً لحالة الفضيحة، والإهانة، والإخزاء، وحتى في المعاملة لهم، فيما يتعلق بالحساب، وما بعد الحساب، في تجهيزهم للنقل إلى جهنم، تعاملهم ملائكة الله بالإهانة والإذلال، حالة رهيبة جداً من التبكيت، من الإهانة بكل أشكالها.

فهو من أهم الحالات التي يحذر الإنسان منها، عليه أن يحذر منها، الإنسان في هذه الدنيا إذا افتضح في قضية تُمَثِّل فضيحةً له، وخزياً له، ونقيصةً له، على مستوى قيمته الإنسانية، وكرامته الشخصية، كم يؤثِّر عليه ذلك؟ أحياناً قد يتمنى الإنسان الموت في بعض الأمور، أو يتمنى أنه لا وجود له في هذه الحياة، فما بالك في مشهد القيامة! ولذلك في اهتمامات الإنسان المؤمن، هو أنَّه يرجو الله ألَّا يُخْزِيَّه يوم البعث، ويسعى للخلاص من الأمور المخزية، والحذر من الأمور المخزية، ومن الفضائح، ومن الهوان في الآخرة والعياذ بالله.

{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:87-89].

في يوم القيامة لا ينفع المال، الناس ينظرون إلى المال هنا في الدنيا على أن منافعه كثيرة، وأنَّه يفيدهم حتى في هذه الأمور:

• في الأمور المعنوية: يعني: البعض من الطغاة والمجرمين يستندون في نفوذهم وتأثيرهم في المجتمع، وأن يحظوا بمكانة اجتماعية، على المال، الإغراء بالمال، يصبح لهم أشياع، وأتباع، وأعوان، بماذا؟ بالدافع المادي، الارتباط بهم ارتباط مادي.

• مكاسب وأطماع الحياة: يرون فيها أنها تتَحَقَّق عن طريق الإمكانات المادية، وتتوفر عن طريق الإمكانات المادية.

• التأثير في الموقف: بالإمكانات المادية…

أشياء كثيرة يربطها الناس بالإمكانات المادية، إلى درجة أنَّ البعض من الناس يعبد المال، يعني: يتصوَّر المال كل شيء، وأنَّه بإمكانه أن يحقِّق لنفسه أي شيءٍ يريده عن طريق المال، وأنَّ يقي عن نفسه ما يريد وقايته عن طريق المال؛ فيرى في المال والإمكانات المادية أنَّها الأساس لكل شيء، وهذا تَوَجُّه مادي لدى الكثير من البشر، يعني: أصبحت نظرتهم- فعلاً- هكذا، وعلاقتهم بالإمكانات المادية والمال هي هذه العلاقة: أنه الأساس في كل شيء، والحل لكل شيء؛ ولـذلك يتَّجهون إليه كلياً في حياتهم؛ لأنهم يعتبرونه مصدر النفع، والوقاية من الضر.

بينما يعلِّمنا الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» كيف ننظر إلى المال أنه وسيلة وليس غاية، وسيلة وليس غاية، وليس هو كل شيء، حتى على مستوى الوسائل ذات الأهمية للإنسان والتأثير في دنياه وفي آخرته، هناك أمور مهمة جداً؛ ولـذلك لا تكون علاقتنا بالمال بالشكل الذي يؤثِّر على اهتماماتنا الأخرى، على حساب التزامنا الإيماني، القيمة الإنسانية، القيمة الأخلاقية.

