هل نجح المسلمون بتوطين الإسلام في أوروبا؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
الكتاب: الهجرة ودورها في توطين الإسلام في أوروبا، تحديات التعايش والاندماج بريطانيا نموذجا
المؤلف: حميد الهاشمي
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
ينطلق بحث حميد الهاشمي، أستاذ علم الاجتماع، من فرضية مفادها أن الهجرة تساهم في خلق مستوى كبير من التعايش بين الثقافات، وهو أمر ينطبق بالضرورة على حالة توطين الإسلام في الغرب، وفي بريطانيا بشكل خاص.
يقول الهاشمي: إن المسلمين في بريطانيا يمثلون صورة مصغرة للتنوع الإسلامي العالمي، فهم يتوزعون في مجتمعات متمايزة عرقيا، تتمسك بمجموعة واسعة من الولاءات الطائفية والمذهبية؛ سنة، وشيعة، وإسماعيلية، ومتصوفة، وأحمدية.. الخ. ويلفت إلى أن ثمة إجماع على أن بواكير هجرة المسلمين إلى بريطانيا بدأت منذ 300 عام. لكنها شهدت في خمسينيات القرن الماضي وصول أعداد كبيرة من المسلمين من شبه القارة الهندية، لأسباب تتعلق بنقص العمالة بعد الحرب العالمية الثانية.
تلتها موجات هجرات من بلدان أخرى، فوصل المسلمون النيجيريون في الخمسينات أيضا، وتكررت هجرتهم خلال التسعينات، وكذلك المسلمون المغاربة منذ الستينات، ثم الجزائريون، بالإضافة إلى أعداد أصغر نسبيا من المصريين والسعوديين.
وبدا واضحا أنه في أوائل الستينيات أدى الإسلام دورا في تماسك العديد من المسلمين ـ بحسب الهاشمي ـ لأنه تجاوز الحدود العرقية واللغوية والسياسية، بتجاهله الاختلافات العقائدية، فظهرت المساجد المؤقتة، والجمعيات التي تلبي حاجات الرعاية الاجتماعية والروحية. ومع مرور الوقت عبّر المسلمون عن اعتدادهم بأنفسهم على الرغم من قلة عددهم. وبحلول السبعينيات ظهر خليط من المجتمعات لكل منها منظمات تحمل بصماتها القومية والعقائدية، وكانت معنية بشكل أساسي بتعزيز الحياة الدينية وتقديم الدعم المعنوي والمادي من خلال الحصول على الإعانات المحلية والوطنية والدولية. مع ذلك فإنه ينظر إلى المسلمين، وخاصة في وسائل الإعلام، باعتبارهم كتلة ثقافية واحدة، علما أن 68% من المسلمين في بريطانيا هم من الآسيويين ( من باكستان والهند وبنغلاديش) بعدد يساوي 1.83ملبون نسمة مما مجموعه 2.71مليون مسلم.
مفهوم الهوية الوطنية في بريطانيا مرتبط بمفهوم التعددية الثقافية، لأن تركيبة المجتمع البريطاني متعددة الثقافات، وقد استطاعت الدولة أن تحافظ على وحدتها في ظل هذا التنوع. وتبنت سياسة التعددية الثقافية في برامجها السياسية، فسعت لخلق حالة من التوازن بين مسألة الخصوصيات الثقافية وتبني مبادئ حقوق الإنسان.وبالتالي ثمة تجاهل واضح لتنوع مجتمعات المسلمين في هذا البلد. وتتركز الجاليات المسلمة في مواقع مختلفة في بريطانيا لكن خصائص كل واحدة منها ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياق العام في بلدها الأصلي، ووضعها قبل الهجرة، والفترة التي هاجرت فيها، ومستوى اللغة والتعليم لمجموع أفرادها. ويشير الهاشمي إلى توافر المؤسسات الثقافية والاجتماعية التي تعكس أنشطتها الحرص على تمثيل الهويات الثقافية لمجتمع الجاليات الإسلامية في بريطانيا، حالها حال جميع الجاليات الأجنبية المهاجرة، مثل المساجد، ومدارس اللغة العربية والإسلامية النظامية أو تلك الأسبوعية، والمؤسسات الأكاديمية مثل الكليات والجامعات والمدارس الخاصة بتعليم التراث والفنون العربية، ومؤسسات إعلامية عربية، وجمعيات مهنية مثل الجمعية الطبية العربية البريطانية، وغير ذلك الكثير، وبعض هذه الجمعيات الثقافية يتلقى بالفعل دعما ماديا من الحكومة البريطانية، لكنها أيضا قد تكون محط متابعة ومراقبة، سيما فيما يتعلق بخطاباتها ونشاطاتها خصوصا الدينية منها. وكل هذه المؤسسات تلعب دورا في تدعيم الهوية الاجتماعية للمهاجرين.
