في عصر الذكاء الاصطناعي..توصيات جديدة لرفع وعي الشباب بالمواطنة الرقمية
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
اختتمت كلية اللغة والإعلام بفرع القرية الذكية بالإكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري فعاليات ملتقاها العلمي الثالث، والذي حمل عنوان "الإعلام الجديد وتمكين الشباب: المواطنة الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي".
استمر الملتقى على مدار ثلاثة أيام (14-16 أكتوبر)، وجمع أكثر من 100 باحث وخبير من 25 دولة لمناقشة دور الإعلام واللغة في صقل هوية الشباب الرقمية في ظلّ التطورات التكنولوجية المتسارعة.
في ظلّ الانتشار المتزايد للإعلام الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري تمكين الشباب بالمعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع هذا الواقع المتغير. وفي هذا السياق أكد الأستاذ الدكتور إسماعيل عبد الغفار، رئيس الأكاديمية، على دعم الأكاديمية لمبادرات الذكاء الاصطناعي وتمكين الشباب، مشيداً بالتوصيات القيّمة التي خرج بها الملتقى.
وأبرزت الدكتورة حنان يوسف عميدة الكلية، أهمية تعزيز مسارات البحث في مجالات الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي، وأن الأكاديمية تسعي من خلال هذه المبادرات إلى بناء شخصية الطالب وتطوير قدراته، في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تحسين جودة التعليم في العالم العربي.
تحديات التكنولوجياناقش المشاركون في الملتقى التحديات التي يفرضها سوء استخدام التكنولوجيا، مثل انتشار الأخبار الكاذبة والخطاب التحريضي، وكيفية مواجهة هذه التحديات باستراتيجيات تعليمية وإعلامية فعّالة. كما تم تسليط الضوء على الفرص التي يوفرها الإعلام الجديد والذكاء الاصطناعي في تمكين الشباب وإشراكهم في عمليات التنمية المختلفة.
وتوصل المؤتمر إلى حوالي ١٥ توصية ومن بينهم الآتي : دمج التربية الإعلامية الرقمية في المناهج التعليمية، حيث أوصي الملتقى بدمج مفاهيم الإعلام الرقمي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، في مناهج التعليم الأساسي والثانوي، بدءاً من الصف الخامس. ويتطلب ذلك تطوير مناهج تعليمية تفاعلية، وتوفير تدريب متخصص للمعلمين على استخدام تقنيات تعليمية مبتكرة مثل ألعاب المحاكاة والقصص التفاعلية، بالإضافة إلى توفير موارد تعليمية رقمية مجانية ومتاحة للجميع، بما في ذلك مواقع إلكترونية وتطبيقات تقدم محتوى تعليمي عالي الجودة حول المواطنة الرقمية والتعامل الآمن مع الإنترنت. يُقترح أن تتولى وزارة التربية والتعليم تنفيذ هذه التوصية، بالتعاون مع الخبراء في مجال التربية الإعلامية.
توعية شاملةكما اوصي بحملات توعوية شاملة ، من خلال تصميم وتنفيذ حملات إعلامية توعوية شاملة تشرح مفاهيم المواطنة الرقمية وطرق استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول. يمكن أن تتضمن هذه الحملات إعلانات مرئية ومسموعة على وسائل الإعلام المختلفة، بالإضافة إلى ورش عمل وتدريبات تفاعلية تستهدف الفئات العمرية المختلفة.يُقترح أن تتولى وزارة الإعلام تنفيذ هذه الحملات، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والخبراء في مجال الاتصال.
وجاء من ضمن التوصيات أيضا انشاء مدونة أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، من خلال دعوة الأكاديميين والخبراء لتطوير مدونة أخلاقية شاملة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يتوافق مع القيم المجتمعية وحقوق الإنسان. يُقترح أن تتولى الجامعات والمؤسسات البحثية المسؤولية عن تطوير هذه المدونة، بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة.
كما أقترح الملتقي بإدراج المهارات الأساسية في المواطنة الرقمية في برامج التعليم الجامعي بجميع تخصصاتها، بما يشمل التعليم على التعامل الآمن مع البيانات الشخصية والتعامل مع الشبكات الاجتماعية بشكل مسؤول.
