ما يلاحظ في حرب غزة، وطوفان الأقصى: حالة من خذلان الأنظمة العربية لغزة غير مسبوقة، ورغم ما كان يصدر عنهم من قبل من تصريحات وشجب وتنديد، وكانت الشعوب والنخب تستنكر عليهم هذا المستوى من الأداء، إلا أن الحال الآن وصل لدرجة الترحم على هذه الأيام.
ومما يؤسف له أن ما يقال عن تخاذل الأنظمة، سرت عدواه إلى الحركات الإسلامية، وفي القلب منها: الإخوان المسلمون؛ التنظيم المصري، فالأزمة الكبرى التي تعيشها الجماعة منذ انقلاب الثالث من يوليو سنة 2013م، وهي أزمة غير مسبوقة لها، رغم مرورها بمحن قاسية من قبل، لكنها لم تكن بهذه الحالة من التشظي والانقسامات الرأسية والأفقية للتنظيم والقيادات على حد سواء.
تبحث الآن عن جهد وأثر الإخوان المصريين في هذه القضية، لا تكاد تراه، ولا تجد له أثرا ملموسا، نعم هناك لبعض الأفراد والرموز المحسوبة جهود، لكنها كانت من الممكن أن تكون أشد وأبعد أثرا لو كانت الجماعة في قوتها المعهودة سابقا، لكن على مستوى التنظيم فليست هذه الجماعة التي عرفها العدو والحبيب في قضية فسلطين وغزة.
ليس السبب في غياب هذا النشاط: خروج الإخوان من مصر، فقد تعرضوا من قبل لمحن مماثلة، ولكن جهدهم كان كبيرا أيضا، سواء خارج مصر، أو في العالم العربي والغربي، لكن الضعف الذي أصاب التنظيم في مفاصله المهمة، أضر كثيرا بقضية غزة، وهي في أشد حالات حاجتها للإخوان.الجماعة التي كانت من أهم أسباب أول محنة في حياتها، ومقتل مؤسسها، الدور الذي قامت به في حرب فلسطين، وكانوا متطوعين وقتها، وشهد بدورهم القاصي والداني، وعندما كان لهم نواب في البرلمان، لم يأل قسم من أقسام الجماعة جهدا لخدمة هذه القضية، وكان من أنشط الأقسام في الجماعة: قسم فلسطين، أو لجنة فلسطين، على مستوى الشعب والمناطق والمحافظات.
ليس السبب في غياب هذا النشاط: خروج الإخوان من مصر، فقد تعرضوا من قبل لمحن مماثلة، ولكن جهدهم كان كبيرا أيضا، سواء خارج مصر، أو في العالم العربي والغربي، لكن الضعف الذي أصاب التنظيم في مفاصله المهمة، أضر كثيرا بقضية غزة، وهي في أشد حالات حاجتها للإخوان.
لا أدري لماذا تذكرت الآن مقالا كتبه الروائي والكاتب السياسي الكبير الأستاذ إحسان عبد القدوس، بعد خروج الإخوان من المعتقل في عهد الملك فاروق، سنة 1951م، وقد بدأت المقاومة للاحتلال الإنجليزي، ولم يكن الإخوان قد بدأت مشاركتها الرسمية، كتب إحسان مقالا بعنوان: الإخوان المسلمون.. متى ولماذا وكيف؟! قال فيه عبارات في غاية الأهمية، وكأنه يخاطب كيان الإخوان الآن، وعن دورها في غزة، فقال:
(لا أستطيع أن أتحدث عن القوى الشعبية، وأنسى جماعة الإخوان المسلمين، وأنا أحد المؤمنين بأن الدعوة الدينية هي دائما أقرب الدعوات إلى نفوس الطبقة الشعبية. والإخوان المسلمون اليوم ـ كما كانوا بالأمس ـ هم الذين يمثلون دعوة الدين إلى الجهاد، وبفضل دعوتهم هذه شهدت ساحات فلسطين أبطالاً منهم وقفوا وقفة العمالقة، وهتفوا باسم الله، فإذا بالبطل منهم في صورة عشرة أبطال.
ولا يستطيع ضابط ممن اشتركوا في حملة فلسطين، أو مراقب ممن راقبوا معاركها، أن ينكر فضل متطوعي الإخوان المسلمين فيها، أو ينكر بطولتهم وجسارتهم على الموت، والعبء الكبير الذي تحملوه منها راضين فخورين مستشهدين في سبيله. أين هم اليوم في ساحات القتال؟!
لنكن منصفين ! لقد عاد الإخوان من حملة فلسطين وفي ظهر كل منهم خنجر مسموم !عادوا ليشردوا ويعتقلوا، وليروا رجلهم الأول يغتال في الظلام ! فهل تتكرر عليهم المأساة لو اشتركوا في حرب التحرير؟ وهل من حقهم أن يسألوا أنفسهم مثل هذا التساؤل؟! ماذا يمكن أن يحدث لهم مرة ثانية؟ !
سيقتلون !
