الذكاء الاصطناعي يكشف أسرار كلكامش
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
آخر تحديث: 17 أكتوبر 2024 - 1:22 مترجمة: حميد ونيس كشف فريق من الباحثين باستخدام الذكاء الاصطناعي عن الأسرار القديمة باستخدام الخوارزميَّات ومعالجة البيانات. وكان الهدف الأخير لبحثهم هو ملحمة كلكامش، أحد أبرز أبطال أساطير وادي الرافدين، والتي تمثل أقدم قصّة ملحميَّة للإنسانيَّة.في العام 2017 أطلق العلماء من معهد الآشوريّات ضمن جامعة لودفيغ ماكسيمليان في ميونخ بحثاً باستخدام خوارزميَّة الأبحاث الرقميَّة لترجمة وتحليل النصوص المسماريَّة بسرعة لا يمكن تصورها للعلماء.
وهذه الخوارزميَّة التي يطلق عليها خوارزميَّة الشظايا تسمح بالوصول إلى أجزاء مفقودة وإعادة بناء الأجزاء غير المعروفة من ملحمة كلكامش، وغيرها من النصوص البابليَّة، مما يُسرّع بشكل كبير العمليَّة التي كانت تعتمد في السابق على ذاكرة علماء الآشوريات وعلى نسبة من الحظ في النجاح. ومن المعروف أنَّ ملحمة كلكامش تعود إلى نحو أربعة آلاف عام تم نقلها فقط من خلال نظام كتابة منقرض تمَّ بناؤه بأحرف مشابهة لشكل المسامير ترسم على ألواح الطين. لقد أعطى الذكاء الاصطناعي دفعة كبيرة لهذه الجهود، لأنَّ خوارزميَّة الشظايا دفعت العمل على نحو أسرع بكثير من عالم الآشوريَّات البشري وترجمة هذه النصوص التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين من الحضارة السومريَّة والأكديَّة الأصلية في غضون ثوانٍ معدودة، ما يؤدي إلى تسريع عملية إعادة بناء وفهم الملحمة. تحكي الملحمة قصة (نصف إله) الذي أعطى الكتاب عنوانه، كلكامش، ملك مدينة أوروك السومريَّة وصديقه إنكيدو، الرجل البري. يقتل الاثنان حارس الغابة، الوحش خمبابا، وتنتقم الآلهة بتنفيذها قتل إنكيدو. ونتيجة لحزنه الشديد، يذهب كلكامش للبحث عن سلفه أوتنابيشتيم، الذي نجا من الطوفان الذي تناولته صفحات قصص التوراة، على أمل أن يتعلّم هذا البطل سرَّ الخلود.مرّت آلاف السنين، ظلت خلالها الكتابة المسماريَّة المنقوشة على الألواح الطينيَّة البابليَّة التي تحكي هذه القصّة كلغزٍ لا يمكن فكّه. وفي القرن التاسع عشر أصبح جورج سميث، الباحث في المتحف البريطاني، أول عالم حديث يقرأ ملحمة كلكامش في العام 1872. لكن المؤلم أن سميث توفي بعد أربع سنوات فقط فقد صرعه مرض وبائي عمَّ المنطقة، وهو بعمر 36 عاما، أثناء رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط بحثاً عن المزيد من أجزاء القصيدة المفقودة لتلك الملحمة، ومنذ ذلك الحين، ظل الباحثون يعيدون بناء القصة قطعة فأخرى مع ظهور نصوص مسماريَّة جديدة، حتى أخذ هذا التكامل في القطع منحى غير متوقع. ولادة جديدة لكلكامش خلال مدة أقل من عقد من الزمن، أعطى الذكاء الاصطناعي دفعة كبيرة لهذه الجهود، لأنّه يمكنه العمل بشكل أسرع بكثير من امكانيات عالم الآشوريات البشري التقليدي، وتمكن من ترجمة هذه النصوص القديمة من النصّين السومري والأكدي الأصليين في غضون ثوانٍ معدودة، مما يُسرِّع عملية إعادة البناء والفهم للملحمة.يقود البروفيسور إنريكي كيمينز من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ هذه الثورة الرقميَّة في علم الآشوريات: حيث يعمل مع فريقه على رقمنة جميع الألواح المسماريَّة الباقية منذ العام 2018. ولديه بالفعل أكثر من 28 ألف لوح مكتوب بحروف صوتيَّة تحتوي على ما يزيد عن 417 ألف سطر من النصوص.