وأكد الملتقي باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات التنمية، مثل التعليم والصحة والزراعة، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وتحقيق الفائدة لجميع أفراد المجتمع. يُقترح أن تتولى الوزارات المختصة تنفيذ هذه التوصية، بالتعاون مع شركات التكنولوجيا المحلية والدولية.
التوصيات الختامية1. تعميم التربية الإعلامية الرقمية في المناهج التعليمية العربية، بهدف نشر الوعي بين الشباب وتعزيز قدراتهم على التعامل النقدي في البيئة الرقمية تجاه التأثيرات والمحتويات الإعلامية التي لا تراعي قواعد العمل الإعلامي، مثل احترام الخصوصية، وحماية مقومات الهوية الوطنية، حماية البيانات الشخصية واحترام القيم الاجتماعية والثقافية، ومكافحة التضليل الممنهج ونشر الإشاعات المضللة والأخبار الزائفة.
2. أهمية العمل على تصميم حملات إعلامية يكون الهدف منها تحديد واضح لكافة المفاهيم المرتبطة بالمواطنة الرقمية والوقوف على القواعد الأساسية التي تحدد الطريقة التي يتم بها استخدام التكنولوجيا الرقمية.
3. دعوة الأكاديميين والخبراء العاملين في مجال التكنولوجيا الرقمية من التخصصات ذات الصلة لتصميم مدونة أخلاقية شاملة توضح كيفية استخدام المنجز الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بالشكل الذي يواءم احتياجات المجتمع .
4. الدعوة إلى إدراج المهارات الأساسية للمواطنة الرقمية وتطبيقاتها العملية ضمن المقررات التعليمية في مراحل التعليم الجامعي من أجل زيادة الوعي بهذا المفهوم باعتباره عنصرًا فعالًا في تطوير قدرات الموارد البشرية تتكامل مع كافة المبادرات المعنية ببناء الإنسان في المجتمعات العربية.
5. الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتعزيز مشاركة الشباب في كافة المجالات التنموية بما يحقق أقصى قدر من الفعالية سواء في مراحل التوعية بها أو في مجالاتها التنفيذية.
6. الترويج للنماذج الشبابية الناجحة التي قدمت مبادرات إيجابية ترتبط بالثقافة الرقمية وبكافة منتجاتها.
7. استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تصميم رسائل مخصصة وموجهة للترويج لإبداعات الشباب خاصة في المجال الرقمي ذاته.
8. ضرورة التوعية بتطبيقات الذكاء الاصطناعي والدور الذي يمكن أن تلعبه في تطوير مهارات وقدرات العقول الشابة باستخدام منصات التواصل الاجتماعي عبر رسائل إعلامية متنوعة يتم تصميمها من قبل خبراء متعددي التخصصات.
9. ضرورة الاهتمام بالمحتوى الرقمي العربي المرتبط بأفكار المواطنة الرقمية لاستيعاب كافة مقوماتها الإيجابية التي تؤكد على الربط بين التكنولوجيا وآفاق استخداماتها التنموية خاصة في مجالي التعليم والإعلام، مع تقليل التهديدات المرتبطة بتأثيراتها السلوكية السلبية .
10. ضرورة الالتفات إلى ما يعرف بالتحيز الخوارزمي الذي قد يعمل على تشويه المنجز التنموي في مجال المواطنة الرقمية وتمكين الشباب والكشف عن آليات التضليل التي قد تتم بهذا الشأن.
11. ضرورة الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل عملي في مجال تمكين الشباب من دون الاستغراق في موضوعات جدلية ترتبط بالتهديدات التي قد تمثلها باعتبارها ندًا أو نظيرًا لهم بوسعه أن يحل محلهم في مجالات العمل المختلفة.
12. السعي نحو الاستفادة ، في إطار من الفهم لتحديات المواطنة الرقمية، من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عمليات التعليم والتدريس ذاتها مع الوضع في الاعتبار الطبيعة الخاصة لكل مجال تعليمي بالشكل الذي يساعد على تطوير قدرات الشباب الذهنية خطوة لا غنى عنها نحو عمليات تمكينهم المجتمعي.
13. اقتراح تخصص دراسي بيني لكلية اللغة والاعلام تحت اسم الاعلام والذكاء الاصطناعي ليكون الأول من نوعه في مجال الشرق الأوسط
14. وأخيرا، دعوة وزراء الإعلام العرب الي تبني مفهوم المواطنة الرقمي في جميع مبادرة كلية اللغة والاعلام واطلاق مشروع "الاعلام والمواطنة الرقمية" يدعو الي الاستفادة من إيجابيات الندوة المعلوماتية والحماية من سلبيات التعامل الغير رشيد للإعلام الرقمي
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إسماعيل عبد الغفار رئيس الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري توصيات الملتقي عصر الذكاء الاصطناعي المواطنة الرقمية حملات توعية التربية الاعلامية تطبیقات الذکاء الاصطناعی استخدام التکنولوجیا الذکاء الاصطناعی فی المواطنة الرقمیة المواطنة الرقمی تمکین الشباب بالتعاون مع الرقمیة فی فی مجال
إقرأ أيضاً:
بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
ترجمة: نهى مصطفى -
خلال شهرين من إصدار شركة صينية غير معروفة تدعى DeepSeek نموذجًا جديدًا قويًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بدأ هذا الاختراق بالفعل في تحويل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.
يتميز DeepSeek-V3، كما يُطلق على نموذج اللغة الكبير المفتوح (LLM) الخاص بالشركة، بأداء ينافس أداء النماذج من أفضل المختبرات الأمريكية، مثل ChatGPT من OpenAI و Claude من Anthropic و Llama من Meta ، ولكن بجزء صغير من التكلفة. وقد أتاح هذا للمطورين والمستخدمين في جميع أنحاء العالم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتطور بأقل تكلفة.
في يناير، أصدرت الشركة نموذجًا ثانيًا، DeepSeek-R1، يُظهر قدرات مماثلة لنموذج o1 المتقدم من OpenAI مقابل خمسة بالمائة فقط من السعر. ونتيجة لذلك، يشكلDeepSeek تهديدًا لقيادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للصين للحصول على مكانة عالمية مهيمنة على الرغم من جهود واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
يُبرز الصعود السريع لشركةDeepSeek حجم التحديات والمخاطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. فإلى جانب الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه التقنية، ستتمتع الدولة التي تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، التي تشكّل العمود الفقري لتطبيقات وخدمات المستقبل، بنفوذ واسع النطاق. ولا يقتصر هذا النفوذ على المعايير والقيم المضمّنة في هذه النماذج فحسب، بل يمتد أيضًا إلى منظومة أشباه الموصلات، التي تعد الركيزة الأساسية والبنية التحتية التقنية والمعالجة الحسابية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ العمليات المعقدة بكفاءة. وتعكس القناعة الراسخة لدى كل من الصين والولايات المتحدة بأن هذه التقنيات قادرة على تحقيق تفوّق عسكري، الأهمية الاستراتيجية للريادة في هذا المجال وضرورة الحفاظ عليها على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن التركيز على أداء نموذج DeepSeek-V3 وتكاليف تشغيله المنخفضة قد يُغفل نقطة أكثر أهمية. فإحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في سرعة انتشار نماذج DeepSeek هي أنها مفتوحة المصدر، مما يتيح لأي شخص تنزيلها وتشغيلها ودراستها وتعديلها والبناء عليها، مع تحمّل تكلفة الطاقة الحاسوبية فقط. في المقابل، تكاد جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية المماثلة أن تكون ملكية خاصة، مما يحدّ من استخدامها ويزيد من تكاليف تبنيها من قِبل المستخدمين.
بدأت شخصيات بارزة في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأمريكي يدركون بشكل متزايد المشكلات الناجمة عن التركيز على النماذج المغلقة المصدر. ففي أواخر يناير، أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة ربما «أخطأت في قراءة التاريخ» بعدم تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وفي فبراير، توقّع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google، مستقبلًا يُهيمن فيه مزيج من النماذج المفتوحة والمغلقة على التطبيقات اليومية. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاعتماد كليًا على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تطورها الشركات الكبرى لمنافسة الصين، مما يستدعي من الحكومة الأمريكية تكثيف دعمها للنماذج مفتوحة المصدر، حتى مع استمرار جهودها في تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات وبيانات التدريب.
للحفاظ على هيمنتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع برنامج شامل لتطوير ونشر أفضل النماذج مفتوحة المصدر. لكن في الوقت ذاته، يجب عليها ضمان أن تظل الشركات الأمريكية الرائدة هي التي تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم «أنظمة الحدود»، والتي غالبًا ما يتم تطويرها ضمن شركات خاصة ذات تمويل ضخم.
إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن تبنّي أجندة سياسية أوسع تعزز مكانة الذكاء الاصطناعي الأمريكي مفتوح المصدر على الساحة الدولية، وتدعم بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحفاظ على ريادتها في هذا المجال. ولا يقتصر ذلك على تحفيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر داخل الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا تسهيل وصولها إلى المساهمين والمستخدمين في المجال الصناعي والأكاديمي والقطاع العام في الدول المتحالفة معها.
بدون هذه الخطوات الاستراتيجية، يُشير مشروع DeepSeek إلى مستقبل محتمل قد تستخدم فيه الصين نماذج مفتوحة المصدر قوية ومنخفضة التكلفة لتجاوز الولايات المتحدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.
لطالما كان الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عاملًا رئيسيًا في التقدم التقني، رغم قلة الاهتمام السياسي به مقارنة بالأنظمة المغلقة. منذ ظهور ChatGPT عام 2022، بدأ يُنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية على أنها بمثابة «نظام تشغيل» جديد، حيث تعمل كجسر بين اللغة البشرية والبيانات التي تعالجها الآلات. وكما استمر نظام Linux مفتوح المصدر بجانب أنظمة احتكارية مثل Windows، برزت نماذج مفتوحة مثل Llama إلى جانب ChatGPT، مما يمهّد لانتشار أوسع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور دفع بعض الباحثين لوصف المرحلة الحالية بأنها «لحظة لينكس» في مجال الذكاء الاصطناعي.
على مرّ العقود، ازدهرت مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر، مثل لينكس، بفضل مساهمات المطورين حول العالم، وهو ما أدى إلى تطويرها بسرعة وتحسين أمنها، حيث يمكن لأفضل المهندسين اختبارها وتحسينها بشكل متواصل. كما أن كونها خاضعة لإدارة أمريكية وأوروبية جعلها أحد عوامل تفوّق الغرب في مجالات عدة، مثل: أنظمة التشغيل، متصفحات الويب، قواعد البيانات، التشفير، وحتى لغات البرمجة.
تُهيمن Nvidia على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وبرنامجها الحصري CUDA، مما يمنحها موقعًا متقدمًا في هذا المجال. ورغم القيود الأمريكية، استخدمت الصين رقائق Nvidia في تدريب نماذج DeepSeek، لكنها تسعى حاليًا للاعتماد على رقائق Ascend من هواوي، مما قد يُقلص الحاجة إلى الرقائق الأمريكية. إذا حققت النماذج الصينية انتشارًا واسعًا بدعم حكومي، فقد يُجبر المستخدمون عالميًا على التحول إلى شرائح هواوي، مما سيُضعف شركات مثل Nvidia و TSMC ويمنح الصين نفوذًا أكبر في صناعة الرقائق. هذا السيناريو يُشبه استحواذ الصين على سوق بطاريات الليثيوم، حيث قد تؤدي استراتيجيتها إلى إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، مُهددة الهيمنة الغربية في هذا القطاع. كيفية مواجهة هذا التهديد
لمواجهة النفوذ الصيني في الذكاء الاصطناعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مع التركيز على دعم الجامعات والشركات والمختبرات الوطنية. رغم ارتفاع الاستثمارات في هذا المجال، لا تزال متواضعةً مقارنةً بالتمويل الإجمالي للذكاء الاصطناعي. لذا، يجب تقديم حوافز حكومية لدعم المشاريع المتوافقة مع الشرائح الغربية، وتوسيع البرامج البحثية الوطنية، والاستفادة من موارد وزارتي الطاقة والدفاع. كما ينبغي تعزيز التعاون مع مبادرات كبرى مثل Stargate، التي تخطط لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأمريكي خلال السنوات القادمة.
