نابلس- منذ أن غادرت عائلة أبو حمدان منزلها في مخيم بلاطة بنابلس قبل 10 أشهر لم ترجع إليه، فالبيت الذي فجَّره جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يعد صالحا للسكن، وأضحت العائلة مشتتة في مسكنها الذي استأجرته عند أطراف المخيم، على أمل العودة إلى بيتها الذي لم يتركه جنود الاحتلال حتى بعد هدمه.

وكغيره من مخيمات شمال الضفة الغربية، وخاصة مدن جنين وطولكرم، يواجه مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين شرقي نابلس اقتحامات متكررة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تصل أحيانا لمرتين أو ثلاثة في اليوم الواحد، وتمتد لساعات طويلة، مخلفة دمارا وخرابا ينذر بخطر أكبر يحدق بالمخيم، وسط تهديدات مبطنة وعلنية للسكان تتوعدهم إذا دعموا المقاومة أو احتضنوها بشكل أو بآخر.

ومع كل اقتحام لجيش الاحتلال للمخيم، تعيش عائلة أبو حمدان مأساة في الاحتجاز والتحقيق الميداني، إضافة للتهديدات من ضباط المخابرات الإسرائيلية، حال كثيرين باتوا يواجهون الأمر نفسه وخاصة ذوي المطاردين والمطلوبين للاحتلال، مما أفقدهم الأمان.

قوات الاحتلال لم تكتف بتدمير منزل عائلة أبو حمدان بل تلاحقهم وتهددهم بشكل شخصي (الجزيرة) تهديد مستمر

قبل 10 أشهر تقريبا، عاشت عائلة أبو حمدان فاجعة لا تقل عن اغتيال الاحتلال اثنين من أبنائها المقاومين بعد مطاردتهما، فالقوات الإسرائيلية اقتحمت منزلها وفجرته وشرَّدت العائلة إلى أطراف المخيم بشكل مزَّق شملها. وسبق ذلك كله اقتحامات وتحقيقات ميدانية واحتجاز لأفراد العائلة، فضلا عن تهديد ووعيد عبر الاتصال المباشر من قبل ضباط المخابرات الإسرائيلية.

يقول أحمد أبو حمدان بينما كان واقفا ينظر إلى أطلال المنزل المحترق بالكامل والمهدم بفعل التفجير، ويُقلِّب ما تبقى فيه من ملابس وألعاب أطفاله وأشقائه المتفحمة "أفقدَنا الاحتلال الشعور بالأمان في المنزل حتى بعد هدمه، وصارت العودة إليه بالنسبة لنا حلما، وكأنه كتب علينا أن نبقى مهجرين".

ويضيف أحمد (34 عاما) أن الاحتلال عاقب العائلة بأكملها ولا يزال، وبعد قتل شقيقيه وهدم المنزل، أصبحوا هدفا لجنود الاحتلال كلما اقتحموا المخيم أو تصادف مرورهم عبر حواجزه العسكرية، "وآخرها حين اعتدى جنود حاجز بيت فوريك العسكري على شقيقي بالضرب، لأنهم يحتفظون بصور لإخوتي الشهداء على هواتفهم، ومرة ثانية أطلقوا النار على أخي عند حاجز دير شرف غرب المدينة" يتابع أحمد.

نزوح واقتحامات

يتهدد عائلة أبو حمدان أمام حلمهم بالعودة لمنزلهم وترميمه ولم شملهم مرة ثانية خطر الهدم الإسرائيلي مجددا، أو اتخاذه نقطة عسكرية ومركزا للعمليات، "الاحتلال كالسرطان لا أحد يسلم منه" يصف أبو حمدان.

وأضحى الحال الذي تعيشه عائلة أبو حمدان كحال عائلات كثيرة بمخيم بلاطة، تزامنا مع توغلات الاحتلال وعملياته العسكرية، وكذلك تهديداته عبر منشورات يلقي بها بين السكان، بالانتقام من المخيم إذا ما استمر بدعم وإيواء المقاومة.

فعائلة أبو عطا التي يطارد الاحتلال أحد أبنائها واجهت المصير ذاته، وتهجَّرت من منزلها على وقع تلك الاقتحامات التي لم تتوقف، ومعها نحو 20 شخصا يسكنون البناية المكونة من عدة طبقات، وبينما نزح أشقاؤه لم يبق إلا أبو عطا واثنان من أبنائه فقط ليواجهوا اقتحام المنزل وتدميره وتخريب أثاثه كل مرة.

يقول أبو عطا للجزيرة نت "كان جنود الاحتلال يدمرون المنزل بالفؤوس والمطارق الضخمة (المهدات)، وكأنهم ينتقمون منا، وهاجموا أيضا الجيران والمنازل المحيطة بمنزلنا، وكأن دائرة العقاب تتسع لتطال الكل".

ومنذ الحرب على غزة قبل أكثر من عام، ومخيم بلاطة الذي يقطنه أكثر من 33 ألف لاجئ فلسطيني، ويعرف بأنه الأكبر بين مخيمات الضفة الغربية، يتعرض لهجوم إسرائيلي غير مسبوق، عبر أكثر من 100 اقتحام كبير تم تسجليها.

ورغم وجود العشرات من الاقتحامات لم توثق أيضا، مع ما خلّفت من أضرار جسيمة، فإنها لم تصل لما هو الحال بمخيمات جنين وطولكرم، حيث شلت الحياة فيها بالكامل تقريبا، بعد تدمير الاحتلال للبنى التحتية وتكبيد تلك المخيمات خسائر قدرت بملايين الدولارات.

جدارية في المخيم تشرح موقف سكانه "يسقط الاحتلال ولا يسقط مخيم بلاطة" (الجزيرة) حالة الوعي

يقول عماد زكي رئيس لجنة خدمات مخيم بلاطة إن الاحتلال يخطط عبر اقتحاماته التي تضاعفت أكثر بعد الحرب على غزة لتهجير المخيم طوعا أو غصبا عبر آلياته وأدواته المختلفة، وبالتالي إنهاء قضية اللاجئين سياسيا، مستغلا صعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي لتنفيذ مخططاته.

ودمّر الاحتلال في هجمته بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مخيم بلاطة نحو 180 منزلا بشكل كامل أو جزئي، وشرد عوائل كثيرة، وقتل 22 مواطنا وأصاب المئات، الذين يعاني جزء كبير منهم أوضاعا صحية صعبة، كما اعتقل واحتجز العشرات.

ومع تهديدات الاحتلال المستمرة لاجتياح المخيم، يخشى زكي من تفاقم الأوضاع سوءا داخل المخيم أو أن تتوسع أهداف الاحتلال لإحداث دمار أكبر، بحجة البحث عن مطلوبين لإنهاء الحالة المقاومة فيه كما فعل بمخيمات كثيرة.

ويراهن زكي وغيره من الشخصيات القيادية بالمخيم على أمور عدة قد تحول دون اجتياح إسرائيلي كبير يخلف دمارا للمخيم، أولها تخوف الاحتلال من ردة فعل سكان المخيم برمته، مقاومة وغيرها، ضد الاحتلال ومؤسساته، وثانيا تضاريس المخيم وما يمكن أن تلعبه في إفشال مخططات الاحتلال.

وثالثا حالة الوعي التي تشكلت لدى أهالي المخيم ومعرفتهم بأهداف الاحتلال، إضافة لوعي الجيل الشاب بطريقة المقاومة وأسلوبها وأدواتها، وحتى اختيار مكانها بعيدا عما يبرر للاحتلال ويعطيه ذريعة لارتكاب مجازره وجرائمه، "ولكن دون إسقاط لخيار المقاومة أو منعه أصلا" يقول زكي للجزيرة نت.

يخشى زكي من تفاقم الأوضاع سوءا داخل المخيم أو أن تتوسع أهداف الاحتلال لإحداث دمار أكبر (الجزيرة) الاستفراد بالمخيم يدمره

ويتساءل زكي عن غياب التنظيمات الفلسطينية وعن دورها المفترض بالعمل المقاوم، ويحملها المسؤولية في عدم تحديد البوصلة واتخاذ قرار حول المقاومة حتى الآن، سواء بتوسعتها لتشمل كل الضفة الغربية، أو إعادة تموضعها وإعدادها بطريقة ذكية لتواجه عنجهية الاحتلال.

ويشرح ذلك بقوله "لأن تحديد العمل المقاوم ببقعة جغرافية محددة يعني استفراد الاحتلال بها، وتدميره لها سكانيا واجتماعيا، وهو ما فعله بمخيمات جنين وطولكرم وأكثر".

ويشير زكي إلى أن الاحتلال ينتقم من مخيم بلاطة ويستهدفه مباشرة، وهو لا يخفي نيته ومخططاته، "وإلا بماذا نفسر استهداف الاحتلال على الدوام وقنصه لأي شيء متحرك عند أي اقتحام، واستهدافه للمدنيين وأطقم الإسعاف؟ هو يريد أن ينهي أي حاضنة للمقاومة".

وأمام كل هذا لا يدخر الاحتلال جهدا في ملاحقة المقاومين داخل المخيم وخارجه، ويستهدفهم بالقصف والاغتيال المباشر، وعبر قواته الخاصة، وبالمقابل يصرون هم على مواصلة نضالهم ضده.

الأهالي يعوّلون على طبيعة تضاريس مخيم بلاطة بإعاقة عمل عسكري ضده (الجزيرة)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات مخیم بلاطة

إقرأ أيضاً:

التفاصيل الكاملة لاختفاء المخرج الفلسطيني حمدان بلال الحائز على الأوسكار

خلال الساعات الماضية، تصدر اسم المخرج حمدان بلال، أحد مخرجي الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى"، الحائز على جائزة الأوسكار، اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد الهجوم عليه من قبل مجموعة من المستوطنين المسلحين، قبل أن يعتقله الجيش الإسرائيلي .

فيلم "لا أرض أخرى"، الذي فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في حفل الأوسكار لهذا العام، يوثق معاناة السكان الفلسطينيين في نضالهم المستمر ضد قرارات الجيش الإسرائيلي بهدم قراهم.

العشم.. إعلامية تعلق على خلاف محمد رمضان وياسمين صبريمن المستشفى.. عنبة يطلب الدعاء من جمهوره بعد تعرضه لوعكة صحية

وقد أخرج الفيلم بشكل مشترك المخرجان الفلسطينيان حمدان بلال وباسل عدرا، إلى جانب المخرجين الإسرائيليين يوفال أبراهام وراشيل شزور.

وحاز الفيلم على عدة جوائز دولية منذ تتويجه في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2024، لكنه أثار جدلًا واسعًا داخل إسرائيل وخارجها.

وقدم النائب أيمن عودة، رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير، استجوابًا مستعجلًا لوزير "الأمن" الاسرائيلي يسرائيل كاتس حول “الاعتداء على المخرج الفلسطيني بلال حمدان واختطافه على يد جنود الاحتلال من سيارة الإسعاف”.

وأوضح بيان للنائب أيمن عودة أنّ بلال حمدان هو مخرج فيلم "لا أرض أخرى" الذي يفضح جرائم الاحتلال والمستوطنين في  الضفة الغربية. 

وفي استجوابه، طالب “عودة” بالكشف عن هوية المستوطنين الذين هاجموا حمدان والكشف عن مصيره وأسباب اختطافه على يد جنود الاحتلال من سيارة الإسعاف ومنع علاجه.

مقالات مشابهة

  • قوات الاحتلال تقتحم مخيم الدهيشة جنوبي بيت لحم بالضفة الغربية
  • الاحتلال يعتقل 8 مواطنين من نابلس ومخيمي بلاطة والعين
  • التفاصيل الكاملة لاختفاء المخرج الفلسطيني حمدان بلال الحائز على الأوسكار
  • مستوطنون يعتدون على مخرج فيلم “لا أرض أخرى”
  • إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية تستهدف سيارة في مخيم البريج وسط قطاع غزة
  • الضفة تحت العدوان.. الجيش الإسرائيلي يقتحم مخيم بلاطة
  • الاحتلال يدفع بتعزيزات عسكرية إلى مخيم جنين
  • 16 ألف عراقي في مخيم الهول.. أزمة إنسانية وأمنية مستمرة
  • إسرائيل تداهم منازل في مخيم طولكرم وتبلغ سكانها بمغادرتها
  • فلسطين: تدمير مستشفى الصداقة التركي جزء من سياسة الاحتلال في إبادة وتهجير شعبنا