آثار تصريح الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء حول " اقتصاد الحرب" العديد من التساؤلات والاستفسارات بشأن ماذا يعني المفهوم وما هي السياسات التي سوف يتم انتهاجها في أطاره؟ وبمراجعة التبعات المنبثقة عن التوترات الجيوسياسية والتي تشمل الأوضاع في غزة ولبنان ، ناهيك عن النزاعات في منطقة القرن الافريقي ، بالإضافة إلى التهديدات المحتملة من دول الجوار هذه التوترات تؤثر على الأمن القومي وتستدعي استجابة فعالة.

فقد خلفت الحرب على غزة تأثيرات بالغة على الاقتصاد المصري وبالتالي فمن المحمود اتخاذ إجراءات استباقية عدة منها الاعتماد علي المنتج المحلي والحد من الاستيراد للحفاظ على السيولة النقدية من العملات الأجنبية، فهي إجراءات احترازية مشروطة بتفاقم الصراعات الدائرة وهو ما لوح به السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء.
وبالتالي فإن السؤال الجامع الذي سيتم طرحه  " ماذا يعني مفهوم "اقتصاد الحرب" والذي يتفرع عنه عدة تساؤلات فرعية، كتلك المتعلقة بظروف تطبيقه والتدابير التي يقتضي الآخذ بها ، وهل نحن عند نقطة تحول؟
إذن تتميز السياسات الملاحقة لاقتصاد الحرب بأنها إجراءات استثنائية على المستوي الاقتصادي وتعني على المستوي السياساتي وفقاً لفيليب لو بيلون تقليدياً قيام الدولة بهيكلة قدرتها الإنتاجية والتوزيعية ككل خلال اشتراكها في صراع مسلح، ويتم ذلك من خلال تعديلات جذرية على قدرتها الإنتاجية الاستهلاكية بنمط اقتصادي محدد مفاداه توجه أغلب تلك القدرات نحو تلبية احتياجات المجهود العسكري.
وبالتالي تقليديًا حتى تتمكن الدولة من تطبيق اقتصاد الحرب، يتم سن قوانين استثنائية تسمح للحكومات بالسيطرة على جميع موارد البلاد وإلزام الشركات والمصانع الخاصة بإدخال تغييرات رئيسة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الناجمة عن الحرب، والتي تقررها الحكومة والقيادات العسكرية. ويمتد هذا التغيير إلى الضرائب بأنواعها وكيفية توزيع إنفاقها في الموازنة العامة للدولة. 
وأبرز مثال على تطبيق اقتصاد الحرب جاء خلال الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد عام 1942 عندما أصبحت الولايات المتحدة الامريكية طرفاً مباشراً في تلك الحرب في أعقاب تدمير أسطولها في بيرل هاربر من جانب اليابان أواخر عام 1940، إذ لقب الرئيس فرانكلن روزفلت الولايات المتحدة بترسانة الدول الديمقراطية ودعا كبرى مصانع البلاد للتوحد في مواجهة قوى المحور آنذاك. وعلى إثر ذلك، اتجهت كبرى مصانع السيارات الأميركية للتخلي عن بروتوكولاتها لتبدأ في صناعة الطائرات والدبابات والمحركات والذخيرة لدعم مجهودات الحرب، وفي أوج نجاحها ما بين أواخر 1943 ومطلع 1944، بلغ الإنتاج الحربي الأميركي ذروته، حيث أنتجت هذه المصانع كميات أسلحة تجاوزت تلك التي أنتجتها مصانع حلفائها مجتمعة.
وعلى الجبهة الداخلية، أسفرت عمليات التجنيد التي تلت هجوم بيرل هاربر عن إفراغ المصانع الأميركية من العمال الذين التحقوا بالخدمة العسكرية لتلجأ بذلك هذه المصانع نحو استقطاب عمال جدد، خاصة من العنصر النسائي، لسد الفراغ ودعم المجهود الحربي للبلاد. وقد ساهم ذلك في تراجع مذهل لنسب البطالة. فأثناء فترة الكساد الكبير، بلغت نسبة البطالة بالولايات المتحدة 25%. وعام 1939 تراجعت هذه النسبة لتبلغ 14.6%. وبحلول عام 1944 انخفضت البطالة لمعدلات قياسية تقدر بنحو 1.2% فقط.
لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان، اتجهت المصانع الأميركية للعودة نحو الإنتاج المدني عن طريق صناعة السيارات والثلاجات وغيرها بدلاً من الدبابات والطائرات. وأضيف إلى ذلك عودة أعداد كبيرة من الأميركيين من الخدمة العسكرية واستعدادهم لدخول سوق العمل في وقت لم تكن فيه المصانع مستعدة لاستيعابهم.

