مونيكا وليم تكتب: اقتصاد حرب.. ما بين التحولات التاريخية والتحديات المعاصرة
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
آثار تصريح الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء حول " اقتصاد الحرب" العديد من التساؤلات والاستفسارات بشأن ماذا يعني المفهوم وما هي السياسات التي سوف يتم انتهاجها في أطاره؟ وبمراجعة التبعات المنبثقة عن التوترات الجيوسياسية والتي تشمل الأوضاع في غزة ولبنان ، ناهيك عن النزاعات في منطقة القرن الافريقي ، بالإضافة إلى التهديدات المحتملة من دول الجوار هذه التوترات تؤثر على الأمن القومي وتستدعي استجابة فعالة.
وبالتالي فإن السؤال الجامع الذي سيتم طرحه " ماذا يعني مفهوم "اقتصاد الحرب" والذي يتفرع عنه عدة تساؤلات فرعية، كتلك المتعلقة بظروف تطبيقه والتدابير التي يقتضي الآخذ بها ، وهل نحن عند نقطة تحول؟
إذن تتميز السياسات الملاحقة لاقتصاد الحرب بأنها إجراءات استثنائية على المستوي الاقتصادي وتعني على المستوي السياساتي وفقاً لفيليب لو بيلون تقليدياً قيام الدولة بهيكلة قدرتها الإنتاجية والتوزيعية ككل خلال اشتراكها في صراع مسلح، ويتم ذلك من خلال تعديلات جذرية على قدرتها الإنتاجية الاستهلاكية بنمط اقتصادي محدد مفاداه توجه أغلب تلك القدرات نحو تلبية احتياجات المجهود العسكري.
وبالتالي تقليديًا حتى تتمكن الدولة من تطبيق اقتصاد الحرب، يتم سن قوانين استثنائية تسمح للحكومات بالسيطرة على جميع موارد البلاد وإلزام الشركات والمصانع الخاصة بإدخال تغييرات رئيسة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الناجمة عن الحرب، والتي تقررها الحكومة والقيادات العسكرية. ويمتد هذا التغيير إلى الضرائب بأنواعها وكيفية توزيع إنفاقها في الموازنة العامة للدولة.
وأبرز مثال على تطبيق اقتصاد الحرب جاء خلال الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد عام 1942 عندما أصبحت الولايات المتحدة الامريكية طرفاً مباشراً في تلك الحرب في أعقاب تدمير أسطولها في بيرل هاربر من جانب اليابان أواخر عام 1940، إذ لقب الرئيس فرانكلن روزفلت الولايات المتحدة بترسانة الدول الديمقراطية ودعا كبرى مصانع البلاد للتوحد في مواجهة قوى المحور آنذاك. وعلى إثر ذلك، اتجهت كبرى مصانع السيارات الأميركية للتخلي عن بروتوكولاتها لتبدأ في صناعة الطائرات والدبابات والمحركات والذخيرة لدعم مجهودات الحرب، وفي أوج نجاحها ما بين أواخر 1943 ومطلع 1944، بلغ الإنتاج الحربي الأميركي ذروته، حيث أنتجت هذه المصانع كميات أسلحة تجاوزت تلك التي أنتجتها مصانع حلفائها مجتمعة.
وعلى الجبهة الداخلية، أسفرت عمليات التجنيد التي تلت هجوم بيرل هاربر عن إفراغ المصانع الأميركية من العمال الذين التحقوا بالخدمة العسكرية لتلجأ بذلك هذه المصانع نحو استقطاب عمال جدد، خاصة من العنصر النسائي، لسد الفراغ ودعم المجهود الحربي للبلاد. وقد ساهم ذلك في تراجع مذهل لنسب البطالة. فأثناء فترة الكساد الكبير، بلغت نسبة البطالة بالولايات المتحدة 25%. وعام 1939 تراجعت هذه النسبة لتبلغ 14.6%. وبحلول عام 1944 انخفضت البطالة لمعدلات قياسية تقدر بنحو 1.2% فقط.
لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان، اتجهت المصانع الأميركية للعودة نحو الإنتاج المدني عن طريق صناعة السيارات والثلاجات وغيرها بدلاً من الدبابات والطائرات. وأضيف إلى ذلك عودة أعداد كبيرة من الأميركيين من الخدمة العسكرية واستعدادهم لدخول سوق العمل في وقت لم تكن فيه المصانع مستعدة لاستيعابهم.
الإ انه حديثاً، ونظرا لارتباط سلاسل الامداد بشكل أعمق، واعتباراً من أن شواغل الأمن القومي تشكل السياسة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، فقد تغًير مفهوم "اقتصاد الحرب" وطرأ عليه العديد من المدخلات، أبرزها على سبيل المثال عدم الضرورة في الدخول كطرف مباشر في الصراع الدائر وهو ما تبلور في الحالة الفرنسية في الآونة الأخيرة عندما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دول الاتحاد الاوروبي إلى التطبيق الفوري لاقتصاد زمن الحرب خلال حديثه في 2022، حول الحرب في أوكرانيا، وحتمية التكيف مع السياقات الجديدة والاستعداد والتهيئة لوضع اقتصاد الحرب خلال بناء هيكل أمني جديد وإطار عمل متجدد للاستقرار
ختاماً، مع تزايد التوترات الجيوسياسية المحيطة بمصر، فمن الطبيعي ان يصبح مفهوم اقتصاد الحرب أكثر أهمية من أي وقت مضى وهو الامر الذي يتطلب معه جاهزية عالية واستجابة سريعة للتكيف مع هذه التغيرات من خلال تعزيز القدرات الدفاعية، تطوير استراتيجيات اقتصادية مرنة، وتحسين البنية التحتية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اقتصاد الحرب
إقرأ أيضاً:
لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة.. بين النشأة والمهام والتحديات
في الأربعينيات من القرن الماضي أطلقت سيدة أمريكا الأولى إليانور روزفلت في رحاب الأمم المتحدة بنيويورك، شرارة النضال من أجل حقوق المرأة، وتتجدد كل عام لقاءات الأمل، حيث تتلاقى أصوات آلاف النساء من مختلف أنحاء العالم، لتصوغ معا ملامح مستقبل يصون كرامة المرأة ويحفظ حقوقها.
ففي مارس من كل عام، تجتمع لجنة الأمم المتحدة السنوية المعنية بوضع المرأة (CSW) لمعالجة أوجه عدم المساواة والعنف والتمييز واسعة النطاق التي لا تزال النساء يواجهنها في جميع أنحاء العالم.
بدأ عمل اللجنة بعد أيام من قراءة روزفلت رسالة مفتوحة موجهة إلى نساء العالم، خلال الاجتماعات الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1946، دعت فيها حكومات العالم إلى تشجيع النساء في كل مكان على القيام بدور أكثر فاعلية في الشؤون الوطنية والدولية، والنساء الواعيات بفرصهن إلى التقدم والمشاركة في عمل السلام وإعادة الإعمار كما فعلن خلال أوقات الحرب والمقاومة.
ومن ثم أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة على الفور لجنة فرعية. تم تكليف أعضائها الستة - الصين والدنمارك وجمهورية الدومينيكان وفرنسا والهند ولبنان وبولندا - بتقييم المشاكل المتعلقة بوضع المرأة لتقديم المشورة إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ومنذ البداية، برزت دعوات للعمل، بما في ذلك إعطاء الأولوية للحقوق السياسية، إلى جانب توصيات بإجراء تحسينات في المجالات المدنية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وفقا للتقرير الأول للجنة الفرعية، الذي دعا أيضا إلى عقد مؤتمر للأمم المتحدة للمرأة لتعزيز البرنامج.
