الأسبوع:
2025-04-30@13:41:50 GMT

أغسطس حزين يا أمي

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

أغسطس حزين يا أمي

في كل عام يأتي أغسطس إلى بيتنا حاملا معه طقوسا احتفالية أسرية، لأنه يجمع بين عيدين، فاليوم السابع منه عيد زواج، وفي اليوم الثامن عيد ميلاد بابايا، وكان من المقرر أن نحتفل هذا العام بالعيد التاسع والخمسين لزواج (ماماتي وبابايا)، لكن أبت الدنيا إلا أن تنتزع منا سعادتنا، فرحلت ماما في يناير 2023، وانتهى عصر الاحتفال.

قد يكون الاحتفال مناسبة خاصة جدا، لكنها تحمل دلالات عامة من الزمن الجميل، فهذا زواج استمر سنوات طويلة بالحب، والعشرة الطيبة، والاحترام المتبادل، والوفاء بالعهود والوعود، وتقدير ظروف الآخر واحترام حقوقه وخصوصياته، وتحمل الصعاب، والمشاركة بالسراء والضراء، وإعلاء مصلحة الأسرة وإيثارها دائما، والحفاظ على أسرارها، والشعور بالمسئولية وفعل كل ما ينبغي من واجبات، والتضحية بالوقت والجهد والمال وكل نفيس للحفاظ على استقرار الأسرة وسعادتها، وبذل الجهد والسعي الدؤوب من أجل حياة أفضل لأفرادها، وتنشئة الأبناء على الدين والأخلاق والمبادئ والمثل العليا، وجميعها أسس وقواعد نشأت عليها هذه الأسرة، كما عاشت ملايين الأسر المصرية التي آمنت بهذه المعاني الإنسانية، فتمسكت بها ونجحت بفضلها في تأسيس حياة سعيدة مستقرة.

إنها أجيال آمنت بقيمة الأسرة، وأدركت أنها إن صلحت صلح المجتمع بأكمله، فالأسرة هي حضن الأمان، داخله يشعر الإنسان بالطمأنينة والسعادة الحقيقية، هي منبع قوة الفرد، وحائط الصد ضد أي شر، والدرع والحصن والحماية ضد كل شقاء الدنيا، الأسرة تصنع وتشكل أفرادا قادرين على الصمود والتحدي والنجاح، باختصار هي حب لا نهائي، وبلا شروط، ولعل افتقاد الأجيال الجديدة لهذه الأسس هو العامل الرئيسي في وصول معدلات الخلع والطلاق وجرائم الخيانة الزوجية وعقوق الوالدين إلى أرقام مخيفة تنذر بانهيار المجتمع بسبب الخلل في منظومة القيم والمعايير ورفض اتباع نهج الأهل بحجة اختلاف الزمن!!

لم تتوان ماما عن بذل الجهد في سبيل أسرتنا الصغيرة، وكانت حتى آخر لحظاتها في دنيانا الفانية تتابع كل تفاصيل حياتنا، وتهتم بشئوننا، وتوجهنا إلى ما يجب فعله، وتدعو لنا.

ماما حبيبتي، كلماتك وتوجيهاتك ونصائحك كانت وستظل نبراسا لنا في مسيرتنا، ودعواتك ستبقى درع حمايتنا من كل سوء، حتى نلتقي في الجنة بإذن الله لكِ منا قبلات ودعوات لا تنضب أبدا.

المصدر: الأسبوع

إقرأ أيضاً:

لذا لزم التنويه: الزمن في السجن (4)

"أضعُ علامة جديدة على الحائط، لأنهي شهرا بانتظارٍ آخر
في الحائطِ متسعٌ لمنتهى العمر.. عاما بعد عام
الحوائط -أصلا- لا تعبأ بالحياة، تماما كما لا يعبأ السجان
أما النفسُ فقد ضاقت بالعلاماتِ.. بالحوائط.. وبالانتظار"

ليس أحمق من بدء رحلتك السجنيّة بحساب الوقت، تلك العلامات على الحائط ستبقى ندوبا في روحك، حتى بعد خروجك، وإلى أن تموت، لن تنصلح علاقتك بالوقتِ وقد ظللت تحسبه يوما فساعة فدقيقة، بانتظارِ أن تخطّ خطا جديدا على حائط زنزانتك، لن تسامحه و-ربّما لن تسامح نفسك.

