قضايا ذوي الاعاقة في انتخابات أميركا.. قلق من التهميش والإقصاء
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
تعد مشاركة الأميركيين من ذوي الإعاقة في الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر المقبل، قضية محورية تتطلب اهتمامًا خاصا سيما مع تصدر الرعاية الصحية قائمة القضايا المهمة.
ومع إزدياد أعداد الناخبين من ذوي الإعاقة، تبرز الحاجة لتوفير بيئة انتخابية شاملة وداعمة. ومع ذلك، يشير ناخبون إلى أن العديد من الحواجز التي تعوق مشاركتهم لا تزال قائمة، من بينها نقص في الوصول إلى مواد الحملات الانتخابية، إلى ضعف البرامج المتعلقة بكيفية تأثير قضايا مثل جائحة كورونا على حياتهم، فضلا عن قلقهم بشأن تصريحات "تمييزية" بحقهم، مما يزيد من شعور التهميش الذي تعاني منه هذه الشريحة.
تقرير جديد من جامعة روتجرز Rutgers الأميركية أوضح أن حوالي 40.2 مليون ناخب مؤهل للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة هم من ذوي الإعاقة. ويمثل هذا الرقم نحو ما يقرب ثلث الناخبين في انتخابات تعتبر الرعاية الصحية من القضايا الرئيسية فيها.
يقول تقرير لوكالة أسوسييتد برس، أن شريحة الناخبين من ذوي الإعاقة تتزايد أعدادها مع تقدم سكان الولايات المتحدة في السن، لكن الناخبين والناشطين يقولون إن الحواجز التي تجعل الناس يشعرون بالتهميش من العملية الانتخابية لم تُعالج.
وتتراوح هذه الحواجز من مواد الحملة غير المتاحة، إلى قلة ذكر المرشحين ترامب وهاريس، لكيفية تأثير قضايا مثل جائحة كورونا على هذه الشريحة.
يقول دوم كيلي، مؤسس ومدير منظمة "New Disabled South" التي تركز على حقوق ذوي الإعاقة إنه "يجب أن يعاملونا كما لو كنا طريقهم نحو النصر، لأننا كذلك، بصراحة. أنت تفوز أو تخسر بسبب ذوي الإعاقة، وإذا لم تأخذ مجتمعنا على محمل الجد، فسيظهر ذلك في نتيجة حملتك"، بحسب تعبيره.
ليزا شور وزوجها دوغ كروز يقودان برنامج أبحاث الإعاقة في جامعة روتجرز وشاركا في كتابة التقرير الجديد، الذي يظهر أيضًا أن هناك 7.1 مليون ناخب من ذوي الإعاقة في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا، جورجيا، ميشيغان، نيفادا، كارولينا الشمالية، بنسلفانيا وويسكونسن.
شور قالت إن الأشخاص ذوي الإعاقة أقل احتمالاً لتلقي المعلومات حول البرامج التي وضعتها الحملات الانتخابية ويمكن أن يواجهوا صعوبات عديدة عند التصويت شخصيًا أو عبر البريد، وإن كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى انخفاض المشاركة.
مات ميلز هو مؤيد سابق لترامب، (41 عامًا) من مقاطعة براون في جنوب ولاية أوهايو، يعاني من متلازمة اعتلال الأعصاب المتعددة، وقد تلقى عمليتي زرع كلى منذ عام 2017. هذا العام، سيصوت لمصلحة هاريس بسبب "سجلها المثبت" في الدفاع عن سياسات الرعاية الصحية التي يفضلها.
ومع ذلك يعتقد ميلز أن الناخبين من ذوي الإعاقة يُؤخذون "كأمر مسلم به"، وأضاف "عندما لا نرى تمثيلًا لنا، نستمر في التعرض للضغط ونشعر بالتعب والإحباط" بحسب تعبيره.
يعيش جيم بيت وبتريشيا فينسنت-بيت في كونكورد، بولاية نيو هامبشاير، وكلاهما يعاني من الشلل الدماغي. يقول الزوجان إنهما تم تجاهلهما من قبل المرشحين السياسيين على مر السنين عندما يحاولان التحدث معهم، لكنهما أيضًا واجها بعض المرشحين الذين كانوا مرحبين.
