نغم كلاب.. قصص النزوح والحصار وموتى لا يدفنون
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
بدأت معاناة الفتاة الفلسطينية نغم كُلّاب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد إنذار جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة وشمالها، وإجبار أهلها على النزوح إلى مدن جنوب وادي غزة، تحت تهديد الدبابات والقصف العشوائي.
ومن قلب المعاناة وفي ظل الحصار الخانق على قطاع غزة، تخرج قصة نغم كلاب التي لم تتجاوز 17 من عمرها، لكنها واجهت من الأحداث ما لا يواجهه إنسان طوال حياته.
من نزوح إلى نزوح
بدأت نغم رحلة طويلة مليئة بالخوف والفقدان، رحلة قادتها وعائلتها من غزة إلى منطقة خان يونس، ومن ثم إلى مواصي خان يونس (جنوب غربي القطاع)، على أمل أن يجدوا ملاذًا آمنًا، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين تحت نيران الاحتلال.
تقول نغم بمرارة "حياتي وحياة عائلتي تغيرت بالكامل بعد إلقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات تطلب منا النزوح إلى مدن جنوب وادي غزة، حيث حملنا ما استطعنا من أغراض، وتوجهنا نحو خان يونس".
وتضيف "ظننا أننا هناك سنكون في أمان، لكن سرعان ما اشتدت المعارك واضطررنا للهرب مجددًا من خان يونس إلى منطقة مواصي خان يونس التي كانت تُسمى (منطقة إنسانية) في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي".
وتروي نغم في حديث للجزيرة نت تفاصيل حصارها لمدة 3 أيام من قبل الاحتلال الإسرائيلي في مواصي خان يونس التي بدأت في 21 يناير/كانون الثاني 2024، عندما كانت الساعة حوالي الثامنة مساء، وفوجئت حينها بوجود الاحتلال الإسرائيلي عند بوابة المكان الذي نزحوا إليه من دون سابق إنذار.
وتوضح "كنا عائلتين معًا: عائلتي وعائلة زوج خالتي، ولم نتمكن من الخروج بسبب وجود الدبابات والقصف المدفعي والطيران بشكل عشوائي في كل مكان".
وأضافت "حاولنا الخروج مرارًا وتكرارًا في اليوم الثاني، لكن الاحتلال أطلق النار علينا، مما أدى إلى إصابة ابنة خالتي وزوجها، ولم نكن قادرين على تقديم الإسعافات لهما فاستشهدا، وظلا على الأرض أكثر من 40 يوما ولم يدفنا إلا بعد انسحاب الاحتلال من المنطقة".
وتابعت "لم ندرك أنهما استشهدا إلا بعد ساعات من الصمت الذي خيّم عليهما، ولم نكن قادرين حتى على الاقتراب منهما بسبب شدة الرصاص والقصف من حولنا".
وتقول نغم "وصلنا أخيرا إلى منطقة الصناعة، التي كانت هي الأخرى محاصرة من 3 جهات، وهي المنطقة الوحيدة التي تمكنا من الوصول إليها تحت القصف المستمر من الطائرات والدبابات، حيث بقينا عند أقاربنا هناك".
"لكن بعد 3 أيام من وصولنا، حوصرت المنطقة من جميع الجهات، وفرض الاحتلال حواجز إلكترونية، وخرجنا بصعوبة عبر تلك الحواجز، واعتقل عدد كبير من الشبان من على هذه الحواجز".
هواية الرسموبعد فترة طويلة من الانقطاع عن هواية الرسم بسبب عدم توفر الإمكانات، قررت نغم العودة إلى الرسم من جديد، فرسمت أول لوحة جسدت فيها لحظة مريرة عاشتها بعد حصار المكان الذي نزحت إليه، والتي تجسد استشهاد ابنة خالتها وزوجها ولم يستطع أحد دفنهما إلا بعد نحو 40 يوما.
وفي لوحة أخرى، رسمت مخيم النازحين الذي تسكن فيه حاليًا والمعاناة اليومية للظروف الصعبة التي يواجهها النازحون في غزة، مجسدة مشاعر الألم والصمود في حياتها اليومية.
يذكر أن أكثر من مليون و900 ألف مواطن نزحوا من مناطق مختلفة بقطاع غزة، وتوزعوا على عشرات آلاف الخيام وفي مئات المدارس ومراكز الإيواء التي تتعرض للقصف بشكل متكرر أيضا.
وتشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حربا على غزة خلفت أكثر من 137 ألفا بين شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات الاحتلال الإسرائیلی خان یونس
إقرأ أيضاً:
السيولة في غزة .. أزمة تفاقم معاناة المواطنين تحت وطأة الغلاء والحصار
غزة ـ يمانيون
مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره التاسع عشر، تزداد الأوضاع المعيشية تعقيدًا وسط انهيار اقتصادي شامل، تتصدره أزمة السيولة المالية التي باتت تُحاصر يوميات السكان، وتحوّل تفاصيل حياتهم إلى سباق مرهق للبقاء وسط الغلاء الفاحش، وانعدام النقد، وارتفاع عمولات التكييش إلى مستويات صادمة.
في أحد الأزقة المدمّرة شرق مدينة غزة، يقف الحاج أبو مصطفى أمام محله الصغير، ينظم ما تبقى من البضائع القليلة على رفوفه، ويُحدّق في الداخلين بعينين غلب عليهما التعب.
يقول بصوت منخفض: “كنت أبيع على التطبيق لأسهّل على الناس أزمة الكاش، لكن للأسف ما عدنا نستطيع الشراء من التجار إلا نقدي، فاضطررت للعودة للبيع نقدًا فقط”.
ويضيف: “الناس ما عندها كاش، واللي بده يسحب من التطبيق بيدفع دم قلبه عمولة، صار الوضع لا يُحتمل، والموردين نفسهم صاروا يبيعونا بأسعار غالية وبشروط صعبة”.
عمولات خانقة..
أصبحت عمولة الحصول على النقد – المعروفة محليًا بـ”التكييش” – عبئًا يوميًا ينهك كاهل المواطنين.
ويُوضح الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: “نحن أمام أزمة سيولة غير مسبوقة في القطاع، نتيجة الحصار المُطبق ورفض الاحتلال إدخال النقد، إضافة إلى غياب أي تدخل جاد من الجهات المالية الرسمية في الضفة أو غزة لتدارك الوضع”.
ويتابع: “بلغت عمولات التكييش أرقامًا غير منطقية، تتراوح بين 25% و35% من قيمة المبلغ، ما يعني أن المواطن يخسر ما يقارب ثلث أمواله فقط ليستلمها نقدًا، هذه النسبة تعتبر جريمة اقتصادية بحق الناس”.
ويرى أبو جياب أن “السوق السوداء” هي المستفيد الأكبر من هذا الواقع، مستغلة غياب الرقابة البنكية وتعطل عمل المؤسسات الرسمية: “في ظل انهيار الدور النقدي الرسمي، أصبح المواطن فريسة لتجار الأزمات الذين يتحكمون بالسيولة وبوسائل الدفع”.
ومنذ بداية الحرب أوقفت قوات الاحتلال إدخال السيولة النقدية إلى بنوك غزة، التي أغلقت مقراتها وبقيت تقدم خدمات محدودة أغلبها يرتبط بالتعامل مع التطبيق البنكية.
“أخسر لأعيش”..
محمد، موظف حكومي في غزة، يصف كيف تحوّلت الحياة إلى “رحلة بحث يومية عن النقد”، لا تقل قسوة عن مواجهة القصف.
يقول: “كنت أشتري من المتاجر عبر التطبيقات، بس مع الوقت سكرت المحلات، وصرت مجبر أسحب كاش بعمولة عالية، وأشتري من السوق بأسعار أغلى”.
أما أم يزن، أم لثلاثة أطفال، فتقول: “ما عندي خيار غير ألف على المحلات اللي بتبيع بالتطبيق، بس صارت نادرة، حتى مصروف الأولاد بطلت أقدر أعطيهم، لأن إذا ما معك كاش، ما بتقدر تشتري حتى الخبز”.
نقد تالف وأزمة مركبة
ويشير أبو جياب إلى تفاقم المشكلة بسبب انتشار العملة التالفة التي يرفض المتاجرون قبولها، ما زاد من حدة الأزمة: “انتشار العملة التالفة حوّلها إلى عبء إضافي، فتضاعف الضغط على الكاش السليم، مما جعل السيولة المتاحة أصغر بكثير من الحاجة الفعلية”.
وأضاف: “نحن بحاجة لحلول عاجلة، أهمها الضغط على الاحتلال لإدخال النقد بشكل منتظم، ودعم أنظمة الدفع الإلكتروني بشكل فعّال، وتوعية المواطنين بالتحول الرقمي، إلى جانب تدخل جاد من سلطة النقد الفلسطينية لإعادة هيكلة السوق وضبطه”.
أزمة نقد أم انهيار إنساني؟
ليست أزمة السيولة في غزة مجرد خلل اقتصادي، بل هي انعكاس مأساوي لحرب إبادة اقتصادية تشنّها إسرائيل ضد أكثر من مليوني إنسان.
ومع غياب الحلول الجذرية، وغياب سلطة نقد فاعلة، تبقى خيارات السكان محدودة، بينما تتضخم السوق السوداء، وتتحول الحياة إلى معركة يومية للبقاء.
يؤكد خبراء أن تخفيف الأزمة يبدأ من إعادة فتح المعابر، وإدخال النقد، وتفعيل أدوات رقابية حقيقية على السوق، بالتوازي مع تعزيز أدوات الدفع الرقمي، وتمكين المواطن من التكيّف دون أن يُستنزف في كل معاملة مالية.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام