حرب السودان تهدد مستقبل جيل من الأطفال
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
كانت أمينة تنظر بعينين حمراوين مات التعبير فيهما وهي تتحدث همسا في حزن مسترجعة ذكرى اليوم الذي قُتل فيه ابنها البالغ من العمر 17 عاما في مدينة سنجة بجنوب شرق السودان.
وكانت تحاول الفرار بأطفالها الخمسة حين اندلع إطلاق نار بالقرب من منزلها، لكن ابنها أحمد وقع في مرمى النيران.
وقالت أمينة (52 عاما) لمؤسسة تومسون رويترز وهي تضع يدها على قلبها جالسة في مخيم كايا للاجئين في الجانب الآخر من الحدود في مقاطعة مابان بولاية أعالي النيل بدولة جنوب السودان "أطلقوا النار على صدره.
وحمل شقيقه الأكبر جثة أحمد إلى حقل، ودفنته الأسرة معا في قبر ضحل ثم واصلت المسير في رحلة استغرقت ستة أيام إلى الحدود.
وأمينة وأحمد ولاجئون آخرون في مخيم كايا، ممن سيأتي ذكرهم في هذا التقرير، أسماء مستعارة لحماية هوياتهم.
وفي وقت ينصب فيه اهتمام العالم على الصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تتكشف أزمة طاحنة في السودان، يتحمل فيها الأطفال، وهم الفئات الأضعف في المجتمع، وطأة العنف.
وأفرزت الحرب في السودان أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم لأن نحو خمسة ملايين طفل اضطروا إلى النزوح منذ بدء القتال قبل 18 شهرا.
وحصد الموت أرواح آلاف الأطفال الآخرين مثل أحمد.
والناجون منهم ينتظرهم مستقبل يبدو قاتما.
ويتدفق عشرات اللاجئين السودانيين عبر الحدود إلى مخيمات في دولة جنوب السودان كل يوم حاملين في ذاكرتهم قصصا مؤلمة تكشف مدى قسوة تأثير الصراع على الأطفال.
وتنتشر المجاعة في أجزاء من السودان ويعاني الأطفال من سوء تغذية حاد. وملايين الأطفال محرومون من التعليم والرعاية الصحية، وكثيرون منهم يواجهون العنف الجنسي والاستغلال والتجنيد في صفوف جماعات مسلحة.
وتجد وكالات الإغاثة صعوبة في معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بسبب نقص المساعدات الخارجية والعراقيل أمام توصيل المساعدات بسبب ضراوة القتال واستهداف موظفي الإغاثة وإمدادات المساعدات. وتحذر هذه الوكالات من أن العواقب قد تكون كارثية على أطفال السودان.
وقال محمد عبد اللطيف، المدير المؤقت لمنظمة إنقاذ الطفولة في السودان "حياة الأطفال في السودان دُمرت تماما وتغيرت إلى الأبد، بخسائر لا يمكن تصورها، ولحق بهم ألم جسدي وعاطفي، وانتهاكات واسعة النطاق لحقوقهم".
وأضاف أن الأطفال "جائعون وخائفون ويعيشون يوما بيوم مع آباء في كرب يشغلهم الكفاح من أجل تلبية احتياجاتهم. لم يضع جيل بعد، لكن بدون مساعدة، ربما يضيع فعلا".
من الحرب إلى المجاعةواندلع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في أبريل نيسان من العام الماضي، بسبب توترات حول انتقال إلى الحكم المدني بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019.
ورغم محاولات الوساطة، تفاقم الصراع على السلطة وانتشر القتال من العاصمة الخرطوم إلى مناطق مثل دارفور وولايات منها سنار والقضارف والجزيرة والنيل الأزرق.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل نحو 15 ألف شخص في منطقة دارفور وحدها. ونزح أكثر من ثمانية ملايين سوداني داخل البلاد، وأصبح أكثر من مليوني سوداني لاجئين في بلدان مجاورة، وخاصة تشاد ومصر ودولة جنوب السودان.
وتتهم جماعات لحقوق الإنسان، منها بعثة مفوضة من الأمم المتحدة، كلا الجانبين بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق منها الاغتصاب والتعذيب والاعتقال التعسفي. وقوات الدعم السريع متهمة بالتطهير العرقي في دارفور.
