البيان الذي صدر عن القمة الروحية في بكركي كان متوقعًا في عناوينه العريضة، خصوصًا أن مسودته أٌرسلت قبل أيام إلى مختلف الرؤساء الروحيين، وبالأخص إلى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، اللذين وافقا على المشاركة في القمة على أساس أن ما في المسودّة لا يتناقض مع نظرتهما العامة إلى ما يجري على أرض الواقع.

وعليه، فإن ما ورد في البيان الختامي جاء بمثابة نداء لا بدّ من أن تواكبه حملة ديبلوماسية ضاغطة على إسرائيل لوقف عدوانها المستميت على لبنان. وقد يكون لدور الفاتيكان، التي يقصدها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حاملًا معه بيان القمة، الفعالية المجدية هذه المرّة، لما يمكن أن يتوجّه به قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس من كلام مباشر إلى العالم الحر من خلال كلمته في حفل تقديس الأخوة المسابكيين الموارنة. ووفق ما يتوقعه البعض فإن البابا فرنسيس، الذي يكنّ للبنان عاطفة خاصة، سيتوجه إلى ضمائر قادة العالم للعمل سريعًا على إيقاف المجازر التي تُرتكب في حق هذا البلد – الرسالة، إذ أن لبنان في نظر حاضرة الفاتيكان ليس مجرد بلد كسائر البلدان الأخرى، وذلك لأنه البلد الوحيد الباقي في الشرق العربي وفي العالم، حيث يعيش فيه المسيحيون والمسلمون تحت سقف واحد، ويتقاسمون لقمة خبز واحدة، ويسعون معًا إلى الحفاظ على القيم الإنسانية النابعة من التعاليم السماوية على رغم الصعوبات والمشاكل الموسمية، التي تعرّض لها اللبنانيون على مدى السنوات الأخيرة، التي لم تفقدهم الأمل في استعادة ما حاول بعض الخارج زعزعته من خلال حروبهم البديلة على أرض لبنان المقدسة، التي قيل عنها في الكتاب المقدس أنها "وقف لله".   صحيح أن القمم الروحية الكثيرة التي عُقدت سواء في بكركي أو في أي مكان آخر لم يكن لها ترجمة عملية على أرض الواقع، خصوصًا تلك التي عُقدت في 4 تشرين الثاني من العام 1975، في بكركي صباحاً، وفي دار الفتوى بعد الظهر، وأصدر بعدها المجتمعون بياناً أكّدوا فيه على أهمية التلاقي والحوار ورفض التقسيم وضرورة الإصلاحات واحترام السيادة الوطنية، إلا أن ذلك لم يحل دون الاستمرار في حرب امتدّت سنوات، وكان للعامل الخارجي التأثير الأكبر على تسعيرها، لكن قمة الأمس، وقد لامست ما يعانيه جميع اللبنانيين من وحشية القصف الإسرائيلي ووضعت أصبعها مباشرة على الجرح، سيكون لصداها في الخارج كما في الداخل الصدى المنتظر. فهي لم تنعقد لمجرد أخذ صورة جامعة، بل جاءت نتيجة ما يترتب على القادة الروحيين، الذين اجتمعوا في هذا الصرح الوطني التاريخي، من مسؤوليات تجاه وطن يقف على شفا هاوية سحيقة قد يكون من الصعب جدًّا الخروج منها، خصوصًا إذا ما استمرّ العدو الإسرائيلي في حربه المدّمرة، والتي أنست مجازره التي يرتكبها في لبنان ما سبق أن فعله في غزة.     قبل قمة 16 تشرين الأول من العام 2024 كان الاعتقاد السائد لدى معظم اللبنانيين أن قمم القادة الروحيين الجامعة لا تختلف في نتائجها كثيرًا عن مفاعيل طاولات الحوار، التي فرّقت بدلًا من أن تجمع.  ومرد هذا الاعتقاد أن القمم السابقة المشابهة لم تحمل في الغالب أي جديد على صعيد العمل والإنتاج.   وقد تضمّن البيان الختامي لقمة بكركي تسع نقاط، تناولت دعوة مجلس الأمن الدولي الى الانعقاد فورًا، ومن دون تلكؤ لاتخاذ القرار الحاسم لوقف اطلاق النار، دعوة اللبنانيين جميعاً إلى إنقاذ وطنهم، "فالوقت ليس وقتاً للجدل العقيم، والزمن ليس زمن المطالب والمكاسب"، حثّ اللبنانيين جميعاً على القيام بواجباتهم تُجاه وطنهم، واولها إعادة تكوين المؤسسات الدستورية، ولاسيما قيام مجلس النواب، وفوراً، بالشروع في انتخاب رئيس للجمهوريـة، يحظى بثقة جميع اللبنانيين وذلك تقيّداً بأحكام الدستور، وبأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق، بإرادة لبنانية جامعة وعملًا بروح الميثاق الوطني وتغليبًا للمصلحة الوطنية وتجاوزًا للمصالح الخارجية، الشروع فوراً بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 كاملاً، بما يتضمن من دعمٍ جيش اللبناني وتعزيز إمكانياته وقدراته للدفاع عن لبنان، التأكيد على وحدة اللبنانيين، وعلى ضرورة احتضان بعضهم لبعضهم الآخر، التأكيد على أنّ القضية المركزية التي تتمحور حولها معظم القضايا في المنطقة العربية، هي القضية الفلسطينية المحقّة التي ما تزال تنتظر الحلّ العادل والشامل ليكون للفلسطينيين وطنهم وتكون لهم دولتهم السيدة المستقلة.   ما يمكن قوله هو أن هذه القمة في هذا الوقت المفصلي في حياة الوطن قد رسمت خارطة طريق انقاذية لإبعاد لبنان مرّة أخيرة عن الصراعات الإقليمية على أرضه.
المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

