الشارقة: «الخليج»
افتتح صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، صباح الخميس، «مؤتمر الشارقة الدولي للذكاء الاصطناعي واللغويات» (SICAL 2024)، الذي يقام بتنظيم من الجامعة الأمريكية في الشارقة، وتستضيفه في مقرها.
وكان في استقبال سموّه، فور وصوله الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة الجامعة، وأحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة في جمهورية مصر العربية، والدكتور عبدالله بلحيف النعيمي، رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، وعبدالله العويس، رئيس دائرة الثقافة، ومحمد الزعابي، رئيس دائرة التشريفات والضيافة، وعدد من المسؤولين وممثلي السلك الدبلوماسي.


وألقى صاحب السموّ حاكم الشارقة، كلمة وصف فيها المؤتمر بأنه حدث عظيم ينتظره الجميع منذ زمن بعيد، متناولاً التقاء جهود البحث العلمي اللغوي بجهود البحث الحاسوبي والتكنولوجي، بحضور المهتمين بالشأن اللغوي من أصحاب القرار لتدارس الموضوعات التي رآها سموّه، أحد أهم موضوعات العصر الراهن.
وتناول التحديات والتطورات التي تطرأ على مجال الذكاء الاصطناعي، قائلاً «إن عالم الذكاء الاصطناعي اليوم عالم كبير مفتوح على كل الاحتمالات، وتواجهنا فيه كثير من التحديات في كل يوم، بل في كل ساعة نشهد تطوراً علمياً جديداً في العالم، بفضل الأبحاث الإبداعية الكبيرة في ميدان الذكاء الاصطناعي، فتوحات علمية واكتشافات كبيرة قربت البعيد، وسهلت العسير، وجعلتنا اليوم نستفيد من كل المخترعات الحديثة في جميع أنحاء المعمورة. والانفجار المعلوماتي الحاسوبي ليس في الجانب المادي فقط، وإنما علاقة هذا الذكاء الاصطناعي باللغات العالمية شيءٌ عظيم، وكلما ازداد العلم تطوراً ازدادت فرص التواصل والانتفاع والنهضة والازدهار عند المجتمعات والشعوب».
وأشار سموّه، إلى الخطوات التي أجرتها الشارقة في دعم الذكاء الاصطناعي وتفعيله في خدمة اللغة، قائلاً «فتحنا صدورنا وقلوبنا ومؤسساتنا لكم جميعاً في شارقة العلم والثقافة، لتنظروا في شأن العلاقات التي تربط بين الذكاء الاصطناعي واللغات جميعاً، ولأن قطار المعرفة والحاسوبيات قد انطلق، فإننا قررنا أن نكون أول الراكبين في هذا القطار، ونمدّ أيدينا إليكم ونساعدكم بقدر ما نستطيع لتسهيل البحث الحاسوبي باللغة العربية».
وتحدث عن المعجم التاريخي للغة العربية وأبرز الجهود والتحديات التي تمت خلال السنوات الماضية حتى اكتماله، قائلاً «الحمدلله، لقد وفقنا في الشارقة، ووفق فريق الباحثين من جميع المجامع اللغوية في شتى البلاد العربية، وانتهينا قبل أيام معدودات من المعجم التاريخيّ للغة العربية الذي بلغت أجزاؤه 127 مجلداً، وهذا فتح عظيم في ميدان الصناعة المعجمية، كلفنا كثيراً من الجهد والوقت والمال، ولكن قلنا ونقول: كل شيءٍ في سبيل العربية يسهل ويهون. وها نحن ندخل ميدان تطوير العمل المعجمي عبر الذكاء الاصطناعي، ونضع جميع المعجم التاريخي الذي أنجزناه في خدمة الدراسات الحاسوبية ليعمّ النفع وتنتشر المعرفة ويسود الأمن والأمان في جميع أقطار الكرة الأرضية».
واختتم سموّه، كلمته قائلاً «أوصي أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات الباحثين في كل الجامعات وفي مجمع اللغة العربية بالشارقة وغيرها، أن يجتهدوا في التوفيق بين الدراسات اللغوية والدراسات الحاسوبية، لأنني مؤمن بأن المستقبل للعلم الحاسوبي، وأُريدهم أيضاً أن يجتهدوا لعرض كل ما هو نافع ومفيد على مواقع الشابكة العالمية، لأن العلم يجب أن يكون موجهاً بمعايير الأخلاق ومبادئ السلام وقيم الوطنية وثوابت أمتنا ومقومات ثقافتنا وعاداتنا الأصيلة».
وكان حفل افتتاح المؤتمر، قد استهل بالسلام الوطني لدولة الإمارات، ألقت عقبها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، كلمة رحبت في مستهلها بالحضور. مشيرة إلى أن التجمع اليوم في إمارة الشارقة يأتي بفضل رؤية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وجهوده الكبيرة بأن تكون الشارقة مركزاً عالمياً رائداً في الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، وتعزيز مكانتها في إثراء التنوع الثقافي العالمي.
وتطرقت إلى أبرز موضوعات المؤتمر وتأثيره والتحديات الناتجة عنه قائلةً «نحن هنا اليوم لمناقشة موضوع بالغ الأهمية، ليس لحاضرنا فقط، بل لمستقبل أجيالنا القادمة، أيضاً. الذكاء الاصطناعي واستخداماته وتأثيره عميق في اللغة والهوية الثقافية، إن هذه التقنية التي تتطور بوتيرة متسارعة تفتح أمامنا آفاقاً وفرصاً لا محدودة، لكنها في المقابل تحمل معها تحديات تتطلب منا مواجهتها بعقلانية واستباقية. ومع التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تزداد مسؤوليتنا في ضمان أن تسهم هذه الابتكارات في تعزيز هُويتنا اللغوية والثقافية، وتتحول إلى أداة فعالة لحمايتها من تيارات العولمة الرقمية. علينا أن نحرص على أن تكون هذه التكنولوجيا في خدمة لغتنا وتراثنا، لا أن تصبح سبباً في اندثار هُويتنا أو فقدان خصوصيتنا الثقافية».
وقالت الشيخة بدور«إن مسؤولية الحفاظ على الهُوية اللغوية للمجتمعات، في سياق التطور السريع لبرامج الذكاء الاصطناعي، لا تقع على عاتق الأكاديميين وحدهم، ولا على المؤسسات الحكومية أو المتخصصين في التكنولوجيا فقط، بل هي مسؤولية جماعية يتحملها كل فرد من أفراد المجتمع».
ووجهت رئيسة الجامعة الأمريكية، التهنئة والشكر لصاحب السموّ حاكم الشارقة، على الإنجاز المحقق في إصدار المعجم التاريخي للغة العربية. مشيرةً إلى «أنه علامة فارقة في مسيرة الحفاظ على لغتنا العريقة. وهذا العمل الضخم لا يسهم في توثيق اللغة العربية فقط، بل يؤكد أهميتها جسراً يصل بين حضارتِنا وتراثنا ومستقبلنا».
وأضافت «أودّ الإشارة إلى جهودنا في الجامعة الأمريكية، لتعزيز دور اللغة العربية ودمجها في العالم الرقمي، فقد أطلقنا مركز الدراسات العربية والحضارات الإسلامية الذي نسعى عبره إِلى تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي في الدراسات العربية ومفرداتها، وتعزيز الأبحاث في الذكاء اللغوي؛ هذه المبادرات وغيرها تؤكد التزامنا الجماعي في إمارة الشارقة بالحفاظ على لغتنا وهُويتنا، وتعزيز قدرتِها على التكيف مع تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات المتقدمة في المستقبل».
واختتمت الشيخة بدور، قائلةً «نأمل بأن يسهم هذا المؤتمر في إيجاد حلول وأفكار عملية لتحقيق اندماجٍ عادلٍ ومتوازنٍ لجميع اللغات والثقافات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتجنّب أي انحياز أو تهميش لأي لغة أو ثقافة، نسعى إلى مستقبل يخدم الجميع، ونتطلع إلى أن تكون نقاشات هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو توجيه الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسانية وضمان مستقبل أكثر عدالة وتوازنا للجميع».
شاهد بعدها صاحب السموّ حاكم الشارقة والحضور، مادة فلمية تناولت أبرز موضوعات المؤتمر والجلسات الحوارية، وما ستناقشه لتسخير الذكاء الاصطناعي وممارسته في تعزيز عمليات البحث وتوثيق لغات العالم.
وقدم عماد زيتوني، مدير قسم الهندسة في شركة «غوغل»، عرضاً مرئياً تحدّث فيه عن تأثير العلوم العربية في أنظمة غوغل «جيميناي Gemini» المساعد المستند إلى الذكاء الاصطناعي من غوغل، مضيئاً على ضرورة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تدمج المساهمات الثقافية المتنوعة.
وأوضح أهم ميزات الأداة باللغة العربية، مشيرًا إلى أن «جيميناي» تعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة، التي صممت خصيصاً لتلبية احتياجات المتحدثين بالعربية بمختلف لهجاتهم، مؤكداً أن هذه النماذج قادرة على التفاعل مع المستخدمين بطريقة أكثر طبيعية وفهم السياقات المختلفة، مما يسهم في تحسين تجربة التواصل الرقمي باللغة العربية.
وكشفت شركة غوغل عن أداة «جيميناي Gemini» لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي عام 2023، وتمثل طفرة في معالجة اللغة الطبيعية، خصوصاً ما يتعلق بدعم مختلف اللهجات العربية وتوفير تجربة استخدام مرنة لمتحدثي اللغة العربية، تتيح «جيميناي» للمستخدمين التفاعل بالعربية الفصحى، وقدرتها على فهم الطلبات المكتوبة بلغات أخرى ولهجات عربية أخرى وتحتوي على التناوب اللغوي، ما يضمن استجابة دقيقة للمستخدمين، بغضّ النظر عن مستوى إتقانهم اللغوي. وتعد خطوة مهمة نحو تعزيز حضور الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، إذ تسهم في تسهيل استخدام التقنيات الحديثة وفهم أعمق لاحتياجات المستخدمين من الناحية اللغوية.
