تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أنطونيو سكارميتا، الكاتب والشاعر والروائي التشيلي، يعد واحدًا من أبرز الأسماء الأدبية في أميركا اللاتينية خلال القرن العشرين. تتسم أعماله بالغوص العميق في القضايا الإنسانية والوجودية، بالإضافة إلى الانخراط في النقاشات السياسية والاجتماعية التي كانت وما زالت تشكل جزءًا كبيرًا من هوية المجتمعات في المنطقة.

ينتمي سكارميتا إلى تقليد أدبي امتزج فيه الأدب بالسياسة، وأعماله تشهد على موهبة سردية استثنائية، حيث تمكن من الجمع بين الروح الثورية والعمق الإنساني، لتظهر أعماله كمحفز على التأمل في الذات والمجتمع على حد سواء.

وُلد سكارميتا في عام 1940 في مدينة أنكونسبسيون، تشيلي. تأثر بالواقع السياسي المضطرب في أميركا اللاتينية، حيث عاصر سقوط الحكومات الديمقراطية وصعود الأنظمة الدكتاتورية، وكان لتجربته في المنفى تأثير كبير على أعماله الأدبية. بعد انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه على الرئيس سلفادور أليندي في عام 1973، اضطر سكارميتا إلى مغادرة تشيلي والعيش في المنفى في الأرجنتين وألمانيا، حيث أصبح ناشطًا سياسيًا وأدبيًا ضد نظام بينوشيه، ودافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في أميركا اللاتينية.

أحد أقواله الشهيرة هو: "الأدب يستطيع أن يكون عملًا من أعمال المقاومة." هنا يعبر سكارميتا عن إيمانه القوي بدور الأدب كقوة مقاومة ضد القمع والاستبداد، مما يجعله ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل أداة فعالة للتغيير والتحدي.

من أشهر أعمال سكارميتا رواية "ساعي بريد نيرودا"، التي تحولت لاحقًا إلى فيلم شهير تحت عنوان "Il Postino" (البوسطجي). تدور الرواية حول علاقة شاعرية بين الشاعر الكبير بابلو نيرودا وساعي البريد الشاب ماريو خيمينيز، الذي يبدأ بالتعرف على نيرودا وقراءة أشعاره، ليتحول هذا اللقاء إلى نقطة تحول في حياة الشاب، الذي يتعلم من نيرودا كيف يعبر عن مشاعره وكيف يتواصل مع العالم من حوله.

هذه الرواية ليست فقط قصة حب بين ماريو وبياتريس، بل هي أيضًا تأمل في تأثير الأدب على حياة الإنسان. من خلال ماريو، يجسد سكارميتا قوة الشعر في تحويل الوعي وتجديد الروح، حيث يقول نيرودا في الرواية: "الشعر لا يخص من يكتبه، بل من يحتاجه." هذه العبارة تلخص مفهوم الأدب عند سكارميتا، كوسيلة لإعادة تشكيل العالم من خلال قوة الكلمات.

علاوة على ذلك، فإن الرواية تعكس جانبًا سياسيًا مهمًا. إن الصداقة بين نيرودا، الذي يمثل الفكر الثوري والشعر السياسي، وماريو، الذي يمثل البساطة والعفوية، تحمل رسالة واضحة عن ضرورة وجود التضامن بين المثقفين والبسطاء في مواجهة الظلم والاستبداد.

لم يكن سكارميتا مجرد كاتب منفصل عن قضايا وطنه والعالم، بل كان ناشطًا أدبيًا وسياسيًا يؤمن بدور الأدب في مواجهة الأنظمة الدكتاتورية. في أعماله، تبرز قضية الحرية الفردية ومعارضة القمع كموضوعين مركزيين. وقد دعا سكارميتا مرارًا إلى إعادة الديمقراطية إلى تشيلي وإلى احترام حقوق الإنسان.

في هذا السياق، قال سكارميتا: "ليس من الضروري أن يكون الكاتب سياسيًا بالمعنى الحزبي، لكن عليه أن يكون واعيًا بالتغيرات الاجتماعية وأن يعبر عنها بأمانة." هذا الموقف يبرز أهمية دور الكاتب كمثقف مسؤول، لا يكتفي فقط برصد الأحداث، بل يسعى لتحليلها ومواجهتها إذا تطلب الأمر.

تميز أسلوب سكارميتا بالبساطة والعمق، حيث استخدم لغة متقنة وشاعرية لنقل أفكاره ورؤاه. كان يميل إلى التركيز على الشخصيات البسيطة والقصص الإنسانية الصغيرة، لكنه في نفس الوقت، كان قادرًا على استحضار اللحظات التاريخية الكبيرة وتجسيدها في أعماله.

يقول سكارميتا عن الكتابة: "الكتابة ليست مجرد عمل إبداعي، بل هي عمل اجتماعي يتطلب تواصلًا حقيقيًا مع القراء." هذا الفهم لأهمية التواصل مع الجمهور يجعل من أعماله قريبة إلى القراء، حيث يشعرون بأنهم جزء من الحكاية وليسوا مجرد مشاهدين.

ساهمت أعمال سكارميتا في تشكيل الوعي الأدبي والسياسي في أميركا اللاتينية، حيث تميزت بقدرتها على نقل معاناة الإنسان وحلمه في الحرية بأسلوب فني فريد. "ساعي بريد نيرودا" على سبيل المثال، لم تكن مجرد رواية حول الحب والشعر، بل كانت تعبيرًا عن الصراع من أجل الحرية والكرامة، وهو موضوع يعكس تجربة الكاتب نفسه في مواجهة الدكتاتورية.

كما أن أعماله الأخرى مثل "حلم الفتاة الحمراء" و*"أمسيات الثلاثاء"* تتناول قضايا تتعلق بالمنفى والهوية، وتعكس تجارب الكاتب في الشتات والحنين إلى الوطن. في هذه الأعمال، يظهر تأثير تجربة المنفى على سكارميتا، حيث يتجلى شعور الاغتراب والبحث عن المعنى، وهذا يتضح في قوله: "المنفى ليس مجرد غياب عن الوطن، بل هو حالة نفسية تجعلك تشعر بأنك غريب حتى داخل نفسك."

يعتبر سكارميتا جزءًا من حركة أدبية واسعة في أميركا اللاتينية، تأثرت بتجارب الواقع القاسي للدكتاتوريات والانقلابات العسكرية. وعلى الرغم من أنه يُصنف ضمن الكتاب الذين لم ينالوا نفس الشهرة العالمية لبعض زملائه مثل غابرييل غارسيا ماركيز أو ماريو فارغاس يوسا، إلا أن تأثيره الأدبي كان عميقًا ومؤثرًا. إذ أن أعماله تُرجمت إلى العديد من اللغات وحظيت باهتمام القراء والنقاد على حد سواء، مما يعكس قدرة سكارميتا على التأثير في الجمهور العالمي ونقل تجارب الإنسان في ظل القهر والحرمان.

يمكن اعتبار سكارميتا أحد الكتاب الذين آمنوا بأن الأدب يمكن أن يكون وسيلة للبحث عن الحقيقة، تلك الحقيقة التي غالبًا ما تكون خفية ومختبئة خلف ستار السياسة والقمع. في أعماله، يسعى للكشف عن جوانب الحياة اليومية التي تمثل تجارب إنسانية عميقة، وتحديات اجتماعية وسياسية تضرب بجذورها في الواقع. وقد قال في هذا الصدد: "لا يمكن للأدب أن يتخلى عن مهمته في الكشف عن المظالم والدفاع عن الحرية."

هذا الإيمان بدور الأدب كوسيلة للكشف والتغيير جعل من سكارميتا صوتًا أدبيًا يتردد صداه في أرجاء أميركا اللاتينية وخارجها، حيث أنه قدم أعمالًا تعكس التحديات الكبرى التي واجهها الإنسان في ظل أنظمة قمعية تسعى لتقييد حرياته.

أنطونيو سكارميتا هو كاتب تجاوز حدود الأدب ليتحول إلى ضمير يعبر عن هموم الإنسان وحلمه في الحرية والكرامة. كانت حياته وأعماله شاهدًا على معاناة الشعب التشيلي والمقاومة الثقافية ضد القمع. استطاع من خلال أعماله أن يمزج بين الرؤية الإنسانية والبعد السياسي، ليخلق أدبًا لا ينفصل عن الواقع، بل يشكل جزءًا منه.

تبقى أعماله مصدر إلهام للكثيرين، حيث إنها تحمل رسالة واضحة عن قوة الكلمة في مواجهة الاستبداد، وعن دور الأدب في تشكيل الوعي الجماعي والمساهمة في التغيير الاجتماعي. في النهاية، يبقى سكارميتا رمزًا للأدب الملتزم، الذي يسعى دائمًا للبحث عن الحقيقة والكشف عن الجوانب الخفية في حياة الإنسان.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فی أمیرکا اللاتینیة الإنسان فی فی مواجهة أن یکون

إقرأ أيضاً:

هل وجدت علا عبد الصبور الحب أخيرا؟ مؤلفة مسلسل البحث عن علا تجيب

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كلنا نذكر علا عبد الصبور، التي كانت تبحث قبل نحو 14 عاما عن الزواج والاستقرار وتكوين عائلة، من خلال مسلسل "عايزة اتجوز"، الذي قدم في حلقاته نماذج متعددة لأزواج محتملين، ولتصرفات متعددة مرتبطة بالزواج والخطبة وتكوين أسرة.

علا عادت منذ عامين بشكل جديد ومختلف، وكانت تبحث حينها عن أمر آخر، فبعد أن اختار زوجها الانفصال عنها، بدأت هي رحلة البحث عن نفسها وذاتها، فشهدنا سعيها لإطلاق شركتها الخاصة، ومحاولتها البحث عن فرصة جديدة في الحب.

والآن، تعود علا عبد الصبور للمرة الثالثة في جزء ثان من مسلسل "البحث عن علا"، الذي يعرض على منصة نتفليكس، فعن ماذا تبحث هذه المرة؟

تقول غادة عبد العال، كاتبة المسلسل إلى جانب مجموعة من الكتاب والكاتبات، وهي مؤلفة المسلسل الأساسي الذي عرض عام 2010: "هذا الجزء لا يقدم فقط رحلة علا، وإنما رحلة جميع من حولها، والذين يسعون لتحقيق خيارات مختلفة في حيواتهم، فكل واحد منهم يرغب في البحث عن إجابات من وجهة نظرهم. علا على سبيل المثال تبحث عن هذا التوازن ما بين العمل والعائلة، وللأسف النساء في مجتمعاتنا دائما ما يضطررن إلى التركيز على أمر واحد بين البيت والعمل لأن هذا هو الخيار الوحيد أمامهن. ولكن في هذا المسلسل، حاولنا استكشاف إمكانية أن تجمع علا ما بين كل هذه الأمور: العمل، العائلة والحب".

وتضيف غادة: "في هذا الجزء، تخوض كل الشخصيات رحلات جديدة. لكن ما يميز علا في هذا الجزء أنها تعرف ما تريد، وحياتها ليست بتلك الفوضى التي لربما كانت عليها سابقا. كما أن وجود شخص واحد في حياتها، وهو كريم، ساعد في أن يكون هناك تركيز على تطوير هذه العلاقة في حياتها".

ولعل أكثر الجوانب لفتا للانتباه في هذا الجزء هو الحضور القوي والواضح للجيل الأصغر، أو ما يعرف بـGenZ، والذي ساهم وجود تنوع كبير في غرفة الكتابة للمسلسل في تقديمه بهذا الشكل العادل، فهو جيل يتحدث عن فيديوهات تيكتوك، وتدخل الإنجليزية في الكثير من مفرداته، ولا يخجل من التعبير عن رأيه، والحديث في موضوعات مسكوت عنها في الماضي.

