الجزيرة:
2025-07-09@07:45:28 GMT

جغرافيا المياه في أفريقيا.. ثروة وتوترات ونزوح

تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT

جغرافيا المياه في أفريقيا.. ثروة وتوترات ونزوح

من نافذة الطائرة وعلى امتداد البصر إذا ما ارتحلت في سماء أفريقيا، يمكنك رؤية مجاري الأنهار مثل الشرايين تتدفق داخل الحدود الجغرافية وتتجاوزها أحيانا لترسم لوحة للحياة من دول المنبع إلى دول المصب، بيد أنه بالنظر من قرب إلى الخريطة السياسية لأفريقيا، ثاني أكبر قارة في العالم، لن تخطئ العين نقاطا سوداء تتناثر في أرجاء القارة، تشير الى بؤر نزاعات وصراعات وتوتر، بعضها مدفوع باهتمام غربي للاستحواذ على الموارد النادرة على حساب "دماء الأفارقة" حسب ما يقول محللون، بينما يرتبط بعضها الآخر بانعدام الأمن المائي والغذائي.

تغير مناخي وسوء إدارة

ثنائية المياه والمعادن النادرة ليست وحدها ما يرسم معاناة أفريقيا، فالقارة الأم كما يسميها كثيرون ترزح تحت وطأة مزيج قاس من تغير المناخ وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع في قارة تحتل نسبة كبيرة من الموارد الطبيعية في العالم، القابلة للتجديد وغير المتجددة.

وتملك القارة، حسب ما يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 8% من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي و12% من احتياطي النفط العالمي و40% من الذهب و80 إلى 90% من الكروم والبلاتين، وأكبر احتياطي من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك القارة 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم بما يكفي لإطعام 9 مليارات نسمة و10% من مصادر المياه العذبة الداخلية المتجددة.

لكن مع ذلك، يقدّر خبراء أن أكثر من 500 مليون شخص في 19 دولة يواجهون انعدامًا شديدًا في الأمن المائي، في حين يفتقر حوالي 340 مليون أفريقي إلى مياه الشرب النظيفة. هذا الرقم يعدّ ضخما، خاصة عند أخذ تعريف الأمم المتحدة للأمن المائي بأنه "قدرة السكان على الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه للحفاظ على سبل العيش وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية". ويصبح غياب المياه أو ندرتها من أهم مسببات الصراعات، سواء داخل الدول أو عبر الحدود.

ومن منظور الأمم المتحدة، لا يقتصر الأمن المائي على كمية المياه المتاحة في بلد معين، بل يشمل أيضًا كيفية إدارة هذه الموارد لضمان تلبية احتياجات السكان من مياه الشرب الآمنة وتوفير المياه اللازمة للنشاطات الاقتصادية.

عنف على خلفية الموارد

سجلت القارة الأفريقية بين عامي 2022 و2023 ارتفاعًا بنسبة 34% في حوادث العنف المرتبطة بموارد المياه، وفقًا لمركز العلوم والبيئة في الأمم المتحدة. وتصدرت أفريقيا قارات العالم في عدد النزاعات والصراعات المتعلقة بمصادر المياه، بحسب تقرير حالة البيئة في أفريقيا لعام 2024. كذلك شهدت القارة 1800 نزاع داخلي متعلق بمصادر المياه بين الأعوام 1989 و2011. هذه الأرقام المفزعة تضاف إلى واقع قاس يتمثل في افتقار حوالي 340 مليون شخص في أفريقيا إلى مياه الشرب النظيفة.