ومع ذلك، فإن ما يقلقهما أكثر هو السياسات التي تؤثر على حياتهما اليومية، وتشير فينسنت-بيت، (53 عامًا) إلى أنه "مجرد أنني سأتحدث أو أكون لطيفة مع الأشخاص ذوي الإعاقة لا يعني أن سياساتهم مفيدة".
يستفيد زوجها البالغ من العمر 63 عامًا من المساعدة من خلال برنامج الرعاية طويلة الأجل في Medicaid، الذي يساعد في توفير الرعاية الطبية للأشخاص ذوي الإعاقة والأمراض المزمنة. تشعر فينسنت-بيت بالقلق من أن الجمهوريين سيقومون بإجراء تخفيضات في برنامج Medicaid. وكلاهما يخططان للتصويت لصالح هاريس.
في عام 2015، عندما خاض ترامب حملته الانتخابية الأولى، قام بتحريك ذراعيه في محاولة واضحة للسخرية من صحفي معاق. وخلال تجمع في سبتمبر في بنسلفانيا، ادعى الرئيس السابق بشكل غير صحيح أن هاريس "معاقة عقليًا". وقد أدانت الجمعية الأميركية للأشخاص ذوي الإعاقة كلمات ترامب باعتبارها تمييزية و"ضارة للأشخاص ذوي الإعاقة".
لكن المتحدثة باسم حملة ترامب، كارولين ليفيت، قالت إن ترامب "ملتزم بضمان أن يتمكن كل ناخب، بما في ذلك الناخبون ذوو الإعاقة، من ممارسة حقهم في التصويت في أهم انتخابات في حياتنا."
ميغان ستون، التي تستخدم الكرسي المتحرك بسبب أعراض كوفيد الطويل، تقول إن هناك المزيد من الأمور المتعلقة بإشراك الناخبين ذوي الإعاقة، وأضافت أن "التركيز على النكات التمييزية أو ما إذا كان الأشخاص ذوو الإعاقة يظهرون بوضوح في فعاليات الحملة الانتخابية من عدمها، يقلل من قيمة ذوي الإعاقة، وهذا هو مستوى التمييز الذي نعيش معه كل يوم." على حد قولها.
ترغب ستون أن ترى كلا المرشحين يركزان على حل مسألة الفترة التي تستغرق لكي يتمكن ذوي الإعاقة من الحصول على الامتيازات الخاصة بهم، تستغرق حاليا 6-8 أشهر وفقًا للحكومة الفيدرالية، وأيضا الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء لعلاج أعراض كوفيد الطويل، وتقول "أعتقد أن كلا الحملتين تريدان أن تتظاهرا وكأنهما حلا أزمة الوباء وأن الأمور انتهت."
قامت حملة هاريس مؤخرًا بتعيين أنستازيا سوموزا كمديرة للتفاعل مع قضايا الإعاقة. سوموزا، التي تعاني من الشلل الدماغي وتستخدم كرسيًا متحركًا، قالت إن حملة هاريس ستستضيف حدثًا مع رواد أعمال ذوي إعاقة في بيتسبرغ يوم الاثنين. كما أضافت سوموزا أنها تحاول التأكد من وجود خيار افتراضي لجميع فعاليات الحملة.
في عام 2023، التقت نائبة الرئيس مع قادة في مجال الإعاقة لمناقشة قضايا النقل، واقترحت دفع تكاليف الرعاية المنزلية من خلال برنامج ميديكير وإلغاء الحد الأدنى من الأجور للعمال ذوي الإعاقة.
لكن الحملتين الرئاسيتين يمكن أن تقدما المزيد، حسب قول هولي لاثام من حركة #MEAction، التي تدافع عن الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن. وأشارت إلى أن الإعلانات والنشرات والفعاليات تحتاج إلى أن تكون متاحة لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة.
مجموعة "Disabled Folks for Kamala"، وهي ائتلاف من المدافعين، أوضحت أن حدث حملة هاريس الافتراضي للناخبين ذوي الإعاقة في 8 أكتوبر "لم يلبِ المتطلبات الأساسية للوصول." وقالت ماريسا ديتكوسكي، التي تعاني من الضمور العضلي، إنها تابعت الحدث وعبّرت عن إحباطها من المشكلات.
حملة هاريس أعربت بدورها عن "أسفها العميق" بسبب الصعوبات التقنية وعدم ظهور مترجم للغة الإشارة في بداية الحدث. وقالت ديتكوسكي، التي تصف هاريس بأنها "الخيار الواضح" في السباق الرئاسي وتضيف "نريد من الناس أن يفكروا بنا أثناء إنشاء هذه المساحات بدلاً من الانتظار حتى بعد ذلك." بحسب تعبيرها.
يعمل مفوض اللجنة الأميركية لمساعدة الانتخابات، بنيامين هوفلاند، مع مسؤولي الانتخابات لضمان أن كل أميركي مؤهل للتصويت يمكنه القيام بذلك بشكل مستقل وسري ودون قيود. واعترف بضرورة زيادة التركيز على التدريب المناسب حول قضايا الإعاقة لموظفي الانتخابات وموظفي الاقتراع، سيما فيما يتعلق بالقلق أو طرق معالجة المعلومات المختلفة، على أمل إنشاء مراكز اقتراع أكثر ملاءمة.
باتي تشانغ (61 عامًا) كفيفة وتعيش في شيكاغو قالت إن هذا الشعور بالإقصاء الذي تواجهه هي وآخرون ممن يعيشون مع الإعاقات لا يقتصر على السياسة فقط، وأضافت "حتى يكون للمجتمع توقعات أعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، وحتى يصبح المجتمع نفسه أكثر شمولاً، ستلاحظ هذا الاقصاء ليس فقط في التصويت، ولكن في كل شيء تقريبًا تواجهه." بحسب تعبيرها.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسیة للأشخاص ذوی الإعاقة من ذوی الإعاقة حملة هاریس الإعاقة فی قالت إن إلى أن
إقرأ أيضاً:
بعد 100 يوم في الحكم.. هل قضى ترامب على أميركا؟
تُمثل المائة يوم الأولى لأي رئيس أميركي فرصةً ذهبية لتهيئة الظروف الملائمة لترسيخ قيادته، وتحديد منظوره الرئاسي للتعاطي مع القضايا الملحة التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، وبات الجدل حول مخرجات الـ 14 أسبوعًا الأولى للرئيس جزءًا من نقاشات النخبة المثقفة في واشنطن، ورؤيتها للخطاب السياسي لساكن البيت الأبيض وفريق عمله التنفيذي. ومن هنا يحاول هذا المقال تقديم رؤية تحليلية للمائة يوم الأولى للرئيس ترامب من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية:
ما حجم التهديد الذي شكلته هذه الفترة من رئاسة ترامب على مشروع الديمقراطية الأميركية، وما المؤشرات الدالة على ذلك؟ ما تأثير السياسات التي تبناها خلال هذه الفترة على الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة الأميركية؟ إلى أي مدى أسهمت مخرجات سياساته الداخلية في التأثير على الخيارات الخارجية لواشنطن؟ ما التوقعات التي ينتظرها العالم من أميركا، وإلى أي مدى تُعد واقعية؟ وهل يشهد العالم أُفول الإمبراطورية الأميركية، وما مترتبات ذلك على الأمن الإقليمي والدولي؟
تهديد المشروع الديمقراطي الأميركيينظر الكثير من الأميركيين للرئيس ترامب كمهدد للمشروع الديمقراطي الذي بناه الآباء المؤسسون، وذلك من خلال المؤشرات التالية:
إعلان أولًا: تمدد السلطة التشريعية للرئيسيُمثل مبدأ الفصل بين السلطات أحد أهم المعايير المعتمدة في تحديد ديمقراطية النظام الأميركي، وهذا يعني استقلالية كل سلطة عن الأخرى في أداء عملها، ويلاحظ في هذا الجانب أنّ ترامب قد تغوّل على صلاحيات تُعد من اختصاص الكونغرس، والتي من بينها القضايا المتعلقة بالتجارة مع الدول الأخرى، فالكونغرس يتولى مسؤولية تقديم المشورة والمراقبة والتشريع بشأن قضايا السياسة التجارية الأميركية. وتتولى لجنتان، هما لجنة الوسائل والطرق في مجلس النواب ولجنة المالية في مجلس الشيوخ، المسؤولية الرئيسية عن قضايا السياسة التجارية. ولكلٍّ من هاتين اللجنتين لجنة فرعية معنية بالتجارة.
