لجريدة عمان:
2024-10-17@18:26:27 GMT

عش حياتك.. لا ترضِ الآخرين!

تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT

عش حياتك.. لا ترضِ الآخرين!

يقول ابن قيم الجوزية: «رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك فاترك ما لا يدرك وأدرك ما لا يترك»، أما الإمام الشافعي -رحمة الله عليه- فيؤكد قائلا: «إنك لا تستطيع أن ترضي جميع الخلق، فأصلح ما بينك وبين الله في شأنك كله، ثم لا تبالِ بالناس».

ما يدفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو كثرة ما نراه من تودد ونفاق و«تطبيل» وتصرفات غريبة تصدر عن بعض الناس الذين يتخلون عن قيمتهم الإنسانية ويجحفون حقوقهم الطبيعية، قد نعتبرهم أشخاصا واهمين وليسوا -كما يعتقدون أنفسهم- من العقلاء، حتى وإن كانت لديهم قناعة وأسلوب معين يجعلهم يتلونون ويتفننون في قلب الحقائق وإخفائها عن أصحابها، هم أدمنوا الشرب من قارورة التنازلات سواء من مكانتهم أو عاداتهم وتقاليدهم فقط لإرضاء الآخرين حتى وإن كانوا «تافهين في أقوالهم وأفعالهم» إلى أبعد مدى.

العاقل هو من لا يهتم لما يقال عنه، فهو يعرف ذاته وحدوده، والله أعلم بحاله ونيته، لذا فهو لا يقلل من قيمته بتبرير أفعاله لأنه يعي أن سر الفشل في هذه الحياة هو محاولة إرضاء الجميع على حساب نفسه.

ثق جيدا من أمر مهم وهو عندما تقبل بأن تكون «تافها» في حديثك وفي اختياراتك وفي أسلوب حياتك فأنت بذلك تقلل من قيمتك كإنسان منحه الله الكثير من النعم والفضائل ليكون عزيزا بنفسه، قد يضر بمَن حوله أكثر مما يسببه من حرج لذاته، إذن لا تستغرب أن تجد «مهرجا» غايته استقطاب الناس حوله حتى وإن صدرت منه حركات غريبة أو يتحدّث بأسلوب فظ لا قيمة له في الحياة؛ كل ذلك في سبيل إرضاء الآخرين والتقرّب منهم.

أحيانا نسمع البعض يقول: فلان «يضحكنا أو يسلينا»، وهو نصف دوني؛ فهذا الذي يسليك ليس كائنا يلعب في سيرك عالمي، بل شخصية ربما منحه الله القدرة على إدخال السرور على قلبك، إذن هو ليس انتقاص من قيمته -كما ترى- بل هو أمر يجب اعتباره إيجابيا وليس سلبيا -كما يراه البعض. هذا القول بأن فلان يسلينا هو تعبير صريح بأن الشخص الذي يقوم بذلك لا قيمة له في أرض الواقع، فكم من شخصيات «فكاهية» أضحكت العالم بمهارتها وتفردها، وبثت في نفوس الناس السعادة وفرّجت الهموم في مراحل زمنية كانت صعبة للغاية، واستطاعت أن تحجز لنفسها مكانة وقيمة فنية حاضرة في أذهان الناس حتى وإن ذهبت في طريق الفناء؛ لأنها شخصيات لن تتكرر في حياتنا بسهولة ومثال ذلك: «شارلي شابلن، ومستر بين، وعربيًّا إسماعيل ياسين وغيرهم».

الإنسان الرشيد هو من يحفظ نفسه، ويقيم علاقاته مع الناس على مبدأ الاحترام المتبادل حتى وإن كان لطيفا معهم في أسلوب حياته، فهذا الأمر ليس معناه انتقاصا أو هبوطا من قيمة الإنسان بل هو تفرد وقيمة، لكن الإنسان الذي يتعمّد «الهرج والمرج» هو الإنسان المختلف عن الأول تماما، لديه مآربه وأهدافه من أعماله البهلوانية.

الشخص اللطيف ليس «كومبارس أو أراجوز» يتحرك أو يقوم بأعمال سخيفة بغية إضحاك الناس عليه، بل قد يكون أفضل من الأشخاص الذين يقهقهون طويلا ويستمتعون بما يقوله أو يفعله من حركات.