الإنسان إذا عبد المال؛ يبيع كل شيءٍ من أجل المال: يبيع الحق، يبيع الدين، يبيع العرض، يبيع الشرف، يبيع كل شيءٍ نفيسٍ غالٍ مما لا يباع بالمال، يبيعه بالمال، يبيع قيمته الإنسانية، يبيع المواقف بالمال، الولاءات تتحول عنده على أساس المال، العداوات تتحول على أساس المال، كل شيء يتحول عنده على أساس المال، يتحول المال إلى معيار له؛ لكن قد تكون النتيجة: أنَّ يتحمَّل الآثام والأوزار، ولو امتلك ما امتلك من المال بهذه الطريقة، فهو سيأتي يوم القيامة وهو محملٌ بالأوزار، وحينها لا يمثل المال أي أهمية، أو قيمة، لإنقاذه مما هو فيه، يأتي يوم القيامة محمَّل بالذنوب، بالمعاصي، بالأوزار، في أعماله السيئة، في مواقفه السيئة، في اتِّجاهاته السيئة، في ظلمه، في سوء تصرفاته، وحينها هل يمكن أن يعمل له المال شيئاً؟ لا، سيقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:28]، لم يعد يُمَثِّل أي أهمية، مع أنَّه لو أمكن للإنسان في تلك اللحظة أن يقتني الأرض بكلها، ويفتدي بها؛ لافتدى بها، {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الزمر:47]، لكن لا مجال أبداً.

القيمة التي ستنفعك، وتوصلك إلى أرقى نعيم مادي، إلى أرقى نعيم مادي، والسلامة من العذاب، وتوصلك إلى أرقى تكريم، هي: الأعمال الصالحة، والإيمان، والتقوى، هي التي كنت ستتحرَّك من خلالها حتى مع المال بطريقة صحيحة، تجعل منه وسيلةً في إطار القربة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وليس سبباً لتحمُّل الأوزار والذنوب.

كذلك الثروة البشرية: البنون، البنون على مستوى أولادك أنت، أو على مستوى أعوانك، لا يمكن أن ينفعوك بشيءٍ يوم القيامة، إن لم تكون في هذه الدنيا اتَّجهت اتِّجاه الإيمان والتقوى، حتى الأبناء عندما تربيهم على التقوى، تصبح هذه التربية، وهذا الجهد في إصلاحهم، محسوبةً لك، نافعةً لك يوم القيامة؛ أمَّا أن يكونوا هم سنداً لك، ولو كانوا في اتِّجاه الباطل، أو كنت أنت في اتِّجاه الباطل، فذلك يومٌ {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا}[لقمان:33].

بل يخبر الله أنَّ المجرم يود يوم القيامة {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}[المعارج:11]، ولكن لا يمكن أن يكونوا فداءً لك، أو وقايةً لك من العذاب، أو سلامةً لك.

البعض من الناس من أجل أسرته قد يتَّجه في طريق الباطل، يريد أن يوفر لهم ظروفاً معيشية كبيرة، راقية… إلى غير ذلك؛ فيسبب لنفسه الهلاك، ولا ينفعونه يوم القيامة بشيء.

{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:89]، الذي ينفعك في يوم القيامة: أن تُقْبِل على الله {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، لماذا القلب السليم؟ لأنه مع القلب السليم تكون أعمالك صالحة، ويكون اتِّجاهك في هذه الحياة اتِّجاهاً إيمانياً؛ لأن القلب هو معدن التقوى، هو موطن الإيمان، القلب بنفسه.

وسلامـــة القلـب هـي تعنـي:

• سلامته على المستوى العقائدي: لا تحمل عقائد باطلة، عقائد سيئة، سواءً في دينك؛ فتسيء إلى الله وإلى دينه، أو في مختلف أمورك الفكرية، لا تحمل العقائد الباطلة.

• على مستوى السَّلامة من العلل والآفات في مساوئ الأخلاق، كـ:

• الكبر: الكبر أين يستوطن من الإنسان، قبل أن يتجسَّد بشكل تصرفات، وأعمال، وسلوكيات، ومواقف؟ في الحالة النفسية، في مشاعر الإنسان وقلبه.

• الحسد كذلك: أين يستوطن قبل أن يترجم إلى مواقف، وتصرفات، وسلوكيات، ومعاملات؟ في مشاعر الإنسان وقلبه، في قلبه.