وبحلول يونيو 1946، أصبحت رسميا لجنة وضع المرأة، وهي إحدى الهيئات الفرعية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي من عام 1947 إلى عام 1962، وركزت اللجنة على وضع المعايير وصياغة الاتفاقيات الدولية لتغيير التشريعات التمييزية وتعزيز الوعي العالمي بقضايا المرأة.
وبالعودة إلى الأيام الأولى للجنة، فقد ساهمت عضويتها المتزايدة في بعض الاتفاقيات الدولية المتفق عليها على نطاق واسع في تاريخ الأمم المتحدة. منها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948: بمساعدة روزفلت، رئيسة لجنة صياغة الإعلان، ونجحت لجنة وضع المرأة في الاعتراض على الإشارات إلى الرجال كمرادف للإنسانية وقدمت لغة جديدة وأكثر شمولا في النسخة النهائية التي اعتمدتها الجمعية العامة. وإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، وفى 1967: أدت الجهود المبذولة لتوحيد المعايير المتعلقة بحقوق المرأة إلى مطالبة الجمعية العامة للجنة وضع المرأة بصياغة الإعلان.
ومن الاتفاقيات الدولية أيضا، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وفي 1979: قامت لجنة وضع المرأة بصياغة الصك الملزم قانونا. وإعلان ومنهاج عمل بيجين، 1995: كان للجنة وضع المرأة دور محوري في اعتماد الإعلان الرائد، الذي لا يزال وثيقة سياسية عالمية رئيسية بشأن المساواة بين الجنسين.
والواقع أنه مع تزايد عضوية الأمم المتحدة وتزايد الأدلة خلال الستينيات على أن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب بالفقر، ركزت لجنة وضع المرأة على الاحتياجات في التنمية المجتمعية والريفية، والعمل الزراعي، وتنظيم الأسرة، والتقدم العلمي والتكنولوجي. كما شجعت اللجنة منظومة الأمم المتحدة على توسيع المساعدة التقنية لتعزيز النهوض بالمرأة، وخاصة في البلدان النامية.
وأعلنت الأمم المتحدة عام 1975 السنة الدولية للمرأة وعقدت المؤتمر العالمي الأول للمرأة، الذي عقد في المكسيك. وفي عام 1977، اعترفت الأمم المتحدة رسميا باليوم الدولي للمرأة، الذي يتم الاحتفال به سنويا في 8 مارس.
وفي عام 2010، بعد سنوات من المفاوضات، اعتمدت الجمعية العامة قرارا يدمج الأقسام والإدارات ذات الصلة بالمنظمة في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، التي تواصل التعاون الوثيق مع لجنة وضع المرأة.
ويمكن القول أن من أبرز التحديات، معالجة القضايا الناشئة ومنها تحديات مثل تغير المناخ والعنف القائم على النوع الاجتماعي وضمان مشاركة المرأة الكاملة في صنع القرار وفي استراتيجيات التنمية المستدامة.
كما تساهم لجنة وضع المرأة أيضا في متابعة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 لتسريع تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، بهدف الوصول إلى جميع النساء وعدم ترك أحد خلف الركب.
ولعل من الحلول المعنية بإنهاء فقر المرأة والمعترف بها على نطاق واسع، الاستثمار في السياسات والبرامج التي تعالج أوجه عدم المساواة بين الجنسين وتعزيز وكالة المرأة وقيادتها إلى سد الفجوات بين الجنسين في التوظيف.
ومن من شأن القيام بذلك أن يخرج أكثر من 100 مليون امرأة وفتاة من الفقر، ويخلق 300 مليون وظيفة، ويعزز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20 في المائة في جميع المناطق.
اقرأ أيضاًالأمم المتحدة تدعو إلى فتح باب تكافؤ الفرص أمام النساء والفتيات لصالح الجميع
الأمم المتحدة: فرار 80 ألف شخص من الكونغو الديمقراطية بسبب القتال
الأمم المتحدة: إغلاق المعابر ومنع المساعدات له عواقب مدمرة على أهل غزة