وتحت عنوان «استراتيجية الحكومة للذكاء اللغوي والثقافة» تضمن المؤتمر جلسة استضيف خلالها أحمد فؤاد هنّو، وزير الثقافة المصري، والدكتور أشرف الشيحي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق في مصر، وأدارها الشيخ سلطان سعود القاسمي، عضو مجلس أُمناء الجامعة الأمريكية في الشارقة، مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون، وتناولت دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز تعليم اللغات وتطوير التعددية اللغوية، مع التركيز على دعم اللغات المحلية وحماية الهوية الثقافية.
وأضاءت الجلسة على التحديات ودور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعددية اللغوية والحفاظ على التراث الثقافي الخاص بالعالم العربي، اذ يمثل قفزة تكنولوجية كبرى مهيأة لإعادة تشكيل جوانب مختلفة من حياتنا اليومية، من كيفية إنتاج المعرفة إلى الحياة العملية اليومية.
وتطرقت الجلسة إلى فعالية أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمد بشكل كبير على جودة وتنوع المعلومات التي تستمد منها، والتي يتم الحصول على الكثير منها من الشبكة العنكبوتية، ووفقاً لإحصاءات مواقع الشبكة العنكبوتية العالمية، يمثل المحتوى العربي 5% فقط من إجمالي المواد الموجودة على الشبكة، وبعضها معلومات غير موثقة بالكامل، ويثير هذا التفاوت مخاوف كبيرة بشأن دقة المعلومات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي، ما قد يؤثر في فعاليته، وقد يكون له نتائج غير متوقعة على اللغة وإنتاج المعرفة.
كما استعرض الضيفان، خلال الجلسة، السياسات المبتكرة التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي لتجاوز الحواجز اللغوية، وتعزيز التفاهم بين الثقافات، ودعم التواصل المجتمعي في العالم الرقمي. وتطرقا إلى كيفية تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على التراث اللغوي والثقافي.
وتلت الجلسة، كلمة ألقاها لورينزو فانارا، سفير جمهورية إيطاليا لدى الإمارات، حيث شارك رؤى قيّمة عن تأثير اللغة العربية في اللغات والثقافات في جزيرة صقلية الإيطالية، مؤكداً وجود عدد كبير من الكلمات ذات الجذور العربية في اللغة الإيطالية، ويعود كثير منها إلى مرحلة الحكم الإسلامي في صقلية، وقال «إن الكلمات الإيطالية ذات الأصل العربي تشهد في مجملها تقريبا على تطور الصناعة والثقافة العلمية للعرب».
وعلى هامش المؤتمر تجول صاحب السموّ حاكم الشارقة، في المعرض المصاحب الذي يضم عدداً من الجهات الحكومية والخاصة التي تدعم الذكاء الاصطناعي والتطور الحاسوبي، مطلعاً على أبرز خطوات الجهات في دعم اللغات وترسيخها وتطويرها. وتوقف عند جناح مركز اللغة العربية والحضارات الإسلامية التابع للجامعة الأمريكية في الشارقة، متعرفاً إلى أبرز الأنشطة والفعاليات والكتب المنشورة في المركز، ملتقياً سموّه العاملين في المركز والمختصين. كما عرج سموّه على جناح مجمع الشارقة للغة العربية مستمعاً لأبرز ما يقدمه المجمع لزوار المؤتمر.
وشهد اليوم الأول للمؤتمر جلسات تناولت أحدث الابتكارات في الذكاء الاصطناعي وكيفية تأثيرها في المجتمعات المتعددة اللغات، والتحديات التي تواجه تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على التعامل مع تنوع اللغات، والفرص التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الترجمة الآلية وتيسير التواصل بين الأفراد وأهمية التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والتكنولوجية لتعزيز تطورات الذكاء الاصطناعي والتطورات في الذكاء الاصطناعي وأدوات التواصل.
وتنظم الجامعة الأمريكية في الشارقة المؤتمر على مدار يومين، بالتعاون مع مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، التابع لمؤسسة الإمارات للعلوم والبحوث.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة تقنیات الذکاء الاصطناعی الأمریکیة فی الشارقة الذکاء الاصطناعی فی الجامعة الأمریکیة المعجم التاریخی اللغة العربیة حاکم الشارقة للغة العربیة الشیخة بدور صاحب السمو فی العالم فی تعزیز

إقرأ أيضاً:

حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية

يشهد العالم اليوم تطورا مُتسارعا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تطبيقاته تتغلغل في مختلف القطاعات، من الرعاية الصحية إلى التعليم والصناعة والخدمات المالية وغيرها من القطاعات. ومع هذا التوسع الهائل، تتزايد الحاجة إلى وضع أطر تنظيمية تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنية، وهو ما يُعرف بحوكمة الذكاء الاصطناعي.

إن التحدي الرئيس الذي تواجهه الحكومات والمؤسسات يتمثل في إيجاد توازن بين تشجيع الابتكار التكنولوجي من جهة، وضمان الامتثال للمبادئ الأخلاقية والقانونية التي تحمي الأفراد والمجتمعات من المخاطر المحتملة من جهة أخرى. وقد عرفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حوكمة الذكاء الاصطناعي بأنها «مجموعة من السياسات والإجراءات والمعايير القانونية التي تهدف إلى تنظيم تطوير واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وشفافة، مع ضمان احترام القيم الإنسانية وحماية الحقوق الأساسية».

ووفقا لتوصية منظمة اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لعام 2021، فإن الحوكمةَ الفعالةَ للذكاء الاصطناعي ينبغي أن تستند إلى مبادئ الشفافية والمساءلة والأمان لضمان تحقيق الفائدة للمجتمع دونَ المساس بالحقوق الفردية. تهدفُ هذه الحوكمة إلى ضمان العدالة والشفافية وحماية البيانات واحترام حقوق الإنسان في جميع مراحل تطوير واستخدام هذه التقنيات. وتبرز أهمية الحوكمة في ضوء المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، مثل التحيز الخوارزمي وانتهاك الخصوصية والتأثير على سوق العمل، الأمر الذي يستدعي وضع تشريعات صارمة لضمان عدم إساءة استخدام هذه التقنية.

وفي سياق الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، صدر التقرير الدولي حول سلامة الذكاء الاصطناعي في يناير 2025 عن المعهد الدولي لسلامة الذكاء الاصطناعي (International AI Safety Report)، الذي شارك في إعداده 30 دولة من بينها منظمات دولية بارزة مثل هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تناول الحالة الراهنة للفهم العلمي المتعلق بالذكاء الاصطناعي العام، وهو ذلك «النوع من الذكاء الاصطناعي القادر على تنفيذ مجموعة واسعة من المهام». وقد هدف التقرير إلى بناء فهم دولي مشترك حول المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم، مع تقديم تحليل شامل للوسائل العلمية والتقنية المتاحة لإدارتها والتخفيف منها بفعالية، وتوفير معلومات علمية تدعم صانعي القرار في وضع سياسات تنظيمية فعالة. وعلى الرغم من الفوائد العديدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي العام، فإن التقرير يحذر من المخاطر المتزايدة المرتبطة باستخدامه.

فمن الناحية الأمنية، قد يُستغل الذكاء الاصطناعي في تنفيذ هجمات سيبرانية متقدمة أو في تسهيل عمليات الاحتيال الإلكتروني، من خلال إنتاج محتوى مزيف (Fake content) يصعب تمييزه عن الحقيقي. كما أن هناك مخاطر اجتماعية تتمثل في إمكانية تعميق التحيزات الموجودة في البيانات التي تُستخدم في تدريب هذه الأنظمة. إضافة إلى ذلك، مخاوف تتعلق بفقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حيث يمكن أن يؤدي التطور المتسارع لهذه الأنظمة إلى سلوكيات غير متوقعة قد يصعب التحكم بها. أما على المستوى الاقتصادي، فإن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في اضطرابات كبيرة في سوق العمل، حيث يؤدي إلى استبدال العديد من الوظائف التقليدية بالأنظمة الآلية، ففي قطاع خدمة العملاء مثلا، تعتمد الشركات الكبرى مثل أمازون وجوجل على روبوتات الدردشة (Chatbots) لتقديم الدعم الفني والتفاعل مع العملاء بكفاءة عالية، مما يقلل الحاجة إلى الموظفين البشريين.

أما في مجال التصنيع والتجميع، فقد أصبحت الروبوتات الصناعية تقوم بمهام الإنتاج بدقة وسرعة تفوق القدرات البشرية، كما هو الحال في مصانع تسلا وفورد التي تستخدم أنظمة مؤتمتة لتنفيذ عمليات اللحام والتجميع، مما يقلل التكاليف ويرفع كفاءة الإنتاج. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن يمتد تأثيره إلى المزيد من القطاعات.

ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، أصبح من الضروري تبني استراتيجيات وحلول لمواجهة تحديات فقدان الوظائف التقليدية. ويُعد إعادة تأهيل القوى العاملة من أهم هذه الحلول، إذ يجب الاستثمار في برامج تدريبية تُمكن الموظفين من اكتساب مهارات رقمية وتقنية جديدة، مثل تحليل البيانات وتطوير البرمجيات، مما يساعدهم على التكيف مع متطلبات سوق العمل المتغير. إلى جانب ذلك، يمثل تعزيز ريادة الأعمال والابتكار حلا فعالا، حيث يُمكن تشجيع إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يخلق فرص عمل جديدة.

كما يعد تبني نموذج العمل الهجين ضرورة مُلحة، إذ يُمكن دمج الذكاء الاصطناعي مع القدرات البشرية بدلا من الاستبدال الكامل، مما يعزز الإنتاجية مع الحفاظ على دور العنصر البشري. كما أن تطوير الأطر القانونية والتنظيمية يعد خطوة مهمة، حيث ينبغي صياغة قوانين تضمن الاستخدام العادل والمسؤول للذكاء الاصطناعي، وتحمي العمال من التمييز الناتج عن الأتمتة. بالإضافة إلى ذلك فإن التعليم المستمر يُسهم في تأهيل القوى العاملة الوطنية لمواكبة التحولات في سوق العمل، حيث ينبغي تعزيز ثقافة التعلم المستمر لضمان قدرة القوى العاملة على التكيف مع المتطلبات المستقبلية للتكنولوجيا المتقدمة. وغيرها من الاستراتيجيات الجديدة لدمج الإنسان مع الآلة في بيئة العمل.

من جانب آخر، هناك مخاطر تتعلق بالخصوصية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات كبيرة من البيانات الشخصية، مما يزيد من احتمالات انتهاك الخصوصية وسوء استخدام المعلومات. ولتقليل هذه المخاطر، من الضروري تبني مجموعة من الاستراتيجيات التقنية والتنظيمية التي تعزز شفافية وأمان أنظمة الذكاء الاصطناعي. ومن أبرزها، تطوير تقنيات تتيح فهما أعمق لآليات اتخاذ القرار لدى الذكاء الاصطناعي، مما يسهل عملية المراجعة والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، تبرز أهمية تعزيز الأمن السيبراني عبر تصميم بروتوكولات حماية متقدمة لمواجهة التهديدات المحتملة.

كما يجب العمل على تصفية البيانات وتقليل التحيز لضمان دقة وعدالة أنظمة الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات. ومن أجل حماية بيانات المستخدمين، يتوجب استخدام تقنيات التشفير القوية وآليات الحماية الحديثة التي تضمن الامتثال لمعايير الخصوصية. بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على دور الإنسان في عمليات اتخاذ القرار، لضمان عدم الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في الأمور الحساسة، مما يقلل من المخاطر المحتملة الناجمة عن التحكم الذاتي للأنظمة. إن التطور السريع لهذه التقنية يتطلب نهجا شاملا يجمع بين البحث العلمي والسياسات التنظيمية والتقنيات المتقدمة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه الأنظمة، بحيث تتحقق الفائدة المرجوة منها دون التعرض للمخاطر المحتملة.

وقد اعتمدت العديد من الدول سياسات مُتقدمة لتنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات رائدة في هذا المجال عبر قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ عام 2024م والذي يُعدُ أول إطار قانوني شامل يهدف إلى تَنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وفق معايير صارمة تحمي الخصوصية وتحد من التحيز الخوارزمي. وفي المقابل، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية نهجا يعتمد على توجيهات إرشادية لتعزيز الشفافية والمساءلة، مع منح الشركات حرية الابتكار ضمن حدود أخلاقية محددة. أما الصين، فقد ألزمت الشركات التقنية بمراجعة وتقييم خوارزميات الذكاء الاصطناعي المُستخدمة في المنصات الرقمية، لضمان الامتثال لمعايير الأمان السيبراني.

عليه فإنه يُمكن الإشارة إلى مجموعة من التوصيات والمُبادرات التي يُمكن أن تُسهم في تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، ومن أبرزها: وضع أطر قانونية مَرنة تُتيح تطوير الذكاء الاصطناعي دون عرقلة الابتكار، مع ضمان حماية حقوق الأفراد والمجتمع وتعزيز الشفافية والمساءلة من خلال فرض معايير تضمن وضوح كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وإتاحة آليات لمراجعة القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة وتعزيز التعاون الدولي لإنشاء منصات مشتركة لمراقبة تطورات الذكاء الاصطناعي وتبادل المعلومات بين الدول حول المخاطر المحتملة وتشجيع البحث والتطوير المسؤول عبر دعم الأبحاث التي تركز على تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي أكثر أمانا واستدامة وتعزيز تعليم الذكاء الاصطناعي الأخلاقي من خلال دمج مقررات حوكمة الذكاء الاصطناعي في مناهج المؤسسات الأكاديمية والتعليمية، لضمان وعي المطورين الجدد بالمسؤوليات الأخلاقية المترتبة على استخدام هذه التقنية.

إن حوكمة الذكاء الاصطناعي تُشكل ركيزة أساسية لضمان تحقيق أقصى الفوائد من هذه التقنية، مع الحد من المخاطر المرتبطة بها. وبينما يستمر الابتكار في التقدم بوتيرة غير مسبوقة، فإن المسؤولية تقتضي وضع سياسات وتشريعات تنظيمية تضمن الاستخدام العادل والمسؤول لهذه التقنيات، بما يتوافق مع القيم الأخلاقية والقوانين الدولية. ويُعد تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومات وصناع القرار، لكن من خلال التعاون الدولي ووضع سياسات متقدمة، يمكن بناء مستقبل مستدام للذكاء الاصطناعي يعود بالنفع على البشرية جمعاء.

عارف بن خميس الفزاري كاتب ومتخصص في المعرفة

مقالات مشابهة

  • عمومية «العربي المتحد» تقر زيادة رأسماله
  • سلطان القاسمي يتبادل التهاني بشهر رمضان مع أعضاء السلطة القضائية في الشارقة
  • جامعة الأمير سلطان تحصد براءة اختراع للكشف المبكر عن سوسة النخيل الحمراء باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • دارة الدكتور سلطان تستذكر حصول حاكم الشارقة على الدكتوراه الفخرية من جامعة شيفيلد
  • حزب الإصلاح والنهضة: القمة العربية في القاهرة خطوة محورية لدعم الشعب الفلسطيني
  • الخبرات النادرة والمعادلة الجديدة في الذكاء الاصطناعي
  • سلطان يواصل استقبال المهنئين بشهر رمضان
  • سلطان يواصل استقبال المهنئين بشهر رمضان في قصر البديع
  • حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بشهر رمضان المبارك
  • حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية