هل يجب على اللبنانيين انتخاب رئيس الجمهوريّة الآن؟
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
أعادت الحرب الإسرائيلية على لبنان تسليط الضوء على الانهيار السياسي والدستوري الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، والذي لا يمكن فصله عن أزمة النظام وإشكالية ارتباطه بشكل كلّي بصراع المحاور في المنطقة. ففي ذِروة الاعتداءات الإسرائيلية، تحضر الحاجة إلى استنفار كلّ مؤسسات الدولة، والأهم، إلى حضور كل أركانها وعلى رأسهم رئيس الجمهورية.
بيدَ أنه لا رئيس جمهورية في لبنان منذ العام 2022، وذلك لأسباب عدة متداخلة، بدءًا بفساد الطبقة السياسية، وصولًا إلى ارتهانها بالقرار الخارجيّ وتحديدًا صراع المحاور، بين ما يعرف بمحور الممانعة المتحالف مع إيران، والمحور المتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول العربية.
مع بداية ما يمكن تسميتها بحرب الاستنزاف بين المقاومة في لبنان المتمثلة بحزب الله وبين الاحتلال الإسرائيلي في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عاد الحديث السياسي المعتاد حول ضرورة الانتهاء من الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وشهد لبنان إعادة تفعيل الحركة الدبلوماسية الغربية والعربية التي تمثّلت بشكل خاص باللجنة الخماسية والتي تضمّ كلًا من قطر، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وفرنسا، والولايات المتحدة الأميركية.
ومع بدء مرحلة التصعيد الإسرائيلي الكبير على لبنان أو الحرب الموسعة عليه، والتي تجسّدت بشكل أساسي في توسيع دائرة القصف الإسرائيلي على مختلف المناطق والقرى اللبنانية، وفي استهداف قادة حزب الله، وصولًا إلى اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، تمّ إعادة طرح النقاش حول ضرورة انتخاب رئيس للجمهوريّة؛ لمعالجة تداعيات العدوان على المستويات كافة الداخلية والخارجيّة.
بعد اغتيال نصرالله، جدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دعوته إلى انتخاب رئيس للجمهورية بشكل عاجل، مؤكدًا الحاجة الملحّة لإتمام الاستحقاق الرئاسي، بالإضافة إلى تطبيق القرار الدولي 1701، وذلك بالتنسيق والاتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
في الشكل، أوحى الاتفاق أو التناغم بين الرئاستين، بالإضافة إلى الدعوات المتتالية التي وجّهتها بقية الأطراف والأحزاب السياسية اللبنانية، بأن الطبقة السياسية بنوابها وأحزابها وزعمائها باتت تعي خطورة استمرار الفراغ الرئاسي، وبالتالي ضرورة وضع كل الخلافات والاصطفافات الداخلية والخارجية جانبًا، والخروج بخطاب أو بأداء وطنيّ مسؤول يتخطى المصالح الفئوية بين المحورين المتخاصمين، وبالتالي إعادة استئناف جلسات مجلس النواب لانتخاب الرئيس.
غير أن هذه اللحظة الوطنية المنتظرة لم تدم طويلًا، إذ عادت اللجنة الخماسية إلى الواجهة وعادت معها الشروط والشروط المضادة من الفريقين المتخاصمين، كلّ على ضفة المحور الذي ينتمي إليه.
إذًا تلقّفت الأحزاب السياسية دعوة السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكن كلّ حسب اللحظة التي وجدوا أنها تخدم مشروعهم السياسي الذي لا يمكن فصله عن صراع المحاور في المنطقة، والذي تجسّد بدعوة أميركية مباشرة لانتخاب رئيس يتناسب مع ما يعتبرونه "مرحلة ما بعد سقوط حزب الله وسحب ملف لبنان من البساط الإيراني استنادًا إلى الضربات القوية التي تلّقاها المحور، لا سيّما اغتيال الحليف الأهم والأقوى لإيران، أي حزب الله".
في المقابل، جاء الرد الإيراني عبر حضور دبلوماسيّ ملحوظ على أرض لبنان أعاد موضوع الرئاسة إلى نقطة البداية، حيث صرّح الموفدون الإيرانيون بضرورة وقف الحرب على لبنان وغزة قبل البحث في أي شأن آخر، في رسالة مباشرة لكل من يعنيهم الأمر بأن طهران ما تزال مؤثرة بالملف اللبناني، وأن لبنان ما يزال خطّ الممانعة الأول لمصالح طهران في المنطقة.
على المستوى الداخلي، استعاد الفريقان العدّة السياسية التي لا يتقنان غيرها، وهي إعطاء الصراع السياسي على السلطة عناوين مثل: الوجود والدور والقضية للتغطية على ارتهانهما للخارج.
حاول الفريق المتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، والذي يطلق على نفسه صفة "السيادي والحرّ"، استغلال الاهتزاز الكبير الذي أصاب حزب الله، وهو عصب محور الممانعة في لبنان، فبدأ الإعلاميون والسياسيون الذين يدورون في فلكه بالدعوة إلى ما اعتبروه "احتضان بيئة المقاومة بعد الخسارة التي منيت بها وإعادتها إلى كنف الدولة بعد الدمار الذي أحدثه حزب الله بالتدخل في الحرب ليس دفاعًا عن لبنان أو مساندةً لغزة، لكن لتحقيق المصالح الإيرانية"، والدعوة إلى انتخاب رئيس سياديّ غير مرتهن لإيران ويعمل على سحب سلاح المليشيات وتطبيق بالتالي القرارات الدولية من 1701 إلى 1680 و1559″، وصولًا إلى تنظيم مؤتمر برئاسة القوات اللبنانية لهذه الغاية في محاولة لإعادة استحضار الاصطفافات القديمة ولإثبات حضور سياسيّ، يبدو أنّها لم تصب أهدافها بعد، لالتقاط اللحظة المفصلية المستجدة.
في المقابل، عاد الإعلاميون والسياسيون المحسوبون على ما يعرف بفريق الممانعة إلى التقاط الأنفاس بعد فترة لم تستمرّ طويلًا من التخبط والضعف، لا سيّما بعد ازدياد العمليات التي ينفذها حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونجاحه حتى كتابة هذه السطور في منع الاحتلال الإسرائيلي من التقدّم في المعركة البرية الدائرة على أرض الجنوب.
لذلك، وبعد إبداء نوع من المرونة في السير بانتخابات الرئاسة الأولى، عاد أركان هذا المحور في الداخل ليعلنوا أنهم لا يزالون أقوياء وأنهم يرفضون انتخاب رئيس قبل وقف الحرب في لبنان، ويريدون رئيسًا "يحمي ظهر المقاومة، وبالتالي فهم لن يسمحوا بانتخاب رئيس يأتي على ظهر الدبابات الإسرائيلية"، في استحضار لواقعة انتخاب بشير الجميّل في عام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ولبيروت وللجنوب بشكل خاص.
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى المؤتمر الصحفي الذي أقامه المسؤول الإعلامي في حزب الله محمد عفيف من قلب الدمار في الضاحية الجنوبية لبيروت والذي توجّه خلاله إلى الفريق الآخر برسائل كثيرة حول عدم واقعية الاستثمار السياسي ضد الحزب الذي "ما يزال قويًّا وحاضرًا في الحياة السياسية اللبنانية".
عمليًّا، هذا المشهد المتكرر في الخطاب والانقسام السياسيين يؤشّر إلى عدة نقاط يجب التوقف عندها، أهمها:
أولًا، فشلَ الطرفان للمرة الثالثة بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005 في لبننة الاستحقاق الرئاسي، أي في الظهور ولو بالشكل بأن الطبقة السياسية في لبنان قادرة على حكم نفسها بنفسها، أو حكم البلد من خلال الدستور والقانون والمصلحة اللبنانية الداخلية بعيدًا عن الارتهان لصراع قوى المحاور؛ طمعًا في كسب السلطة أو المحافظة عليها، ودائمًا تحت عنوان الوجود والدور والكرامة الوطنية، وهي شعارات يتقن السياسيون توظيفها وإسقاطها على اللبنانيين؛ للمحافظة على شرعيتهم السياسية.في هذا الإطار، فشلت الطبقة السياسية في ملاقاة الالتفاف الشعبي الكبير الذي أظهرته هذه الحرب إن كان في احتضان النازحين أو في المبادرات الفردية التي يقوم بها اللبنانيون في مساعدة بعضهم البعض اقتصاديًا واجتماعيًا في ظل عجز الدولة عن القيام بهذا الدور، وهو دورها الطبيعي، وفي رفض الانجرار أقلّه بالحد الأدنى في هذه المرحلة للعبة الانقسامات والاصطفافات السياسية والطائفية.