وليس أحمق كذلك من التخلّي عن الانتباه للوقتِ والوعي به، حفرةٌ هائلةٌ تترقّب ابتلاعك حينها، في لحظتك المناقضة لكلّ ما هو حيّ/حيوي أو إنساني، عليكَ أن تنتبه دون أن تسقط، عليكَ أن تعي -ربّما- حتى تستطيع التحايل. فالزمن السجنيّ ليس مجرّد معيار، إنّما معركة قائمة/مستمرّة بين حفرة اللحظة، وبين الماضي ذاكرة والقادمُ أحلاما، وكلّ احتيالٍ تقوم به سيكون جسرا يعبر بك إلى العالم والحياة والحريّة ولو لـ لحظات.

الوقت في السجن ليس محايدا، بل هو سلطة، أداةُ قمع، ومعركةٌ دائمة. ويكفي -بحسب فوكو- أن يُنتزع منك الحق في إدارة وقتك حتى تُنتزع إنسانيّتك بالتدريج، لا يحتاج الأمر إلى أسوار وأبواب ليحدث، فما بالك وكلاهما واقعٌ في حياتك السجنيّة؟ بين عشرات الجدران الأسمنتيّة الخرساء، وعشرات الأبواب الحديديّة الصدئة، تحدّد السلطةُ -حسب قوانينها أو حسب مزاج المختلّ صاحب القرار- متى تستيقظ ومتى تأكل ومتى تنام ومتى تتحرّك و-ربّما- متى تموت.

هي لا تسجن جسدكَ وحده حين تفعل، إنّما زمنك كذلك، وسجن الزمن ليس فقط أشدّ قسوة، إنّما أكثر قدرة على الإرباك، وإحداث الزلزلة فيما رسخ بنفسك وذهنك.

في السجن ليس ثمّة زمنٌ واحد، هناك زمنٌ آخر تحت الجلد وفي الدماغ أو الروح، زمنٌ داخليٌّ أشدّ بطئا وثِقلا من ذلك الآخر الدائر في تعاقب الليل والنّهار. إنّه ذلك الزمن الحيويّ الذي لا يدور مع عقارب الساعة أو يُنزع مع أوراق التقويم، بل تقيسه دقّات قلبٍ وتخلّجات جلد وتقلّباتُ نفس، دقيقةُ الانتظار تمتدُ فيه عمرا، ولمسةٌ في الزيارة تطولُ لتملأ أسابيع ما بين زيارتين.

والزيارةُ ليست ذلك اللقاء الذي يجرب تحت أعين الضباط والمخبرين وأجهزة التسجيل فحسب، بل هو نصٌّ مليءٌ بالعلامات وكل نصّ يفتح أبوابا للمعنى تمتد بعيدا عن الحوائط والقضبان: كلّ كلمة عابرة، نَفَس روتينيّ، رعشة شفاة، أو تشتّت فكرٍ ونظر.. يُعاد رسم الزمن حولها -كما الأفكار والهواجس- فتطول وتقصر حسب ما تحمله من أملٍ أو خيبة.وسطر في الرسالة قادرٌ على "شقلبة" عالمك لأيّام: تؤوِّلُ الكلمات، تستنبط النبرة والصوت، تفتّش عمّا لم يُقل وتفسّر ما لم يُبيّن، تقرأ الفراغات بين السطور قبل أن تقرأ الكلام المكتوب ذاته.

والزمنُ في السجن أزمانٌ، أو على الأقلّ هو زمنٌ مركّب: زمنٌ مسلوبٌ وآخر داخليّ مقاوم أو منكسر، وثالثٌ كنصٍّ يُعاد تأويله بعد قراءته مع كلّ رسالةٍ أو زيارةٍ أو خبر.

هكذا تصبح الرسالةُ براحا متحايلا، وشعاع حريّةٍ أو جسر عبورٍ مؤقّت إلى رحابة العالم من ضيق الزنزانة، وإلى الوقت الحيّ من مواقيت السجّان القسريّة.

والزيارةُ كذلك لا تعودُ مجرّد لقاءٍ جسديّ مؤّقت، بل طقسُ مقاومة، و"وعاء ادّخار" للمشاعر كما للجسد وللذاكرة كما للروح، يتجسّد فيها زمنك الداخليّ: عناق لحظةٍ يروي عطش أسابيع الحرمان، ونظرة واحدة تختزنُ عونا على ألف يومٍ من الغياب؛ الزيارةُ تعيد تشكيل الزمن، وتكسر إيقاع السجن المفروض.

حتى التريّض "ساعةُ الشمس في السجن" التي رأى درويش استحقاقها لأن تُذكر ضمن ما تستحقّ الحياة لأجله على هذه الأرض، يتحول إلى فسحة دلالية: خطى قليلة بين جدارين قريبين، تصبح إبحارا كاملا إلى ذكريات العمر جميلها وثقيلها، أو إلى مستقبلٍ تخلقه متجاوزا لإمكانات الواقع والجسد في خيالك الذي لا يُسجن.

في مواجهة زمننا السجنيّ، نبتكرُ جسورا أو ثغرات "ربّما ننفق العمر كي نثقب ثغرة ليمرّ النور للأجيال مرّة"، لكنّنا نفعل هذه المرّة ليمرّ النور والحريّة والحياة -ولو مؤقّتا وجزئيّا- لنا نحن.. جسور من أحلام مؤجّلة، من رسائل سوّد الكثير من سطورها حبرُ الرقيب، من زيارات تخرقُ الزمن ولو خرقتها أعين الضبّاط والمخبرين، من تريّضٍ يُستعاد فيه الجسد ولو لدقائق، ولو في الخيال المتفلّت من الرقابة والقمع.

ولأن فوكو علّمنا أن الزمن المراقب يخلق أجسادا طيّعة، فإن جسورنا ليست مجرد عزاء، بل مقاومة.. ولأن برغسون أهدانا فكرة الزمن الحي، فإن كل لحظة أملٍ -مهما خفت نورها- تمتد كالعروق تحت تراب الأسى.. ولأن بارت نبهنا إلى أن كل نصّ مفتوح على تأويلات لا نهائية، فإن كل رسالة وزيارة تصبح وثيقة حرية مكتوبة بالحبر الخفي للصبر.

هكذا يصبح السجن ليس موتا للزمن بالضرورة، كما يريد منه أن يكون، بل مولدا لأزمنةٍ جديدة: زمن الذاكرة، زمن الحلم، زمن التأويل، زمن الحب.. والوقت الذي كان سلاحا بيد السجّان، نصنع منه نحن جسورا صغيرة، ضيقة، لكنها تقود إلى عالم كامل من الحياة والحريّة.

سيأتي يومٌ -ولو بعُد-

تعالجُ ضمتُنا فيه كلَّ ما اعتَرَانا،
تسيلُ دمعاتُنا المؤجلات، وداعا لمن فُقد،
ننتشي بالشعر، بالأمنيات، بالحياة.

أنشغلُ عنها بصحبةِ موسيقاي وكتبي،
وتنشغلُ عني بتخيّل طفلٍ تأخرَ مجيئه.

ننحشرُ في مطبخٍ صغير، نعدُّ وجبة نحبها،
ولا يفيقنا من (قبلةٍ اعتراضية) إلا رائحة الشوّاط.

ننتفضُ في حضرةِ فلسطين، بتوقٍ وحنين.
نتأسّى على ثورتنا المغدورة،
نرفضُ الكراهيةَ والقبح،
نُكملُ الحلم، ونُكملُ الحياة.

مقالات مشابهة

  • فتح باب الترشح لجائزة التميز الحكومي العربي حتى أغسطس المقبل
  • السوداني حزين جداً بانفجار ميناء رجائي الإيراني ويتبرع بما لا يملك لها
  • كان حاسس بالموت.. محمد الصاوي: علاء ولي الدين كان بيودع الدنيا وشعر بوفاته
  • في عيد ميلادها الـ78.. نجوى إبراهيم أيقونة الإعلام التي صنعت طفولة أجيال (تقرير)
  • لذا لزم التنويه: الزمن في السجن (4-8)
  • لذا لزم التنويه: الزمن في السجن (4)
  • يوم حزين في سامسون التركية
  • رفيقة طفولة جيل الثمانينات.. هل قررت «ماما نجوى»‏ الاعتزال في عيد ميلادها؟
  • ربى أحسن بنت في الدنيا.. هشام جمال يهنئ أحمد زاهر بعيد ميلاده
  • الصاوي: فكرة المعيد انتقلت من الأزهر إلى جامعات الدنيا