جنرال احتياط: قطيع من قادتنا الحمقى يقودوننا نحو خطر وجودي
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
#سواليف
في خضم حملات التهديد والوعيد والاستعدادات في إسرائيل لضرب إيران، يرى يتسحاق بريك، واحد من أبرز جنرالات الاحتياط في جيش الاحتلال، أن الاتفاق السياسي قد يحقق للأولى إنجازات أكثر من أيّ حرب مباشرة مع الثانية.
بريك، قائد سابق للكليات العسكرية، المعروف إسرائيلياً بـ “نبي الغضب” لتوقّعه “طوفان الأقصى”، يقول، في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية، إنه كي نتمكّن من فهم الطريق الذي تسير فيه إسرائيل، من الآن فصاعداً، من المهم إدراك بعض الحقائق التي تسلط الضوء على وضعها الحالي.
بريك، المواظب على نشر انتقادات للمستويين السياسي والعسكري قبل الحرب المتوحشة على غزة ولبنان، يرى أن إسرائيل تواجه اليوم خطر الانهيار الاقتصادي، فإذا ما استمرت هذه الحالة، فمن شأنها أن تصل، خلال وقت قصير، إلى حالة الإفلاس، وانعدام قدرتها على خوض الحرب.
مقالات ذات صلة عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى بحماية مشددة من شرطة الاحتلال 2024/10/17 بريك: أدت حرب الاستنزاف إلى خلق استقطاب فظيع في المجتمع الإسرائيلي، حيث تستعر الكراهية العمياء بين القطاعات المختلفة، وانعدام الثقة التام بينهاوينضم بريك لمراقبين إسرائيليين آخرين باتوا يتنبهون لقوة “حزب الله” في إدارة مواجهة تتحدى إسرائيل، ويحذرون من حرب استنزاف، فيقول إنه بسبب حرب “السيوف الحديدية”، المستمرة منذ عام، ولا يبدو أن نهايتها تلوح في الأفق، بتنا نخسر دعم دول العالم.
ويمضي في قراءته: “إذ يرى عددٌ من هذه الدول أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء وارتكبت جرائم حرب. يتجلى هذا الموقف في فرض العقوبات الاقتصادية، وفرض حظر على شحنات الأسلحة (حتى من دول صديقة لنا)، ووصمة رهيبة تضعها علينا “المحكمة الجنائية الدولية” في لاهاي، وبالتدريج، يتحوّل الأمر إلى اعتبار إسرائيل دولة منبوذة لا تستحق أن تكون بين الدول المتحضرة. هذه المواقف تجذب وراءها عدداً من الدول التي كانت صديقة لنا في الماضي، وكانت تربطها بدولة إسرائيل علاقات ممتازة”.
استقطاب فظيع
وطبقاً لبريك، أدت حرب الاستنزاف إلى خلق استقطاب فظيع في المجتمع الإسرائيلي، حيث تستعر الكراهية العمياء بين القطاعات المختلفة، وانعدام الثقة التام بينها، لافتاً لوجود أحاديث عن تمرُّد مدني وخيانة للوطن، وتقسيم الشعب إلى “دولة إسرائيل” و”دولة يهودا”. كذلك يجري نشر آلية دعائية مليئة بمعلومات زائفة، أو مضللة، وبالتحريض ونشر أخبار كاذبة ضد الخصوم، وإطلاق تسميات قاسية من طرف تجاه طرف آخر، عبر ماكينة التشويه هذه التي يُطلق عليها، إسرائيلياً، اسم “ماكينة نفث السم” من جهة نتنياهو وأبواقه. معتبراً أن “هذه الشروخ آخذة في الاتساع في صفوف المجتمع الإسرائيلي إلى حدّ خطِر لا عودة عنه؛ وهذه الحالة وحدها قد تؤدي إلى انهيار دولتنا”.
بريك، الذي وجّهَ، في السنوات الأخيرة، انتقادات لعملية تقليص حجم الجيش وتحويله لـ “جيش صغير وذكي”، يقول، اليوم، إن هذا الجيش استُنزف تماماً: “هذا الجيش الذي لن نتمكن من البقاء في هذا الإقليم المعادي من دونه، والعبء كله واقع على كاهل أولئك الذين يخوضون جولاتهم الرابعة في الخدمة الاحتياطية منذ بداية الحرب. فقد كثيرون من هؤلاء مصادر رزقهم، وأحياناً فقدوا عائلاتهم، وبذلوا أقصى حدود قدرتهم الجسدية والنفسية. بمرور الوقت، واستمرار حرب الاستنزاف، يزداد عدد أفراد الاحتياط الذين يرفضون الاستجابة لأوامر الاستدعاء العسكري؛ إذ إن نسبة كبيرة منهم لا تستجيب لأوامر الاستدعاء إلى الخدمة. كما أن الجنود النظاميين مُنهكون أيضاً، ويفقدون المهارات المهنية بسبب توقف الدورات التدريبية، أو إلغائها بالكامل. يُستنزف الجنود في حرب لا نهاية لها. وإذا ما استمرت حرب الاستنزاف هذه، فإننا قد نخسر قواتنا البرية”.
ويرى بريك أنه بسبب حرب الاستنزاف المستمرة هذه، تقف مؤسسة التربية والتعليم الآن على ساق هزيلة، وباتت على شفا الانهيار، وإلى جانبها هناك العديد من المؤسسات الأُخرى التي بات مصيرها مماثلاً، ولا مجال هنا للإطالة في الحديث والتفصيل.
جرس الإنذار
على خلفية رؤيته هذه، يرى بريك أنه يجب أن يُقرع جرس الإنذار لدى كلٍّ منا، وعلى كل عاقل أن يفهم أنه إذا ما استمرت حرب الاستنزاف، وواصلت نحو عامها الثاني، فإن دولتنا على وشك الانهيار قريباً.
ويمضي في تحذيره الصريح: “مَن لديه إلمام بوضعنا الحالي في حرب الاستنزاف، يدرك أن أهداف الحكومة، المتمثلة في “القضاء التام على حماس”، و”إخضاع حزب الله”، و”تركيع إيران وقطع صلاتها بأذرعها”، ليست أهدافاً واقعية، بل ليست سوى رؤيا قدرية غيبية لبضعة أشخاص يعيشون في جنة الحمقى”. ويرى أن هذه الأهداف التي وضعتها الحكومة، بناءً على توجيهات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ترفض أيّ عملية للتوصل إلى اتفاق سياسي، بوساطة الولايات المتحدة، أو دول أُخرى.
طبقاً لبريك، يهدف الاتفاق إلى وقف حرب الاستنزاف، إعادة الأسرى والنازحين من الشمال والجنوب إلى منازلهم، إنقاذ الدولة من الانهيار الاقتصادي، لملمة الانقسامات الاجتماعية بين القطاعات، إعادة بناء جيش برّي هجومي قادر على الرد الفوري بعمل عسكري مناسب على أيّ انتهاك للاتفاق من الطرف الآخر (من دون الاحتواء، مثلما جرى في السابق) وإصلاح التعليم وقضايا أُخرى مماثلة. هذا المنشود، أما الموجود، حسب بريك، فهو مغاير تماماً: “لن تكون الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تضم كثيراً من المتطرفين، مستعدة للتوجه نحو اتفاق سياسي، إلّا بعد تحقيق أهدافها غير الواقعية. ونظراً إلى أن هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق، فإن سياسة الحكومة ستؤدي، بالضرورة، إلى استمرار حرب الاستنزاف حتى تدمير الدولة”. أمّا إذا اندلعت حربٌ مباشرة مع إيران نتيجة ضربة إسرائيلية تستهدف المنشآت النووية مثلاً (ضربة لن تتسبب بتدمير فعلي للمنشآت، بل بتأخير إنتاج القنبلة عدة أشهر فقط)، فإن فرصة التوصل إلى اتفاق سياسي مع إيران وحلفائها ستتضاءل بصورة كبيرة”. معتقداً أنه ما يمكن تحقيقه الآن باتفاق سياسي، سيكون من الصعب تحقيقه، إذا اندلعت حرب مباشرة مع إيران، وسيزداد الوضع تعقيداً عدة أضعاف”.
في نظرته لإسرائيل والمنطقة، يخلص بريك للقول: “للأسف الشديد، هناك كثيرون من الجهَلة في إسرائيل الذين لا يفهمون الأمور، ولا يرون أمامهم الصورة الحقيقية للواقع، وذلك إمّا بسبب الجهل، وإمّا نتيجة تبنّي أوهام، أو رغبات لا تتماشى مع الواقع. هذه الحكومة الفاشلة وهؤلاء الجهَلة الذين يتبعونها، كأنهم “قطيع من الحمقى”، سيواصلون قيادة دولتنا نحو خطر يهدد وجودها”.
يشار إلى أن بريك يتقاطع مع مراقبين آخرين في جيش الاحتياط وخارجه يبدون قلقهم من عدم وجود إستراتيجية تشمل مخرجاً سياسياً للحرب على جبهاتها المختلفة، ولكن، في المقابل، هناك معسكراً يدعو للمزيد من البطش والتدمير والتهجير في غزة ولبنان، حتى بثمن النزاع مع العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، ويبدو أن نتنياهو لا يبدي أي رغبة بالتراجع عن البحث عن تحقيق مآربه بحرب طويلة، وبضرب إيران، تطبيقاً لتوجهاته الأيديولوجية، وبحثاً عن إنقاذ نفسه سياسياً تحت عنوان “أنا أنقذ إسرائيل في هذه الحرب”، كما قال ضمن مقابلة مع صحيفة “مشبحاه” (العائلة) التابعة لحلفائه الغيبيين، اليهود الأورثوذوكس (الحريديم).
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف حرب الاستنزاف
إقرأ أيضاً:
إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها
ليس هناك ما يدعو إلى الارتياح في منطقتي الخليج والشرق الأوسط ما دام هناك أمل لدى "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران بإحياء مشروعها التوسّعي في المنطقة. لم تيأس إيران من هذا المشروع الذي ليس قابلاً للحياة أصلاً. لذلك، لا نزال نراها تراهن على إمكان إحيائه. يفرض ذلك عودة إلى السؤال الأساسي: هل تريد إيران أن تكون دولة طبيعية أم لا؟
لا يزال السؤال في الواجهة، على الرغم من كل ما حصل في غزّة وكل ما حصل في سوريا ولبنان. تغيّرت سوريا التي أثبت شعبها رفضه للمشروع الإيراني. تبيّن بكلّ بساطة أن ليس في استطاعة "الجمهوريّة الإسلاميّة" البقاء في سوريا، بل هي جسم مرفوض فيها. أما في لبنان، فقد ظهر بوضوح أنّ الخراب هو كل ما تستطيع إيران تقديمه إلى هذا البلد. لا يدلّ على ذلك أكثر من الوضع الذي يعاني منه البلد حاليا. هناك نحو أربعين قرية مدمّرة من جنوب لبنان وهناك رفض إسرائيلي للانسحاب من مواقع معيّنة في الجنوب. تبرّر إسرائيل رفضها الانسحاب برفض "حزب الله"، الذي ليس سوى أداة إيرانيّة، السماح للدولة اللبنانية بتنفيذ القرار الرقم 1701. يرفض الحزب ذلك كونه يعرف أنّ تنفيذ القرار يعني تخلّيه عن سلاحه، أي بقيامة لبنان مجددا.يتأكّد إصرار "الجمهورية الإسلاميّة" على رفض التخلي عن مشروعها التوسعي الردّ الأخير لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. كشف الردّ رفضاً إيرانياً لأخذ العلم بما يدور في المنطقة من جهة وبفشل الحروب الإيرانية المختلفة من جهة أخرى. في الواقع، يرفض عراقجي أخذ العلم بأن بلده شكّل في الـ45 عاماً الماضية مصدر قلق لدول المنطقة كلّها بالاعتماد على إثارة الغرائز وصنع الميليشيات المذهبية التي ذهب ضحيتها لبنان والعراق وقسم من اليمن وكادت تذهب ضحيتها سوريا… لولا انقلاب الشعب السوري على الحكم العلوي وفرار بشّار الأسد إلى موسكو في الثامن من ديسمبر (كانون الأوّل) الماضي.