غير أنه في حال لم يتدارك السياسيون في لبنان هذا الوعي اللبناني الذي يحتاج إلى مقوّمات الدولة للصمود والاستمرار، خاصة إذا ما استمرّت الحرب لفترة طويلة، وعمدوا إلى انتخاب رئيس للجمهورية حسب الأصول الدستورية لإعادة انتظام المؤسسات الرسمية بالحد الأدنى بعيدًا عن صراع المحاور في هذه الحرب الدائرة، فإنهم بذلك سيكونون السبب الرئيسي لإمكانية الوقوع في فخّ الاقتتال عبر تزايد وتيرة الإشكالات المتنقلة التي بدأت بالظهور؛ بسبب غياب الدولة. فلا يغيب عن أحد أن لبنان مهدّد بخطر كبير في عودة الاقتتال الداخلي واستحضار مرحلة الانقسام الذي كان سائدًا بعد 2005 وفي 2008، والذي تخلّله جولات من المواجهات العسكرية الداخلية لم تنتهِ إلا بتسوية خارجية، كما جرت العادة في لبنان.
ثانيًا، تعيدنا مشكلة انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان إلى أساس علّة النظام الطائفي وطبيعة العمل السياسي في لبنان القائم على الشخصانية، ومبدأ الزعامة العائلية والطائفية والمحاصصة الاقتصادية والسياسية منذ الاستقلال عام 1943، باستثناء عهد الرئيس فؤاد شهاب، حيث جرت للمرة الأولى وتكاد تكون الوحيدة، محاولة جدية لبناء مؤسسات الدولة وتكريس علاقة سوية بين المواطن والدولة عبر المؤسسات، وليس عبر الخدمات والمنفعة باسم الحماية والوجود، أو ما يعرف بالزبائنية، والتي تشكّل صلب العمل السياسي في لبنان حتى يومنا هذا.من هنا، يصبح من السهل للمراقب فهم عدم امتلاك أي من الطرفين، كلّ عبر مرشحه، أي مشروع داخلي واضح لمعالجة المشكلات المتراكمة في لبنان والتي تتلخّص بالعنوان العريض الأساسي وهو بناء الدولة استنادًا إلى الدستور اللبناني.
بل على العكس، يعتبر كل طرف أن الصفات الشخصية لمرشحه مثل السيادة والاستقلال والكرامة والوفاء والثبات والانفتاح هي الأساس في الحكم، فتغدو المشاريع والبرامج ثانوية، وهذا يعيدنا إلى حقيقة واحدة وهي عدم قدرة الطبقة السياسية الحالية (بموالاتها ومعارضيها) على حوكمة الدولة؛ لأن الشخصانية والمصالح الفئوية هي التي تحدد إطار العمل السياسي في لبنان.
لذلك، يجد السياسيون أنفسهم في حاجة دائمة إلى الاصطفافات مع المحاور الإقليمية والقوى الدولية؛ للحفاظ على سلطتهم ومكاسبهم باسم الطائفة والوجود والوطنية والهوية، وهي آفة يعاني منها لبنان منذ نشوء الدولة، حيث شكّلت الرافد الأساسي لتغذية الحروب الأهلية الصغيرة والكبيرة منذ 1860 و1958 و1975 وصولًا إلى تسوية اتفاق الطائف في عام 1989.
هنا، لا بدّ من الاعتراف بفشل اتفاق الطائف، وهو نقطة التحوّل المفصليّة في تاريخ لبنان الحديث، في تحقيق العبور المنشود إلى الدولة لعوامل عدّة منها عدم تطبيقه بشكل كامل بالدرجة الأولى. هذا الأمر يفتح النقاش حول نقطة جوهرية وهي غياب المصالحة والمصارحة الفعلية لمرحلة الحرب الأهلية، وكل الأحداث التي سبقتها وتلتها، فكانت تسوية الطائف عبر اعتماد سياسة المحاصصة في السلطة بين المجموعات التي كانت بمعظمها شريكة في الحرب الأهلية، والسبب في انهيار الدولة.
للمفارقة، تتوحّد هذه المجموعات والأحزاب في قدرتها على التنصّل من المحاسبة وتحمّل المسؤولية؛ للمحافظة على مكاسبها الخاصة واستمرار سيطرتها على مفاصل الدولة، وذلك باستخدام الشعارات نفسها في الانتصار في معركة الدفاع عن الوجود (أي الحرب الأهلية).
فمنذ الاستقلال عن الانتداب الفرنسي عام 1943، اتخذ الصراع على السلطة بين الأحزاب والمجموعات السياسية عناوين طائفية ووجودية؛ لاستقطاب الجماهير اللبنانية، وللحفاظ على شرعيتها آنذاك، وبالتالي حماية مصالحها وامتيازاتها.
فعلى سبيل المثال، نادى المسلمون بالمظلومية في التمثيل السياسيّ في الدولة إذ كان رئيس الجمهورية، بحكم الصلاحيات المطلقة التي تمتّع بها، هو من يعيّن أو يعزل رأس السلطة الثالثة حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، والتي في حقيقة الأمر، لا يمكن فصلها أيضًا عن التبدّلات الإقليمية السياسية في المنطقة، والصراع على حكم المنطقة بين القوى الدولية والإقليمية عبر مشروعين متناقضين آنذاك، وهما هوية لبنان العربية وارتباطه بقضايا العالم العربي من خلال دعم الناصرية، ثمّ الوجود الفلسطيني من جهة، وبين حلف بغداد والتحالف الغربي والحياد اللبناني من جهة أخرى.
بعد اتفاق الطائف ودخول لبنان مرحلة التسوية الإقليمية والدولية بغطاء عربي وأميركي وفرنسيّ، استخدم المسيحيون خطاب المظلومية نفسه، حيث باتت انتخابات رئاسة الجمهورية محكومة بمجلس الوزراء وبالمحاصصة الطائفية التي تمّ مأسستها، فتصاعدت الأصوات بشكل مستمرّ للتعبير عن شعور المسيحيين بالخطر على الوجود؛ لعدم عدالة التمثيل في الدولة، وبالتالي إعطاء الصراع السياسي على السلطة أيضًا عنوانه الطائفيّ.
منذ انسحاب القوات السورية عام 2005، كان للبنان فرصة للحكم بشكل مستقلّ كدولة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والقضائية بالحدّ الأدنى.
في تلك المرحلة، دخلت المنطقة ككلّ في تبدّلات جذرية في التحالفات الإقليمية والدولية وفي تبدّل ميزان القوى، فباتت المنطقة أمام محورين متناقضين: الأول ما يعرف بمحور الممانعة بقيادة إيران، والثاني يعرف بمحور التطبيع والشرق الأوسط الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبينهما دخلت الدول العربية في حالة من الانقسام السياسي والطائفي والمذهبي، وغياب الدور الفاعل بين المشروعين. بيدَ أن ذلك لم يمنع معظم هذه الدول من العمل لتحقيق الاستقرار السياسي الداخلي، ووضع الخطط والمشاريع التنموية لإعادة التموضع وحماية أمنها كلّ حسب مصلحته.
أما في لبنان، فتثبت الطبقة السياسية عند كل استحقاق أنها عاجزة عن بناء مؤسسات فاعلة في الدولة دون الارتهان أو الارتباط بالخارج، في مقابل المحاصصة وتقاسم السلطة، وانتخاب رئاسة الجمهورية هو النموذج الأمثل الذي يعبّر عن هذا الفشل، إذ بات الفراغ الرئاسي أشبه بالعرف في الحياة السياسية اللبنانية؛ بسبب ارتهان السياسيين المستمرّ للتسويات الإقليمية بين المحورين المتصارعين، وبالتالي غلبة فريق على آخر في اختيار رئيس الجمهورية في عملية انتخاب فلكلورية.
