حرب السودان.. أكثر من عام على تضييق الخناق والجوع العابر للحدود
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
مع طول أمد الحرب السودانية، تتزايد تداعياتها الخارجية والداخلية، والتي ألقت بظلالها على القطاع الزراعي الذي يشكل مصدر إنتاج رئيسي في البلاد، وخلال الفترة التي امتد القتال فيها إلى الولايات الأكثر إنتاجا كالجزيرة وكردفان ودارفور، دخل السودانيون في مأزق وأزمة غذائية صنفت بأنها الأسوأ.
وخلال عام واحد من الحرب، خسر السودان 25% من الناتج المحلي الإجمالي، مما تسبب في انعدام الأمن الغذائي الحاد لـ25.
وأسفر التدهور السريع في الأمن الغذائي بالسودان عن وصول 755 ألف شخص إلى أوضاع كارثية، وشمل خطر المجاعة 14 منطقة، إذ يكابد قرابة 25.6 مليون شخص مستويات عالية من الجوع الحاد، وفق أرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).
الزراعة رئة الاقتصاد السودانيبالتزامن مع تحذيرات المنظمات الأممية من تزايد المخاطر بسبب الجوع الحاد الذي ألم بالسودانيين، تتفاقم المعاناة في الفترة التي سيطرت خلالها قوات الدعم السريع على ولايات تعتبر مشاريع زراعية مهمة كالجزيرة التي تعد أكبر مشروع مرويّ ذي إدارة واحدة في العالم.
ويقع مشروع الجزيرة وسط السودان بين النيلين الأزرق والأبيض في منطقة سنار التي تقع جنوب العاصمة الخرطوم، ويشكل ركيزة اساسية للاقتصاد والأمن الغذائي، إذ أكد خبراء للجزيرة نت أن أزمة الغذاء ترتبط بتراجع المساحات الزراعية في المشروع.
وإلى جانب ذلك، تعتبر سنار والنيل الأزرق من ضمن أكثر الولايات التي تأثرت بالحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، إذ شهدت انخفاضا ملحوظا في المساحات المزروعة، بينما لم تسجل ولايتا شمال كردفان وغرب كردفان أي إنتاج زراعي موسم المحاصيل الصيفي لعام 2023.
ويقول أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في جامعة كسلا السودانية عمر أحمد عبد الجليل أن ثمة ولايات كانت مهمة وأساسية في إنتاج الذرة شرق السودان وفي كردفان، وهناك ولايات كانت متخصصة في إنتاج الدخن مثل القضارف والنيل الأزرق وكردفان ودارفور والجزيرة.
ويقدر عبد الجليل -في تصريحات للجزيرة نت- جملة استهلاك الحبوب في السودان بحوالي 7.5 ملايين طن في العام موزعة بين 6.6 ملايين طن للاستهلاك البشري، و244 ألف فدان للاستهلاك الحيواني، و427 ألف فاقد، و128 ألفا من التقاوي.
يقول عبد الجليل إن تلك المناطق وبسبب الحرب شهدت تراجعا حادا في الإنتاج وذلك مقارنة مع مستوى الاستهلاك مما انعكس سلبا على مستوى الاكتفاء الذاتي، إذ تناقصت المساحات من 70 مليون فدان إلى 36 مليونا على مستوى السودان.
ويشير إلى أن ذلك التراجع كان بعد خروج العديد من القطاعات الإنتاجية المروية والمطرية والفيضية عن دائرة الإنتاج الزراعي بسبب الحرب، خاصة مشروع الجزيرة. كما أن قنوات الري في معظم المشاريع المروية في المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع تعرضت للتلف، كما انسحب مهندسو الري في الخزانات التي توفر مياه الري لتلك المشروعات الزراعية.
وتشكل دراسة تأثير الحرب على المساحات الزراعية في مناطق مثل السودان، أمرا صعبا أو مستحيلا باعتبار أنه لا يمكن الوجود الميداني فيها، إلا صور الأقمار الصناعية التي تقدم حلولًا عملية وفعالة، خاصة وأن مؤشر الغطاء النباتي يستخدم على نطاق واسع في علم الاستشعار عن بعد لتحليل كثافة وحيوية النباتات في منطقة معينة، ويوفر هذا المؤشر معلومات حيوية حول التغيرات في صحة النباتات على مر الزمن، ويستخدم أيضًا لمراقبة الجفاف وتقييم نمو المحاصيل الزراعية.
وكان تحليلٌ دقيق لصور أقمار صناعية أجرته "وكالة سند" للرصد والتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة قد أظهر تدهورًا كارثيًا بالغطاء النباتي في 6 من كبرى مزارع العاصمة الخرطوم خلال السنوات الأربع الماضية، من 2020 إلى 2024.
وكشفت نتائج تحليل صور القمر الصناعي "سنتينل 2" انخفاضًا ملحوظًا في مؤشر الغطاء النباتي بهذه المزارع، مما يشير إلى تراجعٍ خطيرٍ في صحة وكثافة المساحات الخضراء.
ويُعزى هذا التدهور المُقلق إلى النزاع المسلح المُستمر في السودان، والذي أدى إلى تراجعٍ كبيرٍ في الإنتاج الزراعي ونقصٍ حادٍ في الموارد الطبيعية.
تقدر منظمة الفاو أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، أي نحو 9 ملايين شخص، وذلك يعني أن الزراعة مصدر دخل لتلك العائلات، ومع ذلك يستطيع السودانيون إنتاج الغذاء حتى في ظروف الحرب إلا أن المشكلة تكمن في صعوبة الوصول إلى الأراضي والحصول على المواد الأولية.
ويضاف إلى تلك التحديات -وفق عبد الجليل- ارتفاع تكاليف الأيدي العاملة خاصة في القضارف الولاية التي يعول عليها في سد النقص في بعض متطلبات الأمن الغذائي في السودان.
وتسببت الحرب بإغلاق الحدود مع إثيوبيا عند معبر القلابات الحدودي في حركة العمالة الزراعية الإثيوبية التي يعتمد عليها بصورة أساسية في العمليات الزراعية في القضارف، إلى جانب الهشاشة الأمنية وتوجس المزارعين من نهب الآليات الزراعية ومدخلات الإنتاج الزراعي وإحجام البنوك عن التمويل الزراعي والتي حالت دون زراعة العديد من المشروعات الزراعية الكبيرة بالولايات الآمنة، وفق حديث عبد الجليل.
وما فاقم ذلك -بحسب وجهة نظره- أن الحكومة المركزية وحكومات الولايات الآمنة لم تستعد للاستفادة من الفرص الكبيرة المتاحة خاصة وأن المؤشرات كانت توضح أن معدلات الأمطار سوف تكون فوق المتوسط، كذلك المشاريع الزراعية المروية والتي إذا أحسن تأسيس المحاصيل الزراعية فيها بكفاءة وفاعلية وبمدخلات زراعية متميزة لتحققت إنتاجية عالية ربما ساهمت في تقليل فجوة الغذاء في السودان.
ويشير عبد الجليل إلى ما سماه "التدمير الممنهج من قبل قوات الدعم السريع لكل مراكز البحوث الزراعية بالسودان (مركز بحوث شمبات، مركز بحوث الجزيرة) إضافة إلى إتلاف مستودعات الأصول الوراثية للعديد من الأصناف السودانية الخالصة خاصة الحبوب الغذائية".
لا تقتصر التحديات التي خلفتها الحرب السودانية على الأيادي العاملة وتراجع المساحات الزراعية وحسب، إذ أجمع الخبراء على أن التحديات تفوق ذلك بكثير، وأن الحرب تسببت في تدمير أنظمة الري والقنوات ومخازن الحبوب للتدمير، مما أثر سلبًا على عمليات الزراعة والحصاد والتخزين.
ويرون أن الحرب تسببت في نقص المدخلات الزراعية بسبب صعوبة الحصول على البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية بسبب انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع أسعارها.
وفي حين يقول عبد الجليل إن التحديات شملت مدخلات الإنتاج مثل الارتفاع الكبير في أسعار الوقود عن العام الماضي بزيادة تصل 500% مما يؤثر في ارتفاع تكاليف الإنتاج، وربما يؤثر في ضعف العوائد الاقتصادية عند بيع المحصول أو ربما خسارة المزارع.
مع ملاحظة ضعف تأسيس المحاصيل الزراعية بصورة مثالية بسبب مدخلات الإنتاج وغياب التمويل الزراعي الحكومي، وكل ذلك سوف يؤثر سلبا في الإنتاجية الزراعية، وفق حديثه.
ويقول أيضا إن الشركات الخاصة -التي تعمل في مجالات الأسمدة والتقاوي ومبيدات مكافحة الآفات والحشائش- تأثرت بالحرب بعد نهب مخازنها ومكاتبها في ولايتي الخرطوم والجزيرة، كما أن معظم إداراتها والعاملين فيها خارج السودان، وقد حال الوضع الأمني الهش دون استمرارية تقديم خدماتها.
وأضاف أن هنالك صعوبات جمة تواجه إيصال مدخلات الإنتاج الزراعي إلى المناطق الآمنة بسبب التعقيدات الأمنية، وتعقيدات النقل، وغياب التمويل الحكومي هذا الموسم بعد نهب معظم موارد البنوك المالية.
كما أن القرارات التي صدرت بخصوص الرهن العقاري والأصول المتحركة حالت دون توفير الضمانات للتمويل الزراعي لأصحاب الحيازات الكبيرة التي تتجاوز ألف فدان -كما يقول عبد الجليل- ويضيف إلى تلك التحديات:
– تأثر قطاع الحيوانات وخاصة إنتاج الدواجن بصورة كبيرة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من ولاية الخرطوم، حيث إن شركات إنتاج الدواجن تتركز في ولاية الخرطوم.
2- دمرت معظم مصانع المواد الغذائية في السودان، حيث إن أهم 3 ولايات في السودان تشكل 50% من مجموع الصناعات في البلاد تحت سيطرة قوات الدعم السريع (الخرطوم، الجزيرة، جنوب دارفور).
3- تدمير البنية التحتية الزراعية: فقد تعرضت أنظمة الري والقنوات ومخازن الحبوب للتدمير، مما أثر سلبًا على عمليات الزراعة والحصاد والتخزين.
4- نقص المدخلات الزراعية: بسبب صعوبة الحصول على البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية جراء انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع أسعارها.
5- ارتفاع أسعار الغذاء وتهديد الأمن الغذائي للسودان بكافة ولاياتها، مما أدي إلى سوء التغذية خاصة بين الأطفال والحوامل، نتيجة نقص التغذية المتوازنة.
6- نقص المعروض: فقد أدى انخفاض الإنتاج الزراعي إلى نقص المعروض من المنتجات الزراعية بالأسواق، مما تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء بشكل كبير.
7- ارتفاع تكاليف الإنتاج: بسبب ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، مما ساهم في زيادة أسعار المنتجات الزراعية.
8- صعوبة التصدير: فقد تعطلت حركة التجارة ودمرت البنية التحتية للنقل مما أثر سلبًا على قدرة السودان على تصدير منتجاته الزراعية.
ويؤكد ذلك أن الحرب السودانية لم تتسبّب في تراجع المساحات الزراعية فحسب، ولكنها ضربت وقيدت كل أنشطة الإنتاج، وعطلت مرافق الحياة في دولة كانت تعاني من التضخم والنقص الحاد باحتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع الديون والعجز عن سدادها.
واليوم، وبعد أكثر من عام من الحرب، يمكننا القول إن صراع السودان جاء في وقت يتعرض فيه العالم لهزات كبيرة في الأمن الغذائي، بعد تأثر سلاسل الغذاء العالمية بسبب الأحداث في أوكرانيا وروسيا، ومع غياب السودان عن ساحة الإنتاج العالمية فهناك ثمة انعكاسات سلبية على المنطقة برمتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المساحات الزراعیة قوات الدعم السریع الإنتاج الزراعی الأمن الغذائی ارتفاع أسعار الزراعیة فی فی السودان عبد الجلیل أکثر من
إقرأ أيضاً:
الحرب تغتال بهجة رمضان في السودان
بورت سودان (السودان)"أ ف ب": يحل شهر رمضان الذي يتسم عادة بكرم الضيافة والتجمعات العائلية للعام الثاني في السودان حيث حجبت الحرب المدمرة هذه التقاليد جراء الصعوبات الاقتصادية الحادة وتفشي الجوع.
يشهد السودان منذ أبريل 2023، نزاعا داميا بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسبب في مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص وخلف أزمة إنسانية كارثية مع انتشار المجاعة في عدة مناطق.
وفي مدينة بورتسودان (شرق) التي بقيت نسبيا بمنأى عن أعمال العنف، لا تزال السلع الغذائية منتشرة في الأسواق، لكن أسعارها الباهظة تجعلها بعيدة المنال.