ويوضح كيمينز أن أجهزة المختبر الحديثة الرقميَّة لم تكن موجودة من قبل، وإنما كانت عبارة عن قاعدة بيانات ضخمة من الأجزاء. ومن المعتقد أنّها يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في إعادة بناء الأدب البابلي، مما يسمح بالتقدم بشكل أسرع بكثير من المراحل السابقة، لا سيما أنه الآن أصبح لديه مساعد رقمي لا يشكو من التعب ويمكنه تجربة ملايين المجموعات في غضون ثوانٍ معدودة، وكانت النتيجة مذهلة عندما ظهرت مشاهد جديدة من ملحمة كلكامش الى النور. وهكذا أصبحنا نعرف الآن مشاهد غير منشورة من الملحمة؛ يعود الفضل فيها الى تلك الاجهزة المختبريّة الحديثة. حيث تظهر هذه الصور إنكيدو وهو يحاول أن يثني كلكامش عن قتل الوحش خمبابا. ثم انطلق البطلان في رحلة لزيارة الإله إنليل في نيبور.وهناك المزيد، إذ ظهر لوح من العام 130 قبل الميلاد، إنَّ قصّة الملحمة كانت لا تزال من أكثر الكتب مبيعاً. وبعض الترجمات الجديدة أيضاً قدمت اختلافات مدهشة عن القصّة المعروفة. فعندما يخبر أوتنابيشتم كلكامش كيف أعد السفينة لمواجهة الطوفان، يذكر أنّه “أغدق” الطعام والشراب على البنّائين. لعبة فكّ الرموز يقول بنيامين فوستر، أستاذ علم الآشوريات في جامعة ييل: “لم تكن لدينا كلمة “بذخ” من قبل”. “وفي رأيي، يشعر كلكامش بالذنب لأنّه يعلم أن كلَّ الأشخاص الذين يساعدونه في بناء السفينة سوف يغرقون في غضون أيّام قليلة”. يعاملهم بكرم ناشئ عن الندم. إنّها تفاصيل تضيف نوعاً من التنازع الأخلاقي للقصة. الشيء الأكثر إثارة هو أنَّ هذه هي البداية فقط. إذ تؤشر التقديرات الى وجود نحو 30 بالمئة من كلمات الملحمة بحاجة إلى فك رموزها. ومع تحويل جميع الأجزاء إلى شكل رقمي بالفعل، سواء لدى مؤسسة المتحف البريطاني أو المتحف العراقي في بغداد، فإنَّ احتمالات اكتشافات جديدة هائلة في الطريق إلينا. يعلق كيمينز بحماس: “هناك آلاف القطع التي يمكن للجميع فكّ رموزها باستخدام آلة المختبر الرقميَّة”. ومن هنا يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة أساسيَّة لكشف أسرار الماضي، مما يسمح بفهم أفضل للحضارات التي سبقتنا بواسطة كلماتها الخاصة. لقد أشعل نجاح مشروع خوارزميَّة الشظايا “فراغمنتاريا” شرارة الاندفاع نحو الآثار الأدبيَّة في مختلف أنحاء العالم مع مماثلة على نصوص قديمة أخرى. ففي مدينة هيركولانيوم الرومانيَّة، يستخدم العلماء الذكاء الاصطناعي لقراءة طبقات البردي المتفحّمة بسبب ثوران جبل فيزوف. وفي مصر، قد تساعد خوارزميات مماثلة على فك رموز الهيروغليفية التي لم تُفهم بعد، وكشف أسرار الفراعنة. وحتى مخطوطات البحر الميت قد تكشف أسرارا جديدة بفضل هذه التقنيات.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی غضون ة التی
إقرأ أيضاً:
3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024
وفي السطور التالية نرصد أبرز تلك الاكتشافات: مخطوطات هيركولانيوم تمكن ثلاثة من الباحثين من من الكشف عن محتوى مخطوطات هيركولانيوم المتفحمة والتي لم تكن قابلة للقراءة، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي.
وكانت هذه المخطوطات الهشة عُرضة للتفتت، كما أن لونها الأسود جعل من الصعب قراءة أي كتابات عليها، ولكن بفضل الذكاء الاصطناعي والأشعة السينية عالية الدقة، تم فك شفرة أكثر من 2000 حرف داخل المخطوطات.
وكان هذا الإنجاز كشف عن أول مقاطع كاملة من البرديات التي نجت من ثوران جبل فيزوف في عام 79 بعد الميلاد، ضمن بعض القطع الأثرية المتعلقة بروما القديمة واليونان، التي تم إنقاذها مما يُعتقد أنه منزل والد زوجة يوليوس قيصر.
وعن الطريقة التي تم بها فك رموز الكتابة، قال أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كنتاكي والذي يعمل على فك شفرة المخطوطات منذ أكثر من عقد من الزمان، برنت سيلز، إن الكتابة تكون موجودة في المخطوطات ولكنها تكون مدفونة ومموهة في الورق.
ومن خلال الذكاء الاصطناعي يتم تكثيف هذه الكتابة وتضخيم قابلية قراءة الحبر، وفق سيلز.
التعرف على لغة الحيتان توصل العلماء من قبل إلى أن الأصوات التي تنتجها حيتان العنبر تختلف في طولها الموجي وإيقاعها، ولكن دلالة هذه اللغة ظلت لغزًا محيرًا بالنسبة للعلماء.
ولكن الذكاء الاصطناعي ساعد على تحليل نحو 9000 تسلسل نقرات مسجلة، تسمى الكودات، والتي تمثل أصوات حوالي 60 حوتًا من حيتان العنبر في البحر الكاريبي.
وسمح هذا التقدم في جعل لغة الحيتان قابلة في يومًا ما للتفسير بجانب بعض الحيوانات الأخرى.
وفي التجربة، قام العلماء برصد نهاية أصوات الحيتان، وخلال تبادل النداء، وكذلك الاستجابات بين الكائنات البحرية العملاقة.
ومن خلال عرض تلك الأصوات على أدوات الذكاء الاصطناعي، نتجت أنماط مقطعية أشبه بالأصوات التي ينتجها البشر.
واكتشفت البرامج 18 نوعًا من الإيقاع (تسلسل الفواصل الزمنية بين النقرات)، وخمسة أنواع من السرعة (مدة الكودا بأكملها)، وثلاثة أنواع من الروباتو (الاختلافات في المدة)، ونوعين من الزخارف “نقرة إضافية” تمت إضافتها في نهاية الكودا في مجموعة من الكودات الأقصر.
ويسعى العلماء في المراحل المقبلة لإجراء اختبارات تفاعلية مع الحيتان مع مراقبة سلوكها، بما يفتح الباب لفهم لغتها بشكل كامل.
كشف المواقع الأثرية على غرار المخطوطات الورقية، يعمل الذكاء الاصطناعي حاليًا على كشف المواقع الأثرية والرموز الغامضة المدفونة تحت الأرض في صحراء نازكا في بيرو.
وقديمًا، قضى العلماء ما يقرب من نصف قرن في الكشف عن تلك الآثار وتوثيقها. وغالبًا ما تكون الصور التوضيحية الممتدة، والتي لا يمكن رؤيتها إلا من الأعلى، تصور تصميمات هندسية وأشكال تشبه البشر وحتى حوت قاتل يحمل سكينًا.
وقام العماء بقيادة ماساتو ساكاي، أستاذ علم الآثار في جامعة ياماغاتا اليابانية، بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي لاكتشاف نحو 430 رمزًا من خلال التقاط صور عالية الدقة لها.
وخلال الفترة بين سبتمبر 2022 وفبراير 2023، بدأ الفريق في التأكد من صحة هذه الرموز عن طريق مسح شامل لصحراء نازكا من خلال الطائرات بدون طيار. ونجح العلماء في إثبات صحة نحو 303 من الرسوم الجيوجليفية التصويرية، مما أدى إلى مضاعفة عدد الرسوم الجيوجليفية المعروفة تقريبًا في غضون أشهر