بصمة اليورانيوم في دماء العراقيين.. جريمة أميركية لا تسقط بالتقادم
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
أبرزت دراسة جديدة أجراها باحثون من عده جامعات عراقية المخاطر الصحية المزعجة المرتبطة باستخدام اليورانيوم المنضب في الصراعات العسكرية.
وتشير النتائج المنشورة بدورية "راديشين فيزيكس آند كمستري"، بعد تحليل مكثف لعينات الدم، إلى زيادة كبيرة في مستويات اليورانيوم لدى الأفراد الذين يعانون سرطان الدم، مقارنة بالأفراد الأصحاء، مما يلقي الضوء على العواقب الصحية طويلة الأجل للتعرض لليورانيوم المنضب في زمن الحرب.
ويقول المفتش السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور يسري أبو شادي، في تصريح للجزيرة نت، إن "اليورانيوم المنضب، أحد المنتجات الثانوية لعملية التخصيب النووي، والمتبقية بعد إزالة معظم نظير اليورانيوم الانشطاري (يورانيوم 235) في أثناء عملية التخصيب، ويستخدم على نطاق واسع في العمليات العسكرية بسبب كثافته العالية التي تفوق الرصاص بنحو 1.7 مرة، مما يجعله فعالا للغاية في اختراق الدروع السميكة للدبابات والمركبات العسكرية الأخرى".
كيف يتم الحصول على اليورانيوم المنضب؟وتبدأ عملية الحصول على الشكل المنضب بتخصيب اليورانيوم الطبيعي من أجل زيادة تركيز نظير اليورانيوم 235، حيث يتكون اليورانيوم الطبيعي من حوالي 99.3% (يورانيوم 238) وحوالي 0.7% من (اليورانيوم 235)، والأخير هو الأهم والمطلوب للمفاعلات النووية والأسلحة النووية، لأنه قادر على دعم التفاعل المتسلسل.
ومن أجل زيادة تركيز النوع الأخير، يتم تحويل اليورانيوم الطبيعي إلى غاز، سداسي فلوريد اليورانيوم في عملية تعرف بـ"التخصيب"، لتساعد هذه العملية في فصل اليورانيوم 235 الأخف وزنا، عن اليورانيوم 238 الأثقل وزنا.
وبعد التخصيب، يحتوي اليورانيوم المستخدم في المفاعلات عادة على 3-5% من اليورانيوم 235، والمتبقي من هذه العملية يعرف بـ"اليورانيوم المنضب"، والذي يحتوي على كمية أقل بكثير من اليورانيوم 235 مقارنة باليورانيوم الطبيعي، وعادة ما تكون أقل من 0.3%، ويتكون في الغالب من اليورانيوم 238.
وفي حين أن نشاط اليورانيوم المنضب الإشعاعي أقل من اليورانيوم الطبيعي، فإن النوع المنضب يشكل خطرا صحيا على المدى الطويل عندما يتم استخدامه لفترة طويلة وبكثافة عالية، ويمكن أن يسبب السرطانات، كما يوضح أبو شادي.
وخلال حروب طويلة، مثل حرب 2003 ومؤخرا أثناء الحرب ضد داعش، تم استخدام كميات هائلة من اليورانيوم المنضب في العراق، وهو ما كان له بصمة واضحة في دماء العراقيين لم تختفِ، ولا تزال تسبب إصابات بمرض السرطان، وفق الدراسة الجديدة.
مؤشرات خطيرة في دماء المرضىوركز فريق البحث خلال الدراسة على تحديد تركيز اليورانيوم في دم مرضى اللوكيميا (سرطان الدم)، مقارنة بالأفراد الأصحاء من عدة محافظات عراقية، بما في ذلك بغداد والبصرة والموصل وغيرها.
وباستخدام جهاز كشف أثر نووي متخصص يسمى "سي آر- 39″، وجد الباحثون أن تركيزات اليورانيوم في مرضى اللوكيميا تتراوح من 1.47 إلى 4.57 ميكروغرامات/لتر، وهي أعلى بكثير من المستويات الموجودة لدى الأفراد الأصحاء، والتي تتراوح من 0.56 إلى 2.26 ميكروغرام/لتر.
وللمقارنة، فإن حد الأمان المقبول دوليا لليورانيوم في الدم، وفقا للجنة الدولية للحماية من الإشعاع هو 0.810 ميكروغرام/لتر.
وأظهر التحليل الإحصائي للدراسة وجود صلة واضحة بين زيادة تركيزات اليورانيوم في الدم وارتفاع معدل الإصابة باللوكيميا، خاصة في المناطق المتضررة بشدة من العمليات العسكرية التي تنطوي على اليورانيوم المنضب.
وعزا الباحثون هذا الارتفاع في مستويات اليورانيوم في الدم إلى التلوث البيئي الناتج عن استخدام اليورانيوم المنضب في المعارك، حيث يمكن لليورانيوم المنضب أن يدخل جسم الإنسان من خلال استنشاق الغبار، أو تناول الماء أو الطعام الملوث، أو من خلال ملامسة الجلد مباشرة، وبمجرد دخوله الجسم، يتراكم اليورانيوم في العظام والأعضاء، ويمكن أن يعود لاحقا إلى مجرى الدم، مما يؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك اللوكيميا، وفشل الكلى، وأمراض الجهاز التنفسي، والعيوب الخلقية.
وتتفق هذه النتائج مع التقارير السابقة الصادرة عن مجلس السرطان العراقي، التي وثقت زيادة حادة في حالات السرطان، وخاصة اللوكيميا.
وحسب أحدث التقارير، يشهد العراق زيادة في أعداد مرضى السرطان، حيث يتلقى أكثر من 30 ألف مريض بالسرطان العلاج حاليا، وكثير منهم يقيمون في مناطق معرضة لتلوث اليورانيوم المنضب.
ويؤكد هذا البحث أهمية معالجة العواقب البيئية والصحية طويلة الأمد لاستخدام اليورانيوم المنضب في الحرب، والحاجة الملحة لجهود إزالة التلوث والتنظيم الأكثر صرامة لنشر اليورانيوم المنضب في الصراعات العسكرية.
ومن جانبه، يقول أبو شادي إن " نتائج هذه الدراسة تضيف دليلا علميا جديدا على الجرائم الأميركية في العراق"، والتي لمسها بنفسه خلال زيارة ميدانية تعقب خلالها استخدام اليورانيوم المنضب بكثافة.
ويضيف أن "إرث الحرب لا يزال يطارد سكان العراق، ويترك بصمته في صحتهم، وهذه الدراسة بمنزلة جرس إنذار لبذل مزيد من الجهود المحلية والدولية لمعالجة التأثير البيئي والصحي العام لليورانيوم المنضب".
توسيع نطاق الآثار الصحيةوينوي الفريق البحثي تنفيذ ما طلبه أبو شادي، إذ أعلنوا في دراستهم أنهم يخططون لتوسيع نطاق عملهم للتحقيق في الآثار الصحية المحتملة الأخرى الناجمة عن التعرض لليورانيوم المنضب، واستكشاف إستراتيجيات التخفيف الممكنة للحد من تأثيره على الصحة العامة.
وكانت دراسات أخرى قد كشفت عن آثار صحية أخرى غير السرطان تمثلت في إصابة الأطفال بالعيوب الخلقية، وفحصت الدراسة المنشورة في يناير/كانون الثاني 2020 بدورية "إنفيرومينتال بوليوشن" شعر وأسنان الأطفال الذين يعيشون بالقرب من قاعدة طليل الجوية، وهي قاعدة جوية أميركية سابقة في جنوب العراق، ووجدوا مستويات مرتفعة من اليورانيوم والثوريوم، وكليهما من المعادن الثقيلة المشعة المرتبطة بالتعرض السام لليورانيوم المنضب.
وكشفت الدراسة عن أن الأطفال الذين ولدوا بإعاقات خلقية، مثل الأطراف المشوهة وعيوب القلب، كانت مستويات الثوريوم لديهم أعلى بما يصل إلى 28 مرة من الأطفال الذين يعيشون بعيدا، مما يشير إلى التعرض لملوثات اليورانيوم المنضب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
في وداع القادة العظماء.. دماء الشهداء ترسم الطريق إلى القدس
بدماء الشهداء يُرسم الطريق إلى القدس، وبعزيمة المقاومين يُعبد السبيل نحو النصر المحتوم. اليوم، إذ نودع القادة المجاهدين الأمينين العامين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، لا نرثيهم كما يُرثى الراحلون، بل نزفّهم كما يُزف الأبطال. رجالٌ لم تغرهم الدنيا، ولم يهن عزمهم أمام أعتى الطغاة، بل كانوا نورًا في ليل الأمة، ومشاعل تقود إلى الحرية.
ارتقى السيدان نصر الله وصفي الدين، لكن عزيمتهم لم ترتقِ إلا إلى قمة المجد، حيث لا مكان للانكسار، ولا موطئ للخنوع. هذه الدماء الطاهرة ليست خسارة، بل زلزال يهز كيان العدو، يوقظه من وهم انتصاراته الزائفة، ويذكّره بأن المقاومة لا تموت، بل تتجدد، تتعاظم، وتزداد شراسة في مواجهة الظلم والاحتلال.
من دم الشهيد الشيخ راغب حرب إلى السيد عباس الموسوي، ومن دماء كل شهداء المقاومة إلى اليوم، لم يكن هذا الطريق إلا محفوفًا بالتضحيات، لكنه كان دائمًا طريقًا واحدًا، واضحًا، مستقيمًا… الطريق إلى القدس. هذا الطريق لم يكن يومًا خيارًا، بل كان قدرًا مكتوبًا على جباه المقاومين، محفورًا في وجدان الأمة، متوّجًا بالدم، وممهورًا بوصايا الشهداء.
اليوم، إذ يغادرنا القادة الأمينين العامين، نسمع أصواتهم تتردد في كل ميدان، في كل ساحة، في كل بيت من بيوت الأحرار: القدس لنا… فلسطين لن تكون إلا حرة… المقاومة مستمرة حتى زوال إسرائيل. لم يكن رحيلهم إلا بدايةً جديدةً للمقاومة، نداءً لكل حرّ، صرخةً لكل مؤمنٍ بالحق، أن هذه القضية ليست مجرد شعار، بل عهدٌ لا ينكسر، معركةٌ لا تتوقف، وثأرٌ لا يسقط بالتقادم.
أيها العدو، إن كنت تظن أن باغتيال القادة تُطفئ جذوة المقاومة، فأنت واهم. من دم السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين ستنبت ألف راية، ألف مقاوم، ألف مقاتل يرفع البندقية ويكمل المسير. هذا الدم، الذي خضب أرضنا، سيبقى لعنةً عليك، نارًا تلاحقك، حتى تدفع الثمن كاملًا، حتى تندحر من أرضنا، حتى ترتفع رايات الحق فوق القدس، حتى يتحقق الوعد الصادق، وعد التحرير والنصر الكبير.
لقد رحل القادة جسدًا، لكنهم تركوا خلفهم نهجًا لا يُهزم، وإرثًا لا يُمحى، ورايةً لن تسقط حتى يرفعها الأحرار فوق أسوار الأقصى. لا عزاء للعدو، فهذه الدماء ليست إلا وقودًا للمعركة القادمة، المعركة التي ستُعيد للأمة مجدها، وتكسر قيد فلسطين، وتعلن فجرًا جديدًا لا مكان فيه للاحتلال، ولا وجود فيه للظالمين.
ومن اليمن، تلك الأرض التي لا يعرف أهلها إلا العزيمة والإباء، ومن بين ثنايا الجبال الوعرة، نرسل رسالة عزّ وفخر إلى كل شرفاء الأمة. من هنا، من ساحة البطولة، نؤكد أن دماء نصر الله وصفي الدين هي دماؤنا، ومعركتنا واحدة. إن اليمن يقف جنبًا إلى جنب مع المقاومة في لبنان وفلسطين، وأهدافنا واحدة: تحرير الأرض، وكسر قيد الظلم.
تحت قيادة القائد الحكيم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، نحن ثابتون في طريق المقاومة. إن السيد عبدالملك، الذي يقودنا بكل حكمة وعزم، هو نموذجٌ حي للثبات والصمود، يحمل راية الدفاع عن الحق والعدالة في كل ميدان، وكل ساحة. من خلاله، نستمد قوتنا وعزيمتنا في مواجهة التحديات، ونعاهد الله أن نبقى على العهد، نبذل أرواحنا رخيصة في سبيل تحرير القدس وفلسطين.
إنّ رسالة اليمن اليوم، وهي توأم القيم والعزة مع لبنان وفلسطين، هي رسالة ثابتة: نحن معكم حتى تحرير القدس، وسنبقى إلى جانبكم مهما تكالبت الظروف، مهما كانت التضحيات. سنحمل راية المقاومة من هنا، من يمن الإباء، حتى تتحقق الأهداف ويُرفع علم الحق فوق أسوار القدس.
إلى القدس نمضي… على درب الشهداء… وبعهد المقاومة… حتى النصر.