بدا لى المحامى الكبير منزعجًا وساخطًا أكثر مما يجب، فلما سألته عن السبب أفاض وأباح، وقال والحيرة تمزق منه الأعصاب: (تخيل... ابنى يرفض بشدة أن يلتحق بكلية الحقوق، ويصر على دراسة الأدب العربى، على الرغم من كل المميزات التى شرحتها له لو أنصت إلى كلامى بحياد وموضوعية، حيث سأوفر له عملا مرموقا فى مكتبى، بل سيرث هو نفسه هذا المكتب بنجاحاته المعروفة وتاريخه المشرف).
كنت أعرف أن صديقى هذا يعد واحدًا من كبار المحامين فى القاهرة، وأن مكتبه عامر دومًا بالقضايا، وأن هناك أكثر من 15 محاميًا يعملون تحت قيادته، وأشهد أنه أسس مكتبه قبل أكثر من ثلاثين عامًا بالعمل الجاد الشريف، فحقق الكثير من النجاحات، وتيسرت أحواله وصار واحدًا من أكابر القوم. وهكذا عرف الثراء طريقه إليه، فاقتنى الفيلا والسيارة الفاخرة وتذوق أشهى الأطعمة، وزادت فرحته بالزواج من سيدة محترمة فأنجب ابنتين جميلتين، ثم أعقبهما بولد.
التقينا فى أحد كافيهات التجمع الخامس قبل شهر، وبعد نقاشات طويلة عرفت أن الابن مفتون بالشعر مثل والدته، ويحلم بأن يغدو مثل الكبار شوقى ونزار قبانى وصلاح عبدالصبور ومحمود درويش وأحمد عبدالمعطى حجازى وبدر شاكر السياب. لم يسخر صديقى المحامى من هؤلاء الشعراء لحظة وهو يتلو عليّ أسماءهم، بل كان يعرف قيمتهم العظيمة ودورهم المهم فى إثراء الشعر العربى.
أما المفاجأة التى أذهلته وأزعجته أن والدته تقف فى صف ابنهما تمامًا، رغم أنها تعلم أن الشعر فى بلادنا لا يسمن ولا يغنى من جوع، وأضاف: (أنت تعرف أنها نشرت ديوانا واحدًا فور زواجنا، ثم توقفت بعد أن رزقنا الله بابنتنا الأولى).
سمعته بتركيز شديد، ولما لاحظ بشائر ابتسامة تطل من عينيّ، سألنى ما الأمر؟ فقلت: (يا صديقى إن علماء الوراثة توصلوا إلى أن الإنسان يرث من والدته نحو 70% من الجينات الوراثية، ومن والدتها يرث نحو 10%، وهذا أمر طبيعى، فالابن يظل قابعًا فى أحشاء أمه تسعة أشهر كاملة، ثم يبقى ملتصقا بثدييها عامين طوال فترة الرضاعة، بينما لا يستطيع الأب سوى تمرير 20% فقط من جيناته).
أنصت إليّ بتركيز، ثم شرد قليلا وعاد إلى جلستنا، ومدّ جذعه نحوى وقال بجدية: (أجل... أجل... لقد لاحظت أن ابنى نشيط جدًا مثل والدته، بينما أنا كسول إلى حد ما، وهو طيب ومتسامح ومخلص، ووالدته تتسم بهذه الخصال الرائعة، بينما أنا لا أنسى أبدًا أية إساءة مهما كانت بسيطة أو غير مقصودة).
فاستطردتُ قائلا، وقد شعرت أن سخطه بدأ يتلاشى وأن انزعاجه مضى يشحب: (حقا... إذا كانت الأم وفية وطيبة ومتسامحة ونشيطة ومخلصة لزوجها وأولادها، فالأبناء مثلها تقريبًا، ووالدهم محظوظ جدًا، أما إذا كانت طباع الأم سيئة ينضح منها الشر والغدر والقسوة ونكران الجميل، فأبوهم سييء الحظ طبعًا، وكذلك أولاده).
ويا عزيزى الأب: ابنك ابن أمه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأدب العربى الاعصاب المحامين النجاحات التجمع الخامس
إقرأ أيضاً:
عدن.. تنفذ حكم الإعدام تعزيرا لمدان بقتل والدته
نفذت نيابة إستئناف جنوب عدن صباح اليوم، في ساحة السجن المركزي بالمنصورة محافظة عدن، حكم الإعدام رمياً بالرصاص حتى الموت تعزيراً بحق المحكوم عليه عفيف سالم محمد الحاج لقتله عمداً وعدواناً المجني عليها والدته فطومة عمر عبدالله باسحيم.
وقالت النيابة العامة، إنه جرى تنفيد حكم الإعدام تطبيقاً لحكم محكمة صيرة الإبتدائية الصادر بتاريخ 2020/9/10م في القضية الجنائية رقم 44 لعام 2020م ج.ج نيابة صيرة الإبتدائية الذي قضى بالحكم على عفيف سالم محمد الحاج بالإعدام قصاصاً رمياً حتى الموات لقتله المجني عليها والدته فطومة عمر عبدالله باسحيم عمداً وعدواناً، وعلى حكم محكمة إستئناف محافظة عدن الشعبة الجزائية الثانية الصادر بتاريخ 2021/12/5م، وعلى القرار النهائي البات الصادر من المحكمة العليا الدائرة العسكرية الصادر بتاريخ 2024/5/26م والقاضي بإقرار الحكم الإبتدائي مع تعديل الصفة من القتل القصاص إلى التعزير، وعلى تقرير النائب العام الصادر بتاريخ 2024/9/9م، وبعد مصادقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي على الحكم.
وأقدم المدان الحاج، على ارتكاب جريمة بشعة بحق والدته فطومة عمر عبدالله باسحيم، وقام ذبحها وقطعها إلى أجزاء وضعها داخل حقيبة سفر.
وأضافت، أنه وبعد تلاوة منطوق الحكم، ووثيقة التنفيد من قبل القاضي مصطفى صلاح الزليخي، تم تنفيذ حكم الإعدام تحت إشراف وحضور رئيس نيابة إستئناف جنوب محافظة عدن القاضي وضاح عبدالله باذيب، وحضور وكيل نيابة صيرة الإبتدائية القاضي هاني وديع أمان، وأولياء دم المجني عليها، وعدد من أفراد الأمن والمواطنين.
يذكر أن هذا الحكم الإعدام رمياً بالرصاص حتى الموت تعزيراً، هو أول حكم يتم تنفيذه من قبل النيابة العامة في محافظة عدن.