• الشُح: أين موطن الشح؟ في القلب، ثم يتجسَّد في تصرفات الإنسان طمعاً وبخلاً، وتصرفاتٍ ظالمة في هذه الحياة مبنيةً على ذلك… وهكذا بقية العلل.

• الميول الفاسدة: الميول الفاسدة نحو الفساد اللاأخلاقي، أين منبعها، وموقعها؟ في داخل القلب، وهكذا.

فسلامة القلب أيضاً من هذه العلل.

• من الشك أيضاً: الشك تجاه هدى الله، تجاه حقائق الإيمان، حقائق الهدى، أين يعرض هذا الشك؟ موطنه في قلب الإنسان، في داخل قلب الإنسان.

• العداوات والولاءات: البغض لأولياء الله، عندما يكون في قلبك، هذا من العلل الخطير جداً عليك؛ أو الحب والولاء لأعداء الله، كذلك يشكِّل خطورةً عليك.

فسلامة القلب هي سلامة كاملة: على مستوى العقائد، على مستوى العلل، والسلامة من العلل والآفات، في مساوئ الأخلاق؛ لأنها جذور للمعاصي، ينتج عنها في تصرفات الإنسان، الإنسان يتَّجه في الأعمال السيئة بدوافع من قلبه، ويتَّجه في الأعمال الصالحة بدوافع من قلبه؛ فالقلب مؤثِّر، هو مضغة إذا صلحت، صلح الجسد بكله؛ وإذا فسدت، فسدت الجسد بكله؛ فالإنسان يحرص على صلاح سريرته، وصلاح باطنه؛ ليكون مع ذلك صلاح ظاهره، وصلاح علانيته.

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الشعراء:90].

يعني: تُقرَّب الجنة في مشهد عجيب جداً، على سعتها، وكبرها، وعظمها، تقرَّب قريباً من ساحة المحشر؛ حتى يكون سفر المؤمنين إليها، وانتقالهم من ساحة المحشر إليها بدون جهد، بدون عناء، لا يحتاجون إلى سفر طويل جداً، وهو مشهد عظيم من مشاهد القيامة، وحتى مشهد انتقال المتقين من ساحة المحشر إلى الجنة، وبقاء غيرهم هناك لينتقلوا إلى النار، هو من أكبر المشاهد يوم القيامة، ومن المشاهد التي فيها حسرة كبيرة جداً على المنافقين، حينما ينادون المؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد:13]،.

كم هي حسرة الإنسان حينما يرى المتقين- وقد يكون البعض منهم من رفاقه، أو أقربائه، أو مجتمعه- يراهم وهم يذهبون إلى الجنة، في موكبٍ نوراني، مكرَّمين معززين، {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}[مريم:85]، ويرى نفسه مطروداً، مُنِع من الذهاب معهم، حتى لو طلب منهم أن يأخذوه معهم لا يمكنهم ذلك، وهو يُطرد، وهم لن يتعاطفوا معه، ولن يتفاعلوا معه، هذا أمرٌ لا يعنيهم أصلاً، فهي حالة خطيرة على الإنسان، المشهد مشهد عجيب، من أكبر وأهم مشاهد القيامة، التي فيها حديثٌ واسعٌ عنها، حديثٌ واسعٌ في القرآن الكريم.

وهنا يتبين لنا لمن الجنة؟ الجنة للمتقين، كم تكرر هذا في القرآن الكريم، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، لابدَّ من التقوى.

نحن في شهر رمضان في شهر التزوُّد بالتقوى، نتربى على التقوى، نتزوَّد التقوى، نهتدي بهدى الله بما يدفعنا أيضاً إلى الالتزام بتقوى الله، والتقوى تأتي في الالتزام الإيماني في أعمالنا، في معاملاتنا، في تصرفاتنا، في مسؤولياتنا الكبيرة:

• مسؤوليتنا في إقامة دين الله.

• مسؤوليتنا في إقامة القسط.

• مسؤوليتنا في الجهاد في سبيل الله.

• في الإنفاق في سبيل الله.