اندماج أم عزلة
السؤال المحوري الذي يطرحه الهاشمي هو: هل يستطيع المسلم الاندماج في مجتمع المهجر؟ وتبعا لذلك هل يستطيع المحافظة على التزاماته الدينية بما لا يتقاطع وثقافة بلد المهجر؟
ابتداء لا بد من التوضيح أن "الاندماج الاجتماعي يعني القبول المتبادل بين المهاجرين وأبناء البلد، تمنح بموجبه فرصة المشاركة الفاعلة بدرجة ما للمهاجرين، وإتاحة الفرصة لهم للتعارف واكتساب المهارات وتطوير مؤهلاتهم وتوظيفها في خدمة البلد الحاضن".
وفي المقابل فإن العزلة والإقصاء نقيضين للاندماج الاجتماعي. وقد تكون العزلة خيارا وفعلا ذاتيا من جانب المهاجر، وربما ردة فعل على ممارسات لا يقبلها، غير أن الإقصاء يأتي من الطرف الآخر بالضرورة.
وفيما يتعلق ببريطانيا يبدو مسار عملية الاندماج معقولا بالمقارنة بدول أوروبية أخرى، فيلفت الهاشمي إلى ميزة من أهم ميزات بريطانيا، كما يقول، وهي أنها إحدى أفضل الدول الغربية تقبلا للتعددية الثقافية، خصوصا تلك القائمة منها على الهجرة.
ويرى أن ثمة أمثلة كثيرة تؤكد قبولا اجتماعيا للمهاجرين على الصعيد الرسمي والمؤسسي، كأن يتقدم رئيس الوزراء، وهو أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، بتهنئة المسلمين في مناسباتهم الدينية، ومنح عطلة للتلاميذ والموظفين خلال أيام أعيادهم الدينية. كما يمكن ملاحظة عبارات الترحيب بمختلف اللغات الأجنبية التي يتحدث بها المهاجرون في المؤسسات الصحية، وفي بعض المدارس التي يرتادها عدد كبير من أبناء المهاجرين خصوصا في المدن الكبرى. فضلا عن طبع كتيبات بلغات المهاجرين تضم معلومات حول المؤسسات والخدمات التي تقدمها.
إن التوظيف السياسي لكراهية المهاجرين المسلمين وشيوع هذه الخطابات والمواقف يدفع العديد من المسلمين إلى اختيار العزلة وعدم التفاعل مع المجتمع، وهو ما يناقض مسعى الحكومة البريطانية والعديد من المؤسسات لتحقيق قدر أكبر من الاندماج وتقبل الآخر.وفي المدارس الابتدائية يعيّن شخص من المهاجرين بوظيفة "سفير أولياء الأمور" مهمته مساعدة التلاميذ الجدد وذويهم في التواصل مع الإدارات التعليمية. ويعتبر الهاشمي كل هذه المعطيات، " تمثلات لتوطين الإسلام في المملكة المتحدة".
يشرح الهاشمي أن مفهوم الهوية الوطنية في بريطانيا مرتبط بمفهوم التعددية الثقافية، لأن تركيبة المجتمع البريطاني متعددة الثقافات، وقد استطاعت الدولة أن تحافظ على وحدتها في ظل هذا التنوع. وتبنت سياسة التعددية الثقافية في برامجها السياسية، فسعت لخلق حالة من التوازن بين مسألة الخصوصيات الثقافية وتبني مبادئ حقوق الإنسان. ولذلك فإن برامج الاندماج الاجتماعي تنفذ بتبني الدولة رعاية الجاليات من خلال فتح قنوات التواصل الحضاري، بكل الوسائل المتاحة.