لا ردّ مقنعاً لدى الوزير الإيراني على الأمين العام للأمم المتحدة، خصوصاً في ظلّ الإصرار الذي تبديه "الجمهوريّة الإسلاميّة" على تطوير برنامجها النووي. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ عراقجي لا يدرك أن مشكلة دول المنطقة والعالم المتحضر لم تكن، فقط، مع البرنامج النووي الإيراني الذي استخدم في كلّ وقت لابتزاز دول المنطقة والعالم. المشكلة في سلوك "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي سعت منذ اليوم الأوّل لقيامها إلى التسبب بحرب مع العراق، من منطلق مذهبي، وعملت على الاستيلاء على لبنان وتحويله إلى مجرّد مستعمرة إيرانيّة.
ليس كافياً قول عراقجي أن إيران لا تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، وأن "المرشد" علي خامنئي يؤكّد ذلك، للردّ على غوتيريش. مثل هذا الكلام لا ينطلي على أحد في عالمنا هذا حيث لا تستطيع إيران إخفاء نشاطها في مجال تخصيب اليورانيوم..
الحاجة الإيرانيّة، قبل كلّ شيء، إلى الاستفادة من تجارب الأمس القريب والاقتناع بأنّ الاستثمار في البرنامج النووي، مثل الاستثمار في إنشاء الميليشيات المذهبية في مختلف أنحاء المنطقة، سيرتدّ على "الجمهوريّة الإسلاميّة". هذا ما حصل بالفعل. ولأنّ ذلك حصل بالفعل، يُفترض بعراقجي التمعن في ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة في دافوس. كلّ ما قاله غوتيريش أنه "يجب على إيران أن تتخذ الخطوة الأولى لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة والولايات المتحدة، من خلال الإظهار بأنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي." أضاف "الخطوة الأولى يجب أن تأتي الآن من جانب إيران، لأنه في حال عدم اتخاذها، فإننا نواجه خطر تصعيد التوترات. أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن أمله في أن "يدرك الإيرانيون أنه حان الوقت للتوضيح، بشكل نهائي، بأنهم لا يسعون إلى تطوير أسلحة نووية. وفي الوقت نفسه، يجب أن يعملوا على بناء علاقات بناءة مع بقية دول المنطقة بهدف تأسيس نظام أمني جديد يحترم استقلال جميع الدول." إضافة إلى ذلك، أشار غوتيريش إلى أن مثل هذه الخطوة "ستساهم في تمهيد الطريق أمام اندماج إيران الكامل في الاقتصاد العالمي."
ليس بالكلام وحده تستطيع إيران نفي طموحها إلى امتلاك السلاح النووي. ما لم يقله غوتيريش قاله المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي الذي أوضح، في دافوس أيضاً، أن إيران "تتقدم بسرعة كبيرة في زيادة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من الاستخدام العسكري."
من الواضح، من خلال رد فعل وزير الخارجية الإيراني أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" ما زالت مصرّة على العيش في عالم آخر. لا يزال رهانها على أن الدفاع عن النظام في طهران يستند إلى "تصدير الثورة"، أي إلى تصدير الأزمات الداخلية إلى خارج الحدود الإيرانية، علماً أن ليس لدى إيران ما تصدّره… غير الأزمات والميليشيات. لا وجود لنموذج إيراني قابل للتصدير، خصوصاً في ضوء فشل "الجمهوريّة الإسلاميّة" اقتصادياً وحضارياً… وفي بناء علاقات ذات طابع إيجابي مع شعبها، أو شعوبها، أوّلاً، ومع جيرانها في المنطقة.
كلّ ما في الأمر أنّ إيران ترفض أن تكون دولة طبيعية وأنّ أحلام الهيمنة التي راودتها طوال سنوات بقيت أحلاماً، حتّى لا نقول أوهاماً. تحرّر لبنان من السطوة الإيرانية. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان لدى لبنان رئيس للجمهوريّة. كذلك تحررت سوريا. والسؤال متى سيتحرر العراق أيضاً؟ السؤال الحقيقي متى تقتنع "الجمهوريّة الإسلاميّة" بأنّ الشعارات شيء والحقيقة شيء آخر. لو كانت الشعارات والأوهام تبني دولاً، لكان الاتحاد السوفياتي لا يزال حيّاً يرزق.
إذا كان من درس يمكن استخلاصه من انهيار الاتحاد السوفياتي، فهذا الدرس يتلخص بأن الصواريخ لا تبني دولاً، وكذلك الميليشيات المذهبية، من النوع الذي رعته إيران في لبنان وغير لبنان..