ووفقًا لرأي شريحة من أساتذة القانون الدستوري، تُعتبر سياسات ترامب الجمركية التي أربكت الاقتصاد العالمي واحدة من تمظهرات هذا التغول في الأمر التشريعي الذي هو من اختصاص الكونغرس، على الرغم من وجود تشريعات تعطي الرئيس الحق في مباشرة دور مهم ومؤثر على صعيد التجارة الخارجية في حالة وجود ما يهدد الأمن الوطني الأميركي.
وبالتالي فإنّ الحرب التجارية التي أشعلها ترامب تُعد في رأي كثير من المحللين نوعًا من التهديد المُتخيل الذي لا وجود له إلا في ذهن الرئيس، بيد أنّ الأمر المهم في هذا الجانب هو التغول على سلطات تشريعية هي من اختصاص الكونغرس، وهو أمر مقلق من منظور استدامة النظام الديمقراطي الأميركي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات.
ثانيًا: توظيف العدالة لملاحقة الخصوم السياسيينواجهت شرائح مقدرة من الأفراد، والمنظمات والجامعات خطر الملاحقات الجنائية وقطع التمويل والفصل من العمل بمعياري عدم الولاء، ومعاداة السامية، وفي هذا الجانب تمثل المعركة الشرسة الدائرة بين إدارة ترامب وجامعة هارفارد واحدة من تجليات التدخل السافر في الحرية الأكاديمية لمؤسسات التعليم العالي الأميركية.
إعلانوقد دفع ذلك رئيس الجامعة آلان غاربر، لكتابة رسالة مفتوحة إلى الإدارة الجمهورية برئاسة ترامب رافضًا فيها قائمة مطالب قدمتها الأخيرة إلى الجامعة، حيث أكد غاربر أنه : "لا ينبغي لأي حكومة – بغض النظر عن الحزب الحاكم – أن تُملي على الجامعات الخاصة ما يُمكنها تدريسه، وقبوله وتوظيفه، ومجالات الدراسة والبحث التي يُمكنها متابعتها".
ويدخل في إطار عملية توظيف القانون لملاحقة الخصوم السياسيين كأحد مهددات النظام الديمقراطي، ما قامت به المدعية العامة الفدرالية العليا في نيوجيرسي ألينا هابا التي عيّنها ترامب قبل شهر مضى، حيث فتحت تحقيقًا مع الحاكم الديمقراطي فيل مورفي والمدعي العام للولاية مات بلاتكين؛ بسبب توجيههما أجهزة إنفاذ القانون بالولاية بعدم التعاون مع العملاء الفدراليين الذين ينفذون قوانين الهجرة، مع الأخذ في الاعتبار أن القانون يعطي السلطات الولائية والمحلية الحق في عدم التعاون في إنفاذ أوامر القبض والإبعاد الصادرة من سلطات الهجرة.
وكان من ضحايا هذا التعسف في توظيف القانون لحسم الخصومة السياسية الناشئة عن اختلاف زوايا النظر للمجازر التي ارتكبت ضد الأبرياء في غزة، عددٌ من الطلاب الدوليين، وبات كل الذين تظاهروا ضد تلك المجازر إبان الحراك الطلابي الأميركي هدفًا للإبعاد بواسطة سلطات الهجرة، حيث لم يُعطوا حق الدفاع عن أنفسهم.
وفي ذات المنحى أُلغيت الكثير من التأشيرات سارية المفعول التي كان يتمتع بها أولئك الطلاب. وفي نظر كثير من الجمعيات الحقوقية والمدنية، فإنّ تلك الإجراءات تُعد انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، والتي من بينها الحق في المحاكمة العادلة حال ثبوت الجرم، بجانب أنّ التعسف في توظيف القانون يُعد تقويضًا للحرية المدنية التي تُعد واحدة من ملامح الديمقراطية الأميركية.
ثالثًا: الإرباك المؤسسي: تمت عملية الإرباك المؤسسي وتغييب قواعد الحكم الرشيد من خلال الآتي:
الأوامر التنفيذيةشكلت المائة يوم الأولى من الولاية الثانية لترامب أكثر الفترات زعزعةً للاستقرار في التاريخ الأميركي الحديث، وبدلًا من اللجوء للكونغرس في تمرير أجندته التشريعية، لجأ لسياسة إصدار الأوامر التنفيذية والعمل على الالتفاف على الهيئة التشريعية، والدفع بمشروعه السياسي دون أي دور رقابي.
إعلانوفي هذا السياق، فإن ترامب منذ توليه الرئاسة وحتى لحظة إكماله الثلاثة أشهر الأولى، قام بإصدار 142 أمرًا تنفيذيًا، على خلاف فترة رئاسته الأولى في العام 2017 والتي شهدت 33 أمرًا تنفيذيًا، وتُعد هذه النسبة العليا في تاريخ الرؤساء خلال فترة المائة يوم الأولى. وهذا يعكس حجم الإرباك؛ بسبب تجاوز المؤسسة التشريعية، رغم أن حزبه يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ.
تسييس الخدمة المدنيةتُشكّل عملية تسييس الخدمة المدنية إحدى المعاضل التي تعاني منها الدول النامية، ويتمثل ذلك في تعيين أهل الثقة والولاء وتقديمهم على أصحاب الكفاءة، ولم تكن هذه الظاهرة حاضرة في القاموس السياسي الأميركي، خاصة في المؤسسات ذات الطابع المهني، كالخارجية، والدفاع والمؤسسات الأمنية، بيد أنّ هؤلاء في نظر الرئيس ترامب امتداد لما يسميهم بالدولة العميقة التي قامت بتعطيل مشروعه السياسي في فترة رئاسته الأولى، وبالتالي وجب استئصالهم بفرضية أنّهم أعداء الأمة.
وكانت عملية استئصال هؤلاء تدخل ضمن وعوده الانتخابية التي قال فيها: " يجب أن نسترد الدولة من أعضاء الدولة العميقة، فهم أعداء يعيشون بيننا"، ولذلك قام بإصدار سلسلةً من الأوامر والمذكرات التي أعاقت عمل وكالات ودوائر حكومية عديدة، فجاء التفكير في إنشاء إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة اختصارًا بـDOGE، وأُسندت إدارتها لإيلون ماسك؛ بغرض تحسين كفاءة الوكالات الحكومية، ولكن تم توظيف هذه الوكالة الجديدة في التخلص من عدد كبير من الموظفين الفدراليين، ومن المرجح أن يُلغي 100 ألف وظيفة على أقل التقديرات، وربما أكثر من ذلك بكثير ما لم تُلغِ المحاكم هذه القرارات.
وفي المقابل تم توظيف عدد كبير من أصحاب الولاء لترامب، وهذا التطهير الذي طال الموظفين الفدراليين ستكون له انعكاسات كبيرة على مستقبل الولايات المتحدة، وقدرتها التنافسية في مواجهة الصين وبقية المنافسين الإستراتيجيين.
إعلان الوضع الاقتصادييُمكن قراءة الوضع الاقتصادي من خلال أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها قناة فوكس نيوز المقربة من ترامب، والتي أشارت إلى أنّ نسبة المؤيدين لسياسات ترامب الاقتصادية بلغت 38% فقط، وترتبط النسبة المنخفضة لشعبية ترامب فيما يلي إدارته للملف الاقتصادي خلال فترة المائة يوم الأولى؛ بسبب عامل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والذي قاد لازدياد معدلات التضخم؛ بسبب رفع التعريفة الجمركية على واردات السلع الأجنبية.
وقد أشار رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول في هذا الصدد في مؤتمر صحفي، إلى أنّ الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بدأت في دفع التضخم إلى الارتفاع، ومن المرجح أن تعرقل التقدم الذي شهده البنك المركزي في خفض التضخم الذي بلغ ذروته في عام 2022.
وحسب توقعات باول، فإنّ بنك الاحتياطي الفدرالي لا يزال يتوقع عودة التضخم إلى ما يقرب من 2% بحلول نهاية العام المقبل، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ نسبة التضخم الحالية تبلغ 2.4%، مؤكدًا على أنّ التعريفات الجمركية قد تؤدي فقط إلى زيادة في الأسعار، بدلًا من تعزيز التضخم بشكل مستمر.
ومن المنظور التحليلي، يمكن القول إنه رغم هذه الصورة المتفائلة التي رسمت للاقتصاد الأميركي من رئيس بنك الاحتياطي المركزي، تظل الحقيقة الماثلة الآن بالنسبة للمواطن الأميركي العادي الذي يتعامل مع احتياجاته اليومية في مراكز بيع السلع والخدمات، أنّ الأسعار تتجاوز قدرته على الإنفاق، وهذا ما انعكس على انخفاض شعبية ترامب فيما يتصل بإدارته للملف الاقتصادي، إذ بلغت 36%، ويمكن لهذا الارتفاع الجنوني الذي تشهده الأسواق الأميركية، إذا استمر، أن تكون له نتائج سياسية مباشرة في تركيبة السلطة في واشنطن على مستوى انتخابات التجديد النصفي القادمة، وعلى المستوى الخارجي.
البريكست التجاري وتداعياتهلم يسبق قرار ترامب خلال مئويته الأولى بمحاربة العالم أجمع، والخروج من النظام الاقتصادي العالمي الذي تشكلت ملامحه عبر اتفاق بريتون وودز الموقع في عام 1944، والذي كان أساسًا للتجارة الحرة بين الدول، أي فترة انتقالية مثلما حدث في تجربة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. بيد أنّ العيب الرئيسي لخروجها وقتذاك تمثل في اضطراب العلاقات الاقتصادية والتجارية.
إعلانليقود ذلك فيما بعد إلى تراجع اقتصادها (المملكة المتحدة) وتراجع تجارتها مع أقرب جيرانها، وواجهت بسبب ذلك حواجز أكبر أمام التجارة وتدفقات رأس المال وتنقل العمالة، مما أثر سلبًا على الإنتاج والوظائف، وذات الأمر يمكن أن ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية؛ نتيجة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي خلال مئويته الأولى.
ويعتقد الرئيس ترامب أنّه قادر على إعادة رسم خريطة النظام التجاري العالمي، وإجبار غرمائه التجاريين على الجلوس على طاولة المفاوضات عبر الضغط التجاري، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
فحظوظ واشنطن في التواجد الدولي وقيادة النظام العالمي ترتبط مباشرة بانفتاحها على العالم، وليس انغلاقها على نفسها، والتقوقع في محيط السياسات الحمائية التي ستضعف من قدراتها على التفاعل الإيجابي، وإثراء تجربتها التي ازدهرت بفعل حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد.
فالبريكست البشري الذي عزّزته سياسة غلق الحدود وإبعاد المهاجرين وترحيلهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، رغم أنّه يقع ضمن نطاق وعود ترامب الانتخابية، والتي نجح فيها بصورة واضحة خلال المائة يوم الماضية، فإنّه يُشكل تعطيلًا لرافد طالما أثرى الخلق والابتكار في رحلة أميركا نحو التميز في ضروب شتى خاصة قطاع التكنولوجيا، وما تجربة السيليكون فالي وروادها ببعيدة.
ولعل أبرز المستفيدين من بريكست واشنطن التجاري، هي الصين، التي ستتاح لها فرصة التغلغل في أقاليم مختلفة من العالم، وذلك بمنطق أنّ أي فراغ ستخلفه أميركا سيُملأ بفاعل صيني، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بكين قطعت أشواطًا بعيدة في اتجاه ربط نفسها بمختلف أقاليم العالم عبر مبادرة الحزام والطريق، وبالتالي فإن حرب ترامب التجارية في مئويته الأولى، واختياره العزلة الحمائية، سيتيحان فرصة أكبر للصين بتقديم نفسها كقوة بديلة مستعدة للدخول في شراكات مثمرة ستُمكنها فيما بعد بترجمة النفوذ التجاري والاقتصادي إلى نفوذ عسكري ودفاعي يُمكنها من فرض شروط وقواعد اللعبة التي انفردت بها أميركا لعقود.
إعلان خطأ المقاربة الخارجيةشهدت المائة يوم الأولى للرئيس ترامب على الصعيد الخارجي، تفاقم أزمة الثقة في النظام الأميركي برمته، وذلك بسبب استمرار واشنطن في استخدام سياساتها الاقتصادية كسلاح، وتقويض مؤسساتها الداخلية التي بنيت على قاعدة تعزيز حكم القانون.
وفي هذا الصدد، يشير الرئيس التنفيذي لشركة ديفير إلى أن الثقة بالدولار ارتكزت منذ زمن طويل على سيادة القانون، والاستقرار الجيوسياسي، والقيادة الاقتصادية الأميركية الثابتة، ولكن مع تفكيك ترامب خريطة تحالفاته مع شركائه الأوروبيين، واعتماده في الحكم على قرارات تنفيذية، قاد ذلك لإضعاف ثقة الكثير من الشركاء الفعليين، والشركاء المحتملين في الولايات المتحدة، وبات ينظر لها رغم مكانتها باعتبارها شريكًا غير موثوق به.
ومن العوامل التي عززت من عدم الثقة في الإدارة الأميركية، أنّ إدارة ترامب لم تضغط على نتنياهو للتفاوض بجدية لوقف الحرب في غزة، رغم أنّ الطرف الفلسطيني قد أوفى بتعهداته، ولم يحرك إصرارُ رئيس الوزراء الإسرائيلي على حقه في مواصلة الحرب، حتى لو أطلقت حماس سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، الإدارةَ الأميركية الجديدة في أن تتقدم خطوة تجاه الوفاء بتعهداتها للناخبين وللعالم، الأمر الذي يُضعف من أي فرص لتعاطي العالم مع واشنطن بوصفها شريكًا مؤتمنًا يمكن الوثوق به.
ولعل ما رشح من معلومات عن دخولها في تفاوض سري مع إيران بغية الوصول لتسوية ربما تحيّد طهران عن المضي قدمًا في مشروعها النووي، وتحويله للأغراض السلمية، يعزز من عدم الموثوقية في أميركا، والتي ربما أدارت ظهرها بهكذا خطوة لشركائها الخليجيين، وهو ما حدث للحلفاء الأوروبيين، خاصة في الملف الأوكراني. وعليه فإنّ أي تراجع في دور واشنطن بسبب الانكفاء الداخلي، أو عدم ثقة الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في أميركا سيصبّ في صالح الصين.
إعلانثمة موضوع آخر يمكن الإشارة إليه في سياق خطأ المقاربة الخارجية لترامب في مئويته الأولى، وهو موضوع إحلال السلام في أوكرانيا، حيث وعد بإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في وقت وجيز، بيد أنّ خطأ التقديرات السياسية، قاد إلى خلق نوع من عدم الثقة بين واشنطن وكييف من جهة، وأميركا والشركاء الأوروبيين من جهة أخرى، الأمر الذي يصب في محصلته النهائية في إضعاف الدور الخارجي للولايات المتحدة الأميركية.
الخلاصةتُمثل المئوية الأولى من فترة رئاسة ترامب الثانية تحديًا حقيقيًا للداخل الأميركي وللخارج، فعلى الصعيد الداخلي فإنّ إضعاف روح القانون وسيادته وتوظيف المؤسسات العدلية للعب دور سياسي، أمرٌ بالغ الخطورة، ولعل أحد أهم تداعياته هو أنّ الديمقراطية الأميركية ستكون مهددة بشكل كامل، وربما يتعاظم هذا التهديد بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية، وذلك من واقع أنّ ما يقوم به ترامب سيضعف ثقة الناس في المؤسسات باعتبارها قائمة على الولاء، وليس على الكفاءة، وبالتالي سينزع ذلك عنها ثوب الشرعية، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، أن تلعب واشنطن دورًا خارجيًا مؤثرًا باعتبارها قوة عظمى؛ بسبب انكشاف ظهرها، وصعوبة ترميم ما قام به ترامب خلال مائة يوم، ناهيك عما سيقوم به خلال أكثر من ثلاث سنوات قادمة.
وفي المقابل، فإنّ تآكل أميركا من الداخل، وعجزها عن لعب دور يتّسق ومكانتها على الصعيد الخارجي، سيُغريان الصين وعددًا من المنافسين الدوليين بملء الفراغ الذي ستخلفه واشنطن، ولن تمضي الحرب التجارية التي أشعلها ترامب ضد الكل بدون تداعيات.
ولعل أبرز تلك المترتبات هو أنّ هناك أطرافًا عديدة باتت قادرة على أن تقول لأميركا لا يمكنك فعل ذلك بدون ثمن، ومع عجز ترامب عن الوفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه في خطاب التنصيب بأنّه قادر على إعادة "الإيمان والثروة والديمقراطية والحرية" فإنّ الباب يظل مفتوحًا لتشكل نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه أميركا دورًا محدودًا أسوة بالآخرين.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline