هل من قانون يحاسب المعطّلين الذين يتقاضون رواتبهم دون إنجاز معاملات الجمهور، بل هدفهم الرئيس تعطيل مصالح الناس؟ فهو قابع فى مكتبه يجيء له صاحب المصلحة فيجده إما فى مكالمة شخصية طويلة على التليفون أو متصفحًا التليفون أو غائبًا أو ذهب لصلاة الظهر من وقت الضحى، فإن وجدته تسأله عن حاجتك فيشير إلى زميل له فتذهب لذاك الزميل فيعيدك إليه ثم يتبادلانك فيما بينهما وكأنك كرة، ثم يترك مكتبه ويذهب للبصمة فقد حان وقت الانصراف، فتضطر إلى المجيء فى اليوم التالى وهو لا يبالى بمشقة الناس وتوقّف مصالحهم؛ وعندما نفكر لماذا يتعمّد هذا؟ نجد أنه إما خائف من إنجاز هذه المعاملة لعدم درايته فربما تكون مخالفة للوائح وهو غير مُلِمٍ بها فيريح نفسه بعدم إنجازها وهذه مصيبة، أو يطلب رشوة لإنجازها وهذه المصيبة الأكبر، أو مريض نفسي سادِي يتلذذ برؤية معاناة الناس وبعذابهم وهو قادر على إنجاز المهمة، أو أنه مضطهَد فى عمله من رؤسائه أو زملائه فيجد المواطن الغلبان متنفسا له عما حاق به من ظلم، فلماذا لا يتحول المظلوم إلى ظالم؟ وهذه الأصناف السابقة تحتاج إلى دورات متخصصة تشرح للموظفين لوائح مؤسساتهم وقوانينها كما يحتاج بعض الموظفين إلى علاج نفسى وجلسات علاج دورية تقيس رضاهم عن رؤسائهم وعن زملائهم وعن بيئة العمل بشكل عام وتغيير مديريهم إن كانوا ظالميهم، متى نجد تحديدا زمنيا لإنجاز مصالح المواطنين بحيث لا يتوقف إنجاز أى معاملة على مزاج موظف ربما يكون معقدا، وقد رأينا الدول الأخرى يُقاس تقدمها بمدى رضا مواطنيها.
قد يكون الموظف خائفا من تجاوز اللوائح والقوانين وهذا حقه، ولكن إذا كان المواطن قد أحضر كل الأوراق المطلوبة فلماذا التعطيل؟ لماذا يتفنن بعض موظفى الدوائر الرسمية الحكومية فى تعطيل المصالح وإيقاف المياه الجارية فيصبح المواطن كارهًا نفسه ولاسيما فى ظل الحر الشديد وبُعد المسافات؟ ولو وضع الموظف المعقِّد نفسه مكان صاحب المصلحة ترى ماذا سيقول عنه؟ يجب محاسبة المعطّلين الذين وجدوا وظيفة يتمناها الآلاف من شبابنا؟ هل التعطيل يتفق والحوكمة والرقمنة أم سيزيد العكننة؟ متى نرى وزارة السعادة فى مصر حتى نقيس رضا المواطنين بكل مصلحة ونربط مكافآت الموظفين المادية والإدارية فى السّلَّم الوظيفى بمدى رضا مستقبِل الخدمة وسرعة الإنجاز وطيب الاستقبال؛ لأن مَن أمِنَ العقاب أساء الأدب.
• مختتم الكلام
قال أبوالعلاء المعري:
الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ
بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
كما يليق بمعجزة
بقلم :- ناهد بدوي
الحروف أبطال الثرثرة. تلك التى نلقى بها كهواء حلم كثيرًا أن يلتقطها فيثرثر، يكنس المقهى ويرشها بالماء الممزوج بماء الورد ويجلس فى ركن بجوار الحمام يراقب الأفواه ويلاحق الألسن، يجاهد فى الخفاء لرفع لسانه الذى يبدو خفيفًا، لكنه أثقل من سجادة فارسية لم يعرف أبدًا سبب ذلك الثقل ولم يحاول أحد.
فى الصباح يهندم نفسه ويختلس النظر إلى مرآة الحمام المقشرة والمكسورة يبلل شعره ويسرحه بأصابعه، يغسل وجهه من تراب الكنس ويبتسم لنفسه، يحاول النظر إليها بعينيها فيتحسر لكنه يصر على انتظارها أمام المقهى فى طريقها لعملها فى محل الملابس يراها تكنس المحل وتلقى بترابه أسفل الرصيف فيجرجر ترابه إليها ويمزج الترابين صانعًا لنفسه أملًا صغيرًا تراه من خلف الزجاج.. يبتسم كأنه أمام مرآته ويظل واقفًا حتى يهشه صاحب المحل.
يعود إلى المقهى وينتظر موعد انصرافها، يعزى نفسه بالتجسس على قصص العجائز عن زمن الحب الصامت من خلف الشبابيك.
فى الليل تقدمت إليه، لم يصدق أنها تناديه قالت: معايا بواقى من أكل الغدا، شكلك جعان، تحب تتعشى؟ صرخ من فرحته: أ أ أ حب.
ضحكت حتى بان أول لسانها وتركت له الطعام ومضت تاركة إياه واضعًا يده على فمه وعيناه مفتوحتان كطبق ورواد المقهى غارقين فى الضحك، بينما صوت أجش يأتى من طرف المقهى لرجل عجوز يدندن "خايف أقول اللى فى قلبى تتقل وتعاند ويايا".