وقد أنشأت الدولة بعض المؤسسات والمنتديات التي ساهمت في إدارة التفاعل الثقافي بين مختلف الهويات الثقافية، مثل لجنة المساواة العرقية في بريطانيا. وأصدرت قانون حقوق الإنسان لعام 1998 الذي أعطى حماية كبيرة للأقليات الثقافية. مع ذلك يشير الهاشمي إلى أن الاندماج الاجتماعي يتخذ طابعا مثيرا للجدل في بريطانيا، حيث تكثر الاجتهادات حوله، ويختلط العلمي منها بالسياسي، ويتصادم العنصري منها بالإنساني. وفي الوقت الذي تضع فيه الكثير من الأحزاب السياسية عملية إدماج المهاجرين في سلم أولوياتها وفي شعاراتها، تحصل أيضا الكثير من المزايدات على قضاياهم في جوانب أخرى. وفي المقابل تنبثق داخل مجتمعات المهاجرين أنفسهم تصورات ومواقف من عملية الاندماج مدفوعة بمخاوف تذويب الهوية الثقافية لهم واستهدافها. وهو ما يدفع الكثير منهم لتبني خيار العزلة، التي تبقي المهاجر على التزام ثقافته الأم، لكنها تحرمه من التفاعل مع المجتمع الحاضن، وتكوّن صورا نمطية سلبية حوله وحول ثقافته الأصلية.
التراجع أمام اليمين
في الفصل الأخير من كتابه يقدم الهاشمي عرضا تفصيليا للتعريف بالأحزاب السياسية البريطانية البارزة، ومواقفها من الهجرة، ومنها المتطرفة التي تطرح شعارات وبرامج عمل مناوئة للمهاجرين، ولديها مواقف سلبية من قضية الاندماج الاجتماعي، وهي تقريبا تتشارك مع معظم أحزاب اليمين واليمين المتطرف في بقية الدول الغربية في تبنى هذه التوجهات. هذه الأحزاب والحركات اليمينية البريطانية في أغلبيتها تعادي الهاجرين والأجانب في العموم، لكنها تظهر تخوفا أكبر تجاه المسلمين، لأسباب كثيرة أهمها التخوف من الإسلام بحد ذاته، وهو تخوف، بحسب الهاشمي، تقليدي تجاه الأديان الأخرى، بحكم الجذور والتقاليد الدينية في المجتمعات الأوروبية عموما، والمملكة المتحدة خصوصا. يضاف إلى ذلك وصمة الإرهاب التي لحقت بالإسلام سيما في العقود الأخيرة.
وبالتأكيد هناك "الطبيعة العرقية أو العنصرية المبنية على العرق، خصوصا مع تزايد المسلمين من أجناس تبدو مغايرة عرقيا لأبناء البلد الأصليين، آخذين في الحسبان مخاوف النمو الديموغرافي القليل في بريطانيا في مقابل الخصوبة وكثرة الولادات بالنسبة للمهاجرين ومنهم المسلمون طبعا".
ويضيف الهاشمي: إن التوظيف السياسي لكراهية المهاجرين المسلمين وشيوع هذه الخطابات والمواقف يدفع العديد من المسلمين إلى اختيار العزلة وعدم التفاعل مع المجتمع، وهو ما يناقض مسعى الحكومة البريطانية والعديد من المؤسسات لتحقيق قدر أكبر من الاندماج وتقبل الآخر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاندماج الاجتماعی التعددیة الثقافیة المسلمین إلى المسلمین فی فی بریطانیا من المسلمین الإسلام فی
إقرأ أيضاً:
غارديان: إدارة ترامب تعيد احتجاز عائلات المهاجرين وتفاقم معاناتهم الإنسانية
قالت صحيفة غارديان إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعادت منذ مارس/آذار 2025 العمل بسياسة "احتجاز العائلات"، إذ تم احتجاز ما لا يقل عن 100 أسرة من المهاجرين في مركز ينب بكارنز وديلي في ولاية تكساس، ومن بين المحتجزين أطفال لا تتجاوز أعمارهم السنة.
وكانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن قد أوقفت سياسة احتجاز العائلات عام 2021، بعد تزايد التقارير عن التحرش الجنسي والعنف والإهمال الطبي وسوء التغذية داخل مراكز الاحتجاز، حسب التقرير. ولكن إدارة ترامب أعادت العمل بهذه السياسة وتسعى إلى توسعتها.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4خبير قانوني أميركي: حملة ترامب ضد المهاجرين جزء من خطة أوسعlist 2 of 4جيروزاليم بوست: رئيس السلفادور مؤيد لإسرائيل وشريك لترامب بترحيل المهاجرينlist 3 of 4واشنطن بوست : ترامب يترقب "قانون التمرد" لاستخدامه ضد المهاجرينlist 4 of 4إنترسبت: نفوذ ترامب يتغذى على مخاوف البيض الديموغرافيةend of listوظهرت السياسة -وفق التقرير- بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وزاد عدد المرافق بعد وصول مزيد من العائلات المهاجرة في 2014، حيث استمرت انتهاكات حقوق الإنسان رغم محاولات إغلاق بعض المراكز، قبل أن يتم إعادة فتحها مجددا في عهد إدارة ترامب الحالي.
وأشار التقرير إلى أن مركز كارنز -الذي أعيد تأهيله لاستقبال العائلات- كان الأول في تطبيق سياسة احتجاز العائلات مجددا، حيث تم اعتقال عائلات تضم أطفالا، بينهم طفلة تبلغ 13 عاما تدعى جيد كانت أول طفلة تصل إلى المركز. وقد أخبرت الصحيفة أنها كانت "خائفة ومرتبكة"، ولم يخبرها أحد ما كان سيحدث لها.
إعلان عائلة الطفلة جيدوأوضح التقرير أن عائلة جيد، التي تضم الوالدين جيسون وغابرييلا، كانت قد فرت من موجة عنف في كولومبيا عام 2022، واستقرت في ولاية ميسيسيبي، ولكنها قررت مغادرة البلاد بعد تصاعد الحملات ضد المهاجرين في ظل إدارة ترامب، وصعوبة إيجاد فرص العمل.
وذكر التقرير أن العائلة حاولت عبور الحدود إلى كندا طلبا للجوء، ولكن السلطات الكندية رفضت استقبالهم وسلّمتهم إلى سلطات الهجرة الأميركية، حيث تم تصفيد الوالدين ونقلهم إلى مركز الاحتجاز في تكساس.
وأفاد التقرير بأن كل ممتلكات العائلة صودرت وأعطيت لهم ملابس وأدوات مستعملة، وكان الاتصال بالعالم الخارجي محدودا ومكلفا، واستمر ذلك حتى تواصل معهم محامون من منظمة رايسس الحقوقية، وتمكنت العائلة من مغادرة الحجز بعد 3 أسابيع دون ضمانات لما سيحصل بعد ذلك.
وأكد التقرير أن وزارة الأمن الداخلي الأميركية زعمت أن المراكز "توفر السلامة والرعاية الطبية المناسبة"، ولكن منظمات حقوقية وطبية أميركية، مثل الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، شككت بذلك وأكدت أن "الاحتجاز في حد ذاته يُشكل خطرا على صحة الأطفال النفسية والجسدية".
وبيّن التقرير أن عائلات أخرى محتجزة شملت لاجئين من فنزويلا، بينهم طفلان في السادسة والثامنة من العمر، بالإضافة إلى مهاجرين من البرازيل ورومانيا وإيران وأنغولا وروسيا وأرمينيا وتركيا، وتم نقلهم لاحقا من مركز احتجاز كارنز إلى ديلي.
وأشار التقرير إلى أن شركة جيو غروب الخاصة تدير مركز كارنز، وتم تزيينه برسومات للأطفال ويضم بعض الملاعب، أما مركز ديلي-الذي يقع في منطقة نائية- فتديره شركة كورسيفيك ويُعتبر "أشبه بمعسكر اعتقال"، حسب وصف مدير الشؤون القانونية في منظمة رايسس.
وحذر التقرير من أن مركز ديلي غير مرخص لرعاية الأطفال، مما يشكل انتهاكا لاتفاقية فلوريس التي تقيّد مدة وأماكن احتجاز القاصرين.
وأوضح التقرير أن منظمة رايسس الحقوقية انتقدت تصريحات وزارة الأمن الداخلي بأن المحتجزين تنطبق عليهم أوامر ترحيل نهائية، معتبرة أن ذلك "غير دقيق"، إذ إن قضاة الهجرة ليسوا قضاة فدراليين، ولا تنطبق عليهم الأوامر بالطريقة نفسها.
إعلانوأضاف التقرير أن إدارة ترامب ألغت العديد من برامج الدعم القانوني داخل المراكز، ما قلّل من فرص تواصل المحتجزين مع المحامين.
وأكد أن العديد من العائلات المحتجزة لم تُمنح الفرصة للمثول أمام قضاة هجرة، بسبب الحظر المفروض على طلبات اللجوء على حدود البلاد الجنوبية، ما وصفته منظمة رايسس بأنه "غير قانوني" و"غير إنساني".
وخلص التقرير إلى أنه من المرجح أن تستمر سياسة احتجاز العائلات تحت حكم ترامب، وفي هذا الصدد علقت مديرة مركز حقوق المهاجرين بجامعة كولومبيا المحامية إلورا موكيرجي بأنه "من القسوة أن نعيد ارتكاب الأخطاء ذاتها بعد 20 سنة، هذا الاحتجاز يهدد الأطفال نفسيا ويضر بنموهم على الأمد الطويل".