عش حياتك.. لا ترضِ الآخرين!
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
يقول ابن قيم الجوزية: «رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك فاترك ما لا يدرك وأدرك ما لا يترك»، أما الإمام الشافعي -رحمة الله عليه- فيؤكد قائلا: «إنك لا تستطيع أن ترضي جميع الخلق، فأصلح ما بينك وبين الله في شأنك كله، ثم لا تبالِ بالناس».
ما يدفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو كثرة ما نراه من تودد ونفاق و«تطبيل» وتصرفات غريبة تصدر عن بعض الناس الذين يتخلون عن قيمتهم الإنسانية ويجحفون حقوقهم الطبيعية، قد نعتبرهم أشخاصا واهمين وليسوا -كما يعتقدون أنفسهم- من العقلاء، حتى وإن كانت لديهم قناعة وأسلوب معين يجعلهم يتلونون ويتفننون في قلب الحقائق وإخفائها عن أصحابها، هم أدمنوا الشرب من قارورة التنازلات سواء من مكانتهم أو عاداتهم وتقاليدهم فقط لإرضاء الآخرين حتى وإن كانوا «تافهين في أقوالهم وأفعالهم» إلى أبعد مدى.
العاقل هو من لا يهتم لما يقال عنه، فهو يعرف ذاته وحدوده، والله أعلم بحاله ونيته، لذا فهو لا يقلل من قيمته بتبرير أفعاله لأنه يعي أن سر الفشل في هذه الحياة هو محاولة إرضاء الجميع على حساب نفسه.
ثق جيدا من أمر مهم وهو عندما تقبل بأن تكون «تافها» في حديثك وفي اختياراتك وفي أسلوب حياتك فأنت بذلك تقلل من قيمتك كإنسان منحه الله الكثير من النعم والفضائل ليكون عزيزا بنفسه، قد يضر بمَن حوله أكثر مما يسببه من حرج لذاته، إذن لا تستغرب أن تجد «مهرجا» غايته استقطاب الناس حوله حتى وإن صدرت منه حركات غريبة أو يتحدّث بأسلوب فظ لا قيمة له في الحياة؛ كل ذلك في سبيل إرضاء الآخرين والتقرّب منهم.
أحيانا نسمع البعض يقول: فلان «يضحكنا أو يسلينا»، وهو نصف دوني؛ فهذا الذي يسليك ليس كائنا يلعب في سيرك عالمي، بل شخصية ربما منحه الله القدرة على إدخال السرور على قلبك، إذن هو ليس انتقاص من قيمته -كما ترى- بل هو أمر يجب اعتباره إيجابيا وليس سلبيا -كما يراه البعض. هذا القول بأن فلان يسلينا هو تعبير صريح بأن الشخص الذي يقوم بذلك لا قيمة له في أرض الواقع، فكم من شخصيات «فكاهية» أضحكت العالم بمهارتها وتفردها، وبثت في نفوس الناس السعادة وفرّجت الهموم في مراحل زمنية كانت صعبة للغاية، واستطاعت أن تحجز لنفسها مكانة وقيمة فنية حاضرة في أذهان الناس حتى وإن ذهبت في طريق الفناء؛ لأنها شخصيات لن تتكرر في حياتنا بسهولة ومثال ذلك: «شارلي شابلن، ومستر بين، وعربيًّا إسماعيل ياسين وغيرهم».
الإنسان الرشيد هو من يحفظ نفسه، ويقيم علاقاته مع الناس على مبدأ الاحترام المتبادل حتى وإن كان لطيفا معهم في أسلوب حياته، فهذا الأمر ليس معناه انتقاصا أو هبوطا من قيمة الإنسان بل هو تفرد وقيمة، لكن الإنسان الذي يتعمّد «الهرج والمرج» هو الإنسان المختلف عن الأول تماما، لديه مآربه وأهدافه من أعماله البهلوانية.
الشخص اللطيف ليس «كومبارس أو أراجوز» يتحرك أو يقوم بأعمال سخيفة بغية إضحاك الناس عليه، بل قد يكون أفضل من الأشخاص الذين يقهقهون طويلا ويستمتعون بما يقوله أو يفعله من حركات.
بعض الناس في قمة الشدة تجدهم أكثر هدوءا وسكينة، وربما يضاحكك رغم أن قلبه يمتلئ بالأسى والألم، يتحمّل البعض أعباء كثيرة لا يعلم شدتها إلا الله، ومع ذلك يبدون أكثر قوة في مواجهة الألم وشدته.
إذن، لا تقلل من شأن الضعفاء والبسطاء واللطفاء بل كن قريبا منهم، قد يكونوا بالنسبة لك شمعة مضيئة، لكنها تحترق مع الوقت لتنتهي لا محالة، لذا كن خيرا محبا لكل شخص استراح له قلبك ومنحك الابتسامة والفرح ولا تتعاطف مطلقا مع أشخاص يدّعون اللطف وخفة الظل والدم.