وبلغ سعر كيلو السكر، المكون الأساسي لمشروبات وحلويات رمضان، 2400 جنيه سوداني (دولار واحد).
كما ارتفعت أسعار اللحوم بشكل كبير، فوصل سعر كيلو لحم العجل إلى 24 ألف جنيه سوداني (10 دولارات)، وكيلو لحم الضأن إلى 28 ألف جنيه سوداني (11,6 دولارا)، بحسب مستهلكين.
وقال محمود عبد القادر لوكالة فرانس برس "نعاني من توفير السلع الرمضانية. الأسعار في السوق متفاوته، فثمن بعضها مرتفع وبعضها الآخر باهظ جدا".
وعبر عن شعور مماثل بالاحباط حسن عثمان بقوله إن "الأسعار مرتفعة للغاية".
في يناير، بلغ معدل التضخم 145% ، مقابل 136% في الشهر نفسه من عام 2024، بحسب المكتب المركزي للإحصاء، في حين يناهز متوسط الأجر الشهري الآن 60 دولارا فقط.
وعلاوة على ذلك، لم يتسلم موظفو القطاع العام في بعض المناطق رواتبهم منذ أبريل 2023.
والوضع أسوأ بكثير في المناطق التي تشهد معارك مدمرة.
ففي أجزاء من دارفور (غرب) وكردفان (جنوب)، انقطعت طرق ايصال المواد الغذائية وانتشرت المجاعة.
وتم الابلاغ عن المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين في شمال دارفور، بالإضافة إلى أجزاء من جبال النوبة (جنوب).
ومن المتوقع أن تطال خمس مناطق أخرى بحلول مايو، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
وفي بعض مناطق دارفور، تعيش الأسر على قشور الفول السوداني وأوراق الأشجار، بحسب سكان.
وتواجه منظمات الإغاثة صعوبات جمة للوصول إلى هذه المناطق، مما سرع انتشار الجوع.
أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنّه اضطرّ إلى تعليق عملياته في مخيّم للنازحين ومحيطه في شمال دارفور في السودان، بسبب تصاعد العنف.
وقال عمر مناقو، أحد عمال الإغاثة في شمال دارفور، إن "الوضع هنا صعب جدا، هناك صعوبة في (ايجاد) مياه الشرب والطعام، لا يوجد شيء في الاسواق".
حذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك الخميس من أن السودان يواجه خطر السقوط في "الهاوية" ما لم تنته الحرب المدمرة في البلاد وتتدفق المساعدات.
وتابع المسؤول الأممي "نحن ننظر إلى الهاوية. تحذّر الوكالات الإنسانية من أنه في غياب جهود إنهاء الحرب ... فإن مئات الآلاف من الناس قد يموتون".
وفي المناطق المتضررة من الحرب، تعرضت الأسواق للنهب وأنخفضت بالتالي إمدادات الغذاء بشكل هائل.
وقال عمر مناقو إن معظم الأسواق في شمال دارفور لم تعد موجودة.
واوضح "كلها أحرقها الجنجويد"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وفي العاصمة الخرطوم حيث اشتدت حدة القتال بين الجيش وقوة الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة، يقوم متطوعون بتوزيع المساعدات التي تمكنوا من جمعها، لكن الاحتياجات هائلة.
واشارت صابرين زروق (30 عاما) المقيمة في أم درمان، إحدى ضواحي الخرطوم، إلى أنه "من قبل كان ثمة مبادرات في الشوارع لتوزيع وجبات الإفطار على أولئك الذين لم يصلوا إلى منازلهم" في الوقت المحدد.
واضافت بحسرة "هذا لم يعد متوفرا".وينتاب العديد من السودانيين الحزن على فقدان التقاليد التي تميز شهر رمضان.
ففي السنوات السابقة، كانت العائلات تقوم بإعداد وجبات إفطار شهية، وتتقاسم الطعام مع الجيران، بينما تزدان الشوارع بالأضواء الاحتفالية.
ويقول محمد موسى، وهو طبيب يبلغ 30 عاما ويقضي أياما طويلة في أحد آخر المستشفيات العاملة في أم درمان، بحسرة "الفطور مع الاهل والاصدقاءوزينة رمضان أيضا، من الأشياء التي افتقدها".