عبقرية النضال في الفيلم الفلسطيني الأستاذ لفرح النابلسي
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
شدنا فيلم "الأستاذ"، كما شدنا أكثر الفنان المميز صالح البكري، حيث بقيت ملامحه تسكننا، بل وسيطول ذلك، لما في التمثيل من تعبير صادق حقيقي جعل هذا الفنان مبدعا عالميا من طراز خاص يصعب تكراره.
سيكون لنظرية التلقي مكان هام هنا؛ ذلك أن المشاهد الفلسطيني المتأثر بالفيلم، إنما يشاهد فيلما غير منقطع عن حاله، فهو مشدود لكل من الفيلم والواقع الذي يحياه، ما يجعله أكثر اندماجا عاطفيا مع الفيلم مقللا من الاهتمام بثغرات الفيلم ونواقصه.
أما في حالة التذوق والنقد الفني، فإنه يمكن مثلا أن نجد الفلسطيني منتقدا جوانب واقعية بالفيلم، في حين سينتقد غير الفلسطيني بنية الفيلم.
وبشكل عام، لا ننكر أن الفيلم شدنا جميعا جمهورا وككتاب، بما اشتمل عليه من عناصر إبداعية سينمائيا، وتعبيرا مميزا عن التوترات المرتبطة بشخصيات الفيلم.
قصة الفيلم تقريبا هي قصة الأستاذ باسم، الذي عانى من بطش الاحتلال، فقد اعتقل، كما اعتقل ابنه الطفل إثر مظاهرة شجعه والده على الاشتراك بها، ما جعله يتعرض للاعتقال، ولما كان يعاني من حساسية ما في الصدر، فقد أدى تعذيب السجان للمعتقلين من خلال التبريد شتاء إلى موته كونه لم يحتمل، ما جعل زوجة المعلم تهجر البيت محملة زوجها المسؤولية، فيعيش تحت تأثير الشعور بالذنب.
يكون للأستاذ باسم صلة مع مناضلين يضطروا إلى اللجوء إليه، لإخفاء جندي الاحتلال الذي أسرته المقاومة في بيته لفترة من الزمن. يكون هذا الجندي من أصول أمريكية.
في محيط الأستاذ باسم، تحيا عائلة طالبه آدم، الذي يستشهد أخوه الشاب يعقوب، حيث يقتله مستوطن بدم بارد، لأنه هرع وآخرون لكف أيادي المستوطنين عن الاستمرار بحرق شجر الزيتون. يتعرض بيت آدم للهدم، فيستضيف الأستاذ باسم طالبه في بيته، حيث يرى فيه ابنه الذي قضى في المعتقل الإسرائيلي. لذلك ينجح الفيلم في جعل بيت الأستاذ مأوى للجندي الأسير المخفي، ومأوى لآدم الذي يكون قد فقدت أسرته بيتها، قبل فقد ابنها يعقوب في فترة قريبة.
في فضاء العائلتين، تتواجد المتضامنة الإنسانية ليزا، لدعم أسر القرويين، ومنهم هذه الأسرة، والتي ينشأ بينها وبين الأستاذ حوارا حول هذه الظروف، حيث تكشف عن لآم تعرضت لها في بلادها، حين توفيت أختها إثر حادث سير، فرّ الجاني بعده، كما تنشأ علاقة عاطفية بينهما. حين تكتشف مسدسا في مكتبة الأستاذ، تتعرف على جوانب أخرى من شخصيته، التي قد تكون مختلفة عما فيه من مسالمة وهدوء، حيث كان وراء الهدوء أحداث عاصفة منها تعرضه للاعتقال ورحيل ابنه الفتى في المعتقل، وهجرة زوجته له، حيث ما إن تلومه حتى تتفهم كل هذه المنطلقات.
اختارت المخرجة، وهي نفسها كاتبة النص، قرية بورين جنوب نابلس، لتكون مسرحا لفيلمها، حيث توفقت في ذلك كونها جعلت المكان واقعيا جدا.
استخدمت المخرجة الأسلوب البوليسي المشوق، في تتبع جهاز المخابرات الشاباك للجندي الأسير. ولولا اكتشاف آدم بالصدفة وجود الأسير في بيت الأستاذ حين قام من النوم ليلا لشرب الماء، لاكتشفت المخابرات مكان الجندي الأسير، فقد أسرع آدم إلى إخراج الجندي الأسير من بيت الأستاذ، وإعادته إليه ليلا بعد رحيل جنود الاحتلال. وينشأ هنا جدل حول رغبة آدم من الثأر لأخيه الشهيد من خلال تصفية الجندي الأسير. ينجح المعلم في تخفيف اندفاع آدم. تتم صفقة تبادل الأسرى، يتم الإفراج عن 1200 أسير فلسطيني.
يعود آدم إلى ذات الانفعال حيث تبرئ محكمة الاحتلال ساحة المستوطن، فيبحث آدم عن مسدس الأستاذ، فلا يجده فيحمل سكينا ويستطيع التسلل الى المستوطنة القريبة، والدخول الى بيت المستوطن القاتل، حيث يطلب آدم من زوجته وطفله ترك غرفة المعيشة، فيشهر عليه السكين، فيباغته المستوطن بسلاحه الناري، وتكون رصاصة مسدس الأستاذ أسرع من رصاص المستوطن، وفي ظل قدوم قوات الاحتلال، يطلب الأستاذ من آدم من ترك المكان، بل يرجوه بالهرب، حتى لا يتكرر الخطأ الأول، وقصده مقتل ابنه في المعتقل، كأنه اختار الاعتقال بدلا من آدم في محاولة تصالحية تخفف من الشعور بالذنب عنده.
لقد كان لمشهد آدم وهو تحت المطر، بعد تبرئة المستوطن من قتل أخيه، حين ذهب الى مكان استشهاده في الأرض، أثر تطهريّ خفّ من الانفعال العاطفي، ما جعله يفكر بالانتقام.
في نهاية الفيلم، نظرتان، الأولى للمعلم-الأستاذ المعتقل وهو ينظر الى نور النافذة محملا بأمل التحرر، أما الثانية فهي للطالب آدم، الذي يكون واقفا ليلا يتأمل شيئا ما، يتعلق بأسر جندي آخر من أجل عقد صفقة أسرى يفرج من خلالها عن معتقلين، ومنهم الأستاذ باسم، لما له من حق عليه في إنقاذه ودخول المعتقل بدلا منه. تلك دائرة نجحت المخرجة بها مختتمة الفيلم بهذا الإبداع.
للفيلم أكثر ما عليه، بما فيه من سينما، وما فيه من هدف نبيل، وبالرغم أن المخرجة ليست على صلة واقعية تماما بالتفاصيل الدقيقة، إلا أنها استطاعت شدنا نحو الفيلم الطويل نسبيا.
ولعل أهم نقاط القوة في الفيلم هو عنصر التمثيل، الذي أتقنه الممثلون صالح البكري في دور الأستاذ، ومحمد عبد الرحمن في دور آدم، وإيموجين بوتس في دور "ليزا" المتطوعة البريطانية في المدرسة، وكل من نبيل الراعي، وربى بلال، ومحمود البكري، وبول هيرزبيرج، واندريا ايرفين، وستانلي تاونزيند.
كانت مشاهد اقتحام الجيش ومكاتب الشاباك واقعية، كما نجح الفيلم في إظهار حالة والدي الجندي الأسير الأمريكيين، فلربما دفعت حالة الأسر الى لوم الأم لزوجها لتركه يذهب الى إسرائيل، كما يظهر أنه ترك أمريكا لا اقتناعا بالمكان الذاهب اليه، بل هروبا من واقعه هناك في أمريكا، لذلك فقد كان للوم دلالات متنوعة حول الهجرة اليهودية الى إسرائيل، منها أنه تتم تحت ضغوطات غير معلنة.
لفت نظرنا في حوار الأستاذ مع والد الجندي الإسرائيلي الأسير، الأمريكي الجنسية، حين طمأن الأستاذ والد الجندي الأسير على حياة ابنه، وحين سأله كيف عرف بذلك، قال له لأن ابنك لدى الاحتلال يساوي 1000 فتى مثل ابني!
لقد تم إدراج الفيلم في القائمة الطويلة لجوائز الأفلام البريطانية المستقلة لعام 2023 في 3 فئات: أفضل مخرج لأول مرة، وأفضل كاتب سيناريو لأول مرة وأفضل منتج، وفي ديسمبر الماضي حصل على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
عُرض فيلم "الأستاذ" لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي، وبعدها في العديد من المهرجانات والفعاليات، وهو الفيلم الروائي الأول للمخرجة والمنتجة "فرح نابلسي"، التي قدمت عام 2020 الفيلم القصير "الهدية" وترشح للأوسكار، وفاز بجائزة البافتا.
Ytahseen2001@yahoo.com
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجندی الأسیر الأستاذ باسم
إقرأ أيضاً:
عاجل- استشهاد الجد الفلسطيني خالد نبهان صاحب عبارة "روح الروح"
أكدّت مصادر صحفية فلسطينية اليوم الإثنين استشهاد الشيخ خالد نبهان، جد الطفلة الشهيدة "ريم"، صاحب العبارة المؤثرة "روح الروح". وكان الشيخ خالد نبهان قد اشتهر بعد انتشار فيديو له وهو يودّع حفيدته الطفلة "ريم"، التي استشهدت نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنزله الشهر الماضي في قطاع غزة.
تفاصيل استشهاد الطفلة ريمالطفلة الشهيدة ريم، التي لم تتجاوز الثلاث سنوات، كانت كل شيء جميل في حياة جدها الشيخ خالد نبهان. وُلِدت ريم في نفس يوم ميلاد جدها، وقد احتضنها بقوة منذ ولادتها، مقدما لها كل الحب والرعاية. ويقول الشيخ خالد نبهان: "كنت أختار لها ملابسها وألعابها بعناية وأوفر لها كل الاحتياجات."
تعرّض منزل الشيخ خالد نبهان لانهيار تام نتيجة قصف وحشي من جيش الاحتلال الإسرائيلي. واستشهدت الطفلة ريم في هذا القصف، بينما نجا أفراد آخرون من العائلة بعد تدخل الجيران ونقلهم إلى المستشفى.
المشهد المؤثر لوداع الطفلة ريم "روح الروح"اشتهر الشيخ خالد نبهان بعد انتشار فيديو له وهو يودّع حفيدته ريم بكلمات مؤثرة "روح الروح". قال الجد المكلوم: "مسحت وجه ريم وطارق من الغبار وكان قلبي موجوع وحزين. وصورت ريم وطارق عقب استشهادهما ومسحت على وجوههم قبل دفنهم. شعرت أنهم نائمين ولم يستشهدوا."
تفاصيل اللحظات الأخيرةفي حديثه لوسائل الإعلام، وصف الشيخ خالد نبهان اللحظات الأخيرة قبل استشهاد حفيدته ريم: "همست لها وقلت: ريم يا حبيبتي، صاحية أنتي ولا نايمة. وفتحت عينيها وقبلتها منها وودعتها. وكانت ريم جزءًا من كياني وروحي ووجداني، ومن حبي لها كنت ألعق أنفها وخدها وهي كانت تفعل ذلك معي في إطار مداعبتي لها."
تأثير العبارة على العالمأثّرت عبارة "روح الروح" في شعوب العالم، حيث عبّر الشيخ خالد نبهان عن حزنه العميق لفقدان حفيدته بهذه الكلمات البسيطة والمؤثرة. أصبحت هذه العبارة رمزًا للمأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.