حرب السودان.. أكثر من عام على تضييق الخناق والجوع العابر للحدود
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
مع طول أمد الحرب السودانية، تتزايد تداعياتها الخارجية والداخلية، والتي ألقت بظلالها على القطاع الزراعي الذي يشكل مصدر إنتاج رئيسي في البلاد، وخلال الفترة التي امتد القتال فيها إلى الولايات الأكثر إنتاجا كالجزيرة وكردفان ودارفور، دخل السودانيون في مأزق وأزمة غذائية صنفت بأنها الأسوأ.
وخلال عام واحد من الحرب، خسر السودان 25% من الناتج المحلي الإجمالي، مما تسبب في انعدام الأمن الغذائي الحاد لـ25.
وأسفر التدهور السريع في الأمن الغذائي بالسودان عن وصول 755 ألف شخص إلى أوضاع كارثية، وشمل خطر المجاعة 14 منطقة، إذ يكابد قرابة 25.6 مليون شخص مستويات عالية من الجوع الحاد، وفق أرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).
الزراعة رئة الاقتصاد السودانيبالتزامن مع تحذيرات المنظمات الأممية من تزايد المخاطر بسبب الجوع الحاد الذي ألم بالسودانيين، تتفاقم المعاناة في الفترة التي سيطرت خلالها قوات الدعم السريع على ولايات تعتبر مشاريع زراعية مهمة كالجزيرة التي تعد أكبر مشروع مرويّ ذي إدارة واحدة في العالم.
ويقع مشروع الجزيرة وسط السودان بين النيلين الأزرق والأبيض في منطقة سنار التي تقع جنوب العاصمة الخرطوم، ويشكل ركيزة اساسية للاقتصاد والأمن الغذائي، إذ أكد خبراء للجزيرة نت أن أزمة الغذاء ترتبط بتراجع المساحات الزراعية في المشروع.
وإلى جانب ذلك، تعتبر سنار والنيل الأزرق من ضمن أكثر الولايات التي تأثرت بالحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، إذ شهدت انخفاضا ملحوظا في المساحات المزروعة، بينما لم تسجل ولايتا شمال كردفان وغرب كردفان أي إنتاج زراعي موسم المحاصيل الصيفي لعام 2023.
ويقول أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في جامعة كسلا السودانية عمر أحمد عبد الجليل أن ثمة ولايات كانت مهمة وأساسية في إنتاج الذرة شرق السودان وفي كردفان، وهناك ولايات كانت متخصصة في إنتاج الدخن مثل القضارف والنيل الأزرق وكردفان ودارفور والجزيرة.
ويقدر عبد الجليل -في تصريحات للجزيرة نت- جملة استهلاك الحبوب في السودان بحوالي 7.5 ملايين طن في العام موزعة بين 6.6 ملايين طن للاستهلاك البشري، و244 ألف فدان للاستهلاك الحيواني، و427 ألف فاقد، و128 ألفا من التقاوي.
مزرعة شرق بحري 2 قبل الحرب (يمين) وبعد الحرب (سنتينل) تراجع حاد في المساحات الزراعيةيقول عبد الجليل إن تلك المناطق وبسبب الحرب شهدت تراجعا حادا في الإنتاج وذلك مقارنة مع مستوى الاستهلاك مما انعكس سلبا على مستوى الاكتفاء الذاتي، إذ تناقصت المساحات من 70 مليون فدان إلى 36 مليونا على مستوى السودان.
ويشير إلى أن ذلك التراجع كان بعد خروج العديد من القطاعات الإنتاجية المروية والمطرية والفيضية عن دائرة الإنتاج الزراعي بسبب الحرب، خاصة مشروع الجزيرة. كما أن قنوات الري في معظم المشاريع المروية في المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع تعرضت للتلف، كما انسحب مهندسو الري في الخزانات التي توفر مياه الري لتلك المشروعات الزراعية.