واليوم، لأن نتائج التسوية المرتقبة لم تتضح بعد، ما تزال انتخابات الرئاسة الأولى في لبنان معلّقة وما يزال كل فريق يراهن على محوره لفرض مرشّحه من خلال اتفاق دوليّ إقليميّ باسم التوافق والحوار.
يعتبر البعض في لبنان أنه يجب عدم استغلال الحرب الدائرة حاليًا لتمرير انتخاب رئيس للجمهورية على حساب وجوده، في حين يرى آخرون أن الفرصة مناسبة لتمرير الأجندة السياسية التي تخدم مصالحهم باستعادة مجد الأيام الغابرة التي كانت سائدة ذات يوم.
وسط كل ذلك، إن أخطر ما يمرّ به لبنان هو توظيف الخطر الإسرائيلي الجدّي على الجميع وليس فقط على طرف دون آخر، في لعبة الرئاسة من الفريقين، فتتحوّل الحرب بذلك إلى عنوان فئويّ في سياق صراع القوى على السلطة، ما يساهم في انهيار مؤسسات الدولة أكثر، وبالتالي زيادة خطر الانكشاف الأمني الذي يعاني منه لبنان منذ عقود، والذي يخضع بدوره لصراع المحاور على تقاسم المنطقة.
لكلّ طرف سياسيّ في لبنان رهاناته الإقليمية في الصراع على الحكم، في حين يبحث اللبنانيون عن سلطة دولتهم المنشودة؛ لمعالجة الانهيار القائم منذ سنوات في استجداء مستمرّ، ويكاد يكون فريدًا في الدول العربية، لكي تتسلّم الدولة عن كاهلهم زمام تحقيق الحدّ الأدنى من الأمن المجتمعي الذي يحاولون بمبادراتهم الفردية الحفاظ عليه.
فهل يتمّ انتخاب الرئيس في لبنان قبل فوات الأوان وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة والعودة إلى زمن الاقتتال باسم الطائفة والوجود؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المتحدة الأمیرکیة الطبقة السیاسیة الحرب الأهلیة مؤسسات الدولة صراع المحاور انتخاب رئیس ة السیاسیة فی المنطقة على السلطة وصول ا إلى لبنان من حزب الله فی لبنان فی الدول ما یعرف لبنان ا رئیس ا
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
بروفيسور حسن بشير محمد نور
نعم، أزمة التهجير القسري والنزوح التي يشهدها السودان هي الاسوأ في العالم، كما ان الانتهكات والجرائم المرتكبة هي الاشد قسوة وبشاعة من نوعها، خاصة في صراع بين أطراف تنتمي لنفس البلد، هذا بالطبع إذا استثنينا الأبادة الجماعية التي تقوم بها اس رائ يل ضد الشعب الف ل سطي ني في الاراضي المحتلة والدمار الممنهج في لبنان (وهذا بالطبع لا يحتاج لتأكيد وزير الخارجية البريطاني، لانه وحسب المثل السوداني "ما حك جلدك مثل ظفرك"). الصراع بين القوى الكبرى في العالم لا يعرف الرحمة ولا يعبأ بمصالح الشعوب، خاصة مثل الشعب السوداني المغلوب علي أمره المبتلى بحكام و(قادة) لا يتمتعون بأي درجة من الرشد وإلا لما تسببوا في أزمة توصف بأنها الاسوأ في العالم.
سبق ان نبهنا مع غيرنا بأن الانقسام بين الاقطاب الكبرى في العالم لا يسمح بتمرير قرارات عبر مجلس الامن، وان الدعوات للتدخل الاممي هي صرخات في (وادي عبقر), كما ان مثل هذا التدخل يجد معارضة لا بأس بها، ليس فقط من الأطراف المؤيدة للحرب في السودان، وانما من قوى سياسية واجتماعية مؤثرة. في هذا الاطار يأتي (الفيتو) الروسي ضد مشروع القرار البريطاني حول السودان في مجلس الامن يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024. وهو موقف متوقع من روسيا بحكم العداء المستفحل والتاريخي بين روسيا وبريطانيا، الذي اشتد منذ ان اعلن ونستون تشرشل صيحته حول الجدار الحديدي (ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي) وتدشينه للحرب الباردة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. يظهر ذلك العداء بجلاء في اشعال الحرب في اوكرانيا وتأجيجها والدفع بها نحو منزلق خطير يبشر بيوم قيامة قريب ينهي العالم الذي نعيش فيه، ذلك لسبب بسيط هو ان هذه اللعبة الخطرة تتم ضد دولة تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم من حيث الكم والنوع، فاذا كنت تلعب بالنار بين براميل من البارود شديد الانفجار فإن (لفيتو) يعتبر نثارة ثانوية باردة.
يضاف لذلك ان روسيا لن تنسي خديعة القرار الاممي الذي وافقت عليه بشأن ليبيا، والذي كان في ظاهره يهدف لحماية المدنيين وقام حلف التاتو باستغلاله ثم (حدث ما حدث في ليبيا) ونتائجه ماثلة أمام العالم. يبقى إذن، اذا إراد (الغرب الاستعماري الجماعي حسب وصف الدبلوماسية الروسية)، فيما نرى أن يتدخل في الصراع السوداني فعليه اتباع نهح ما حدث في العراق وافغانستان (وهذا انتهي بالهروب الكبير لجيش بادن العظيم مسلما مفاتيح كابول لطالبان بعد عشرين عاما من التدخل العسكري المباشر) ويوغوسلافيا السابقة، ذلك النهج الذي تم خارج (الشرعية الدولية) وبالتالي علي من يفعل ذلك تحمل العواقب لوحده، دون الاستناد علي قرار اممي يظهر غير ما يبطن حسب فهم الكثيرين من غير المستندين لحلم ان (المجتمع الدولي) بالشعوب (رؤوف رحيم).
في ظل الصراع الوجودي بين روسيا و(الغرب الجماعي) لن يمر قرار عبر مجلس الامن بسهولة، خاصة اذا كان يحمل طابعا لتدخل خارجي قد يؤدي لفرض نظام معين. في هذا السياق من المفهوم ان أي تحول يؤدي الي وصول حكم (مدني ديمقراطي) بدعم غربي في السودان سيجعل من هذه البلاد في شراكة طويلة الامد مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بريطانيا والاتحاد الاوربي، وان أي نظام شمولي او انقلابي سيكون مقاطعا من (الغرب الجماعي) وسيتوجه لا مناص نحو روسيا والصين. هذه معادلة بسيطة ليس من الصعب فهمها ووضعها في الحسبان في التعامل مع (المجتمع الدولي).
أما فيما يتعلق بازمة التهجير والنزوح والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين فيمكن التذكيرببعض الاثار المترتبة عليها ومالاتها وما يمكن فعله مع فشل العالم بوضعه الراهن في معالجة مثل هذه الازمات الكبرى،علما باننا قد تطرقنا بشكل متواصل للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية للحرب واثارها، في العديد من المقالات والمشاركات منذ اشتعال هذه الحرب الكارثية. وفي رأيي ان ما يجري في السودان رغم بشاعته يعتبر متواضعا قي المنظور العالمي مع خطر وقوف عالم اليوم علي حافة حرب عالمية نووية لم يشهد العالم لها مثيل، ولن يشهده مرة اخرى بالطبع في حالة اندلاعها.
ما يجري في السودان له اثار بالغة الخطورة اقتصاديا واجتماعيا وديمغرافيا، أهم مظاهر ذلك باختصار هي:
اقتصاديا: تدهور قطاعات الانتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة والخدمات المنتجة، تأثر البنية التحتية وتدمير معظمها وهي بنية متواضعة بدون حرب، فقدان مصادر الدخل وتفشي البطالة، التراجع الخطير للايرادات الحكومية، وقد فصلنا في تلك الموضوعات ووضحنا اثرها علي مجمل النشاط الاقتصادي وعلي المؤشرات الاقتصادية الكلية.
اجتماعيا: الاثار علي الخدمات العامة خاصة الصحة والتعليم ومن نتائجها توطين الاوبئة، الاصابات والاعاقات الجسدية والنفسية، أضافة لتعطل الدراسة لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وفقدان التمدرس لملاين الاطفال السودانيين وبطالة الخريجين ونزيف العقول.
ديمغرافيا يؤدي التهجير القسري والنزوح الجماعي الي تغيير التركيبة الديمغرافية للباد، خاصة وان التهجير لم يقتصر علي العاصمة والمدن فقط وانما شمل مناطق ريفية واسعة، كما جرى مؤخرا في ولاية الجزيرة. اتجه معظم النازحين الي مناطق حضرية مما ادي لاختلال كبير في التوزيع السكاني والضغط علي الموارد والخدمات اضافة لمشاكل الاكتظاظ السكاني.
سيؤدي كل ذلك لاثار خطيرة علي النشاط الاقتصادي بانهيار القطاعات الانتاجية الرئيسية وسيادة الريعية الاقتصادية والانتاج المعيشي والقطاع غير الرسمي. كما سيؤدي ذلك لتدهور الاستقرار النقدي وانهيار الثقة في النظام المصرفي وتراجع سعر الصرف والقوة الشرائية. كل ذلك سيفاقم معدلات الفقر والبطالة والاخلال الخطير بالامن الاجتماعي لامد طويل.
في ظروف الخلاف الحاد في المجتمع الدولي لابد من العمل في رأينا في عدة اتجاهات منها:
• علي القوى الوطنية العمل بشكل جماعي او حتي بمكونات منفردة علي تعزيز فرص الحل السياسي للازمة وتفعيل دور المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، بدلا عن الركض خلف سراب المجتمع الدولي او حتي الاقليمي وذلك يتضمن عدد من الخطط والبرامج الاجراءات الهادفة الي:
- التركيز علي بناء مشروع وطني جامع لدولة المواطنة السودانية القائمة علي الحرية والسلام والعدالة والتنمية المتوازنة ووضع تصور واضح للحل السياسي علي هذا الاساس. وبالتأكيد هذا المشروع يصطدم بالصراع علي السلطة وطموح الاطراف المتحاربة، اضافة لعقبة تحقيق المحاسبة وعدم الافلات من العقاب، وهنا تبدو قضية شائكة.
- وضع استراتيجيات تنموية لما بعد الحرب تشمل اعادة الاعمار، اعادة بناء البنية التحتية والانتاجية والتأسيس لنظام عادل لقسمة الموارد. هذا يمكن ان يكون مشجعا لدمج بعض الاطراف في جهود الحل خاصة حركات الكفاح المسلح غير المنخرطة في الحرب بين الجيش والدعم السريع.
- العمل علي تعبئة واستقطاب الموارد المحلية والخارجية لاعادة بناء المناطق المتضررة واعادة التوطين وتوجيه الموارد نحو المناطق الريفية والتنمية المحلية لتخفيف الضغط علي الحضر.
- تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في برامج اعادة الاعمار
- وضع برامج عملية للتعامل مع التحديات الصحية وايجاد برامج لرعاية المصابين جسديا ونفسيا واعادة تأهيلهم ورعايتهم
- العمل علي ايجاد بدائل للتعليم الرسمي خاصة في مناطق النزوح مع الغياب لدور الولة او الدعم الدولي الفعال.
بالتأكيد كل ذلك لا يعني اغفال الضغط علي المجتمع الدولي والاقليمي، في ايجاد حلول سلمية لهذا النزاع الذي يتسع نطاقه ليصبح تهديا علي المستوى الاقليمي والدولي. وبما ان هذه الحرب تمثل تحديا وجوديا يهدد وجود الدولة السودانية ومستقبل الاجيال المقبلة فان الوضع يتطلب طرق جميع السبل للضغط والتدخل، حتي اذا تم ذلك خارج الاطر التقليدية لعمل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي. وقد يكون من المفيد تفعيل اليات مجلس السلم والامن الافريقي، بحكم انه يمكن ان يكون منظمة اقليمية تحظي بقبول واسع بما في ذلك الصين وروسيا، مما يمكن من ايجاد وسائل واليات عملية للدفع نحو الحل السياسي للنزاع.
mnhassanb8@gmail.com