وأدت الحرب إلى أزمة غذاء كارثية. وأعلنت الأمم المتحدة المجاعة في ولاية شمال دارفور في أغسطس آب. وهذا يعني أن الناس يموتون بالفعل من الجوع والظروف المرتبطة به مثل سوء التغذية والأمراض.
ويواجه نحو 25 مليون شخص في السودان، أي أكثر من نصف السكان، الجوع الحاد، مع تعرض الأطفال لخطر الإصابة بسوء التغذية الحاد الشديد، وهو أكثر أشكال سوء التغذية تهديدا للحياة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 730 ألف طفل سوداني قد يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد هذا العام، وفي جنوب السودان الذي استقبل أكثر من 810 آلاف شخص منذ اندلاع الحرب أصبحت الدلائل واضحة بالفعل.
ولطالما شاهد عمال الإغاثة في مركز استقبال اللاجئين في مقاطعة مابان بولاية أعالي النيل بدولة جنوب السودان أمهات وفدن حديثا يحملن أطفالا أضعفهم سوء التغذية بشدة.
وتأتي الحالات الخطيرة إلى مستشفى بونج وهو المرفق الصحي الوحيد في المنطقة، لكن الأطفال يظلون في حلقة الجوع المفرغة حتى بعد تلقيهم العلاج.
وفي جناح الأطفال المتواضع المضاء بأشعة الشمس في المستشفى المتداعي، كانت حواء تهدهد برفق حفيدتها منى البالغة من العمر 11 شهرا.
وقالت حواء (42 عاما) وهي ترفع الغطاء لتكشف عن طفلة بلا حراك تقريبا وأطرافها نحيلة جدا وعيناها شبه مغلقتين "لم يكن لدى والدتها ما يكفي من الطعام، ولذا ولدت الطفلة بهذا الشكل".
وأضافت "أتمنى أن تتحسن حالتها، لكن حين أعود بها إلى المخيم، ماذا سأعطيها؟ ليس لدينا ما نأكله".
وتقول أسر لاجئة كثيرة في مخيم كايا يعيشون في صفوف لا نهاية لها من خيام البلاستيك الأبيض، إن الحصص الغذائية الهزيلة التي يتلقونها لا تكفي إلا لوجبة واحدة لأطفالهم.
وقالت جميلة (60 عاما) التي فرت من سنار وقطعت رحلة استغرقت سبعة أيام إلى جنوب السودان في يناير كانون الثاني "قبل الحرب، كنا نزرع الذرة الرفيعة والبامية... كانت الحياة جيدة في السودان".
وتعيش جميلة الآن في كايا مع ابنها وابنتها وخمسة أحفاد، وما أقض مضجعها شيء أكثر من القلق على صحة أحفادها.
وأضافت "آمنون نحن هنا في جنوب السودان، لكن الحياة صعبة. لا يوجد ما يكفي من الطعام. الأطفال يبكون في الليل جوعا، وأصبحوا في هزال وضعف".
وما لم يُعالج سوء التغذية، فستكون له تداعيات طويلة الأمد على صحة الطفل ونموه.
ويؤدي سوء التغذية الحاد الشديد إلى تعطل أجهزة المناعة لدى الأطفال وقد يجعل من أعراض لا تمثل عادة خطرا على الحياة مثل الإسهال أن تنتهي بالموت. كما قد يؤدي إلى ضمور العضلات، وتشوش الرؤية، وتأخر النمو، وتلف الأعضاء.
وقال مسؤولون بارزون من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن جميع اللاجئين في مابان يحصلون على مساعدات غذائية، لكن نقص التمويل في السنوات القليلة الماضية قلص الحصص الغذائية إلى النصف.
ويحصل اللاجئون حاليا على 250 جراما من الحبوب يوميا، فضلا عن مساعدات نقدية لشراء عناصر غذائية أخرى.
وأكدت ماري إيلين ماكجرورتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في جنوب السودان، زيادة معدلات سوء التغذية في أنحاء مابان بين اللاجئين والمجتمعات المحلية.
وقالت ماكجرورتي "سوء التغذية أسبابه كثيرة، وترتفع معدلات سوء التغذية خلال موسم الأمطار بسبب انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه... ومن بين التأثيرات المتراكمة هذا العام زيادة أعداد اللاجئين الوافدين حديثا من السودان. ويعاني كثيرون من الأطفال الذين يعبرون الحدود من سوء التغذية بعد رحلات طويلة للوصول إلى بر الأمان".
وقالت ماكجرورتي إن برنامج الأغذية العالمي يدير برامج علاج ووقاية، مثل تقديم الوجبات المدرسية للأطفال من اللاجئين وفي التجمعات السكانية المضيفة.
"المستقبل المسروق"أوجدت الحرب في السودان واحدة من أسوأ أزمات التعليم في العالم. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90 بالمئة من الأطفال في سن الدراسة والبالغ عددهم 19 مليون طفل في البلاد محرومون من التعليم الرسمي.
وتوصلت أبحاث أجرتها وكالات إغاثة في شهر مايو أيار الماضي إلى أن المدارس استهدفتها غارات جوية واحتلتها جماعات مسلحة واستخدمتها لتخزين الأسلحة.
ونحو ألفي مدرسة في السودان، أي أكثر من واحدة من كل 10 مدارس، تستخدم في إيواء آلاف الأسر النازحة.
وكان أمير (17 عاما) يجيد اللغة الإنكليزية ومولعا بالبرمجة ويدرس علوم الكمبيوتر في الخرطوم حتى أجبره الصراع على الفرار إلى جنوب السودان في يناير كانون الثاني.
وفترت همة أمير بعد إقامته في مخيم كايا التي حالت بينه وبين التعليم، فالمخيم بعيد، وفرص التعلم نادرة.
وقال "أشعر بالاكتئاب. قبل الحرب، كانت لدي أحلام وطموحات. أريد أن أدرس وأتعلم، لكن لا يوجد شيء هنا يناسب أشخاصا مثلي... نالت الحرب منا كثيرا. وسُرق مستقبلي".
وافترق مئات الأطفال أيضا عن عائلاتهم بسبب القتال ليصبحوا في مهب مخاطر الاستغلال والتجنيد في جماعات مسلحة والعنف الجنسي.
وتشير أحدث بيانات الأمم المتحدة إلى وقوع أكثر من 1700 انتهاك لحقوق الأطفال في السودان خلال عام 2023.
وشملت هذه الحالات أكثر من 1240 حالة قتل وتشويه لأطفال ومئات الحالات من تجنيد الأطفال والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي.
وتقول السلطات في جنوب السودان إنها تعمل مع منظمات إنسانية لدعم الأطفال اللاجئين، لكن البلاد، وهي واحدة من أفقر دول العالم، تعاني من ضغوط هائلة.
وقبل الحرب، كان جنوب السودان موطنا لنحو 275 ألف لاجئ، معظمهم من السودان جاءوا قبل أكثر من عقد بسبب صراعات سابقة.
وقال بيتر ألبرتو، مفوض مقاطعة مابان، إنه على علم بالتحديات المتعلقة بحماية الأطفال وطالب بتعزيز الدعم، وخاصة في مضمار منع استخدام الأطفال كجنود.
وقال ألبرتو لمؤسسة تومسون رويترز "ربما خطفت الجماعات المسلحة بعض الأطفال وجندتهم... يتعين التحقق من ذلك لمعرفة نطاق التجنيد ومن الذين يتم استخدامهم في خوض الحرب. في بعض الأحيان، يستخدمون الأطفال لجمع المعلومات الاستخباراتية".
وتدعو وكالات إغاثة إلى وقف إطلاق النار وتوفير الوصول الآمن إلى الفئات السكانية الأضعف ومزيد من التمويل من المانحين الدوليين. وناشدت الأمم المتحدة المانحين جمع 2.7 مليار دولار، لكن حجم التبرعات لم يبلغ إلا نصف المبلغ المطلوب.
وقال عبد اللطيف من منظمة إنقاذ الطفولة "الأطفال يتمتعون بقدرة خارقة على الصمود، ومع الدعم المناسب، يمكنهم البقاء والازدهار ليصبحوا يافعين أصحاء ومنتجين".
وأضاف "يتعين على العالم أن يتدخل الآن لتقديم المساعدة التي هم في أمس الحاجة إليها... وبدون هذا الدعم، يصبح مستقبلهم غامضا إلى حد كبير".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی جنوب السودان الأمم المتحدة سوء التغذیة فی السودان أکثر من
إقرأ أيضاً:
استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
تاج السر عثمان بابو
1تابعت في دراسة سابقة قبل الحرب بعنوان “نهب الذهب الدموي في السودان” عملية نهب الذهب وتهريبه من البلاد، بدلا من أن يكون قوة دافعة للتنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبعد الحرب استمرت عملية النهب، علما بأن من أسباب الحرب نهب ثروات البلاد ومنها الذهب، في إطار الصراع علي السلطة بين طرفي الحرب ومن خلفهما القوى الإقليمية والدولية التي تسلحها.
رغم استمرار الحرب لم تتوقف عملية استنزاف الذهب وتهريبه للخارج، في ظروف تعاني فيها الجماهير معيشة ضنكا ونقص في الأنفس والثمرات، بعد تدمير الصناعة والزراعة والنظام الصحي، وتقف البلاد علي شفا جرف هار من المجاعة التي تهدد حوالي 26 مليون مواطن، رغم ذلك يستمر تدفق المليارات من الدولارات من ثروة الذهب لمصلحة تجار الحرب من قيادات الطفيلية الإسلاموية والعسكرية والدعم السريع، ويتم تمويل تكلفة الحرب الباهظة من ثروة الذهب كما تشاهدها في المدافع و المسيرات التي تقتل وتدمر منازل المواطنين والمرافق العامة والبنيات التحتية، اضافة إلى نزوح حوالي 12 مليون مواطن داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان عشرات الآلاف.
إضافة لحملات التطهير العرقي لنهب أراضي المواطنين ومناجم الذهب كما هو حاري حاليا في الجزيرة ودارفور.
2من الأمثلة لاستمرار نهب الذهب ما أشار له مسؤول حكومي محمد طاهر عمر في بورتسودان بتاريخ 21 نوفمبر 2024 “إن صادرات الذهب حققت إيرادات رسمية بلغت 1.5 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024، وأوضح أن 1.5 مليار دولار تم توريدها إلى بنك السودان المركزي كعائدات صادرات الذهب منذ بداية العام وحتى أكتوبر. ويعمل نحو مليوني شخص في التعدين التقليدي تحت ظروف قاسية في مناطق السودان المختلفة، حيث يسهمون بحوالي 80% من إجمالي إنتاج الذهب في البلاد”.
علما بأن قيمة الصادرات من الذهب كما أوضحنا في الدراسة السابقة لا تقل عن 8 مليار دولار، مما يعني استفادة الجهات المصدر لها الذهب كما في الإمارات وروسيا. الخ.
كما أشار المسؤول الحكومي الي اقتسام نهب ثروة الذهب بين الجيش والدعم السريع، فالذهب المنتج من مناجم دارفور خرج عن سيطرة الحكومة بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على معظم مناطق إقليم دارفور، مما جعل هذه الموارد بعيدة عن متناول الدولة، هذا في وقت يعتمد السودان على إيرادات الذهب بشكل أساسي، لا سيما بعد اندلاع النزاع الذي تسبب في تعطيل حوالي 80% من الإيرادات العامة.
3أوضحنا في الدراسة السابقة، انه كما تم نهب الأراضي وثروة البترول استمرت الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج، علي سبيل المثال: متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن ( الشرق الأوسط: 11 يناير 2020)، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82- 93 طن (موقع الجزيرة 5/1/ 2017)، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان، وفقدان الدولة لثروة كبيرة، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب.
أصبحت القوي العاملة في التعدين كبيرة، حسب تقرير وزارة المعادن (2019) الذي أشار الي 3 ملايين يعملون في تعدين الذهب، منهم 2 مليون يعملون في المهن الملحقة بالتعدين “التكسير، جلب المياه، اعداد الوجبات. الخ”، مما يتطلب حمايتها من الآثار الضارة للتعدين، وضرورة قيام نقابات واتحادات لها تدافع عن حقوقها، وتوفير بيئة العمل المناسبة من سكن وخدمات صحية وتعليمية وثقافية، ورفع مستوي المعيشة. اضافة لحق مناطق التعدين في نسبة من الإنتاج لتنميتها وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنيات التحتية، وتوفير خدمات الكهرباء ومياه الشرب، وحماية البيئة من آثار استخدام المواد الضارة في التعدين، ومراجعة العقود المجحفة لشعب السودان التي تمت مع الشركات بما يضمن نسبة للدولة منها لا تقل عن 70% تذهب لبنك السودان، بدلا من اهدار هذه الثروة وايداع عائداها خارج السودان مقابل الغذاء والوقود!!!، وحماية ثروة البلاد من النهب والتهريب.
وتعيش هذه القوى العاملة في ظروف غير انسانية ومهددة بمخاطر التعدين مثل: انهيار المناجم، وتدمير المواقع الأثرية، لسعات العقارب والأفاعي، وتقلب الجو من البرودة الي الحرارة العالية كلما تم الوغل داخل المنجم، اضافة للآثار الضارة للتعدين باستخدام المواد الضارة بصحة البيئة والانسان والحيوان والنبات، والابادة الجماعية للسكان المحليين لنهب الذهب، حنى اطلق مجلس الأمن وصف “الذهب الدموى”، كما يصنف البنك الدولي مشتريات بنك السودان من الذهب بأنها “غير معقمة” بسبب تلك الممارسات.
تدخل عامل آخر في الصراع الدموى علي الذهب والصراع في دارفور حيث تريد الشركات الأجنبية طرد الأهالي والاستحواذ علي الأراضي التي يعيشون فيها المليئة بالثروات الطبيعية من ذهب ويورانيوم وماس. الخ، لكي يحدث ذلك لا بد من اخلاء السكان بالابادة الجماعية والتهجير، بالتالي دخل عامل جديد للصراع في دارفور ومناطق التعدين الأخرى وهو الاستحواذ علي الثروات والموارد لصالح فئات معينة، كما حدث في جبل عامر، وفي الصراع الأخير الذي دار في جبل مون الذي يزخر بموارد تعدينية كبيرة علي رأسها الذهب، أي صراع من أجل السيطرة علي الذهب، والهدف تهجير قسري للسكان في المنطقة من قبل الشركات.
فضلا عن الاشكال الأخرى لاخلاء السكان مثل: خلق الفوضي، تدمير الموسم الزراعي، نهب مخازن الاغاثة التابعة لليوناميد من قوات الحركات بهدف لتجريد سكان المعسكرات من الغذاء، ووضع النازحين في ظروف سيئة، كما حدث أخيرا، ايضا من المخاطر اطلاق النار من قوات الدعم السريع علي العاملين السلميين في التعدين في حالات النزاع.
4أصبحت الدولة تعتمد علي صادرات الذهب بشكل اساسي بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد لـ75% من عائدات النفط التي لعبت دورا كبيرا في استقرار الجنية السوداني في فترة تصديره منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، ولكن مافيا التهريب التي تضم شركات نافذين في نظام المؤتمر الوطني السابق كانت تسيطر يشكل شبه كامل علي تجارة الذهب السوداني، بالتالي لم يكن الذهب ذو فائدة كبيرة للاقتصاد الوطني.
منذ هيمنة المؤتمر الوطني كانت حصيلة صادرات الذهب لا تدخل خزينة الدولة، بل تودع في حسابات بنكية خارج البلاد، وصادر الذهب مقابل الغذاء والسلع الضرورية، والدولة لا تشرف علي صرف الشركات قبل الإنتاج التجاري التي تضخم الفواتير، اضافة الي أن العقود بها خلل، 70% لشركات الامتياز، وهي نسبة عالية لمورد ناضب علي مدي 25 عاما ، والدولة غير موجودة الا في 73 موقع فقط من 713 موقعا (موسي كرامة، من يسرق الذهب في السودان، تحقيق الجزيرة: 9/ 10/ 2019).
يواصل موسي كرامة وزير المعادن السابق: كما ارتفعت العائدات الفعلية للذهب في العام نفسه الي 8 مليار دولار، إذا اعُتمد الحد الأدنى 200 طنا، وهو عائد كبير لو ذهب الي خزينة بنك السودان لحدث فائض في ميزان المدفوعات السوداني، ولكن النسبة الأكبر من الذهب تُهرب عبر مظار الخرطوم وتُقدر بنحو 200 طن، اضافة لدور تجار الذهب الذين يعرضون مبلغا يزيد عن سعر البنك بنحو الفي دولار للكيلو الواحد، اضافة الي أن أغلب شركات التعدين لا تنقب عن الذهب، بل تشتري من المعدنين التقليديين (موسى كرامة وزير المعادن السابق).
ايضا: كشف تقرير أعده فريق من الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، عن تهريب 267 طنا من الذهب السوداني خلال 7 سنوات، وافاد التقرير الذي تحدث عن الوضع الراهن لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بأنه جرى تهريب هذه الكمية خلال الفترة بين 2013 و2018، وأوضح رئيس الآلية الوطنية لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة، عمر حسن العمرابي أن تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 267 طن، بواقع 80 كيلو يوميا، مشيرا إلى وجود فرق 13.5 مليار دولار، بين معلومات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط.
أما التقارير الرسمية لوزارة المعادن تقول: إن الفاقد يقدر بين “2- 4” مليار دولار سنويا بنسبة 37% من اجمالي صادرات البلاد، وأكثر من 70% من إنتاج الذهب يتم تهريبه بطرق غير رسمية (الشرق الأوسط: 11/ 1/ 2020).
في السياق الإقليمي والعالمي وخاصة في افريقيا الذي اشتدت فيه حمى البحث عن الذهب بسبب ارتفاع اسعاره بعد أزمة كورونا، زادت ايضا حمي تعدين الذهب الدموي في السودان الضار بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والماء والتربة واستخدام مواد مثل الزئبق الذي يسبب الفشل الكلوى، اضطرابات في القلب، والكبد والطحال والاضطرابات العصبية. الخ، وغير ذلك من آثار شكوي التعدين، مما يعني أن الذهب الدموي يدمر ثروة السودان وبيئته، مع التهريب للعائد من عصابات المرتزقة منذ حكم الانقاذ، والذي اصبح فيه حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد..
من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح حميدتي يتحكم بأكبر “ميزانية سياسية” للسودان، أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، واصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وتساءل اليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، الذهب أكبر عدو للديمقراطية.. لماذا تقبل حكومة السودان التي يقودها الحراك باحتكار ميليشيا حميدتي لثروة البلاد التي لا تعوض؟ (موقع عربي بوست).
على الرغم من الجهود الحكومية الأولية بعد ثورة ديسمبر مثل قيام “بورصة الذهب”، وأسعار مجزية من بنك السودان للمعدنين. الخ لاستعادة سيطرة الدولة أو القطاع الخاص على أجزاء من صناعة الذهب السوداني، لكن تعثرت تلك الجهود ومن ضمن الاسباب إدارة قوات الدعم السريع النافذة سياسياً اقتصاداً موازياً لحسابها الخاص، وهيمنة شركات الطفيلية الإسلاموية، وشركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع التي هي خارج ولاية وزارة المالية، وزاد من الفوضي ونهب الذهب انقلاب 25 أكتوبر، اضافة للحرب الجارية التي زادت من حمى نهب الذهب.
5كل ذلك يتطلب المقاومة من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة، وإعادة النظر في عقودات الذهب لمصلحة شعب السودان، ونسبة من العائدات لمناطق التعدين للتنمية، وحماية البيئة من آثار التعدين الضارة، ومكافحة التهريب وقيام بورصة الذهب، وتحديد نسبة معينة للتصدير، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة الاقتصادية لولاية المالية، وحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات والكيزان وقيام الجيش القومي الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية 1، ووضع الدولة يدها على ثروات البلاد المعدنية.
الوسومالإمارات الجيش الحكومة المدنية الدعم السريع الذهب السودان الكيزان تاج السر عثمان بابو روسيا محمد طاهر عمر موسى كرامة