سيعذبون!
ويعتقلون !
ويشردون !
وتشرد كل عائلاتهم !
هل كفر نبي بدينه وتخلى عن دعوته لمجرد أنه خدع في فريق من أنصاره؟! أو أوذي من بني قومه؟!! إن هذه الأيام، وأقولها مخلصًا مؤمنًا هي الامتحان الأول للإخوان بعد محنتهم . فإما أن يكونوا كما كانوا صلبًا أقوياء بإيمانهم؛ أقوياء بدعوتهم التى تندلع كالنار فتحرق أعداء مصر. وتضيء كالنور لتجمع حولها الجيل الجديد من شباب مصر . وإما فقدتهم مصر، فقدت فيهم رجالاً ماتوا شهداء فى ميادين جهاد الدين. وفقدت فيهم رجالاً عاشوا حريصين على سلامتهم في ميادين جهاد الدنيا .
أقولها وفي القلب أمل لا يزال قويا: فيوم أن يتحرك الإخوان المسلمون، ويعرفون كيف يتحركون؟ وإلي أين؟ فيومئذ اكتملت لمصر قواها الشعبية وضمنت لأيام الجهاد الاستمرار).
كنت قد دعوت في مقال سابق لي بعنوان: (التقى السيسي وأردوغان فمتى يلتقي الإخوان؟!)، إلى ضرورة السعي للقاء والاتحاد في ملفات كبرى، ولا أعتقد أن هناك ملفا أهم وأكبر الآن من قضية غزة، فلماذا لا تشكل لجنة، أو ترفع لافتة، تكون بعنوان: نداء غزة، أو خيمة غزة، تحشد فيه كل القوى الإخوانية..
إن كلمات إحسان عبد القدوس، كأنها تخاطب إخوان اليوم، والذين فرقتهم الخلافات التنظيمية، والذي لم يختلف أحد منهم في أن التنظيم وسيلة، والغاية الكبرى: الإسلام، والدفاع عن مقدسات الأمة، فكيف إذًا أضاعت الوسيلة الغاية؟
وإذا كان هذا الخلاف يقف عائقا أمام التطوير والمراجعة، وأمام فتح أبواب للحوار السياسي، مع ملفات محلية وإقليمية ودولية، ما كان للإخوان أن تغيب عنها في ظل عافيتها ولا محنتها، فإنه للأسف وقف عائقا أمام أهم قضية عاشت ولا تزال تفاخر بجهدها فيه، وهي: قضية فلسطين.
كنت قد دعوت في مقال سابق لي بعنوان: (التقى السيسي وأردوغان فمتى يلتقي الإخوان؟!)، إلى ضرورة السعي للقاء والاتحاد في ملفات كبرى، ولا أعتقد أن هناك ملفا أهم وأكبر الآن من قضية غزة، فلماذا لا تشكل لجنة، أو ترفع لافتة، تكون بعنوان: نداء غزة، أو خيمة غزة، تحشد فيه كل القوى الإخوانية والتي أعلم أهميتها ونفاستها، وكم الكنوز التي دفنت داخل صناديق الخلاف التنظيمي، وانحصرت في جهود قد يكون ظاهرها العمل لغزة، ولكنه في لحظات يدخل باب التنافس التنظيمي فيضيع الجهد وأثره هباء، ليس تشكيكا في نوايا الناس، لكنه الداء الخطير الذي أسماه الدكتور فتحي يكن رحمه الله: الإيدز الحركي، وسماه الإمام الشهيد رحمه الله في مقال مفصل بعنوان: لغم الجماعات.
سيحاسب الله تعالى القادة في التنظيم، من جميع الأطراف، وكل صاحب قرار ورأي، على ما لديهم من طاقات وقدرات مكنوزة، يصدق عليهم قول الله تعالى: (وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ. يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ) التوبة: 34-35. فإذا كان العذاب لمن يكنز الذهب المادي، فإن من يكنز الذهب المعنوي من الطاقات البشرية، لا يعفى من العذاب، إذا كنزه، وبخاصة في وقت يحتاج للإنفاق لا الكنز.
وهناك دور على حماس وقياداتها في الخارج، ينبغي عليها القيام به، فإنها مقدرة لدى كل أطراف الخلاف التنظيمي، وإذا كان يصعب عليها الدخول في حل الإشكال التنظيمي، لكنه لا يصعب عليها وضع برامج تنسيقية ومشاريع تتعلق بغزة والقضية، يمكن تسميتها بما اقترحناه: نداء غزة، أو مظلة غزة، وهذه عباءة ومظلة لن يختلف عليها أحد، ولعلها تكون بركة غزة وشهداءها، فتكون فاتحة خير، لمسارات أخرى تقرب وجهات النظر المختلفة تنظيميا وإداريا، وتفيد غزة وأهلها.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الدور فلسطين مصر فلسطين اخوان رأي دور مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإخوان المسلمون الإخوان من قضیة غزة من قبل ما کان
إقرأ أيضاً:
الوقاية تبدأ من الوعى.. استراتيجية الدولة فى مواجهة حملات وشائعات الإخوان
تُعد الشائعات أداة فعالة فى الحروب الحديثة، حيث تستخدم فى زعزعة الاستقرار الاجتماعى والسياسى، وجماعة الإخوان الإرهابية ليست استثناءً فى هذا السياق، فمنذ تأسيسها، اعتمدت الجماعة بشكل كبير على أساليب التضليل الإعلامى لبناء نفوذها والتأثير على الرأى العام، خاصة بعد أن فقدت الدعم الشعبى عقب الإطاحة بحكمها فى عام 2013، واليوم، تلعب الشائعات دورًا مركزيًا فى أجندة الجماعة، حيث تستخدمها كوسيلة لتشويه الدولة المصرية وتقويض مؤسساتها.
فى السنوات الأخيرة، اعتمدت جماعة الإخوان على آليات متعددة لترويج الشائعات، مستفيدة من انتشار وسائل التواصل الاجتماعى كمنصة رئيسية لنشر المعلومات المضللة بسرعة ودون رقيب، حيث حاولت الاستفادة من الضغوط الاقتصادية من خلال تضخيم الأزمة وتصوريها على أنها انهيار وشيك، بهدف فقدان المواطنين الثقة فى السياسات الحكومية، بالإضافة إلى ترويج شائعات تستهدف الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، بهدف إشعال نيران الفتنة الطائفية.
كما سعت الجماعة الإرهابية إلى تقويض ثقة الشعب فى المؤسسات الأمنية عن طريق نشر أخبار كاذبة حول انتهاكات أو تجاوزات، والتشكيك فى الشخصيات الوطنية فى محاولة لتشويه صورتهم أمام الشعب المصرى، فقد بات واضحاً للجميع أن الجماعة تدير منصات إعلامية ناطقة باسمها، سواء كانت قنوات فضائية تبث من الخارج أو مواقع إخبارية على الإنترنت، فضلاً عن امتلاكها لجاناً إلكترونية منظمة تعمل على نشر الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعى، مستخدمة حسابات وهمية لزيادة انتشارها، والاستفادة من التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعى لتوليد محتوى مزيف بهدف خداع الجمهور.
وبقراءة متأنية للمشهد ومواقف جماعة الشر، يمكنك تكوين رؤية دقيقة للاستراتيجية التى تتبناها من أجل النيل من الدولة المصرية والشعب المصرى العظيم، والتى تستهدف بالأساس إضعاف الثقة فى الدولة وخلق فجوة بين الشعب ومؤسسات الدولة، بالإضافة إلى عرقلة جهود التنمية وتعطيل المشروعات القومية الكبرى عن طريق بث الشكوك حول جدواها، فضلاً عن المحاولات المستمرة لإثارة الفوضى، ورغم حالة البؤس التى وصلت لها الجماعة الإرهابية فإن المحاولات لا تتوقف لكنها دائماً ما تواجه بوعى الشعب المصرى العظيم الذى يرفض أى محاولات من شأنها المساس بأمن واستقرار هذا الوطن.
على جانب آخر تعمل الدولة المصرية من منطلق إدراكها لخطورة الشائعات وتأثيرها السلبى على الاستقرار، وفق استراتيجية شاملة للتعامل مع هذه الظاهرة، تتسم بالتكامل والتطور المستمر من خلال الإفصاح الدائم عن المعلومات الصحيحة بشكل دورى لمنع الفراغ المعلوماتى الذى تستغله الشائعات، كما تعمل وسائل الإعلام على كشف الحقائق والرد السريع على الشائعات.
لم تتوقف جهود الدولة عند هذا الحد فقد شكلت الدولة لجانًا متخصصة فى متابعة مواقع التواصل الاجتماعى للكشف عن الشائعات، وإنشاء منصات مثل «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» للرد الفورى على الأخبار الكاذبة، فضلاً عن جهودها من أجل تقوية النسيج الاجتماعى المصرى وتعزيز الوحدة بين فئات المجتمع المختلفة.
وبعد 10 سنوات من المحاولات، فقد نجحت الدولة إلى حد كبير فى تقليل تأثير الشائعات على المجتمع، بفضل استراتيجياتها المتطورة وسرعة استجابتها، ومع ذلك، ما زالت هناك تحديات كبرى، أبرزها تطور وسائل التكنولوجيا التى تستغلها الجماعة لتطوير أساليبها فى نشر الأكاذيب، فجماعة الإخوان الإرهابية مثال واضح على كيفية استخدام الشائعات كأداة لتقويض استقرار الدول، ومع ذلك، فإن الوعى المجتمعى، إلى جانب الاستراتيجيات الفعالة التى تتبناها الدولة المصرية، يشكلان خط الدفاع الأول فى مواجهة هذه الحروب النفسية، لكن يبقى على المواطن المصرى دور أساسى يتمثل فى التحقق من المعلومات وعدم الانسياق وراء الشائعات، لأن الوقاية تبدأ من الوعى.