جغرافيا المياه في أفريقيا.. ثروة وتوترات ونزوح
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
من نافذة الطائرة وعلى امتداد البصر إذا ما ارتحلت في سماء أفريقيا، يمكنك رؤية مجاري الأنهار مثل الشرايين تتدفق داخل الحدود الجغرافية وتتجاوزها أحيانا لترسم لوحة للحياة من دول المنبع إلى دول المصب، بيد أنه بالنظر من قرب إلى الخريطة السياسية لأفريقيا، ثاني أكبر قارة في العالم، لن تخطئ العين نقاطا سوداء تتناثر في أرجاء القارة، تشير الى بؤر نزاعات وصراعات وتوتر، بعضها مدفوع باهتمام غربي للاستحواذ على الموارد النادرة على حساب "دماء الأفارقة" حسب ما يقول محللون، بينما يرتبط بعضها الآخر بانعدام الأمن المائي والغذائي.
ثنائية المياه والمعادن النادرة ليست وحدها ما يرسم معاناة أفريقيا، فالقارة الأم كما يسميها كثيرون ترزح تحت وطأة مزيج قاس من تغير المناخ وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع في قارة تحتل نسبة كبيرة من الموارد الطبيعية في العالم، القابلة للتجديد وغير المتجددة.
وتملك القارة، حسب ما يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 8% من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي و12% من احتياطي النفط العالمي و40% من الذهب و80 إلى 90% من الكروم والبلاتين، وأكبر احتياطي من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك القارة 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم بما يكفي لإطعام 9 مليارات نسمة و10% من مصادر المياه العذبة الداخلية المتجددة.
لكن مع ذلك، يقدّر خبراء أن أكثر من 500 مليون شخص في 19 دولة يواجهون انعدامًا شديدًا في الأمن المائي، في حين يفتقر حوالي 340 مليون أفريقي إلى مياه الشرب النظيفة. هذا الرقم يعدّ ضخما، خاصة عند أخذ تعريف الأمم المتحدة للأمن المائي بأنه "قدرة السكان على الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه للحفاظ على سبل العيش وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية". ويصبح غياب المياه أو ندرتها من أهم مسببات الصراعات، سواء داخل الدول أو عبر الحدود.
ومن منظور الأمم المتحدة، لا يقتصر الأمن المائي على كمية المياه المتاحة في بلد معين، بل يشمل أيضًا كيفية إدارة هذه الموارد لضمان تلبية احتياجات السكان من مياه الشرب الآمنة وتوفير المياه اللازمة للنشاطات الاقتصادية.
عنف على خلفية المواردسجلت القارة الأفريقية بين عامي 2022 و2023 ارتفاعًا بنسبة 34% في حوادث العنف المرتبطة بموارد المياه، وفقًا لمركز العلوم والبيئة في الأمم المتحدة. وتصدرت أفريقيا قارات العالم في عدد النزاعات والصراعات المتعلقة بمصادر المياه، بحسب تقرير حالة البيئة في أفريقيا لعام 2024. كذلك شهدت القارة 1800 نزاع داخلي متعلق بمصادر المياه بين الأعوام 1989 و2011. هذه الأرقام المفزعة تضاف إلى واقع قاس يتمثل في افتقار حوالي 340 مليون شخص في أفريقيا إلى مياه الشرب النظيفة.
تشترك الدول الأفريقية بحوالي 85% من مصادر المياه من الأحواض النهرية، ويعبر ثلث الموارد المائية العذبة في القارة الحدود بين أكثر من دولة، كما تتشارك أكثر من دولة في 106 طبقات مياه جوفية. ورغم ذلك، تشير الأمم المتحدة إلى أن الدول المعنية لا تزال غير قادرة على تحقيق التعاون المطلوب لإدارة هذه الطبقات المائية، مما يجعل المياه من أخطر عوامل التوتر، وفقًا لتحذيرات خبراء اليونيسكو. وتؤكد المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي أن "الحفاظ على السلام يتطلب التحرك بسرعة لحماية الموارد المائية وتعزيز التعاون الإقليمي والعالمي في هذا المجال".
ويقدر مركز العلوم والبيئة الأممي أن الإجهاد المائي الناجم عن تغير المناخ واستنفاد مصادر المياه سيؤدي إلى تهجير مليون أفريقي بحلول عام 2030، مع انخفاض متوقع في إنتاج الغذاء يراوح بين 6% و14% بحلول عام 2050.