منظر جوي لوادي النيل (رويترز)

تشترك الدول الأفريقية بحوالي 85% من مصادر المياه من الأحواض النهرية، ويعبر ثلث الموارد المائية العذبة في القارة الحدود بين أكثر من دولة، كما تتشارك أكثر من دولة في 106 طبقات مياه جوفية. ورغم ذلك، تشير الأمم المتحدة إلى أن الدول المعنية لا تزال غير قادرة على تحقيق التعاون المطلوب لإدارة هذه الطبقات المائية، مما يجعل المياه من أخطر عوامل التوتر، وفقًا لتحذيرات خبراء اليونيسكو. وتؤكد المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي أن "الحفاظ على السلام يتطلب التحرك بسرعة لحماية الموارد المائية وتعزيز التعاون الإقليمي والعالمي في هذا المجال".

ويقدر مركز العلوم والبيئة الأممي أن الإجهاد المائي الناجم عن تغير المناخ واستنفاد مصادر المياه سيؤدي إلى تهجير مليون أفريقي بحلول عام 2030، مع انخفاض متوقع في إنتاج الغذاء يراوح بين 6% و14% بحلول عام 2050.

جغرافيا التوترات المائية

تقول الأمم المتحدة إن الإدارة الرشيدة للموارد المائية الوطنية والتعاون عبر الحدود تعدّ ركنا أساسيا لاستعادة الأمن المائي المفقود. ولكن أفريقيا، الغنية بالمياه، لا تزال تفتقر إلى رؤية قارية متماسكة تضمن تناغما في حماية الموارد المائية واستغلالها. وتعد أحواض الأنهار من أخطر رقع التوتر، من النيل حتى حوض نهر السنغال، مرورا بمنطقة البحيرات الكبرى إذ يخيم عدم اليقين في دول المنابع والمصبات.

صيادون على شاطئ بحيرة فيكتوريا بأوغندا (الجزيرة)

نهر النيل: فتيل التوتر الأخطر في القارة، تتأثر به دول المنبع والمصب من مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا إلى كينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية. ويمثل التوتر بين القاهرة وأديس أبابا مثالا على الوضع الحرج الذي يمكن أن تسلكه صراعات المياه في القارة.

بحيرة فيكتوريا: تواجه دول حوض البحيرة، كينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية، تحديات في إدارة الموارد المائية المشتركة، مع تزايد نشاطات التعدين والتصنيع والمجموعات المسلحة.

نهر النيجر: تزيد موجات الجفاف التي تتأثر بها القارة من تحديات تقاسم المياه لا سيما في فترات الجفاف الناتجة عن الطقس المتطرف، وتتأثر مالي والنيجر ونيجيريا وبنين وبوركينا فاسو وتشاد.

أشجار في منطقة الجدار الأخضر العظيم للصحراء والساحل في السنغال (رويترز)

بحيرة تشاد: تقلصت البحيرة بسبب التغيرات المناخية وعوامل تتعلق بإدارة الموارد ترافقت مع نزاعات بين دول البحيرة من تشاد والنيجر إلى نيجيريا والكاميرون. ويقول معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي إن حالة البحيرة تعد نموذجا دالا على خطورة انحسار مصادر المياه. ويهدد الانكماش الهائل الذي يصيبها مصدر رزق 30 مليونا من المزارعين والصيادين الذين يعتمدون عليها.

حوض نهر الليمبوبو: دول حوض النهر من جنوب أفريقيا وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق تشهد توترات ونقصا حادا في المياه لا سيما خلال فترات الجفاف.

حوض نهر السنغال: الذي عانى طويلا من فقدان التوزيع العادل للمياه الذي أدى إلى نشوب توترات بين دول الحوض من السنغال إلى موريتانيا ومالي وغينيا.

وبحسب البنك الدولي، توصلت الدول المعنية إلى مشروع لإعداد "معادلة لتقاسم تكاليف مشاريع إنمائية" تتيح الاستفادة من الموارد وتوزيعها بين الدول.

تجارب ناجحة

في مقابل خارطة التوتر، يمكن رسم خارطة ربما تشي بوضع أكثر استقرارا، فالصورة ليست قاتمة بشكل كلي، إذ يقول البنك الدولي إن مجموعة من المشاريع في أفريقيا قد تكون بصيص أمل ترسم ملامح توافقات أوسع.

فقد توصلت بوروندي ورواندا وتنزانيا إلى إنجاز مشروع "شلالات روسومو الإقليمي للطاقة الكهرومائية" الواقعة على نهر كاجيرا على الحدود بين الدول الثلاث، والذي سيوفر طاقة بنحو 80 ميغاواتا سنويا ستقتسمها الدول الثلاث بالتساوي، وهو مشروع استغرق تنفيذه بالكامل قرابة عقد.

ندرة المياه والتغير المناخي
الجفاف أضرّ بمزرعة مصرية كانت تروى سابقا من النيل (رويترز)

وفي مقابل نقاط الأمل القليلة، توسعت مصاعب أفريقيا مع اشتداد حدة التغييرات المناخية، وما يستتبع ذلك من موجات جفاف حادة في مناطق وفيضانات في مناطق أخرى. فقد حذرت الأمم المتحدة من أن ملايين الأشخاص في أفريقيا جنوب الصحراء يعانون من الجوع بسبب ما وصفته "بالجفاف التاريخي". وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي تومسون فيري "لقد أدى الجفاف التاريخي إلى أسوأ أزمة غذائية حتى الآن في القارة، ودمر حياة أكثر من27 مليون شخص"، بينما يعاني نحو 21 مليون طفل من سوء التغذية. وقد دفعت موجات الجفاف السلطات إلى اللجوء لإجراءات كان يستحيل التفكير فيها، فبعد أن قضى الجفاف على 70% من المحاصيل الزراعية في زامبيا و80% من غلة زيمبابوي اضطرت السلطات إلى إطعام السكان لحوم الفيلة.

المناخ المتطرف عمّق من حجم أزمة القارة، فازدادت موجات النزوح الداخلية، إذ يقدر مركز رصد النزوح العالمي أن عدد النازحين داخليا في أفريقيا بنهاية عام 2022 بلغ نحو 7.4 ملايين نازح.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الموارد المائیة الأمم المتحدة مصادر المیاه الأمن المائی فی أفریقیا فی القارة أکثر من

إقرأ أيضاً:

حرائق الغابات تلتهم مساحات واسعة في تركيا وسوريا.. قتلى ونزوح وعمل أممي لتقييم الكارثة

اجتاحت حرائق غابات ضخمة مناطق عدة في كل من تركيا وسوريا خلال الأيام الماضية، مخلّفة خسائر بشرية ومادية كبيرة، وسط استنفار محلي ودولي واسع لمحاصرة النيران والحد من تداعياتها.

تركيا: 761 حريقًا خلال 10 أيام وإجلاء عشرات الآلاف

أعلنت السلطات التركية أن البلاد شهدت 761 حريقًا خلال الأيام العشرة الأخيرة فقط، وهو ما يعادل نحو 25% من إجمالي حرائق العام الحالي، وفقًا لبيان صادر عن مديرية الاتصالات التركية.

وبينما أكدت الحكومة أنه تم إخماد جميع الحرائق، بما في ذلك 20 حريقًا كبيرًا، فإن الأضرار كانت فادحة، خصوصًا في ولاية إزمير، حيث أسفرت الحرائق عن مقتل شخصين وتضرر أكثر من 228 منزلًا، بحسب وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا.

وأفادت وكالة “رويترز” بأن فرق الإطفاء، المدعومة بنحو 150 طائرة و25 ألف عنصر، واجهت صعوبات كبيرة في السيطرة على النيران بسبب الحرارة المرتفعة والرياح العاتية وانخفاض الرطوبة، ما أدى إلى إجلاء أكثر من 50 ألف شخص في ثلاث ولايات تركية.

Massive wildfires surround Turkey’s Izmir

Multiple fires have broken out across several districts near Izmir, Turkey’s third-largest city with a population of around 4.5 million. The situation is worsened by scorching temperatures exceeding 40°C (104°F) and strong winds that are… pic.twitter.com/r249KMeXUf

— Visegrád 24 (@visegrad24) July 4, 2025

Homes have been reduced to ashes, flights from Izmir airport were temporarily suspended and emotional scenes unfolded as families fled lifelong memories. A Kurdish militant group has claimed responsibility for the fires. pic.twitter.com/6Nh2HbUO1g

— The Bharat Current (@thbharatcurrent) July 5, 2025

سوريا: كارثة بيئية في اللاذقية وتحرك أممي عاجل

بالتوازي مع ذلك، تتواصل حرائق الغابات في ريف محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا لليوم الخامس على التوالي، حيث أجبرت مئات العائلات على الفرار من منازلها، وتسببت بتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والبنى التحتية الحيوية، وفق ما أفاد منسق الشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى.

ووصلت فرق من الأمم المتحدة إلى المناطق المتضررة، بهدف تقييم حجم الكارثة وتحديد الاحتياجات الإنسانية العاجلة، مع استعداد المنظمة الأممية لنشر بعثة مشتركة بين الوكالات بالتنسيق مع الحكومة السورية والشركاء المحليين.

وأشار عبد المولى إلى أن الأولوية حاليًا هي منع امتداد النيران إلى محمية الفرنلق الطبيعية، التي تُعد من أهم الغابات المترابطة في البلاد. وقد انضمت فرق إطفاء من تركيا والأردن إلى جهود الدفاع المدني السوري، مقدّمة دعما جويا بالمروحيات لمحاولة احتواء الحريق.

هل سمعتم يوماً بأحد يحرق بلده ويفتعل الحرائق في الغابات ؟
في بلدي سورية قاموا بحرق البشر والشجر والحجر .
في بلدي سورية أبتلينا بفئة أخوان الشياطين أذناب المجرم الأسد ..
لا يمكن لهؤلاء العيش بيننا لأنهم ببساطة ليسوا بشر ..#حرائق_سوريا #حرائق_اللاذقية #سوريا pic.twitter.com/e2GOiWf9Lt

— وســـيــم (@syria155) July 5, 2025

"الله أكبر نستعين برب النار على النار. نسألك أن تجعل هذه الحرائق برداً وسلاماً على بلدنا وأهلنا. نسألك يا رب أن ترزقنا غيثاً من السماء غيثاً نافعاً تخمد هذه النيران."????????

امتداد الحرائق الى ريف حماه الغربي في المنطقة الوسطى.????#سوريا_الجديدة#حرائق_سوريا pic.twitter.com/RQzSRCUkQu

— Dr. Nora.B.S (@Nor1ss22) July 6, 2025 آخر تحديث: 7 يوليو 2025 - 08:53

مقالات مشابهة

  • وزير الري يؤكد أهمية تعزيز تمويل مشروعات المياه في إفريقيا ودمج قضايا المناخ والابتكار
  • الموارد المائية بحماة تباشر تعزيل قنوات الري في سهل الغاب
  • حرائق كارثية تلتهم غابات اللاذقية.. ونزوح جماعي وسط اتهامات بـافتعالها (شاهد)
  • الموارد المائية: تركيا لم تنفذ الإطلاقات المائية المتفق عليها
  • كيف يعيد الغرب استعمار أفريقيا عبر أجندة المناخ؟
  • حرائق الغابات تلتهم مساحات واسعة في تركيا وسوريا.. قتلى ونزوح وعمل أممي لتقييم الكارثة
  • تعلن هيئة الموارد المائية فرع تعز أن الاخ عيسى عبده تقدم بطلب حفر بئر
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الموارد المائية في مهب الريح
  • إيمان كمال تكتب: شيرين ثروة قومية..انقذوها
  • الكشف عن ثروة ترامب وحصة العملات الرقمية فيها