إن التنكر لثورة 14 أكتوبر اليمنية في جنوب اليمن أمر يستدعي التأمل الجاد في رغبة بعض الناس بالاحتلال والبقاء تحت الوصاية. البعض قاصر حدث ولن يكبر.

يستشف من هذا التنكر ستة نقاط.

أولا، التسليم المطلق بعجز الجيل الحاضر في معالجة مشاكله وتحقيق تنمية دون المحتل. ثانيا، ادانة ضمنية لعملية التحرر التي لم تشمل جنوب اليمن فقط،  بل كانت موجة تاريخيّة فيها سياقها ودوافعها ومنبعها القيمي والأخلاقي والقانوني والإنساني ونجحت دول وفشلت أخرى في تحقيق اهداف الاستقلال.

نضجت موجة التحرير لأمرين.  أولا تراكم تجارب النضال مع ثانياً متغيرات دولية في النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية اقتضت تغيير في مسار الاحتلال وتاليا المغادرة.

هذه الإدانة لعملية التحرر لا تنفصل عن آخر أشكال الاحتلال القائمة في المنطقة العربية والذهنية التي يراد تكريسها الان.

ثالثا، الإصرار العنيد على تجاهل الحقائق التاريخية بوجهها الاقتصادي والسياسي في الاحتلال الذي يسمى كذبا استعمار. كانت ثروات البلدان المستعمرة تذهب إلى المركز ولا يبقى فيها إلا الفتات ولهذا لو استمر الاستعمار لاستمرت المعادلة. او تخلى المحتل عن الاحتلال لانتفاء النفع بالنسبة له.

الطرف الذي قاد حملات الاحتلال كان تكتل تجاري وشركات تبحث عن موارد وربح ومراكز جيواستراتيجية. وحتى آخر لحظة كان الاحتلال كذلك وليس شركة خيرية. والاحتلال لا يقوم على أي نص تعاقدي يضمن الحقوق.

تجاهل هذه البدهيات يتعمد تقديم الوضع على ان المحتل قدم إلى أراض بوار لا شعب ولا أدوات انتاج ولا تراكم حضاري فيها فأحياها.

رابعا، التهرب من الإحاطة بالسياق الجيوسياسي لفترة الاستقلال والطريقة التي صيغ فيها هذا الاستقلال لدرجة انه لم يكن امام القوى الوطنية إلا القبول بأقل المتاح طالما وعوامل القوة محصورة بقوى مهيمنة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

خامسا، عدم النظر إلى سياق الحرب الباردة وتأثيرها في تلك المرحلة ودورها في فشل او نجاح تحقيق اهداف الاستقلال.

سادسا، وهذا الأهم هو محاولة البعض تبييض صفحة المحتل مما فعله بسكان وثروات وارث البلدان التي احتلها لمجرد ان ما بعد الاستقلال كان فشلاً. وعدم التساؤل في دور الاحتلال في تسيير مرحلة ما بعد الاستقلال وترك بلدان قابلة للانفجار والصراع الدموي.

الان اريد العودة إلى نقطتين مما اثير في تعليقات منشور سابق حول ثورة أكتوبر: أولا ان بريطانيا، بنشرها التعليم وبنية تحتية واستثمار في الميناء كانت قد هيئات الجنوب اليمني ليكون هونغ كونغ الشرق الأوسط لولا بطرة المناضلين وعروبيتهم الفارغة.

ثانيا لو ان بريطانيا استمرت لكانت عدن وربما جنوب اليمن سانغافورة او هونغ كونغ.

تعالوا إلى نقطة التعليم. بريطانيا التي اصبح التعليم الأساسي اجباري ومجاني فيها لمن هم ما دون العاشرة منذ منتصف 1880 لم تعمل مدرسة عامة في عدن إلا بعد عام 1939. أي بعد قرن كامل من استيلائها على عدن. فاين كانت النوايا الحسنة للاحتلال طيلة قرن؟

وحتى عام 1962 لم يكن في جنوب اليمن أي مدرسة ثانوية. دققوا في هذا التاريخ! بعده اصبح عدد المدارس الثانوية ثلاث ثانويات بريطانية وقرابة العشر الاهلية وأربعة معاهد عليا في العام 1966.

كان التعليم في الجنوب اليمني بمبادرات أهلية ورغبة السلطنات في تأسيس تعليم لذا لجّأوا إلى كوادر عربية وسودانية بالتحديد.

كانت المدارس التي شرعت فيها بريطانيا قبل 1962 مخصصة للرؤساء وليست لعامة الناس ولم يتخرج منها إلا عدد محدود جدا لا يصلح لإدارة بلاد وتسيير شؤونه على الاطلاق.

الان لماذا فقط في هذا التاريخ قررت بريطانيا اجتذاب أبناء الزعماء المحليين في الجنوب والشرق؟ لأنها شرعت في سياسية جديدة لتنظيم الجنوب وفق نهج يفصل هذا الجنوب عن عمقه الاستراتيجي وعن بيئته الثقافية. لكن الأهم من هذا ان بريطانيا لم تفكر بمشاريع في المجال التعليمي إلا لاحتواء المد العربي خصوصا بعد ثورة يوليو في مصر وانتشار القومية العربية.  وقبل هذا كانت تعتبر هذه المناطق لا تستحق أي جهد. كانت بريطانيا في عدن تسيرّ شؤونها بعاملين تستقطبهم من أراضي أخرى ضمن إمبراطورتيها الكبيرة.

المستفيد من هذا الوضع لا تفرق معه. لكن تصور انك من أبناء الصبيحة او زنجبار او الحوطة ولا تستطيع دخول عدن او العمل فيها او الدراسة فيها بينما الوظائف يديرها المحتل بقوى بشرية لا تعرف لغتك وليست من ارضك.

الحقيقة التي لا يريد مواجهتها البعض وهم يحقّرون من المد العروبي هو انه لولا خشية بريطانيا من انتشار هذا الفكر القومي ما كانت شرعت في إصلاحات سياسية ولا تعليمية في جنوب اليمن على الاطلاق.

الان وبعد هذه المقدمة نجد، أولاً ان توسيع العملية التعليمية في جنوب اليمن وإدخال تعليم ثانوي ومعاهد ما بعد ثانوية -بخلت بريطانيا على مدينة سكانها يقاربون عدد 150 ألف نسمة انشاء جامعة لهم بينما كان عدد الطلاب قد وصل في نهاية العهد الاستعماري إلى 18 الف طالب- لم يكن إلا لدوافع جيوبوليتيكية خصوصا بعد قيام نظام جمهوري في شمال اليمن وبداية مشاريع تعليمية واسعة بدعم من نظام مصر الخصم لبريطانيا.

كانت برامج بريطانيا لكبح حركة التغيير لا اكثر.  ثانيا هل كانت مشاريع التعليم التي توسعت في 1962 في جنوب اليمن بتوفير ثلاث مدارس ثانوية بريطانية كفيلة بتأهيل الجنوب ليكون هونغ كونغ؟

وفي منشور لاحق سأتناول النقطة الثانية حول حتمية الازدهار في ظل بقاء جنوب اليمن تحت إدارة استعمارية.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: اليمن كتابات مصطفى ناجي فی جنوب الیمن هونغ کونغ ما بعد

إقرأ أيضاً:

مقارنة لحجم الهجمات التي شنتها إسرائيل وهجمات حزب الله منذ أكتوبر 2023

(CNN)-- ضربت غارات جوية إسرائيلية الضاحية الجنوبية لبيروت صباح الأربعاء، بحسب وسائل إعلام رسمية لبنانية، وهو أول هجوم يستهدف المنطقة منذ عدة أيام.

وجاء القصف بعد وقت قصير من إصدار الجيش الإسرائيلي تحذيرات إخلاء جديدة للسكان بالقرب من مبنى في منطقة حارة حريك في الضاحية، معقل حزب الله.

وأظهر بث حي لأفق جنوب بيروت من وكالة الأنباء الفرنسية الدخان يتصاعد من المنطقة.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت شبكة CNN أنه كان هناك تأجيل للضربات الإسرائيلية على بيروت في الأيام الأخيرة وسط “تفاهمات” متزايدة بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، وفقا لمصدر مطلع على الأمر.

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت لاحق بأن إسرائيل ستضرب حزب الله في كل مكان في لبنان “بدون رحمة”، بما في ذلك بيروت.

منذ تصعيد حربها ضد الجماعة المسلحة المدعومة من إيران، قصفت إسرائيل العاصمة اللبنانية ومناطق أخرى في جنوب البلاد بكثافة غير مسبوقة.

وكثيراً ما استهدفت الغارات مناطق مزدحمة، مما أدى إلى تسوية المباني السكنية بالأرض، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1500 شخص وتشريد أكثر من مليون آخرين، وفقاً للحكومة اللبنانية.

 

إسرائيلإيرانلبنانالجيش الإسرائيليانفوجرافيكحزب اللهنشر الخميس، 17 أكتوبر / تشرين الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • مقارنة لحجم الهجمات التي شنتها إسرائيل وهجمات حزب الله منذ أكتوبر 2023
  • إلهام شاهين تكشف عن الشخصية التي كانت تتمنى تقديمها
  • في الذكرى ٦١ لثورة اكتوبر… هل أثرت سياسة الاحتلال البريطاني على شكل الاستقلال جنوب اليمن؟
  • بريطانيا تدعو لتجنيب اليمن صراع إقليمي وتشدد على منع تدفق الأسلحة للحوثيين
  • جمال جمعة: نعمل على وضع اللمسات الأخيرة في جبل موية ليكون موقعاً دفاعياً
  • بريطانيا: إنشاء إدارة جديدة في غزة تشارك فيها السلطة الفلسطينية ضرورة
  • خبير عسكري: اشتباكات جنوب لبنان التي نشرها جيش الاحتلال “تمثيلية”
  • خبير عسكري: اشتباكات جنوب لبنان التي نشرها جيش الاحتلال تمثيلية
  • عشرات الشهداء والجرحى في مجزرة استهدف فيها الاحتلال مقر توزيع المساعدات بمخيم جباليا