بعض الناس في قمة الشدة تجدهم أكثر هدوءا وسكينة، وربما يضاحكك رغم أن قلبه يمتلئ بالأسى والألم، يتحمّل البعض أعباء كثيرة لا يعلم شدتها إلا الله، ومع ذلك يبدون أكثر قوة في مواجهة الألم وشدته.

إذن، لا تقلل من شأن الضعفاء والبسطاء واللطفاء بل كن قريبا منهم، قد يكونوا بالنسبة لك شمعة مضيئة، لكنها تحترق مع الوقت لتنتهي لا محالة، لذا كن خيرا محبا لكل شخص استراح له قلبك ومنحك الابتسامة والفرح ولا تتعاطف مطلقا مع أشخاص يدّعون اللطف وخفة الظل والدم.

في هذه الحياة هناك أشخاص يقسون كثيرا على أنفسهم، يهبطون إلى مستويات متدنية في سلم الآدمية، لا نجد لبعضهم المبرر الكافي لنقنع أنفسنا بأنهم مجبرون على ذلك من أجل إرضاء الآخرين، أو نفسّر كل ما يفعلونه من أعمال أو من عبث يجرح من إحساسهم، أو يقبلون بأمور لا تليق بأعمارهم أو مكانتهم.

الله سبحانه وتعالى كرّم النفس البشرية وحفظ لها كرامتها، فهذه الكرامة ليست في الحياة فقط بل وبعد الممات أيضا، لذا علينا أن نعي أن قبول التنازلات سواء كان للإطراء أو للتقرب إلى الآخرين أو للحصول على منفعة دنيوية هي أمور لا ينبغي الذهاب إليها حتى في أقوى الظروف وأصعبها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حتى وإن

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر لرئيس مجلس الدولة: الله اختصكم بإقامة العدل بين الناس

استقبل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم الأربعاء بمشيخة الأزهر، المستشار أحمد عبود، رئيس مجلس الدولة، على رأس وفد رفيع المستوى من قيادات المجلس الخاص لمجلس الدولة. 

دور مجلس الدولة في إقامة العدل بين الناس

ورحب الإمام الأكبر برئيس مجلس الدولة والوفد المرافق في رحاب الأزهر الشريف، مؤكدا اعتزازه بقضاة مصر الشرفاء وتقديره لدور مجلس الدولة والجهات القضائية في تطبيق العدالة بين الجميع دون تمييز، وأهمية ذلك على بسط السلم والوئام المجتمعي، وقال «لقد اختص المولى -عز وجل- مجلس الدولة ليقوم بمسؤولية إقامة العدل بين الناس وحماية حقوقهم وحرياتهم، وهي مسؤولية عظيمة، وندعو الله أن يوفقكم وأن تكونوا قدر مسؤوليتها». 

دور الأزهر في نشر صحيح الدين

من جانبه، أعرب رئيس مجلس الدولة عن تقدير قضاة مجلس الدولة لما يقوم به شيخ الأزهر من جهود كبيرة في نشر صحيح الدين وما يمثله من قيمة علمية عالمية تنشر السلام والتعايش بين الجميع.

وفي نهاية اللقاء أهدى رئيس مجلس الدولة، شيخ الأزهر، درع المجلس، كما أهدى الإمام الأكبر رئيس مجلس الدولة نسخه من «كتاب الإمام والبابا والطريق الصعب» للقاضي محمد عبدالسلام الذي جمع بين عمله قاضيا بمجلس الدولة ومستشارا لشيخ لأزهر الشريف خلال الفترة من 2010 إلى 2019.

مقالات مشابهة

  • هل يوجد صيغة محددة للنذر؟.. الشيخ إبراهيم عبد السلام يجيب
  • عبادات مهجورة سبب السعادة في الدنيا والآخرة.. احرص عليها
  • شيخ الأزهر لرئيس مجلس الدولة: الله اختصَّكم بإقامة العدل بين الناس
  • شيخ الأزهر لرئيس مجلس الدولة: الله اختصكم بإقامة العدل بين الناس
  • جودة الحياة
  • حكم طاعة الزوج في عدم الالتزام بالحجاب.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم الصور المرسومة على الملابس وغيرها.. دار الإفتاء تجيب
  • عالم بالأوقاف: الأمن في القرآن ذكر في الجنة والحرم ومصر
  • محمود يوسف يكتب: اتق الله