هل يصح أن يفخر الإنسان بلسانه
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
بقلم: هادي جلو مرعي ..
هنا سيقولون ، نعم فلسان أهل الجنة عربي، ولغة العرب هي الفخر والرفعة والتميز وكل مسلم في العالم يتلو القرآن بها، فيجدر الفخر باللسان، ولكني أعني شيئا آخر، وهو ليس ببعيد عن الوصف الذي عنيته في المقدمة أعلاه، وأعني اللسان الذي يتحدث به الإنسان، ولاأعني لغة بعينها، بل اللسان كآلة تنتج الكلمات، وهنا لافرق أن يكون اللسان عربيا، أو تركيا، أو فرنسيا، أو إنجليزيا، أو فارسيا، أو بأي لغة من لغات العالم المجهول منها والمعلوم.
حدثت صديقي عن طريقتي في الكلام وعن إستخدام اللسان فهناك كلام متزن محدود، وهناك ثرثرة تثير سخط الآخرين، وهناك كلام يخرج بطريقة تسبب مشكلة ولذلك فالكلام سلاح قاتل حين يصيب غير هدفه، ورب كلمة جرحت نفسا، وهناك قول مأثور إن الإنسان مخبوء تحت لسانه فإذا نطق صدقا وحقا وأدلى بحديث منمق واضح نافع أثار الرضا في النفوس والقبول، ولو إنه نطق بالسوء من القول لتسلب بمشكلة، وفي حديث شريف ( إن أكثر مايكب الناس على وجوههم يوم القيامة حصاد ألسنتهم ) والمعنى واضح وربما تلمسته كل يوم، بل كل دقيقة حين أراقب الناس وأسمع ماينطقونه من قول وقد تبين لي إن عمليات القتل والنهب والسلب أقل بكثير من جرائم اللسان، فهناك قتل نتيجة لخلاف بين إثنين، وربما تسبب اللسان بحرب، ومشاكل عميقة، فالقتل ربما كان سببه اللسان، أو إنه يدفع القاتل ليقتل، ويدفع المقتول ليكون ضحية، بينما يشتهر عامة الناس بالغيبة التي معناها أن يقوم الشخص بذكر شخص آخر بمالايرتضيه في غيبته، وتجد السحر ينتجه كلام وتعويذات، والنميمة بفعل اللسان والنفاق والكذب والإفتراء وشهادة الزور وقول الزور، فيكون اللسان في هذه الحال بطل يوم القيامة الذي بسببه يدخل غالب الناس الى جهنم، وبسببه يدخل ناس الى الجنة لأنهم أمسكوا ألسنتهم عن الفاحش من القول، وأمسكوها عن كل مايؤدي الى حصول مشكلة قد لاتنتهي إلا بمصيبة.
والسؤال: هل يصح للإنسان أن يفخر بلسانه؟ وجوابه عندي نعم، شرط أن يبذل جهدا في ذلك فهو يمكن أن يكون وسيلة لجمع المتخاصمين ليتفقوا على حل، وبه تؤخذ الحقوق، وعندنا في الريف يقولون: الحقوق تريد حلوق. والمعنى الدقيق إن الذي يطالب بحقه عليه أن يمتلك لسانا ينطق بمايقنع الآخر، ويلزمه بالنزول عند رأي صاحب الحق وقد يكون الكلام في حضور جماعة من الناس فيتطلب ذلك كلمات قوية صادقة فاعلة مؤثرة تستهوي النفوس، وتحرك العقول، فيكسب صاحب الحق قلوب الحاضرين، فيميلوا الى طلبه ليس إنحيازا، بل عن قناعة في كلامه الذي ألزمهم النزول عنده، والرضا به ومنحه مايطلب حيث تأكد لهم إنه جاء بالحق.
حين يكون اللسان سليطا حادا مؤذيا يجلب لصاحبه النقمة، وعدم القبول، فيتجنبه الناس، وينفرون منه، وإذا ما نطق بالصدق والحكمة والنصح والتوجيه والكلام الطيب صار لسانا يصفه الناس بقولهم، إنه لسان ينقط عسلا لأنه إستهواهم فأحبوه، ورغبوا به، ولطالما رأيت أناسا يتمسكون ببقاء ضيف عندهم، ويكرمونه ويفسحون له في المجلس ليتحدث بما يشاء، وهم منشدون له فرحون به، ولعلهم يتمنون في السر أن لايغادر فهو ينطق بالحكمة، ويمازحهم، ويأتيهم بكلمات عذبة، وتراه يستجلب ضحكاتهم مرة، ودموعهم مرة، ويجعلهم في ذهول في أخرى خاصة حين يمتلك المعرفة، ويختزن الحكايات والنكات والحكيم من القول، وهذا لسان مرغوب فيه محبوب ومطلوب، ومنهم من يمتعض، أو يسخر من ثرثار، فيقول عنه:،إنه بلع لسان طير لأن الطير لايتوقف عن الصفير والهديل والنعيق، وبكل مسميات الأصوات التي هي لغات للطير. فنعيق الغراب يفهمه غراب، وهديل الحمام يفهمه الحمام من بعضه، إنما هم أمم أمثالكم، ولعل الهدهد كان من أوائل المخلوقات التي مارست العمل الصحفي حين قال لسليمان معتذرا عن تأخره في الحضور الى سلطانه: جئتك من سبأ بنبأ يقين، وبدل العذاب كرمه سليمان،
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
متى يكون للحياة طعم؟
إسماعيل بن شهاب البلوشي
كثيرون هم الذين يسألون أنفسهم: متى يكون للحياة طعم؟ كيف نحيا ونشعر بلذة السعادة والراحة؟
لكن الأجوبة تختلف، والمواقف تتباين، تبعًا لطبيعة نظرة الإنسان إلى السعادة وسبل الوصول إليها. هناك من يرى أنَّ الحياة الطيبة مرهونة بالجلوس في المقاهي الفاخرة، أو بالسفر إلى البلدان البعيدة، أو بالعيش في أماكن راقية تزينها مظاهر الرفاهية. غير أن قليلًا منهم من يفكر كيف يصل إلى ذلك، كيف يجتهد، كيف يتعب، كيف يصنع لنفسه مقعدًا بين الناجحين، قبل أن يُطالب نفسه بثمار لم يزرعها.
إنّ للحياة طعمًا خاصًا لا يُدركه إلّا أولئك الذين عرفوا قيمة الجهد والتعب، الذين مرُّوا بمحطات الكد والسعي، وذاقوا مرارة الصبر قبل أن يتذوقوا حلاوة الراحة. هؤلاء حين يجلسون أخيرًا على مقاعد الراحة، لا يجلسون بأجسادهم فقط، بل تجلس أرواحهم قريرة مطمئنة، لأنهم يعرفون أنَّ ما وصلوا إليه لم يكن مصادفة ولا صدقة، بل كان نتاج سعيهم، ونصب أعينهم هدف رسموه بعقولهم وسقوه بعرقهم.
وعلى الضفة الأخرى، تجد أولئك الذين لم يبذلوا جهدًا حقيقيًا، لكنهم لا يكفون عن الشكوى واللوم. يعتقدون أنَّ سعادة الدنيا قد سُرقت منهم، وأن أيدي الآخرين قد اختطفت نصيبهم في متعة الحياة. ينسون- أو يتناسون- أنَّ السعادة لا تُهدى؛ بل تُنتزع انتزاعًا بالجد والاجتهاد. ينسون أن لحياة الطيبين المطمئنين أسرارًا، أولها أنهم لم يتكئوا على الأماني، ولم يحلموا بأطياف الراحة قبل أن تبلل جباههم عرق الاجتهاد.
ليس المطلوب أن يعادي الإنسان الراحة، ولا أن يرفض الجلوس في مكان جميل، ولا أن يمتنع عن السفر، ولكن المطلوب أن يعرف أن لكل متعة ثمنًا، وأن لكل راحة طريقًا.
الطريق إلى السعادة الحقة ليس معبّدًا بالكسل ولا مفروشًا بالاعتماد على الحظ أو الاتكالية على الآخرين، بل هو طريق طويل ربما ملأه التعب والسهر، وربما اختلط بالدموع والألم، لكنه الطريق الوحيد الذي يجعل للراحة طعمًا، وللحياة لونًا، وللسعادة معنى.
الحياة الحقيقية لا تطعم بالفراغ ولا تثمر بالركون إلى الأماني. متعة القهوة في المكان الراقي، ومتعة السفر، ومتعة الجلوس في الحدائق الجميلة، ليست في ذاتها، بل في الإحساس أنك وصلت إليها بجهدك، واستحققتها بكدك. حينها تصبح لكل رشفة طعم، ولكل لحظة لون، ولكل مكان ذاكرة تحمل عطر العناء الجميل.
هنا، يقف شخصان متقابلان؛ أحدهما عاشر التعب، وأرهقه السعي، فذاق الراحة بعد معاناة فكانت أطيب ما تذوق. والآخر ظل ينتظر السعادة تأتيه بلا عناء، فمات قلبه بالشكوى قبل أن تقترب إليه.
ما أجمل الحياة حين نحياها بالكد والعزم! وما أطيب طعمها حين ندرك أن اللذة الحقيقية ليست في المال الكثير ولا في الجاه العريض، بل في الرضا عن الذات، والشعور بأنك بذلت ما بوسعك، وقابلت النتائج بابتسامة الرضا لا تأفف الحاسد ولا حسرة المتكاسل.
فمتى يكون للحياة طعم؟
يكون لها طعم عندما نتذوق التعب ونحوله إلى لذة، ونحمل همّ الطريق ونتخذه رفيقًا لا عدوًا. يكون للحياة طعمًا حين نحيا بشغف، ونحب عملنا، ونسعى وراء أحلامنا مهما كانت بعيدة، وحين نصنع من كل يوم طوبة نبني بها صرح سعادتنا.
الحياة، في حقيقتها، ليست مجرد أيام تمضي، ولا متعٍ تُشترى. إنها قصة تُكتب بالتعب، وتُزيَّن بالأمل، وتُختم براحة الضمير وطمأنينة القلب.
حين نفهم هذه الحقيقة، ندرك أن طعم الحياة لا يُعطى هبةً، بل يُصنع بيدين متعبتين، وقلب مؤمن، ونفس طامحة لا تلين ولا تستسلم.
رابط مختصر