وتشكل دراسة تأثير الحرب على المساحات الزراعية في مناطق مثل السودان، أمرا صعبا أو مستحيلا باعتبار أنه لا يمكن الوجود الميداني فيها، إلا صور الأقمار الصناعية التي تقدم حلولًا عملية وفعالة، خاصة وأن مؤشر الغطاء النباتي يستخدم على نطاق واسع في علم الاستشعار عن بعد لتحليل كثافة وحيوية النباتات في منطقة معينة، ويوفر هذا المؤشر معلومات حيوية حول التغيرات في صحة النباتات على مر الزمن، ويستخدم أيضًا لمراقبة الجفاف وتقييم نمو المحاصيل الزراعية.
وكان تحليلٌ دقيق لصور أقمار صناعية أجرته "وكالة سند" للرصد والتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة قد أظهر تدهورًا كارثيًا بالغطاء النباتي في 6 من كبرى مزارع العاصمة الخرطوم خلال السنوات الأربع الماضية، من 2020 إلى 2024.
وكشفت نتائج تحليل صور القمر الصناعي "سنتينل 2" انخفاضًا ملحوظًا في مؤشر الغطاء النباتي بهذه المزارع، مما يشير إلى تراجعٍ خطيرٍ في صحة وكثافة المساحات الخضراء.
ويُعزى هذا التدهور المُقلق إلى النزاع المسلح المُستمر في السودان، والذي أدى إلى تراجعٍ كبيرٍ في الإنتاج الزراعي ونقصٍ حادٍ في الموارد الطبيعية.
تأثر مزارع شرق النيل قبل الحرب (يمين) وبعد الحرب (سنتينل) الزراعة مصدر رزق السودانيينتقدر منظمة الفاو أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، أي نحو 9 ملايين شخص، وذلك يعني أن الزراعة مصدر دخل لتلك العائلات، ومع ذلك يستطيع السودانيون إنتاج الغذاء حتى في ظروف الحرب إلا أن المشكلة تكمن في صعوبة الوصول إلى الأراضي والحصول على المواد الأولية.
ويضاف إلى تلك التحديات -وفق عبد الجليل- ارتفاع تكاليف الأيدي العاملة خاصة في القضارف الولاية التي يعول عليها في سد النقص في بعض متطلبات الأمن الغذائي في السودان.
وتسببت الحرب بإغلاق الحدود مع إثيوبيا عند معبر القلابات الحدودي في حركة العمالة الزراعية الإثيوبية التي يعتمد عليها بصورة أساسية في العمليات الزراعية في القضارف، إلى جانب الهشاشة الأمنية وتوجس المزارعين من نهب الآليات الزراعية ومدخلات الإنتاج الزراعي وإحجام البنوك عن التمويل الزراعي والتي حالت دون زراعة العديد من المشروعات الزراعية الكبيرة بالولايات الآمنة، وفق حديث عبد الجليل.
وما فاقم ذلك -بحسب وجهة نظره- أن الحكومة المركزية وحكومات الولايات الآمنة لم تستعد للاستفادة من الفرص الكبيرة المتاحة خاصة وأن المؤشرات كانت توضح أن معدلات الأمطار سوف تكون فوق المتوسط، كذلك المشاريع الزراعية المروية والتي إذا أحسن تأسيس المحاصيل الزراعية فيها بكفاءة وفاعلية وبمدخلات زراعية متميزة لتحققت إنتاجية عالية ربما ساهمت في تقليل فجوة الغذاء في السودان.
ويشير عبد الجليل إلى ما سماه "التدمير الممنهج من قبل قوات الدعم السريع لكل مراكز البحوث الزراعية بالسودان (مركز بحوث شمبات، مركز بحوث الجزيرة) إضافة إلى إتلاف مستودعات الأصول الوراثية للعديد من الأصناف السودانية الخالصة خاصة الحبوب الغذائية".
تأثر مزارع شرق بحري 1قبل الحرب (يمين) وبعد الحرب (سنتينل) الحرب تضيق الخناقلا تقتصر التحديات التي خلفتها الحرب السودانية على الأيادي العاملة وتراجع المساحات الزراعية وحسب، إذ أجمع الخبراء على أن التحديات تفوق ذلك بكثير، وأن الحرب تسببت في تدمير أنظمة الري والقنوات ومخازن الحبوب للتدمير، مما أثر سلبًا على عمليات الزراعة والحصاد والتخزين.
ويرون أن الحرب تسببت في نقص المدخلات الزراعية بسبب صعوبة الحصول على البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية بسبب انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع أسعارها.
وفي حين يقول عبد الجليل إن التحديات شملت مدخلات الإنتاج مثل الارتفاع الكبير في أسعار الوقود عن العام الماضي بزيادة تصل 500% مما يؤثر في ارتفاع تكاليف الإنتاج، وربما يؤثر في ضعف العوائد الاقتصادية عند بيع المحصول أو ربما خسارة المزارع.
مع ملاحظة ضعف تأسيس المحاصيل الزراعية بصورة مثالية بسبب مدخلات الإنتاج وغياب التمويل الزراعي الحكومي، وكل ذلك سوف يؤثر سلبا في الإنتاجية الزراعية، وفق حديثه.
ويقول أيضا إن الشركات الخاصة -التي تعمل في مجالات الأسمدة والتقاوي ومبيدات مكافحة الآفات والحشائش- تأثرت بالحرب بعد نهب مخازنها ومكاتبها في ولايتي الخرطوم والجزيرة، كما أن معظم إداراتها والعاملين فيها خارج السودان، وقد حال الوضع الأمني الهش دون استمرارية تقديم خدماتها.
وأضاف أن هنالك صعوبات جمة تواجه إيصال مدخلات الإنتاج الزراعي إلى المناطق الآمنة بسبب التعقيدات الأمنية، وتعقيدات النقل، وغياب التمويل الحكومي هذا الموسم بعد نهب معظم موارد البنوك المالية.
كما أن القرارات التي صدرت بخصوص الرهن العقاري والأصول المتحركة حالت دون توفير الضمانات للتمويل الزراعي لأصحاب الحيازات الكبيرة التي تتجاوز ألف فدان -كما يقول عبد الجليل- ويضيف إلى تلك التحديات:
– تأثر قطاع الحيوانات وخاصة إنتاج الدواجن بصورة كبيرة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من ولاية الخرطوم، حيث إن شركات إنتاج الدواجن تتركز في ولاية الخرطوم.
2- دمرت معظم مصانع المواد الغذائية في السودان، حيث إن أهم 3 ولايات في السودان تشكل 50% من مجموع الصناعات في البلاد تحت سيطرة قوات الدعم السريع (الخرطوم، الجزيرة، جنوب دارفور).
3- تدمير البنية التحتية الزراعية: فقد تعرضت أنظمة الري والقنوات ومخازن الحبوب للتدمير، مما أثر سلبًا على عمليات الزراعة والحصاد والتخزين.
4- نقص المدخلات الزراعية: بسبب صعوبة الحصول على البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية جراء انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع أسعارها.
5- ارتفاع أسعار الغذاء وتهديد الأمن الغذائي للسودان بكافة ولاياتها، مما أدي إلى سوء التغذية خاصة بين الأطفال والحوامل، نتيجة نقص التغذية المتوازنة.
6- نقص المعروض: فقد أدى انخفاض الإنتاج الزراعي إلى نقص المعروض من المنتجات الزراعية بالأسواق، مما تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء بشكل كبير.
7- ارتفاع تكاليف الإنتاج: بسبب ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، مما ساهم في زيادة أسعار المنتجات الزراعية.
8- صعوبة التصدير: فقد تعطلت حركة التجارة ودمرت البنية التحتية للنقل مما أثر سلبًا على قدرة السودان على تصدير منتجاته الزراعية.
ويؤكد ذلك أن الحرب السودانية لم تتسبّب في تراجع المساحات الزراعية فحسب، ولكنها ضربت وقيدت كل أنشطة الإنتاج، وعطلت مرافق الحياة في دولة كانت تعاني من التضخم والنقص الحاد باحتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع الديون والعجز عن سدادها.