في هذه الحياة هناك أشخاص يقسون كثيرا على أنفسهم، يهبطون إلى مستويات متدنية في سلم الآدمية، لا نجد لبعضهم المبرر الكافي لنقنع أنفسنا بأنهم مجبرون على ذلك من أجل إرضاء الآخرين، أو نفسّر كل ما يفعلونه من أعمال أو من عبث يجرح من إحساسهم، أو يقبلون بأمور لا تليق بأعمارهم أو مكانتهم.
الله سبحانه وتعالى كرّم النفس البشرية وحفظ لها كرامتها، فهذه الكرامة ليست في الحياة فقط بل وبعد الممات أيضا، لذا علينا أن نعي أن قبول التنازلات سواء كان للإطراء أو للتقرب إلى الآخرين أو للحصول على منفعة دنيوية هي أمور لا ينبغي الذهاب إليها حتى في أقوى الظروف وأصعبها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حتى وإن
إقرأ أيضاً:
الدكتور أيمن أبو عمر: الوطن نعمة تستوجب الشكر.. وحبه نابع من الإيمان
أكد الدكتور أيمن أبو عمر، من علماء وزارة الأوقاف، على أن حب الوطن نعمة تستوجب الشكر، وأن التضحيات التي قدمها المصريون على مدار التاريخ هي ثمرة لعقيدة راسخة في وجدان هذا الشعب الأصيل.
وقال الدكتور أيمن أبو عمر، خلال تصريحات تلفزيونية له: "ربنا بيقول: (وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، وواجبنا النهارده إننا نفوق ونستيقظ على النعمة الكبيرة دي.. نعمة الوطن اللي لازم نحافظ عليها بالغالي والنفيس، وده اللي حصل فعلاً من آبائنا وأجدادنا".
وأضاف: "كل بيت في مصر قدم حاجة.. شهيد أو مصاب أو حتى الاستعداد الدائم للتضحية.. دي مش مجرد حكايات.. دي عقيدة بتعيشها قواتنا المسلحة وبيعيشها الشعب المصري كله".
وأكد أن المدرسة والمسجد والمنزل هي محاضن لغرس هذا الإيمان: "المدرس مع الطلبة بيعيش ده، والبيت بيغرس ده، وده من صميم الدين وتعاليمه، لأن حب الوطن من الإيمان".
خطيب الجامع الأزهر: أدعو الذين أسرفوا على أنفسهم بالاعتذار لجموع الناس وللوطنيذكر أن خطيب الجامع الأزهر، أشار إلى أن عيد تحرير سيناء يذكرنا بنصر الله عزّ وجلَّ، ومن الأمانة أن نواكب هذا العيد، بأن ننصر الله عزّ وجلَّ، وأن ننصر دينه وشريعته، لكن نرى بين الحين والآخر من يخوضون في شريعة الله ويشككون في الثوابت ويوَلون وجوه الناس عن المهمات الحياتية التي تعيش فيها الأمة إلى وجهات أخرى مكررة منذ سنوات بنصها وتفصيلها، فكان من الواجب على من أثار الثائرة، أن يتقِي الله عزّ وجلَّ في إثارة الناس، فلا يعكر عليهم دينهم، ولا يعكر على الوطن، استقراره وأمنه والفكر والاجتماعي، ويخوض في ثوابت الدين ليشتت أفكار الناس وأذهانهم واهتماماتهم، ويجرهم إلى هذا الكلام الذي تستغربه عقولهم ولا تعيه أفئدتهم، وهذا ما نبه عليه النبي ﷺ بأن كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ليست مضماراً لأغراض دنيوية، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك، فعلينا الاستيقاظ حتى لا نؤخذ بجرتهم.
وختم د. الصغير حديثه بقوله: عند الاحتفال بعيد تحرير سيناء لابد أن نذكر بأسباب النصر، ولابد أن يندحر وينزوي أولئك المغدورون الذين يلحدون في آيات الله ويحرفون الكلم عن مواضعه، فكلامهم مردود عليه بنص الكتاب والسنة، وهذا الكلام يفتح بابا ومجالا كبيرا لتحكيم الناس بشرع الله، فالإدعاء بالمساواة بين البنين والبنات، والأخوات والأخوة، والأب والأم، والزوج والزوجة، ادعاء باطل، والزعم بأن الآيات تقرر حقاً وليس واجباً أمر مرفوض ولا يعقل، فهذه أنصبة مفروضة، وهي حدود الله عزّ وجلَّ، لا ينبغي علينا أن نتجاوزها أو نعتدي عليها، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. ففكرة وضع قانون يخالف شريعة القرآن المحكمة وطرحه للاستفتاء أكبر كذبة، ويرد عليها بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾.
ودعا خطيب الجامع الأزهر، الذين أسرفوا على أنفسهم بوجوب الرجوع ووجوب الاعتذار لجموع الناس وللوطن، فنحن في وقت أحوج ما نكون فيه بأن نذكر بأن نكون على قلب رجل واحد، وأن نثبت الناس على الحق، وأن ننبذ الفرقة بدل أن ننشرها يقول تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، مذكراً إياهم بالتوبة والاستغفار، وتقدير الأمر بقدره، وبالعلم الذي سوف يسألون عنه يوم القيامة ماذا عملوا فيه؟