تقول غادة: "فريق الكتابة في المسلسل متنوع جدا، ولكل منا تجربته الخاصة مع هذا الجيل، فهشام حمزة على سبيل المثال لديه أربع أبناء، وزيزيت لديها ولدان، أما هنا محمود فهي صغيرة ولم تتزوج، وسيف أيضا لم يتزوج، وأنا أيضا لم أتزوج ولكن لدي أبناء، فكل ما نكتبه هو يستند على تجارب وأمور وقعت معنا في منازلنا ومع عائلاتنا".

هذا الجزء شهد عودة شخصيات من المسلسل الأساسي، كشخصية حازم، شقيق علا، وهي الشخصية التي أضافت على المسلسل جانبا مختلفا وجدلياً في نفس الوقت، فحازم يعود ليعيش مع علا وأبنائها ووالدته، بعقلية قد تكون قديمة وتقليدية، وبالتالي نشهد الصراع بين الأجيال في إثبات من الأقوى ومن الأقدر على التعبير عن رأيه.

وحول هذا القرار تقول غادة: "في الجزء السابق، القصة كانت تدور حول علا وقدرتها على اتخاذ القرارات من دون أن تستند إلى أب أو أخ، ولهذا شعرنا أن وجود حازم لن يكون ذي فائدة، ولكن في هذا الجزء، لأننا نتناول موضوع التربية والعلاقات بشكل كبير، شعرنا أن وجوده مهم، خصوصا وأن طريقة علا في تربية أولادها تطورت، بخلاف ما تربى عليه حازم، الذي يعتبر تقليديا".

وعن أي انتقادات يمكن أن تواجه المسلسل حول ما يعرف بـ "الانسلاخ عن الواقع"، وعدم تصويره لما يجري على الأرض بصورة حقيقية تقول غادة: "لكل منا واقعه في النهاية، وأنا لا أتفق مع فكرة أن هذا المسلسل منسلخ عن الواقع، فهو يتناول كثيرا من الموضوعات في حياتنا، مثل التربية الحديثة، وعلاقة الأهل وأبنائهم، وارتباط الأبناء الوثيق بالتكنولوجيا والسوشال ميديا، إضافة إلى تناول موضوعات مهمة ولا يتم نقاشها عادة مثل الطلاق بين الأهل، والعلاقة الطيبة بين الطليقين، فحتى لو لم تكن هذه النماذج موجودة في واقع أي منا، هذا لا يعني على الإطلاق أنها غير موجودة أبدا".

وفي هذا الجزء، لم تكن هند صبري الممثلة الرئيسة في العمل وإنما لعبت دورا كبيرا فيما يعرف بـShowrunner، أو الشخص المسؤول عن الإشراف على كل ما يتعلق بالمسلسل والتأكد أن عمليات الإنتاج والتصوير وما بعد الإنتاج تتم على أكمل وجه. وحول هذه المشاركة تقول غادة: "كانت لهند أدوار متعددة، منها أيضا إشرافها على غرفة الكتابة، وملاحظاتها على النص والنابعة من كونها زوجة وأم لبنتين".

المسلسل المكون من ست حلقات، من إخراج هادي الباجوري، ويشارك في التمثيل ظافر عابدين، وسون بدر، وهاني عادل، وندى موسى، ومحمود الليثي.

مقالات مشابهة

  • كريم خالد عبد العزيز يكتب: الربانيون.. شعاع الأمل في زمن الفتن
  • بوسي تتألق بزهور الحب (صور)
  • حظك اليوم برج السرطان 17 أكتوبر 2024.. الحب يبتسم لك
  • لقطات من حفل زفاف حازم أيمن زيدان ولمي بدور
  • كثرة اليابسة.. وفرة المعنى وقلة اللّفظ
  • تشيلي.. وفاة الكاتب أنطونيو سكارميتا مؤلف رواية ساعي البريد نيرودا
  • تامر هجرس يكشف كواليس أعماله مع عادل إمام
  • زهور الحب تبرز أنوثة روبي (صور)
  • هل وجدت علا عبد الصبور الحب أخيرا؟ مؤلفة مسلسل البحث عن علا تجيب