الإ انه حديثاً، ونظرا لارتباط سلاسل الامداد بشكل أعمق، واعتباراً من أن شواغل الأمن القومي تشكل السياسة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، فقد تغًير مفهوم "اقتصاد الحرب" وطرأ عليه العديد من المدخلات، أبرزها على سبيل المثال عدم الضرورة في الدخول كطرف مباشر في الصراع الدائر وهو ما تبلور في الحالة الفرنسية في الآونة الأخيرة عندما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دول الاتحاد الاوروبي إلى التطبيق الفوري لاقتصاد زمن الحرب خلال حديثه في 2022، حول الحرب في أوكرانيا، وحتمية التكيف مع السياقات الجديدة والاستعداد والتهيئة لوضع اقتصاد الحرب خلال بناء هيكل أمني جديد وإطار عمل متجدد للاستقرار
ختاماً، مع تزايد التوترات الجيوسياسية المحيطة بمصر، فمن الطبيعي ان يصبح مفهوم اقتصاد الحرب أكثر أهمية من أي وقت مضى وهو الامر الذي يتطلب معه جاهزية عالية واستجابة سريعة للتكيف مع هذه التغيرات من خلال تعزيز القدرات الدفاعية، تطوير استراتيجيات اقتصادية مرنة، وتحسين البنية التحتية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: اقتصاد الحرب

إقرأ أيضاً:

تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة

بحسب معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي،  فإن ثلاثة أحداث وقعت في وقت واحد: انتهاء وقف إطلاق النار في غزة والعودة إلى القتال، والموافقة على الميزانية الإشكالية للعام 2025، وعدم الاستقرار السياسي، تشير إلى تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي، وتزيد من احتمالات حدوث أزمة مالية.

وبشأن الحدث الأول فقد أدى نشاط الجيش في قطاع غزة ولبنان إلى تجدد التهديد الصاروخي على "إسرائيل" وهجمات الحوثيين من اليمن. وإلى جانب عنصر عدم اليقين الذي يصاحب هذه المرحلة من الحرب وأهدافها، فإنه يجعل من الصعب أيضاً على الاقتصاد أن يعمل، بعد أن بدأ يعود إلى طبيعته في الأسابيع التي سبقت ذلك.

على سبيل المثال، يؤثر العودة إلى القتال سلباً على النمو في "إسرائيل" بعد تجنيد جنود الاحتياط؛ سيتعين على الشركات مرة أخرى العثور على بديل للموظفين الذين سيتم تجنيدهم مرة أخرى، بالإضافة إلى ذلك، تزداد التكلفة المرتبطة بتجنيد جنود الاحتياط.



وأظهرت دراسة أجرتها وزارة المالية الإسرائيلية في عام 2024 أن التكلفة الاقتصادية لجندي الاحتياط تبلغ نحو 48 ألف شيكل شهريا (الشيكل يساوي 0.26 دولار).

لقد تطلب تمويل الحرب حتى الآن جمع ديون بمبالغ ضخمة، والتي تجاوزت حتى جمع الديون خلال أزمة كورونا في عام 2020. وبالتالي، فقد بلغ مجموع الديون 278 مليار شيكل في عام 2024 مقارنة بـ 265 مليار شيكل في عام 2020. وأدت هذه الزيادات، إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي شبه الصفري، إلى زيادة كبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 60% في عام 2022 إلى 69% في عام 2024.

الحدث الثاني الذي يقوض استقرار الاقتصاد الإسرائيلي هو إقرار الكنيست لأكبر ميزانية للدولة على الإطلاق، والتي بلغت قيمتها نحو 620 مليار شيكل.