جغرافيا التوترات المائيةتقول الأمم المتحدة إن الإدارة الرشيدة للموارد المائية الوطنية والتعاون عبر الحدود تعدّ ركنا أساسيا لاستعادة الأمن المائي المفقود. ولكن أفريقيا، الغنية بالمياه، لا تزال تفتقر إلى رؤية قارية متماسكة تضمن تناغما في حماية الموارد المائية واستغلالها. وتعد أحواض الأنهار من أخطر رقع التوتر، من النيل حتى حوض نهر السنغال، مرورا بمنطقة البحيرات الكبرى إذ يخيم عدم اليقين في دول المنابع والمصبات.
نهر النيل: فتيل التوتر الأخطر في القارة، تتأثر به دول المنبع والمصب من مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا إلى كينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية. ويمثل التوتر بين القاهرة وأديس أبابا مثالا على الوضع الحرج الذي يمكن أن تسلكه صراعات المياه في القارة.
بحيرة فيكتوريا: تواجه دول حوض البحيرة، كينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية، تحديات في إدارة الموارد المائية المشتركة، مع تزايد نشاطات التعدين والتصنيع والمجموعات المسلحة.
نهر النيجر: تزيد موجات الجفاف التي تتأثر بها القارة من تحديات تقاسم المياه لا سيما في فترات الجفاف الناتجة عن الطقس المتطرف، وتتأثر مالي والنيجر ونيجيريا وبنين وبوركينا فاسو وتشاد.
بحيرة تشاد: تقلصت البحيرة بسبب التغيرات المناخية وعوامل تتعلق بإدارة الموارد ترافقت مع نزاعات بين دول البحيرة من تشاد والنيجر إلى نيجيريا والكاميرون. ويقول معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي إن حالة البحيرة تعد نموذجا دالا على خطورة انحسار مصادر المياه. ويهدد الانكماش الهائل الذي يصيبها مصدر رزق 30 مليونا من المزارعين والصيادين الذين يعتمدون عليها.
حوض نهر الليمبوبو: دول حوض النهر من جنوب أفريقيا وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق تشهد توترات ونقصا حادا في المياه لا سيما خلال فترات الجفاف.
حوض نهر السنغال: الذي عانى طويلا من فقدان التوزيع العادل للمياه الذي أدى إلى نشوب توترات بين دول الحوض من السنغال إلى موريتانيا ومالي وغينيا.
وبحسب البنك الدولي، توصلت الدول المعنية إلى مشروع لإعداد "معادلة لتقاسم تكاليف مشاريع إنمائية" تتيح الاستفادة من الموارد وتوزيعها بين الدول.
تجارب ناجحةفي مقابل خارطة التوتر، يمكن رسم خارطة ربما تشي بوضع أكثر استقرارا، فالصورة ليست قاتمة بشكل كلي، إذ يقول البنك الدولي إن مجموعة من المشاريع في أفريقيا قد تكون بصيص أمل ترسم ملامح توافقات أوسع.
فقد توصلت بوروندي ورواندا وتنزانيا إلى إنجاز مشروع "شلالات روسومو الإقليمي للطاقة الكهرومائية" الواقعة على نهر كاجيرا على الحدود بين الدول الثلاث، والذي سيوفر طاقة بنحو 80 ميغاواتا سنويا ستقتسمها الدول الثلاث بالتساوي، وهو مشروع استغرق تنفيذه بالكامل قرابة عقد.
ندرة المياه والتغير المناخيوفي مقابل نقاط الأمل القليلة، توسعت مصاعب أفريقيا مع اشتداد حدة التغييرات المناخية، وما يستتبع ذلك من موجات جفاف حادة في مناطق وفيضانات في مناطق أخرى. فقد حذرت الأمم المتحدة من أن ملايين الأشخاص في أفريقيا جنوب الصحراء يعانون من الجوع بسبب ما وصفته "بالجفاف التاريخي". وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي تومسون فيري "لقد أدى الجفاف التاريخي إلى أسوأ أزمة غذائية حتى الآن في القارة، ودمر حياة أكثر من27 مليون شخص"، بينما يعاني نحو 21 مليون طفل من سوء التغذية. وقد دفعت موجات الجفاف السلطات إلى اللجوء لإجراءات كان يستحيل التفكير فيها، فبعد أن قضى الجفاف على 70% من المحاصيل الزراعية في زامبيا و80% من غلة زيمبابوي اضطرت السلطات إلى إطعام السكان لحوم الفيلة.
المناخ المتطرف عمّق من حجم أزمة القارة، فازدادت موجات النزوح الداخلية، إذ يقدر مركز رصد النزوح العالمي أن عدد النازحين داخليا في أفريقيا بنهاية عام 2022 بلغ نحو 7.4 ملايين نازح.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الموارد المائیة الأمم المتحدة مصادر المیاه الأمن المائی فی أفریقیا فی القارة أکثر من
إقرأ أيضاً:
إدارة الموارد المائية ومصرف كيتشنر.. تفاصيل لقاء وزير الري رئيسَ البنية التحتية بالبنك الأوروبي
كتب- أحمد السعداوي:
التقى الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، اليوم الثلاثاء، سو باريت، رئيس قطاع البنية التحتية لأوروبا والشرق الأوسط بالبنك الأوروبي للإعمار والتنمية؛ لبحث مجالات التعاون بين الوزارة والبنك في مجال إدارة الموارد المائية، في حضور هيثم عيسى، المدير الإقليمي للشرق الأوسط بالبنك الأوروبي .
واستعرض الجانبان مجالات التعاون المختلفة بين الوزارة والبنك الأوروبي؛ ومنها ما تم تنفيذه حتى الآن من مكونات "مشروع تحسين نوعية المياه بمصرف كيتشنر" في ما يخص وزارة الموارد المائية والري والتي تشتمل على تنفيذ أعمال حماية وتدعيم لجسور مصرف كيتشنر وفروعه، وإنشاء وتأهيل محطات الرفع وتأهيل الأعمال الصناعية على المصرف وفروعه، وتركيب نظام مراقبة لنوعية وتصرف المياه بالمصرف، حيث تم الانتهاء من إعداد الدراسة البيئية للأعمال المطلوبة للمشروع، وإعداد نموذج التأثير البيئي والحصول على موافقة جهاز شؤون البيئة عليه، وطرح ٢ عقد لإنشاء كبارٍ على المصرف، وتنفيذ الأعمال المساحية الطبوغرافية للمصرف، ودراسة أعمال حماية الميول الجانبية والجسور، وتحديد أماكن قياس التصرفات ونوعية المياه بالمصرف، وطرح عملية إنشاء محطتَي الحامول وسمتاي بمحافظتي الغربية وكفر الشيخ، كما يتم حاليًّا إجراء دراسات تكميلية بالتنسيق مع البنك الأوروبي للإعمار والتنمية بالتكامل مع المكونات الجاري تنفيذها بمعرفة الوزارات الأخرى المشاركة بالمشروع.
وأشار سويلم إلى أهمية تحقيق التناغم بين القوانين المصرية الخاصة بطرح وإسناد الأعمال وقواعد البنك الأوروبي؛ لتذليل العقبات التي تواجه المشروع والإسراع بمعدلات التنفيذ .
وناقش الجانبان أوجه التعاون مع بنك التعمير الأوروبي في الأعمال الخاصة بتقييم الحالة الإنشائية لحائط رشيد البحري، وإعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية للأعمال اللازمة وآليات تمويل تنفيذ الأعمال التي ستسفر عنها الدراسة المزمع تنفيذها .
وقال بيان وزارة الري إنه في ضوء الإجراءات التي تسعى الوزارة لتطبيقها في مجال التخفيف من مسببات التغيرات المناخية وتقليل الانبعاثات الكربونية؛ فقد تم مناقشة إمكانية التعاون بين الوزارة والبنك في مجال إعادة تأهيل محطات الرفع؛ بما يُسهم في تحسين أداء المنظومة المائية، بالإضافة إلى تقليل استهلاك المحطات للكهرباء، بما ينعكس على تقليل الانبعاثات والتخفيف من مسببات التغيرات المناخية، مع دعم البنك الأوروبي للوزارة في إعداد خطة متكاملة تتضمن تكلفة إعادة التأهيل والفوائد البيئية المتوقعة.
وأشار وزير الري إلى أهمية التدريب التحويلي في سد العجز في العمالة اللازمة لتشغيل محطات الرفع بالتزامن مع إجراءات إعادة تأهيل المحطات .
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الدكتور هاني سويلم وزير الري البنك الأوروبيتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الخبر التالى: "الأوقاف": إطلاق 3 خدمات للتبرع بسهولة عبر منصة "مصر الرقمية" دون مصروفات إدارية الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
إدارة الموارد المائية ومصرف كيتشنر.. تفاصيل لقاء وزير الري رئيسَ البنية التحتية بالبنك الأوروبي
© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
القاهرة - مصر
23 15 الرطوبة: 24% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك