موقع 24:
2025-02-20@02:05:28 GMT

التراجيديا اللبنانية

تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT

التراجيديا اللبنانية

لم يبالغ المفكرون الذين يرون فى تاريخ لبنان سردا «لحكايات تراجيدية لجماعات تهاوت زعاماتها فى لحظات غدر وتُركت لشأنها كأنها يتيمة غارقة فى الحزن والضياع وجنحت بها الأفكار إلى الخرافة». والحق أن التاريخ المعاصر للأمة العربية برمتها يبلور عبر أحداثه ووقائعه مضمون التراجيديا فى مفهومها الفلسفى بالمعنى الذى أشار إليه نيتشة فى كتابه «أصول التراجيديا».

فالتراجيديا فى بعدها الفلسفى هى ضرب من التناقض المطلق بين تطلعات الإنسان فى الوجود وبين محاولاته المستميتة لإشباعها فى الواقع. وأهم سمة من سمات التراجيديا تكمن فى سيكولوجية الواقع الإنسانى والمقصود بها سيكولوجية الفشل والإخفاق. والإنسان التراجيدى الحقيقى هو الذى يرى بوضوح هذا التناقض، وبدلاً من أن يسعى إلى إخفائه أو إنكاره أو الشكوى منه تراه يخرج منه بدروس مستفادة. فالواقع الإنسانى تحكمه منظومات من القيم وهذه القيم هى التى تشكل بنية معانى الألفاظ فى اللغة وهى التى ينظر الإنسان إلى العالم ويفهم أحداثه من خلالها، كما أنها مصدر أساسى من مصادر المشروعية التى تتأسس عليها القوانين الوضعية وتتخلق منها التأويلات المختلفة للنصوص بأنواعها. وإذا كان العالم العربى يعيش أزمة حادة فى علاقته الوطيدة بمنظومة القيم التقليدية التى يفهم بواسطتها الواقع فذلك لأن النموذج التقليدى قد أصابه التصدع تحت وطأة التقدم الهائل الذى حققته الحداثة وما أفرزته من قيم جديدة.

ولا غرو أن نجد الجماعات الإرهابية تستخدم التكنولوجيا الحديثة فى جرائمها باسم الجهاد فى سبيل قيم دينية تتناقض كلية مع سلوكها الإجرامى. وتلك هى مفارقة التقدم فى الجماعات المتخلفة. وها نحن ذا نشاهد فى عالمنا عودة قوية للأصولية الدينية فى أبشع صورها ليس فقط فى الجماعات الداعشية، وإنما أيضاً فى اليمين اليهودى التوراتى، عادت لكى تمارس الهمجية وتطيح بكل فضيلة إنسانية باسم ما تراه هى متفقا مع دينها. ولئن كان هناك فى العالم العربى من نسمعهم ينادون بالتنوير للحاق بآخر عربة فى قطار الحداثة فقد صدق الدكتور على حرب حينما علق عليهم بقوله: «إن أزمة التنوير عند التنويريين العرب مردها أنهم تعاملوا مع هذا الشعار بطريقة أصولية لاهوتية.. إنهم ليسوا مؤهلين لتنوير الناس لأنهم هم الذين يحتاجون إلى التنوير»، فهناك من يدافع عن العقل والمعقولات ويدعو إلى الإخاء، وإذا بداعية الإخاء هذا ينخرط بقوة فى إقصاء الآخر وإلغائه، وإذا بمشاريع التقدم والتنمية تؤول إلى مزيد من التخلف والصراع والانشقاق.

يعد المجتمع اللبنانى بتاريخه الطائفى تجسيداً حياً للتراجيديا. اللبنانيون أنفسهم يدركون تماماً أن آفة مجتمعهم تكمن فى تركيبته الطائفية التى تنخر بمؤسساته كلها من الداخل. وكم شهد تاريخ لبنان سلسلة لا نهاية لها من الصراعات الدموية بين طوائفه الدينية انعكست بوضوح على بنية التنظيم القانونى لسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية. ورغم خطابات زعماء الطوائف فيه بالإصلاح ومناداتهم المستمرة بإلغاء الطائفية نجدهم فى النهاية أول من يعملون على تأجيجها. ولا عجب فى ضوء هذا المنطق الطائفى أن يصير لبنان دولة بلا رئيس بسبب التطاحن بين طوائفه، حيث تسود بينها لغة التخوين والعداوة، بل قد تفوق هذه العداوة أحيانا عداوتها للمعتدى الأجنبى الذى يهدد الوطن ويدمر فيه الأخضر واليابس. وعندما نشاهد إسرائيل تشن حرباً مدمرة على لبنان دون تفرقة بين شيعى وغيره لا نسمع شيئا عمن يتولى الدفاع عن لبنان وحماية مواطنيه. وأكثر ما يدهش أيضاً أن أمين الحزب رغم كونه ذراع إيران وشوكتها القوية فى الشرق الأوسط ورغم الجرائم والاغتيالات التى نسبها اللبنانيون إلى حزبه وكان ضحاياها شخصيات لبنانية بارزة تنتمى إلى طوائف دينية مختلفة، فضلاً عن المجازر التى أوقعها بالسوريين فى سوريا، رغم كل هذا تحول حسن نصر الله إلى أسطورة مقدسة لدى الشعب اللبنانى. إذ رفض تصديق خبر وفاته وأنكر عليه الموت ولما تأكد الخبر رسميا أصيب الشعب اللبنانى كله عاشقوه وكارهوه بحالة من الصدمة والذهول، إذ كيف يموت سيد المقاومة؟ فخرجوا فى مسيرات يصيحون فيها «لبيك نصر الله لبيك»، وهكذا اكتملت التراجيديا.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله

إقرأ أيضاً:

بطلة مسلسل لام شمسية تكافح لإثبات تورط صديق العائلة في تهمة التحرش بابنها

يشهد السباق الرمضانى 2025 عرض عدد كبير من الأعمال الدرامية التى تفتح ملفات وقضايا مهمة فى المجتمع، وأبرزها مسلسل «لام شمسية» للفنانة أمينة خليل، ويلقى الضوء على قضية التحرش الجنسى بالأطفال والعنف الذى يُمارس تجاههم سواء لفظياً أو جسدياً، بما يؤثر فى بنية المجتمع، لما يسببه من أثر نفسى سيئ فى نفوس الضحايا على مدار حياتهم، وطرح العمل أسئلة كثيرة حول سبل المواجهة والتعامل مع هذا النوع من السلوك. ويناقش العمل الفنى موضوعاً حساساً للغاية وقضية تشغل المجتمع بالكامل.

يتناول «لام شمسية» شخصية «نيللى»، التى تجسدها الفنانة أمينة خليل، وتعمل مُعلمة فى إحدى المدارس الدولية، ظهرت محجبة على البوستر الخاص بالعمل الذى لفت أنظار الكثيرين، وهى متزوجة من «طارق»، الذى يجسد شخصيته الفنان أحمد السعدنى، ويعمل مديراً بإحدى شركات الدعاية والإعلان، ولديهما طفل يدعى «ياسين» وآخر يدعى «يوسف»، وهو نجل «طارق» من زوجته الأولى، ولكن «نيللى» تعامله كابن لها وتحاول تعويضه عن غياب والدته وكذلك عدم اهتمام والده.

ويشاركهم فى العمل الفنان محمد شاهين، الذى يجسد شخصية «وسام»، الصديق المقرب لـ«طارق» منذ الصغر، وهو أستاذ جامعى محبوب ومتخصص فى الأدب المقارن، ويعطى دروساً خصوصية فى اللغة العربية لأولاد معارفه، ومتزوج من سيدة تدعى «رباب» وله ابنة تدعى «زينة» فى سن المراهقة، وسيكون محل اتهام من قبَل «نيللى» بسبب التحرش بابنهم «يوسف».

تبدأ الأحداث فى منزل «طارق ونيللى»، بعد انتهاء عيد ميلاد «يوسف»، حيث يستوقفها جلوسه بالقرب من «وسام»، فتجد نفسها تضع «وسام» محل اتهام بالرغم من عدم رؤيتها لأى مظهر من مظاهر التعدى على ابنها، ومن هنا تنطلق الأحداث التى ستكون مليئة بالمفاجآت والأزمات فى سبيل إثبات جريمة التحرش من عدمه.

ويشارك الفنانة أمينة خليل فى العمل الفنان أحمد السعدنى والفنان محمد شاهين، الذى يشهد العمل تعاونهما الثالث بعد عدة نجاحات سابقة فى الدراما والسينما، وتشاركها أيضاً الفنانة يسرا اللوزى وثراء جبيل وصفاء الطوخى وياسمينا العبد وأسيل عمران ويارا جبران، وعدد آخر من الفنانين، كما تتعاون للمرة الثالثة فى السباق الرمضانى مع المؤلفة مريم نعوم والمخرج كريم الشناوى بعد النجاحات التى حققوها معاً فى مسلسلى «خلى بالك من زيزى والهرشة السابعة»، وينتمى العمل إلى دراما الـ15 حلقة، وهو من إنتاج «ميديا هب» للمنتج محمد سعدى.

مقالات مشابهة

  • «بوليتيكو»: ملاحقة ترامب لأعدائه السياسيين المفترضين وتقديمهم للمحاكم العسكرية بالونة اختبار
  • الجيش الإسرائيلي يواصل انتهاكاته لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
  • مصطفى شعبان.. نجم الدراما المتجدّد
  • مسلسل حكيم باشا.. صراع على «ميراث حرام» من تجارة الآثار
  • نقاد: ياسمين عبدالعزيز الورقة الرابحة في رمضان 2025.. وتمتلك مساحات كبيرة من الإبداع
  • «مصر قالت كلمتها».. بدء دخول معدات إعمار غزة وتل أبيب تعلن تنفيذ المرحلة الثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار
  • منتخب الشباب يلتقي ألو ايجيبت.. ونبيه يواصل بث الروح القتالية فى اللاعبين
  • بطلة مسلسل لام شمسية تكافح لإثبات تورط صديق العائلة في تهمة التحرش بابنها
  • «ترامب» يواجه «الدولة العميقة».. «نار الانتقام» تثير مخاوف الجميع
  • عيد ميلاد «الأسبوع».. 28 عاماً من الكفاح ونجحت المهمة