في ظاهر الأمر، ينبغي أن يكون إقرار ميزانية الدولة علامة إيجابية على الاستقرار السياسي والاقتصادي. ولكن الميزانية التي تمت الموافقة عليها تشكل إنجازا سياسيا لحكومة بنيامين نتنياهو، ولكنها تشكل فشلا اقتصاديا للبلاد، بحسب التقرير.

لقد أكد بنك "إسرائيل" ووزارة المالية مراراً وتكراراً أن أولويات الحكومة الحالية لا تتوافق مع التحديات الاقتصادية التي تواجه دولة "إسرائيل". ولذلك، فليس من المستغرب أن تكون هناك فجوة كبيرة بين توصيات الهيئات المهنية بشأن ميزانية عام 2025 والميزانية التي تمت الموافقة عليها فعليا. وتتضمن الميزانية الكثير من القرارات المتعلقة بالقوى العاملة، بما في ذلك رفع اشتراكات التأمين الوطني، وتجميد شرائح ضريبة الدخل، وتقليص أيام النقاهة، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وهو ما قد يضر بمستوى الطلب في الاقتصاد. كما يتضمن تخفيضات واسعة النطاق في ميزانيات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الميزانية إلى محركات النمو الرئيسية، ولا تتضمن تخفيضات كبيرة في أموال الائتلاف غير الضرورية، كما أن الأموال التي وعدت بها "قانون النهضة" لإعادة إعمار غلاف غزة والشمال لم يتم تضمينها أيضاً. وبدلاً من تلك البنود التي قد تشجع النمو والاندماج في سوق العمل، تتضمن الميزانية مخصصات كجزء من اتفاقيات الائتلاف، والتي تحفز عدم التجنيد في الجيش الإسرائيلي وعدم المشاركة في سوق العمل. علاوة على ذلك، فإن توزيع الأموال على المؤسسات المعفاة من الضرائب في التعليم الحريدي والتي لا تدرس المواد الأساسية يؤدي إلى إدامة المشكلة وتفاقمها، لأن التعليم الذي تقدمه لا يزيد من قدرة طلابها على الكسب في المستقبل.

الحدث الثالث هو عدم الاستقرار السياسي الذي يرافق عودة الثورة القضائية ومحاولات إقالة المستشار القانوني للحكومة ورئيس الشاباك.

منذ بداية الحرب، قامت ثلاث وكالات تصنيف ائتماني بخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل". وفي كل التقارير التي أصدروها منذ انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أشاروا إلى الخوف من عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي.

وفي العام الماضي، هاجم وزير المالية سموتريتش قرارات شركات التصنيف الائتماني في عدة مناسبات، مدعيا أن الشركات تتعامل مع قضايا غير اقتصادية، وأنه يتوقع نموا مرتفعا للاقتصاد الإسرائيلي بعد نهاية الحرب.

ولكن هناك مشكلة أساسية في هذه الحجة؛ إذ تشير دراسات واسعة النطاق في علم الاقتصاد إلى أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية تؤثر على نمو وازدهار البلدان. على سبيل المثال، أظهر الفائزون بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024 (درون أسيموجلو، وسيمون جونسون وجيمس روبيسون) أن البلدان التي تتمتع بمؤسسات ديمقراطية وسيادة قانون مستقرة تميل إلى الازدهار اقتصاديا، في حين تكافح البلدان ذات المؤسسات الضعيفة لتحقيق نمو كبير في الأمد البعيد.

وهذا يعني أنه حتى من منظور اقتصادي بحت، فإن إضعاف السلطة القضائية يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد. ولذلك، يتعين على وكالات التصنيف الائتماني أن تعالج القضايا السياسية في كل دولة تدرسها لتقييم المخاطر المستقبلية التي تهدد الاقتصاد. والخلاصة هي أن عدم الاستقرار السياسي يساهم في ارتفاع تكاليف تمويل الديون، كما يتضح من ارتفاع علاوة المخاطر في "إسرائيل" في عام 2023، حتى قبل بدء الحرب.

ولكي نفهم بشكل أفضل تأثير العمليات الثلاث التي تحدث معا على القوة المالية لـ"إسرائيل"، كما يراها المستثمرون الدوليون، فمن المفيد أن ننظر إلى التقلبات في عقود مقايضة الائتمان الافتراضي (CDS)، وهو عقد مالي يستخدم كأداة للحماية من إفلاس الجهة المصدرة للدين. وبعبارة بسيطة، فهو تأمين ضد خطر عدم سداد الديون. كلما ارتفع مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان في بلد ما، زاد قلق المستثمرين بشأن الاستقرار الاقتصادي في البلاد. ويتغير هذا المؤشر يوميا، مما يتيح لنا الحصول على رؤية فورية حول مخاطر الائتمان في البلدان.

ويظهر مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان الإسرائيلي (بالدولار) لمدة 10 سنوات منذ 1 كانون الثاني/ يناير 2023، أن مخاطر الائتمان الإسرائيلي بدأ في الارتفاع بشكل معتدل في بداية عام 2023 وقفز بشكل كبير مع اندلاع الحرب. وواصل مؤشر أسعار المستهلك (CDS) اتجاهه الصعودي ولكن بدرجة معتدلة في العام الأول من الحرب.

وفي ضوء الإنجازات التي تحققت ضد إيران بعد الهجوم الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، انخفض مؤشر القوة النسبية (CDS) بشكل حاد. واستمر تراجعه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان. ومع استئناف القتال في قطاع غزة في أوائل آذار/ مارس 2025، ارتفع مستوى الدفاع الصاروخي الإسرائيلي مجددا. والمعنى العملي لهذه العلاوة هو أن الأسواق تضع في الحسبان مخاطر أكبر للإفلاس في "إسرائيل".

يميل هذا المؤشر إلى أن يسبق قرارات شركات التصنيف الائتماني. على سبيل المثال، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" في شباط/ فبراير وأيلول/ سبتمبر 2024، بعد فترة طويلة من ارتفاع أسعار مقايضة مخاطر الائتمان. وبشكل عام، انخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" بحسب وكالة موديز من مستوى ما قبل الحرب A1 إلى المستوى الحالي Baa1 مع نظرة مستقبلية سلبية. ويعتبر هذا المستوى قريباً جداً من مستوى Ba1، وهو المستوى الذي تعتبر فيه السندات سندات غير مرغوب فيها.



إن الانخفاض إلى هذا المستوى قد يدفع "إسرائيل" إلى أزمة مالية حيث ستجد صعوبة في جمع الديون في الأسواق المالية لتمويل نفقاتها (بما في ذلك نفقات الحرب).

وهناك احتمال لقيام شركات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف "إسرائيل" مرة أخرى.

وينصح التقرير القادة الإسرائيليين بأن يأخذوا في الاعتبار أن الأمن القومي الإسرائيلي مرتبط بالطريقة التي تنظر بها الأسواق المالية إليه.

ويضيف: بالنسبة للأسواق المالية، فإن "إسرائيل" تعيش حالة من الاضطراب الأمني والسياسي والاجتماعي، وكل هذا لا يحدث في فراغ؛ هذه العمليات الثلاث تجري على خلفية الحروب التجارية وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي في ضوء السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

مقالات مشابهة

  • اقتصاد ما بعد الحرب.. كيف يحاول السودانيون التعافي من الانهيار؟
  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
  • رئيسة الوزراء الأيسلندية ليورونيوز: التحولات الجيوسياسية ستؤثر على استفتاء الانضمام للاتحاد الأوروبي
  • النصيري يؤكد مشروع الاصلاح المصرفي الشامل الذي اعلنه البنك المركزي سيثمر نتائج واعدة
  • 63 ترخيصًا خلال يناير.. 103 مصانع جديدة تبدأ الإنتاج
  • محافظة الإسماعيلية تطلق مشروع "السوق الحضري" لدعم الصناعة المحلية وتعزيز التنافسية
  • محافظة الإسماعيلية تطلق مشروع السوق الحضري لدعم الصناعة المحلية
  • “الصناعة”: بدء الإنتاج في 103 مصانع وإصدار 63 ترخيصًا صناعيًا جديدًا خلال يناير 2025
  • انهيار وشيك لـ الشيكل.. 1.4 مليار دولار تراجع في احتياطيات البنك المركزي الإسرائيلي
  • الرؤية الفنية المعاصرة.. هوية الأعمال المشاركة في “أسبوع فن الرياض”