• مسؤوليتنا في التصدِّي لأعداء الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:102]، في مواجهة خطر اليهود والنصارى.

وهكذا، الالتزام بالتقوى هو الأساس، الجنة ثمنها هو التقوى، والطريق إليها عن طريق التقوى.

{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}[الشعراء:91].

البديل عن التقوى هو طريق الغواية، طريقٌ مِعْوَجَّة، ليست في إطار الصراط المستقيم، ليست طريق الرشد، طريق غواية، مِعْوَجَّة، ومؤدَّاها إلى نار جهنم، إذا سار الإنسان فيها، لا يمكن أن توصله إلى الجنة، لا يمكن أن يوصلك إلى الجنة إلَّا طريق التقوى، هو طريق الجنة.

• التقوى: هي طريق الجنة.

• الغواية والخروج عن التقوى: هي طريق من ذهب فيها مؤدَّاها إلى نار جهنم.

نلحظ في الدنيا مثلاً، عندما يكون هناك منطقة معينة، في مكان معين، وأنت تذهب باتِّجاه معاكس لها، هل ستصل إليها؟ لا يمكن أن تصل إليها، فمؤدَّى طريق الغواية، التي هي بديلٌ عن طريق التقوى، مؤدَّاها إلى جحيم جهنم، وهي- كذلك- تظهر لأهلها، قبل أن ينقلوا إليها من ساحة المحشر، في مشهدٍ رهيب، {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان:12]، مشهد رهيب يمتلئون منه خوفاً ورعباً، وحالة الندم فيهم تصل إلى أعلى مستوى، يتمنون أن لو يموتون على الفور في تلك اللحظة، وأنهم لم يبعثوا.

{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ}[الشعراء:92-93].

وجهتكم في هذه الدنيا بديلاً عن الله، سواءً كان ما تعبدونه أصناماً، أو شيطاناً، أو مضلين، أو كان مادةً، أو أهواءً، أو رغبات… هل يمكن أن يشكِّل لكم وقاية، أن ينصركم، أن يغيثكم، أن ينقذكم؟

{فَكُبْكِبُوا فِيهَا}[الشعراء:94].

نُقلوا إلى جهنم، بعد المشهد الرهيب وهم يشاهدونها، يحشرون إليها، دفعاً، رغماً عنهم، {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13]، وبطريقة مخزية، مُذِلَّة، مهينة، تدفعهم ملائكة العذاب، وتسحبهم إلى نار جهنم.

وحينما تصل بهم إلى عالم النار، عالم: مكان كبير جداً وشاسع، تلقي بهم ملائكة العذاب إلى نار جهنم إلقاءً؛ لأنهم لا يدخلون رغبةً، وطواعيةً؛ فَيُدْخَلُون إجبارياً، وقسراً، بالإلقاء لهم مُنَكَّسِين على رؤوسهم، يلقى إلى نار جهنم وهو منتكسٌ على رأسه، فيصل على رأسه وجهه إلى نار جهنم والعياذ بالله، مشهد رهيب جداً! وهذه حالة الدخول إلى نار جهنم.

• حالة الذهاب إلى الجنة بتكريم، واستقبال من الملائكة على أبوابها: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر:73]، ودخول بفرحٍ عظيمٍ وسرورٍ لا يوصف، وفي نفس الوقت شعورٌ بالفوز والسعادة، وإلى عالم الجنة العظيم الهنيء.

• أمَّا إلى نار جهنم، فالدخول بطريقة مهينة، مُذِلَّة، وبذلك الإلقاء إليها، مُنَكَّسين على رؤوسهم، يصلون على وجوههم، ويسحبون في النار على وجوههم، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر:48]، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}[النمل:90]، نعوذ بالله، أمر رهيب جداً!

{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}[الشعراء:94].

كل الغاوين، كل الذين خرجوا عن طريق التقوى، وساروا في طريق الغواية، هي طريق أوصلتهم إلى نار جهنم.

{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}[الشعراء:95].

جنود إبليس، من هم جنود إبليس؟ كل الذين تجنَّدوا في هذه الدنيا لخدمة الباطل، ونصرة الباطل:

• سواءً التجنُّد عسكرياً. وما أكثرهم، جيوش كثيرة!

• أو التجنُّد إعلامياً.

• أو التجنُّد في ميدان الثقافة والفكر…

أو التجنُّد في أي مجال من المجالات، حينما تكون المهمة الرئيسية للإنسان في هذه الحياة نصرة الباطل، ودعم الباطل، والصدّ عن الحق، والمحاربة للحق والهدى؛ يصبح متجنِّداً مع إبليس؛ لأن أولياء الشيطان بكل فئاتهم، هم تشكيلات تعمل في نفس الاتِّجاه الشيطاني:

• في الإضلال.

• في الإفساد.

• في الصدّ عن طريق الله، عن الحق، عن نهج الله.

• في صرف الناس عن الالتزام بدين الله.

• في إغوائهم.

• في إفسادهم.

وبالتالي يكون مجنَّداً مع الشيطان.

فجنود إبليس هم من مختلف البلدان، ومن مختلف الأوطان، ومن مختلف الأديان، ومن مختلف الأزمان، بكلهم يحشرون إلى جهنم، ويكبُّون في نار جهنم على وجوههم، ويلقون إليها بتلك الطريقة المخزية.

حينما يصلون إلى ذلك العذاب، والخزي، والخسران الأبدي، تغيَّرت أحوالهم، كانوا في الدنيا تتظافر جهودهم، يتعصَّبون، يتعاونون معاً في نصرة الباطل، وخدمة الباطل، الذي هو خدمة للشيطان، وصدّ عن سبيل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويقاتلون مع بعضهم جنباً إلى جنب، ويقفون مع بعضهم صفاً واحداً، وهذا كان من أكبر العوامل لتخليد الباطل، ونشره في الأرض: أن له أنصار، يقاتلون في سبيله، يعملون من أجله على كل المستويات، وكان من أهمِّ ما يؤثِّر على الكثير من الناس في صرفهم عن طريق الحق: أنهم يرون ما عليه أهل الباطل من قوة عسكرية، من تجنُّد، من تظافر جهود، من تحرك لخدمة الباطل بكل الوسائل؛ الكثير من الناس يتهيَّب، ويتَّجه في صف الباطل.

ففي نار جهنم، بعدما كانوا في الدنيا كتلة، تتعاون، تتَّجه في المواقف بشكلٍ واحد، تغيَّرت الأحوال، وتقطَّعت الأسباب، ما بين القادة والمتبوعين، وما بينهم هم ككتلة واحدة في الدنيا، كانوا يتَّجهون، يقاتلون، يتعاونون، تتظافر جهودهم؛ تحوَّلت حالتهم في النار إلى حالة خصام:

{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:97-98].

يحلفون (تَاللَّهِ)، ومتعجِّبين من أنفسهم، كيف تاهوا إلى هذا الحد، أن يسووهم في الطاعة لهم بربِّ العالمين؛ فجعلوا طاعتهم فوق طاعة الله، وأطاعوهم بدلاً عن طاعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، واتَّبعوهم بدلاً من اتِّباع نهج الله الحق؛ فهم يأسفون، ويتحسرون، يدركون أنَّ تلك كانت ورطة رهيبة، وحمق كبير، وضلال مبين، وغباء بكل ما تعنيه الكلمة.

{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ}[الشعراء:99].

المجرمون هم مصدر ضلال، المجرمون يعملون على إضلال الناس كوسيلة للتحكم بهم، والتأثير عليهم، والتأقلم معهم، كيف يتأقلم الناس معهم؟ كيف يتقبلهم الناس؟ كيف يطيعهم الناس؟ ترى مجرماً بكل ما تعنيه الكلمة، مصدر للجرائم، يرتكب أنواع الجرائم، والناس يطيعونه، وهو بصفة رئيس، أو ملك، أو قائد، أو شخصية اجتماعية لها طاعة في المجتمع، ونفوذ وتأثير، والناس يعرفونه أنه مجرم، كيف تحولوا إلى متقبِّلين له، مطيعين له؟ وجزءٌ من إجرامه يعتمد على نفوذه، يعني: نسبة كبيرة من الجرائم تحتاج إلى نفوذ، إلى سلطة، إلى تأثير، إلى قابلية في المجتمع، إلى أعوان، بعض الجرائم ترتكب بأعوان.

نلاحظ مثلاً مجرمي العصر: أمريكا وإسرائيل، جرائمهم الكبرى هي جرائم قائمة على أساس أعوان، جرائم جماعية، جرائم: عدوان، احتلال شعوب، إبادة مجتمعات، نهب ثروات، سيطرة، وكذلك نشر واسع للباطل والضلال؛ فهم يعتمدون على الإضلال، بل الإضلال واحدٌ من جرائمهم، يضلُّون الناس، عملية الإضلال خطيرة؛ لأنها تجعل الناس يتقبَّلونهم، يتقبَّلونهم، ينخدعون لعناوينهم، لتبريراتهم، لفلسفتهم؛ فيتَّجهون معهم، ولديهم فلسفة وتبريرات لذلك، ولديهم ما يقدِّمونه كمفاهيم خاطئة، دعايات باطلة، زُخرُف القول، شُبَه تصرف الناس عن الحق، وتصدهم عنه؛ حتى يؤثِّروا على الكثير من الناس، فيترك طريق الحق، ويتَّجه معهم.

{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}[الشعراء:100-101].

لم يبقَ هناك أي شيءٍ ينقذهم، لا شفاعة، ولا وساطات، ولا تدخلات، ولا صداقة تنفعهم، صديق حميم، [الصديق عند الضيق]؛ من أجل أن يخفف عنهم، ويواسيهم، ويعمل لهم شيئاً، ليس هناك مجال لذلك.

{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:102].

لأنها كانت في الدنيا وساطات تعتمد كوسيلة، صديق حميم يكون له دورٌ في مساندة الإنسان وقت الشدائد، والمضائق، والمعاناة؛ هناك لا مجال، {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:102]: رجعه إلى الدنيا؛ فنتَّجه الاتِّجاه الوحيد الذي فيه النجاة: اتِّجاه الإيمان، والإيمان ثمرته التقوى.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:121-122].

استكملناها مع استكمال شهر رمضان المبارك، هناك أيضاً قصص لنبي الله إبراهيم في سور أخرى، قد نكمل البعض منها- إن شاء الله- في شهر ذي الحجة، إذا أمد الله في العمر.

نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • “الغارديان” البريطانية تكشف جانبًا من جرائمِ القتلِ الوحشية التي ارتكبها العدوّ الإسرائيلي في غزةَ
  • بينهم 9 أطفال.. 19 شهيدا باستهداف العدو الإسرائيلي لعيادة “أونروا” في مخيم جباليا
  • تصعيد اسرائيلي خطير قبيل زيارة أورتاغوس ولبنان يترقّب بحذر
  • جيش لبنان يتعرض لنيران “إسرائيلية” أثناء إزالة سواتر ترابية بـمرجعيون
  • ألوية الناصر صلاح الدين تنعَــى الشهيدَ القائد “بدير” ونجلَه في العدوان الصهيوني على ضاحية بيروت الجنوبية
  • “الجهاد” تُدين العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت
  • العدو الإسرائيلي يصدر “أوامر إخلاء” للمواطنين الفلسطينيين في عدة مناطق بمدينة رفح
  • قائد الثورة الاسلامية في ايران يتوعد بـ”رد حازم” على أي هجوم
  • في محاضرته الرمضانية السادسة والعشرين قائد الثورة: طموح الإنسان المؤمن يجب أن يكون في مرتبة الصالحين
  • القيادةُ العسكرية في صنعاء تتوعَّــدُ “العدوَّ الأمريكي” بهذا الرد القاسي