واليوم، وبعد أكثر من عام من الحرب، يمكننا القول إن صراع السودان جاء في وقت يتعرض فيه العالم لهزات كبيرة في الأمن الغذائي، بعد تأثر سلاسل الغذاء العالمية بسبب الأحداث في أوكرانيا وروسيا، ومع غياب السودان عن ساحة الإنتاج العالمية فهناك ثمة انعكاسات سلبية على المنطقة برمتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المساحات الزراعیة قوات الدعم السریع الإنتاج الزراعی الأمن الغذائی ارتفاع أسعار الزراعیة فی فی السودان عبد الجلیل أکثر من
إقرأ أيضاً:
استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
تاج السر عثمان بابو
1تابعت في دراسة سابقة قبل الحرب بعنوان “نهب الذهب الدموي في السودان” عملية نهب الذهب وتهريبه من البلاد، بدلا من أن يكون قوة دافعة للتنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبعد الحرب استمرت عملية النهب، علما بأن من أسباب الحرب نهب ثروات البلاد ومنها الذهب، في إطار الصراع علي السلطة بين طرفي الحرب ومن خلفهما القوى الإقليمية والدولية التي تسلحها.
رغم استمرار الحرب لم تتوقف عملية استنزاف الذهب وتهريبه للخارج، في ظروف تعاني فيها الجماهير معيشة ضنكا ونقص في الأنفس والثمرات، بعد تدمير الصناعة والزراعة والنظام الصحي، وتقف البلاد علي شفا جرف هار من المجاعة التي تهدد حوالي 26 مليون مواطن، رغم ذلك يستمر تدفق المليارات من الدولارات من ثروة الذهب لمصلحة تجار الحرب من قيادات الطفيلية الإسلاموية والعسكرية والدعم السريع، ويتم تمويل تكلفة الحرب الباهظة من ثروة الذهب كما تشاهدها في المدافع و المسيرات التي تقتل وتدمر منازل المواطنين والمرافق العامة والبنيات التحتية، اضافة إلى نزوح حوالي 12 مليون مواطن داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان عشرات الآلاف.
إضافة لحملات التطهير العرقي لنهب أراضي المواطنين ومناجم الذهب كما هو حاري حاليا في الجزيرة ودارفور.
2من الأمثلة لاستمرار نهب الذهب ما أشار له مسؤول حكومي محمد طاهر عمر في بورتسودان بتاريخ 21 نوفمبر 2024 “إن صادرات الذهب حققت إيرادات رسمية بلغت 1.5 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024، وأوضح أن 1.5 مليار دولار تم توريدها إلى بنك السودان المركزي كعائدات صادرات الذهب منذ بداية العام وحتى أكتوبر. ويعمل نحو مليوني شخص في التعدين التقليدي تحت ظروف قاسية في مناطق السودان المختلفة، حيث يسهمون بحوالي 80% من إجمالي إنتاج الذهب في البلاد”.
علما بأن قيمة الصادرات من الذهب كما أوضحنا في الدراسة السابقة لا تقل عن 8 مليار دولار، مما يعني استفادة الجهات المصدر لها الذهب كما في الإمارات وروسيا. الخ.
كما أشار المسؤول الحكومي الي اقتسام نهب ثروة الذهب بين الجيش والدعم السريع، فالذهب المنتج من مناجم دارفور خرج عن سيطرة الحكومة بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على معظم مناطق إقليم دارفور، مما جعل هذه الموارد بعيدة عن متناول الدولة، هذا في وقت يعتمد السودان على إيرادات الذهب بشكل أساسي، لا سيما بعد اندلاع النزاع الذي تسبب في تعطيل حوالي 80% من الإيرادات العامة.
3أوضحنا في الدراسة السابقة، انه كما تم نهب الأراضي وثروة البترول استمرت الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج، علي سبيل المثال: متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن ( الشرق الأوسط: 11 يناير 2020)، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82- 93 طن (موقع الجزيرة 5/1/ 2017)، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان، وفقدان الدولة لثروة كبيرة، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب.
أصبحت القوي العاملة في التعدين كبيرة، حسب تقرير وزارة المعادن (2019) الذي أشار الي 3 ملايين يعملون في تعدين الذهب، منهم 2 مليون يعملون في المهن الملحقة بالتعدين “التكسير، جلب المياه، اعداد الوجبات. الخ”، مما يتطلب حمايتها من الآثار الضارة للتعدين، وضرورة قيام نقابات واتحادات لها تدافع عن حقوقها، وتوفير بيئة العمل المناسبة من سكن وخدمات صحية وتعليمية وثقافية، ورفع مستوي المعيشة. اضافة لحق مناطق التعدين في نسبة من الإنتاج لتنميتها وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنيات التحتية، وتوفير خدمات الكهرباء ومياه الشرب، وحماية البيئة من آثار استخدام المواد الضارة في التعدين، ومراجعة العقود المجحفة لشعب السودان التي تمت مع الشركات بما يضمن نسبة للدولة منها لا تقل عن 70% تذهب لبنك السودان، بدلا من اهدار هذه الثروة وايداع عائداها خارج السودان مقابل الغذاء والوقود!!!، وحماية ثروة البلاد من النهب والتهريب.
وتعيش هذه القوى العاملة في ظروف غير انسانية ومهددة بمخاطر التعدين مثل: انهيار المناجم، وتدمير المواقع الأثرية، لسعات العقارب والأفاعي، وتقلب الجو من البرودة الي الحرارة العالية كلما تم الوغل داخل المنجم، اضافة للآثار الضارة للتعدين باستخدام المواد الضارة بصحة البيئة والانسان والحيوان والنبات، والابادة الجماعية للسكان المحليين لنهب الذهب، حنى اطلق مجلس الأمن وصف “الذهب الدموى”، كما يصنف البنك الدولي مشتريات بنك السودان من الذهب بأنها “غير معقمة” بسبب تلك الممارسات.
تدخل عامل آخر في الصراع الدموى علي الذهب والصراع في دارفور حيث تريد الشركات الأجنبية طرد الأهالي والاستحواذ علي الأراضي التي يعيشون فيها المليئة بالثروات الطبيعية من ذهب ويورانيوم وماس. الخ، لكي يحدث ذلك لا بد من اخلاء السكان بالابادة الجماعية والتهجير، بالتالي دخل عامل جديد للصراع في دارفور ومناطق التعدين الأخرى وهو الاستحواذ علي الثروات والموارد لصالح فئات معينة، كما حدث في جبل عامر، وفي الصراع الأخير الذي دار في جبل مون الذي يزخر بموارد تعدينية كبيرة علي رأسها الذهب، أي صراع من أجل السيطرة علي الذهب، والهدف تهجير قسري للسكان في المنطقة من قبل الشركات.
فضلا عن الاشكال الأخرى لاخلاء السكان مثل: خلق الفوضي، تدمير الموسم الزراعي، نهب مخازن الاغاثة التابعة لليوناميد من قوات الحركات بهدف لتجريد سكان المعسكرات من الغذاء، ووضع النازحين في ظروف سيئة، كما حدث أخيرا، ايضا من المخاطر اطلاق النار من قوات الدعم السريع علي العاملين السلميين في التعدين في حالات النزاع.
4أصبحت الدولة تعتمد علي صادرات الذهب بشكل اساسي بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد لـ75% من عائدات النفط التي لعبت دورا كبيرا في استقرار الجنية السوداني في فترة تصديره منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، ولكن مافيا التهريب التي تضم شركات نافذين في نظام المؤتمر الوطني السابق كانت تسيطر يشكل شبه كامل علي تجارة الذهب السوداني، بالتالي لم يكن الذهب ذو فائدة كبيرة للاقتصاد الوطني.
منذ هيمنة المؤتمر الوطني كانت حصيلة صادرات الذهب لا تدخل خزينة الدولة، بل تودع في حسابات بنكية خارج البلاد، وصادر الذهب مقابل الغذاء والسلع الضرورية، والدولة لا تشرف علي صرف الشركات قبل الإنتاج التجاري التي تضخم الفواتير، اضافة الي أن العقود بها خلل، 70% لشركات الامتياز، وهي نسبة عالية لمورد ناضب علي مدي 25 عاما ، والدولة غير موجودة الا في 73 موقع فقط من 713 موقعا (موسي كرامة، من يسرق الذهب في السودان، تحقيق الجزيرة: 9/ 10/ 2019).
يواصل موسي كرامة وزير المعادن السابق: كما ارتفعت العائدات الفعلية للذهب في العام نفسه الي 8 مليار دولار، إذا اعُتمد الحد الأدنى 200 طنا، وهو عائد كبير لو ذهب الي خزينة بنك السودان لحدث فائض في ميزان المدفوعات السوداني، ولكن النسبة الأكبر من الذهب تُهرب عبر مظار الخرطوم وتُقدر بنحو 200 طن، اضافة لدور تجار الذهب الذين يعرضون مبلغا يزيد عن سعر البنك بنحو الفي دولار للكيلو الواحد، اضافة الي أن أغلب شركات التعدين لا تنقب عن الذهب، بل تشتري من المعدنين التقليديين (موسى كرامة وزير المعادن السابق).
ايضا: كشف تقرير أعده فريق من الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، عن تهريب 267 طنا من الذهب السوداني خلال 7 سنوات، وافاد التقرير الذي تحدث عن الوضع الراهن لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بأنه جرى تهريب هذه الكمية خلال الفترة بين 2013 و2018، وأوضح رئيس الآلية الوطنية لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة، عمر حسن العمرابي أن تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 267 طن، بواقع 80 كيلو يوميا، مشيرا إلى وجود فرق 13.5 مليار دولار، بين معلومات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط.
أما التقارير الرسمية لوزارة المعادن تقول: إن الفاقد يقدر بين “2- 4” مليار دولار سنويا بنسبة 37% من اجمالي صادرات البلاد، وأكثر من 70% من إنتاج الذهب يتم تهريبه بطرق غير رسمية (الشرق الأوسط: 11/ 1/ 2020).
في السياق الإقليمي والعالمي وخاصة في افريقيا الذي اشتدت فيه حمى البحث عن الذهب بسبب ارتفاع اسعاره بعد أزمة كورونا، زادت ايضا حمي تعدين الذهب الدموي في السودان الضار بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والماء والتربة واستخدام مواد مثل الزئبق الذي يسبب الفشل الكلوى، اضطرابات في القلب، والكبد والطحال والاضطرابات العصبية. الخ، وغير ذلك من آثار شكوي التعدين، مما يعني أن الذهب الدموي يدمر ثروة السودان وبيئته، مع التهريب للعائد من عصابات المرتزقة منذ حكم الانقاذ، والذي اصبح فيه حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد..
من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح حميدتي يتحكم بأكبر “ميزانية سياسية” للسودان، أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، واصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وتساءل اليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، الذهب أكبر عدو للديمقراطية.. لماذا تقبل حكومة السودان التي يقودها الحراك باحتكار ميليشيا حميدتي لثروة البلاد التي لا تعوض؟ (موقع عربي بوست).
على الرغم من الجهود الحكومية الأولية بعد ثورة ديسمبر مثل قيام “بورصة الذهب”، وأسعار مجزية من بنك السودان للمعدنين. الخ لاستعادة سيطرة الدولة أو القطاع الخاص على أجزاء من صناعة الذهب السوداني، لكن تعثرت تلك الجهود ومن ضمن الاسباب إدارة قوات الدعم السريع النافذة سياسياً اقتصاداً موازياً لحسابها الخاص، وهيمنة شركات الطفيلية الإسلاموية، وشركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع التي هي خارج ولاية وزارة المالية، وزاد من الفوضي ونهب الذهب انقلاب 25 أكتوبر، اضافة للحرب الجارية التي زادت من حمى نهب الذهب.
5كل ذلك يتطلب المقاومة من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة، وإعادة النظر في عقودات الذهب لمصلحة شعب السودان، ونسبة من العائدات لمناطق التعدين للتنمية، وحماية البيئة من آثار التعدين الضارة، ومكافحة التهريب وقيام بورصة الذهب، وتحديد نسبة معينة للتصدير، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة الاقتصادية لولاية المالية، وحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات والكيزان وقيام الجيش القومي الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية 1، ووضع الدولة يدها على ثروات البلاد المعدنية.
الوسومالإمارات الجيش الحكومة المدنية الدعم السريع الذهب السودان الكيزان تاج السر عثمان بابو روسيا محمد طاهر عمر موسى كرامة