سقوط الأسد تابع... هل يوحدّ اللبنانيين حول رئيس وفاقي؟

قد يكون من المبكر الحكم على مأثرة سقوط نظام البعث في سوريا، سواء أكان سلبيًا أم إيجابيًا. ومن المبكر أيضًا معرفة ما ستكون عليه الوضعية الجديدة للدولة السورية، التي لم تعرف على مدى نصف قرن سوى حكم آلـ الأسد، بسلبياته وإيجابياته. وهاتان الصفتان المتلازمتان لحكم نظام البعث يبقى النظر إليهما من منظار النسبية أجدى من أي أمر آخر، وبالأخص بالنسبة إلى اللبنانيين الذين تعاطوا مع هذا النظام طيلة هذه الفترة العصيبة من عمر الوطن بدرجات متفاوتة تراوحت بين التحالف والخصومة. ومن المفيد كتابة تاريخ لبنان في خلال حقبة التأثير السوري على الداخل اللبناني بعقل بارد، وبعيدًا عن الانفعالات الغرائزية، على رغم ما تخفي هذه الانفعالات من شعور دفين لدى فئة واسعة من اللبنانيين، الذين وقفوا خلف المثلث الرحمات البطريرك صفير، الذي كان من أشدّ المعارضين للتدخلات السورية في الشأن اللبناني.     لكن ما يخشاه البعض هو "تضييع" وجهة البوصلة في كيفية التعاطي مع هذا السقوط من قبل الذين رفضوا التعاطي مع نظام البعث بأي شكل من أشكال التعاطي. وهذه الخشية مصدرها ما سبق أن مرّت به قوى الرابع عشر من آذار على أثر الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005 من اختلال في الأوزان والأحجام مقابل تصاعد نفوذ محور الثامن من آذار، والذي توج بانتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية بعدما وقع كل من "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" ورقة تفاهم "مار مخايل"، والتي أمنّ "التيار" من خلالها "الحاضنة المسيحية" لمشروعية سلاح "المقاومة الإسلامية"، وخاصة إبان حرب تموز، وضمنت من جهة أخرى "الرئاسة" لعون، وإن تأخر هذا الالتزام من قِبل "حزب الله" بعض الوقت.   واستنادًا إلى هذه التجربة الفاشلة في التعاطي مع الانسحاب السوري في العام 2005 من قبل قوى الرابع عشر من آذار فإن "المعارضة" اليوم، وعلى رأسها "القوات اللبنانية" باعتبارها أكبر كتلة برلمانية، ستأخذ وقتها للتفاعل السياسي مع ظاهرة هذا السقوط، وإن سبق ذلك بعض التعبير الانفعالي العفوي كردّة فعل أولية على هذا الحدث الأهم في تاريخ العلاقات اللبنانية – السورية. وقد يكون من بين ثمار هذا التمهل في الحكم على هذا الحدث الجلل السعي إلى التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي ومع جلسة التاسع من الشهر المقبل بمرشح أو أكثر يكونون على مستوى هذه التطورات على الساحتين اللبنانية والسورية، مع ما يتطلبه الظرف الاستثنائي من وضوح في الرؤية من مختلف جوانبها السياسية والأمنية والاقتصادية. ومن المرجح أن تتبلور الصورة الكاملة المتطابقة بالنسبة إلى تطابق المواصفات، التي باتت معروفة من الجميع، مع عدد من المرشحين بعد غربلة الأسماء وإنضاج الظروف الملائمة لحصول من يتم التوافق عليه على أكثر من 86 صوتًا في الدورات المفتوحة في جلسة 9 كانون الثاني.
وبالتوازي، نشط سفراء "المجموعة الخماسية" قبل أقل من شهر من موعد الجلسة الانتخابية بهدف إطلاق زخم جديد يترافق مع وقف النار وبدء تنفيذ القرار الدولي 1701 والاحداث المتسارعة في سوريا. وبداية هذا التحرك كانت من عين التينة، حيث لمسوا إصرار الرئيس نبيه بري على ألا يخرج النواب من جلسة التاسع من كانون الثاني قبل تصاعد الدخان الأبيض من مدخنتها على غرار ما يحصل في انتخاب البابوات.   وفي المحصلة فإن مرحلة اسقاط المواصفات على الأسماء المحتملة لم يحن أوانها بعد على حدّ ما تقوله مصادر متابعة لحركة الاتصالات الجارية على أكثر من خطّ، على أن تبقى الأنظار مشدودة إلى ما يمكن أن يكون عليه مآل ما يقوم به بعض الأصدقاء المشتركين بين عين التينة ومعراب من جهود لتضييق مساحة التباينات في وجهات النظر. وإذا لم يتمّ التوافق المبدئي على اسم الرئيس قريبًا فإن الجلسة التي تحمل الرقم 13 لن يُكتب لها النجاح المطلوب.    المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • برلماني: القمة المصرية ـ الأردنية ترفض محاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • النائب أيمن محسب: القمة المصرية ـ الأردنية تؤكد رفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية
  • خطاب السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي.. خارطة طريق للأمة
  • النص الكامل لتصريحات ستيفاني خوري: خارطة طريق جديدة لدعم ليبيا
  • تقارير إعلامية: بحث إعادة النظر في خارطة طريق مجلس الأمن بشأن سوريا
  • سقوط الأسد تابع... هل يوحدّ اللبنانيين حول رئيس وفاقي؟
  • شرفة: إعداد خارطة طريق الصيد البحري للسنوات المقبلة
  • نقيب الصحفيين: نسعى لرسم خارطة طريق للمهنة وأزماتها
  • مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة على طريق بلدة الخردلي جنوبي لبنان
  • هل يُحيّد لبنان عن صراعات المنطقة؟