اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم زيارة الحائض لقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإنه قد يأتي المرأة الحيض في يوم السفر إلى المدينة المنورة -وتعلمون فضيلتكم أن مدة الإقامة في المدينة لا تزيد على خمسة أو ستة أيام؛ وهي مدة حيضها- هل تُمنع من دخول المسجد النبوي أم تذهب لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسلام عليه؟".

 

لترد دار الإفتاء موضحة: إنه يمكن للحائض أن تتحين فترات انقطاع حيضها، أو تتناول دواءً يمنع نزول الدم باستشارة أهل الطب، ثم تغتسل وتزور، فإن لم ينقطع دمها واقترب موعد السفر فلا مانع من أن تزور وتسلم وهي حائض إذا أَمِنَت التلويث؛ إذ الزيارة النبوية من أعظم القربات وآكد المستحبات، وحاجة الحجاج إليها متأكدة، وقد نص جماعة من الفقهاء على أن طواف الحائض المعذورة هو بمنزلة المرور الجائز في المسجد، ولا شك أن الزيارة النبوية حينئذٍ أولى بالجواز من الطواف.

دخول الحائض للمسجد النبوي للزيارة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فالذي عليه جمهور الفقهاء: أنه لا يجوز للحائض المكث في المسجد، وأجازوا لها المرور داخله إذا أمنت تلويثه، واتفقوا على جواز مرورها فيه للضرورة والحاجة.

قال الإمام الخطابي الشافعي في "معالم السنن" (1/ 77، ط. المطبعة العلمية): [وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فقال أصحاب الرأي: لا يدخل الجنب المسجد إلَّا بأحد الطهرين، وهو قول سفيان الثوري، فإن كان مسافرًا ومر على مسجد فيه عين ماء تيمم بالصعيد ثم دخل المسجد واستقى، وقال مالك والشافعي: ليس له أن يقعد في المسجد، وله أن يمر فيه عابرَ سبيل، وتأول الشافعي قوله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: 43]، على أن المراد به: المسجد؛ وهو موضع الصلاة، وعلى هذا تأوله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وكان أحمد بن حنبل وجماعة من أهل الظاهر يجيزون للجنب دخول المسجد، إلَّا أن أحمد كان يستحب له أن يتوضأ] اهـ.

وقال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الشافعي في "الوسيط في المذهب" (2/ 185، ط. دار السلام): [شرط المكث في المسجد عدم الجنابة؛ فيجوز للمحدث المكث وللجنب العبور، ولا يلزمه في العبور انتحاء أقرب الطرق، وليس له التردد في حافات المسجد من غير غرض، وليس للحائض العبور عند خوف التلويث وكذا من به جراحة نضاخة بالدم، فإن أمنت التلويث فوجهان لغلظ حكم الحيض] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (2/ 162، ط. دار الفكر): [الأصح جواز عبورها إذا أمنت التلويث. والله أعلم]. وقال (2/ 358): [أما عبورها بغير لبث فقال الشافعي رضي الله عنه في "المختصر": أكره ممر الحائض في المسجد. قال أصحابنا: إن خافت تلويثه لعدم الاستيثاق بالشد أو لغلبة الدم حرم العبور بلا خلاف، وإن أمنت ذلك فوجهان الصحيح منهما جوازه، وهو قول ابن سريج وأبي إسحاق المروزي، وبه قطع المصنف والبندنيجي وكثيرون، وصححه جمهور الباقين كالجنب وكمن على بدنه نجاسة لا يخاف تلويثه. وانفرد إمام الحرمين فصحح تحريم العبور وإن أمنت؛ لغلظ حدثها بخلاف الجنب. والمذهب الأول] اهـ.

وقال الإمام البيجوري في "حاشيته على شرح العلامة ابن قاسم الغزي على متن الشيخ أبي شجاع" (1/ 148-149): [متى خافت التلويث حرم عليها الدخول، وإن لم يوجد التلويث لقلَّة الدم، والمراد بالخوف: ما يشمل التوهُّم، فإن لم تخف تلويثه بل أمنته لم يَحرُم، بل يكره لها حينئذٍ، وهو خلاف الأَوْلى للجنب، إلا لعذرٍ فيهما فتنتفي الكراهةُ لها وكونُه خلافَ الأَوْلى للجنب للعذر، ومثلها كل ذي نجاسة؛ فإن خاف تلويث المسجد حرم، وإلا كره، إلا لحاجة] اهـ.

على أن من العلماء من قال بجواز مكث الحائض في المسجد إذا أمنت التلويث، وإن كان هذا خلاف ما عليه الجمهور؛ فقد قال بذلك من التابعين: الحسن وابن سيرين؛ فقد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه": [عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَرُشَّ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَسْجِدَ] اهـ. وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول أهل الظاهر.

قال الإمام البغوي في "تفسيره" (1/ 628، ط. دار إحياء التراث العربي): [وجوَّز أحمد المكث فيه...، وبه قال المزني] اهـ.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (2/ 112، ط. مكتبة الغرباء الأثرية) في حكم دخول الحائض المسجد إذا توضأت: [ونص أحمد على أنها لو توضأت وهي حائض لم يَجُزْ لها الجلوس في المسجد؛ بخلاف الجنب، وفيه وجه: يجوز إذا أمنت تلويثه] اهـ.

وقال الشيخ مغلطاي في "شرح ابن ماجه" (1/ 880، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [ورخَّص في المرور ابن مسعود وابن عبَّاس وابن المسيَّب وابن جبير، وهذا هو الملجأ لأهل الظاهر بأن جوَّزوا لهما دخول المسجد وكذلك النفساء، قال أبو محمد: لأنه لم يأتِ نهي عن شيء من ذلك...، وقال أحمد وإسحاق: الجنب إذا توضأ لا بأس أن يجلس في المسجد] اهـ.

وقال الإمام بدر الدين العيني في "البناية شرح الهداية" (1/ 642-643، ط. دار الكتب العلمية): [وعن أحمد: له المكث فيه إن توضأ وهو خلاف قول الجمهور، ولأنه لا أثر للوضوء في الجنابة لعدم تحريكها اتفاقًا. وعن الحسن البصري، وابن المسيب، وابن جبير، وابن دينار، مثل قول الشافعي رضي الله عنه -أيْ: في جواز المرور-، وقول المزني، وداود، وابن المنذر: يجوز له المكث فيه مطلقًا، ومثله عن زيد بن أسلم واعتبروه بالشرك بل أولى، وتعلقوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» متفق عليه] اهـ.

والزيارة النبوية هي من أعظم القربات وآكد المستحبات، وحاجة الحجاج إليها متأكدة؛ فإنهم يقطعون المسافات الطوال قصدًا لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والسلام عليه؛ امتثالًا لِمَا ورد من الأحاديث النبوية الشريفة في استحباب زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، وأن ذلك مستوجبٌ لشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزائره، وأن مِن الجفاء أن يحج الإنسان دون أن يزور قبره الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صححها جمع من الحُفَّاظ.

ودخول المسجد النبوي لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسلام عليه هو بمنزلة المرور الجائز، وقد نص بعض الفقهاء على أن طواف الحائض المعذورة هو بمنزلة المرور الجائز في المسجد، ولا شك أن الزيارة النبوية حينئذٍ أولى بالجواز من الطواف:

قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "إعلام الموقعين" (3/ 24، ط. دار الكتب العلمية): [طوافُها بمنزلة مرورها في المسجد، ويجوز للحائض المرور فيه إذا أمنت التلويث، وهي في دورانها حول البيت بمنزلة مرورها ودخولها من باب وخروجها من آخر؛ فإذا جاز مرورها للحاجة فطوافها للحاجة التي هي أعظم من حاجة المرور أولى بالجواز] اهـ.

وبناءً على ذلك: فيمكن للحائض أن تتحين فترات انقطاع حيضها، أو تتناول دواءً يمنع نزول الدم وذلك باستشارة أهل الطب، وتقلد المذهب القائل بأن النقاء في الحيض طهر؛ وهو قول المالكية والحنابلة وقول للإمام الشافعي يُعرَف بقول "التلفيق" ورجحه بعض الشافعية، ثم تغتسل وتزور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتسلم عليه، فإن لم ينقطع دمها وخشيت فوات الرفقة قبل انقطاع حيضها فلا مانع من أن تزور وتسلم وهي حائض إذا أَمِنَت التلويث بما تتحفظ به؛ فإن ذلك بمنزلة مرورها الجائز في المسجد.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: زيارة قبر النبي المدينة المنورة النبی صلى الله علیه وآله وسلم اهـ وقال الإمام دخول المسجد قال الإمام ت التلویث فی المسجد على أن

إقرأ أيضاً:

عمرو الورداني: سيدنا النبي استخدم فن الرسم ليوضح بعض المفاهيم للصحابة

أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى ب دار الإفتاء المصرية. أن الفن يُعتبر وسيلة مهمة جداً في التعليم والتربية، مُستشهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استخدم الرسم كوسيلة تربوية وتعليمية في عدة مواقف.

أوضح الدكتور الورداني، في فتوى له، أن النبي رسم خطا في الرمل ليُعبر عن الصراط المستقيم، موضحاً أن هذا النوع من الفنون كان هدفه تبسيط المفاهيم المعقدة للناس وتوضيح الحقيقة بطريقة سهلة ومباشرة.

وأشار إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم الفنون في العديد من المواقف، منها غزوة الأحزاب، حيث شجع الصحابة على استخدام الفن لزيادة الانتماء والروح المعنوية، مضيفا أن الفنون لا تقتصر على الترفيه فقط، بل يمكن أن تُستخدم كأداة تربوية لتعليم القيم وتعزيز الهوية والانتماء، مستشهداً بأغاني مثل "لأجل النبي" التي تُعزز الانتماء للنبي صلى الله عليه وسلم.

كما نوه إلى أهمية تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الفنون والدين، مُوضحاً أن الدين ليس حصراً على بعض المفاهيم الضيقة، بل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم الفنون لنشر السعادة وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي كانت لدى بعض المتطرفين في الأديان.

مقالات مشابهة

  • هل من قال وحياة سيدنا النبي يدخل في الشرك ؟.. الإفتاء توضح
  • عمرو الورداني: سيدنا النبي استخدم فن الرسم ليوضح بعض المفاهيم للصحابة
  • حكم فصل الرجال عن النساء في قاعات الأفراح شرعًا.. الإفتاء تجيب
  • أدعية وأذكار تقال عند الأرق وصعوبة النوم
  • حكم المصافحة بين المُصلين بعد الصلاة .. دار الإفتاء تجيب
  • بعد واقعة الحداد مع زوجته.. ما هو الضرب المباح للزوجة في الإسلام؟
  • دعاء ردده عند سماع الأذان يغفر جميع الذنوب.. احرص عليه
  • حكم الشرع في زيارة قبور الأنبياء والصالحين.. دار الإفتاء تجيب
  • سر من أسرار الفاتحة .. يشفى المرضى ويقضي الحاجات