يجب على واشنطن تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عبر تطوير نظام حوسبة متكامل يتيح للمطورين الاستفادة من أفضل الشرائح الغربية، مما يعزز الطلب عليها ويحد من المنافسة الصينية. وينبغي ترسيخ تفوق التقنيات الغربية، إلى جانب قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم هيمنة بنية Transformer، فإن مناهج جديدة مثل Structured State Space Models ونماذج Inception diffusion تُظهر إمكانات مستقبلية واعدة، مما يستدعي دعمها لضمان الريادة الأمريكية في هذا المجال.
ينبغي على واشنطن تجنب فرض قيود واسعة على تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وبدلًا من ذلك، تقديم حوافز لضمان توافقها مع الشرائح الغربية. كما يجب على لجنة التجارة الفيدرالية مراعاة دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز الريادة الأمريكية عند النظر في قضايا مكافحة الاحتكار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التصدي لمحاولات الشركات الصينية خفض أسعار نماذج الذكاء الاصطناعي لإضعاف المنافسة، عبر دراسة فرض تدابير مكافحة الإغراق إذا تبيّن أن هذه الممارسات تهدف إلى إقصاء الشركات الأمريكية.
يجب على الولايات المتحدة تعزيز تنافسها مع الصين في الأسواق العالمية، حيث قد تستخدم بكين نماذج الذكاء الاصطناعي كأداة للنفوذ الاقتصادي. كما ينبغي لواشنطن التحقيق في إمكانية استخدام DeepSeek بيانات من GPT-4 دون تصريح، ودراسة تطبيق قاعدة «المنتج الأجنبي المباشر» على مخرجات الذكاء الاصطناعي، لمنع الشركات الصينية من الاستفادة من النماذج الأمريكية الرائدة، كما فعلت مع معدات تصنيع أشباه الموصلات.
ستكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية إذا تبنتها دول أخرى. لذا، تحتاج واشنطن إلى تنسيق سياساتها مع شركائها في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى لإنشاء كتلة دولية قادرة على إبطاء انتشار النماذج الصينية. ورغم ضخامة السوق الصينية، فإنها تظل صغيرة مقارنة بالسوق العالمية، وهو المجال الأكثر أهمية الذي يجب أن تركز عليه الولايات المتحدة لضمان هيمنة النظام البيئي الغربي للحوسبة والذكاء الاصطناعي في المستقبل.
ورغم أن القيود الأمريكية على تصدير الشرائح المتقدمة حدّت من قدرة الصين على الوصول إليها، فإن بكين ترى في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، المبني على تقنيات أقل تقدمًا، مسارًا استراتيجيًا لاكتساب حصة سوقية أكبر. ومن المرجح أن تستمر النماذج الصينية في التحسن عبر الابتكار الخوارزمي، والتحسينات الهندسية، والتصنيع المحلي للرقائق، بالإضافة إلى أساليب غير مشروعة، مثل التدريب غير المصرح به على مخرجات النماذج الأمريكية، والتحايل على ضوابط التصدير. ومع استمرار الصين في تحسين أداء نماذجها وأسعارها، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية متماسكة تصبح أكثر إلحاحًا.
يجب على واشنطن أن تتبنى استراتيجية استباقية تضمن توفير بدائل أمريكية متفوقة فور إصدار الصين لنماذجها الجديدة، ما يعزز الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك تحسين الإطار التنظيمي، مثل ذلك الذي وضعته إدارة بايدن لضبط انتشار التكنولوجيا، إلى جانب تسخير الموارد الحكومية لدعم النماذج المتقدمة قبل إتاحتها للعامة. تقف إدارة ترامب المقبلة أمام «لحظة لينكس» حاسمة، حيث يمكنها إما ترسيخ الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، أو المخاطرة بفقدان النفوذ لصالح الصين، التي قد تعيد توجيه السوق نحو تقنياتها الخاصة.
جاريد دانمون هو المستشار الأول للمبادرات الاستراتيجية في وحدة الابتكار الدفاعي (DIU)
نشر المقال في Foreign Affairs