هل بالفعل هيأت بريطانيا جنوب اليمن ليكون هونغ كونغ؟
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
إن التنكر لثورة 14 أكتوبر اليمنية في جنوب اليمن أمر يستدعي التأمل الجاد في رغبة بعض الناس بالاحتلال والبقاء تحت الوصاية. البعض قاصر حدث ولن يكبر.
يستشف من هذا التنكر ستة نقاط.
أولا، التسليم المطلق بعجز الجيل الحاضر في معالجة مشاكله وتحقيق تنمية دون المحتل. ثانيا، ادانة ضمنية لعملية التحرر التي لم تشمل جنوب اليمن فقط، بل كانت موجة تاريخيّة فيها سياقها ودوافعها ومنبعها القيمي والأخلاقي والقانوني والإنساني ونجحت دول وفشلت أخرى في تحقيق اهداف الاستقلال.
نضجت موجة التحرير لأمرين. أولا تراكم تجارب النضال مع ثانياً متغيرات دولية في النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية اقتضت تغيير في مسار الاحتلال وتاليا المغادرة.
هذه الإدانة لعملية التحرر لا تنفصل عن آخر أشكال الاحتلال القائمة في المنطقة العربية والذهنية التي يراد تكريسها الان.
ثالثا، الإصرار العنيد على تجاهل الحقائق التاريخية بوجهها الاقتصادي والسياسي في الاحتلال الذي يسمى كذبا استعمار. كانت ثروات البلدان المستعمرة تذهب إلى المركز ولا يبقى فيها إلا الفتات ولهذا لو استمر الاستعمار لاستمرت المعادلة. او تخلى المحتل عن الاحتلال لانتفاء النفع بالنسبة له.
الطرف الذي قاد حملات الاحتلال كان تكتل تجاري وشركات تبحث عن موارد وربح ومراكز جيواستراتيجية. وحتى آخر لحظة كان الاحتلال كذلك وليس شركة خيرية. والاحتلال لا يقوم على أي نص تعاقدي يضمن الحقوق.
تجاهل هذه البدهيات يتعمد تقديم الوضع على ان المحتل قدم إلى أراض بوار لا شعب ولا أدوات انتاج ولا تراكم حضاري فيها فأحياها.
رابعا، التهرب من الإحاطة بالسياق الجيوسياسي لفترة الاستقلال والطريقة التي صيغ فيها هذا الاستقلال لدرجة انه لم يكن امام القوى الوطنية إلا القبول بأقل المتاح طالما وعوامل القوة محصورة بقوى مهيمنة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
خامسا، عدم النظر إلى سياق الحرب الباردة وتأثيرها في تلك المرحلة ودورها في فشل او نجاح تحقيق اهداف الاستقلال.
سادسا، وهذا الأهم هو محاولة البعض تبييض صفحة المحتل مما فعله بسكان وثروات وارث البلدان التي احتلها لمجرد ان ما بعد الاستقلال كان فشلاً. وعدم التساؤل في دور الاحتلال في تسيير مرحلة ما بعد الاستقلال وترك بلدان قابلة للانفجار والصراع الدموي.
الان اريد العودة إلى نقطتين مما اثير في تعليقات منشور سابق حول ثورة أكتوبر: أولا ان بريطانيا، بنشرها التعليم وبنية تحتية واستثمار في الميناء كانت قد هيئات الجنوب اليمني ليكون هونغ كونغ الشرق الأوسط لولا بطرة المناضلين وعروبيتهم الفارغة.
ثانيا لو ان بريطانيا استمرت لكانت عدن وربما جنوب اليمن سانغافورة او هونغ كونغ.
تعالوا إلى نقطة التعليم. بريطانيا التي اصبح التعليم الأساسي اجباري ومجاني فيها لمن هم ما دون العاشرة منذ منتصف 1880 لم تعمل مدرسة عامة في عدن إلا بعد عام 1939. أي بعد قرن كامل من استيلائها على عدن. فاين كانت النوايا الحسنة للاحتلال طيلة قرن؟
وحتى عام 1962 لم يكن في جنوب اليمن أي مدرسة ثانوية. دققوا في هذا التاريخ! بعده اصبح عدد المدارس الثانوية ثلاث ثانويات بريطانية وقرابة العشر الاهلية وأربعة معاهد عليا في العام 1966.
كان التعليم في الجنوب اليمني بمبادرات أهلية ورغبة السلطنات في تأسيس تعليم لذا لجّأوا إلى كوادر عربية وسودانية بالتحديد.
كانت المدارس التي شرعت فيها بريطانيا قبل 1962 مخصصة للرؤساء وليست لعامة الناس ولم يتخرج منها إلا عدد محدود جدا لا يصلح لإدارة بلاد وتسيير شؤونه على الاطلاق.
الان لماذا فقط في هذا التاريخ قررت بريطانيا اجتذاب أبناء الزعماء المحليين في الجنوب والشرق؟ لأنها شرعت في سياسية جديدة لتنظيم الجنوب وفق نهج يفصل هذا الجنوب عن عمقه الاستراتيجي وعن بيئته الثقافية. لكن الأهم من هذا ان بريطانيا لم تفكر بمشاريع في المجال التعليمي إلا لاحتواء المد العربي خصوصا بعد ثورة يوليو في مصر وانتشار القومية العربية. وقبل هذا كانت تعتبر هذه المناطق لا تستحق أي جهد. كانت بريطانيا في عدن تسيرّ شؤونها بعاملين تستقطبهم من أراضي أخرى ضمن إمبراطورتيها الكبيرة.
المستفيد من هذا الوضع لا تفرق معه. لكن تصور انك من أبناء الصبيحة او زنجبار او الحوطة ولا تستطيع دخول عدن او العمل فيها او الدراسة فيها بينما الوظائف يديرها المحتل بقوى بشرية لا تعرف لغتك وليست من ارضك.
الحقيقة التي لا يريد مواجهتها البعض وهم يحقّرون من المد العروبي هو انه لولا خشية بريطانيا من انتشار هذا الفكر القومي ما كانت شرعت في إصلاحات سياسية ولا تعليمية في جنوب اليمن على الاطلاق.
الان وبعد هذه المقدمة نجد، أولاً ان توسيع العملية التعليمية في جنوب اليمن وإدخال تعليم ثانوي ومعاهد ما بعد ثانوية -بخلت بريطانيا على مدينة سكانها يقاربون عدد 150 ألف نسمة انشاء جامعة لهم بينما كان عدد الطلاب قد وصل في نهاية العهد الاستعماري إلى 18 الف طالب- لم يكن إلا لدوافع جيوبوليتيكية خصوصا بعد قيام نظام جمهوري في شمال اليمن وبداية مشاريع تعليمية واسعة بدعم من نظام مصر الخصم لبريطانيا.
كانت برامج بريطانيا لكبح حركة التغيير لا اكثر. ثانيا هل كانت مشاريع التعليم التي توسعت في 1962 في جنوب اليمن بتوفير ثلاث مدارس ثانوية بريطانية كفيلة بتأهيل الجنوب ليكون هونغ كونغ؟
وفي منشور لاحق سأتناول النقطة الثانية حول حتمية الازدهار في ظل بقاء جنوب اليمن تحت إدارة استعمارية.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: اليمن كتابات مصطفى ناجي فی جنوب الیمن هونغ کونغ ما بعد
إقرأ أيضاً:
من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
في المحاضرة الرمضانية الـ 12 للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أشار إلى حقيقة صارخة لا يمكن إنكارها: الفرق الشاسع بين الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، وبين تعامل الدول العربية مع القضية الفلسطينية، هذه المقارنة تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة المواقف السياسية، ومعايير “الإنسانية” التي تُستخدم بمكيالين في القضايا الدولية.
أوروبا وأوكرانيا.. دعم غير محدود
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، سارعت الدول الأوروبية، مدعومةً من الولايات المتحدة، إلى تقديم كل أشكال الدعم لكييف، سواء عبر المساعدات العسكرية، الاقتصادية، أو حتى التغطية السياسية والإعلامية الواسعة، ولا تكاد تخلو أي قمة أوروبية من قرارات بزيادة الدعم لأوكرانيا، سواء عبر شحنات الأسلحة المتطورة أو المساعدات المالية الضخمة التي تُقدَّم بلا شروط.
كل ذلك يتم تحت شعار “الدفاع عن السيادة والحق في مواجهة الاحتلال”، وهو الشعار الذي يُنتهك يوميًا عندما يتعلق الأمر بفلسطين، حيث يمارس الاحتلال الإسرائيلي أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين دون أن يواجه أي ضغط حقيقي من الغرب، بل على العكس، يحظى بدعم سياسي وعسكري غير محدود.
العرب وفلسطين.. عجز وتخاذل
في المقابل، تعيش فلسطين مأساة ممتدة لأكثر من 75 عامًا، ومع ذلك، لم تحظَ بدعم عربي يقترب حتى من مستوى ما قُدِّم لأوكرانيا خلال عامين فقط، فالأنظمة العربية تكتفي ببيانات الشجب والإدانة، فيما تواصل بعضها خطوات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في تناقض صارخ مع كل الشعارات القومية والإسلامية.
لم تُستخدم الثروات العربية كما استُخدمت الأموال الغربية لدعم أوكرانيا، ولم تُقدَّم الأسلحة للمقاومة الفلسطينية كما تُقدَّم لكييف، ولم تُفرض عقوبات على إسرائيل كما فُرضت على روسيا، بل على العكس، أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني سياسة علنية لدى بعض العواصم، وتحول الصمت العربي إلى مشاركة غير مباشرة في استمرار الاحتلال الصهيوني وجرائمه.
المقاومة.. الخيار الوحيد أمام هذه المعادلة الظالمة
في ظل هذا الواقع، يتجلى الحل الوحيد أمام الفلسطينيين، كما أكّد السيد القائد عبدالملك الحوثي، في التمسك بخيار المقاومة، التي أثبتت وحدها أنها قادرة على فرض معادلات جديدة، فمن دون دعم رسمي، ومن دون مساعدات عسكرية أو اقتصادية، استطاعت المقاومة أن تُحرج الاحتلال وتُغيّر قواعد الاشتباك، وتجعل الاحتلال يحسب ألف حساب قبل أي اعتداء.
وإن كانت أوكرانيا قد حصلت على دعم الغرب بلا حدود، فإن الفلسطينيين لا خيار لهم سوى الاعتماد على إرادتهم الذاتية، واحتضان محور المقاومة كبديل عن الدعم العربي المفقود، ولقد أثبتت الأحداث أن المقاومة وحدها هي القادرة على إحداث تغيير حقيقي في مسار القضية الفلسطينية، بينما لم يحقق التفاوض والتطبيع سوى المزيد من التراجع والخسائر.
خاتمة
عندما تُقاس المواقف بالأفعال لا بالشعارات، تنكشف الحقائق الصادمة: فلسطين تُترك وحيدة، بينما تُغدق أوروبا الدعم على أوكرانيا بلا حساب، وهذه هي المعادلة الظالمة التي كشفها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حيث يتجلى التخاذل العربي بأبشع صوره، ما بين متواطئ بصمته، ومتآمر بتطبيعه، وعاجز عن اتخاذ موقف يليق بحجم القضية.
إن ازدواجية المعايير لم تعد مجرد سياسة خفية، بل باتت نهجًا مُعلنًا، تُباع فيه المبادئ على طاولات المصالح، بينما يُترك الفلسطيني تحت القصف والحصار. وكما أكد السيد القائد عبدالملك الحوثي، فإن المقاومة وحدها هي القادرة على إعادة التوازن لهذه المعادلة المختلة، مهما تعاظم التواطؤ، ومهما خفتت الأصوات الصادقة.