مقدمة: تساؤلات في زمن الحيرة

في زمن أصبح فيه الفرد محور الاهتمام المفرط، وحيث تنمو النزعات الفردية على حساب القيم الجماعية، يثور التساؤل: أين مكان الإيمان في عالم يغرق في المادية ويزداد اغترابًا عن جذوره الروحية؟ كيف يمكن للإنسان أن يجد معنى للحياة في ظل تسلط العبثية والعدمية التي تسلبه الأمل وتدفعه أحيانًا إلى هاوية الانتحار؟ وهل يمكن للبشرية أن تعيد البوصلة إلى الفطرة السليمة التي تربط الفرد بمجتمعه وخالقه، لتجد في هذه الصلة مفتاحًا لحياة كريمة وآمنة؟

هذه التساؤلات ليست جديدة، ولكنها تجد صداها بقوة في المبادرات العالمية التي تسعى إلى إعادة التوازن بين المادة والروح، بين الفرد والمجتمع، وبين الإيمان والعلم.

ومن بين هذه المبادرات البارزة “وثيقة الرباط” التي جاءت ثمرةً لتعاون مشترك بين الرابطة المحمدية للعلماء ورابطة العالم الإسلامي، وتحت رعاية جلالة الملك محمد السادس نصره الله. هذه الوثيقة لا تكتفي بطرح الأسئلة الملحة، بل تقدم إجابات مدروسة مبنية على أسس إيمانية وإنسانية تهدف إلى إعادة الاعتبار للقيم الفطرية والإيمانية في حياة الإنسان.

وثيقة الرباط: قوة اقتراحية لعمل مشترك

“وثيقة الرباط” تأتي في وقت تعاني فيه المجتمعات العالمية من تدهور في القيم وتنامي مظاهر الفوضى الأخلاقية والانحلال القيَمي. فقد اجتمع ممثلون عن مختلف الأديان والثقافات في مؤتمر دولي تحت عنوان “الإيمان في عالم متغير” ليؤكدوا على مركزية الإيمان في حياة المجتمعات. وهذه الوثيقة، التي تشكل ثمرة هذا التجمع، لا تمثل فقط دعوة إلى العودة إلى القيم الروحية، بل هي قوة اقتراحية لمواجهة الأزمات الحالية، من خلال عمل إجرائي مشترك يُفعل بنودها ويوجه الجهود نحو بناء عالم أفضل.

بنود الوثيقة: خارطة طريق للإنسانية

تشمل “وثيقة الرباط” مجموعة من البنود التي تحدد مسارات العمل المشترك لإعادة تفعيل القيم الإنسانية والإيمانية:

1. مركزية الإيمان في بناء الحضارات: تؤكد الوثيقة أن الإيمان ليس مجرد طقس ديني، بل هو محرك أساسي لفهم الإنسان لذاته والعالم، وأن تجاهله يفتح الباب للفوضى الأخلاقية والانحلال القيمي.
2. القيم الأخلاقية المشتركة: تشدد الوثيقة على أن القيم الأخلاقية، التي هي جزء من الفطرة الإنسانية وتدعمت بالرسالات السماوية، تبقى إطارًا مشتركًا لجميع المجتمعات، وهي التي تضمن الأمن والوئام المجتمعي.
3. تكريم الإنسان وصيانة حقوقه: تدعو الوثيقة إلى الحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه، بغض النظر عن هويته الدينية أو العرقية، باعتباره شريكًا في بناء المجتمع وتنميته.
4. التعاون بين الأديان والثقافات: تعد الدعوة إلى التعاون بين الأديان المختلفة أحد أبرز ما جاء في الوثيقة، بهدف تعزيز الوئام العالمي وتحييد خطابات الكراهية والصراع.
5. العمل الإنساني الشامل: الوثيقة تطالب بتوجيه العمل الإنساني ليكون خاليًا من التحيزات العرقية أو المصلحية، بحيث يخدم الإنسانية جمعاء دون تمييز.
6. تعزيز السلم العالمي: تدعو الوثيقة إلى إقامة مشاريع تنموية وإغاثية حول العالم تخدم البشرية وتحقق السلام والاستقرار.

المبادرة: أمل في مواجهة التحديات

“وثيقة الرباط” لا تكتفي بتقديم الرؤى الفلسفية، بل تدعو إلى تفعيل بنودها بشكل عملي وإجرائي من قبل الفاعلين في مجال الشأن الديني والروحي. وهي بذلك تعتبر قوة اقتراحية تدعو القادة الدينيين والسياسيين إلى تحمل مسؤولياتهم في تحويل المبادئ إلى ممارسات فعلية تخدم الإنسانية وتدفع باتجاه مستقبل مشترك قائم على العدل والكرامة.

الخاتمة: هل تكفي الوثائق؟

في خضم التحديات العالمية التي تواجهها البشرية اليوم، يبقى السؤال مطروحًا: هل تكفي الوثائق والمبادرات وحدها لإحداث التغيير المنشود؟ هل يمكن أن تجد “وثيقة الرباط” طريقها إلى التنفيذ العملي، أم ستبقى حبيسة النقاشات الفكرية؟ الجواب يكمن في إرادة الفاعلين وقدرتهم على تحويل المبادئ إلى أفعال.

ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا، فهذه الوثيقة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج تعاون مشترك بين مؤسسات دينية كبرى كـ الرابطة المحمدية للعلماء ورابطة العالم الإسلامي، وتحت رعاية ملكية تعي جيدًا أهمية الدور الذي يلعبه الدين في توجيه المجتمعات نحو الخير. ومن هنا، يمكننا القول إن “وثيقة الرباط” تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي بمثابة دعوة إلى العودة إلى الجذور الإيمانية التي تعيد للإنسان الأمل في الحياة وتذكره بأن الهدف النهائي للحياة هو الوصول إلى الخالق العادل الرحيم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وثیقة الرباط الإیمان فی

إقرأ أيضاً:

مبادرات محمد بن راشد العالمية تختتم مشاركتها في معرض الرباط للكتاب

اختتمت مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، ممثلة في مبادرة تحدي القراءة العربي مشاركتها في معرض الرباط الدولي للكتاب 2025، الذي استمرت فعالياته في الفترة ما بين 17 إلى 27 أبريل الجاري. وتعكس مشاركة مبادرة تحدي القراءة العربي في الدورة الـ30 من معرض الرباط الدولي للكتاب، الذي يُعد من أكبر المعارض الثقافية في القارة الأفريقية والعالم العربي واستقطب هذا العام أكثر من 743 عارضاً من نحو 50 دولة، حرصها على تعزيز مكانة اللغة العربية، وإثراء المشهد الثقافي العربي، وتجسيد دور مبادرة تحدي القراءة العربي كأكبر تظاهرة قرائية من نوعها باللغة العربية على مستوى العالم.وحظي جناح "تحدي  القراءة العربي" بتفاعل كبير من زوار المعرض ومشاركين في الدورات السابقة من مبادرة تحدي القراءة العربي على مستوى المملكة المغربية، والذين تصاعد عددهم بشكل ملحوظ حيث بلغوا في الدورة الأولى 85625 طالباً وطالبة ليصل العدد إلى أكثر من 4 ملايين و342 ألف طالب وطالبة في الدورة التاسعة بارتفاع بلغت نسبته 4971% عن الدورة الأولى، كما مثل طلبة المملكة المغربية المشاركين في الدورة التاسعة من التحدي 14197 مدرسة، تحت إشراف 20200 مشرف ومشرفة قراءة.واستقبل جناح "تحدي القراءة العربي" خلال مشاركته في المعرض، أكثر من خمسة آلاف زائر، تفاعلوا مع أكثر من 25 ورشة تربوية وثقافية، حول أهمية نشر ثقافة القراءة باعتبارها حجر الأساس في تطوير قدرات الأجيال الجديدة، إضافة إلى التركيز على دور مبادرة تحدي القراءة العربي في تنمية مهارات التفكير الإبداعي والتعلم الذاتي، وبناء المنظومة القيمية للنشء من خلال اطلاعهم على قيم وعادات ومعتقدات الثقافات الأخرى.وتميزت الورش التي قدمها نخبة من الأساتذة، وشارك فيها فائزون وفائزات في دورات سابقة من "تحدي القراءة العربي" بثراء المحاور وجاذبية العرض، ما أسهم في نجاح مشاركة مبادرة تحدي القراءة العربي في الدورة الـ30 من المعرض.

 

وقال الدكتور فوزان الخالدي، مدير إدارة البرامج والمبادرات في مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، بهذه المناسبة، إن المشاركة في الدورة الـ30 من معرض الرباط الدولي للكتاب، مثل فرصة مثالية لتعريف زوار المعرض والمهتمين بالحركة الثقافية بإنجازات مبادرة "تحدي القراءة العربي”، التي تهدف إلى بناء المنظومة القيمية للأجيال الصاعدة، حيث قدمت المؤسسة للزائرين لمحة عن مراحل تطور المبادرة النوعية وارتفاع عدد المشاركين كل عام، وطموحاتها المستقبلية للارتقاء بالمشهد الثقافي والمعرفي في الوطن العربي.وأضاف أن المؤسسة استعرضت الدور الذي لعبته مبادرة تحدي القراءة العربي التي تم إطلاقها في العام الدراسي 2015 - 2016 في ترسيخ ثقافة القراءة باللغة العربية، وتشجيع الأجيال الصاعدة على استخدامها في تعاملاتهم اليومية، وتطوير آليات الاستيعاب والتعبير عن الذات بلغة عربية سليمة، وتنمية مهارات التفكير الإبداعي، وإنتاج حراك قرائي ومعرفي شامل، كما تم تسليط الضوء على المكتبة الرقمية بما تتيحه هذه المنصة من معارف وثقافة لمستخدميها.يذكر أن الدورة التاسعة من مبادرة تحدي القراءة العربي، التي تنضوي تحت مظلة مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية" شهدت مشاركة قياسية وصلت إلى 32 مليوناً و231 ألف طالب وطالبة من 50 دولة يمثلون 132112 مدرسة، وبإشراف 161004 مشرفين ومشرفات.  

 

 

أخبار ذات صلة آدم الروداني يحرز «تحدي القراءة العربي» على مستوى المملكة المغربية ركن الأرشيف والمكتبة الوطنية في «الرباط للكتاب» يشهد إقبالاً واسعاً

 
 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • أول رد لـ محمد عبد المنعم بعد عملية الرباط الصليبي
  • أول ظهور لـمحمد عبد المنعم بعد إجراء عملية تمزق الرباط الصليبي
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: جبهة داخلية متماسكة .. أمن واستقرار
  • هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي
  • «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» تختتم مشاركتها في «الرباط للكتاب»
  • أبو العينين: الثروة المعدنية في مصر تستطيع المساهمة بـ 40% من الناتج المحلي
  • مبادرات محمد بن راشد العالمية تختتم مشاركتها في معرض الرباط للكتاب
  • آدم الروداني بطل تحدي القراءة العربي على مستوى المغرب
  • آدم الروداني يحرز «تحدي القراءة العربي» على مستوى المملكة المغربية
  • محمد كركوتي يكتب: في الإمارات النمو أسرع