ورحل شوقى أبى شقرا شيخ شعراء لبنان، رحل ليلحق يوسف الخال وانسى الحاج وسعيد عقل ومحمد الماغوط ومحمد على شمس الدين وجوزيف حرب. وهم ورفاقهم أدونيس ووديع سعاده وعباس بيضون، هم حماه القصيدة الفصيحة الحداثية من انقلابات التقليديين ومحاولات محو التجديد أو على الاقل تشويه آثار وإنجازات المجددين على مستوى العالم العربى، تحمل شعراء الحداثة فى لبنان أعباء تثوير وتطوير شعرنا العربى، كان صدور ديوان شعر حداثى جديد بمثابه زرع لغم فى حقل الشعر العربى.
فى مصر كان صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى يتصدران مشهد المعركة بين التقليديين وبين المجددين وكان يواجههم الكثير من الملتزمين وعلى رأسهم عباس محمود العقاد. وفى العراق واجه عبدالوهاب البياتى ونازك الملائكة الشاعر الملتزم الجواهرى. وهكذا.. إلا أن هذه المعارك كانت بمشاركه اللبنانيين الثوار خاصة بعد أصدر يوسف الخال مجله (شعر) والتى أشعلت النار فى جسد القصيدة الكلاسيكية لتسكن مكانها - منتصرة - القصيدة الحديثه بأشكالها ومضامينها.
كان شوقى أبى شقرا (١٩٣٥ - ٢.٢٤) أحد الرواد الأوائل وكانت دواوينه تنبض بالحياة والتمرد.ترك لنا أكثر من أربعين كتابًا ما بين الشعر والنقد. ولد ابى شقرا (٨٩) عامًا فى بيروت وتعلم فى دير مار يوحنا فى رشميا ثم درس فى معهد الحكمة ببيروت وتخرج عام ١٩٥٢ ويعمل صحافياً منذ عام ١٩٦.. أصدر فى بدايه مشواره الأدبى ديوانًا من الشعر كتبه باللغه الفرنسية وكان من القصائد العمودية. وانتقل بعدها إلى القصائد الحديثة ومن أهم دواوينه صلاه الاشتياق على سرير الوحدة، وأكياس الفقراء ثم خطوات الملل. وغيرها وكل أعماله تمت ترجمتها إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية. وخضعت هذه الأعمال للدراسه الأكاديمية من خلال رسائل الماجستير والدكتوراه ووصفوه رائد الشعر السريالى فى لبنان.
قصائده تتسم بالعمق الفلسفى والروحى وحصل على الكثير من الجوائز العربية والعالمية.
مات أبى شقرا فى بلدة زحلة بمحافظة البقاع. وكان يعتز كثيرًا بمنطقة زحلة وكتب عنها فى شعره وفى نثره. واصفاً إياها بالكنز الروحى ومستودع الإلهام الربانى. وبرحيل أبى شقرا يتأكد أن ميراثه الشعرى قد تسرب وتخلل فى شرايين الأجيال الجديدة من المبدعين التى التزمت بمضمون وأشكال أبى شقرا الإبداعية التى كانت بمثابة تطعيم القصيده ضد جيوش الفيروسات الكلاسيكية..
شوقى أبى شقرا كيان إبداعى شامخ أصيل من الصعب تجاهله أو تشويهه.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كاريزما محمد على يوسف الخال
إقرأ أيضاً:
فاكهة الأدب في المراسلات الشعرية
فاطمة البلوي
لفتت انتباهي الرسائل الشعرية بين شعراء سعوديين وآخرين مِنْ اليمن الشقيق يتعاطونها عبر اليوتيوب والتيكتوك بأغراض يحددها الشاعر المُرْسِل. مِنْها رسالة لشاعر سعودي في مدح موظف محطة يمني لموقفه المشرِّف معه تفاعل معه الشعراء اليمنيون وشكروه برسائل الشعر على ذكره لجميل اليمني وذكَّروه بعلاقة الدم والدين والعادات التي تربط الشعبين؛ والمراسلات الشعرية نوع مِنْ الأدب في إحداث لغة للتحاور حول موضوع يرسله شاعر لشاعر آخر لها نكهة أدبية جميلة تجبر المتلقي على متابعتها كونها تحمل إشارات وأخبارًا وتساؤلات ودعابات يُعرف بأدب المراسلات ويُسميها البعض -فاكهة الأدب- موجودة منذُ عهد الجاهلية؛ ومرَّت عبر التاريخ بتطورات وتغيرات حتَّى وصلت الرسائل في عصر التكنلوجيا الحديثة إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
إلَّا أنَّ الشاعر السعودي/ مسعود ابن جرشب كان الأبرز في المراسلات الشعرية الشفهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في موضوع تحدٍ بأبيات شعرية وجهها لشعراء اليمن لمعرفته بثقل الشاعر اليمني الذي يقاسمه الانتماء للجزيرة العربية أصل الشعر. استقبل الشاعر/ مسعود ابن جرشب كماً كبيراً مِنْ رسائل الشعراء اليمنيين تنوعت ردودهم واختلَفت رؤيتهم في رسائله الشعرية وظهر في محتواها المورد الثقافي الواحد منْ شعراء الشقيقتين؛ وهذا أمر طبيعي لكوننا نعيش في مكوِّن واحد ممتد مِنْ حضارات الجزيرة العربية التي ينتمي لها الشعبان السعودي واليمني؛ وعرَّفتنا بشعراء لَمْ نكن نعرفهم وهذا مِنْ أحد أهداف الرسائل الأدبية. لَمْ يرتو ابن جرشب مِنْ شعراء اليمن بَعدْ؛ فأطلق لهم رسالة تحدٍ أخرى وأشهد أصدقاءه اليمنيين الملتفين حوله عليها؛ فمَا زال يبحث عَنْ ندٍ يماني يناطحه الشعر:
يا أهل اليمن يالله عساكم تسلمون
أنا اتحدى بالقصيد أطلق شنب
أنا اتحدى والنشامى يسمعون
هذا وأنا مَغيْر أحلَّي بالعنب
توافدت رسائل الشعر الشفهية قادمة مِنْ شعراء اليمن بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي على الشاعر مسعود ابن جرشب/ تحمل في محتاها محاريب الشعر منهم الشاعر اليمني عبدالرحمن الزبيري الذي أرسل رد بالشعر وضمنها رداً على بيت الدعابة الأخير لابن جرشب بدعابة مثلها ما دل روح التفاهم الأدبي والفكري الكبير بين الفريقين الشقيقين:
يا مرحبا تعداد ما شنّ المزون
تعداد ما بَرْق بسمانا قد ضرب
بالشاعر اللي مسكنه جوف العيون
من جيت في درب الصداقة والصَحب
يا من تحدى والنشامى يسمعون
احنا نجاوب لك على حسب الطلب
لأهل اليمن في الشعر عنوان وحصون
فينا الفصاحة والبلاغة والأدب
خلك من اشعار التحدي والفنون
وابقَ على أكل الفصافص والعنب
بعد مساجلات شعرية بينهم أرسل الشاعر مسعود ابن جرشب لشعراء اليمن رسالة شعرية مضمونها أنه اكتفى من ردودهم وأنه لمْ يتحدهم إلا لكونهم ذوي كفاءة وأهل شعر وثقافة ولأنه يحب مجاراة الشعراء وهو الشاعر البارز في ساحات الشعر النبطي السعودي والخليجي والعربي بجرأة وقوة فكرته وحضور قصيدته:
يا أهل اليمن كلٍ يريٍّحْ محلّه
تريّحوا وأنا شربت الفناجيل
اليا خذيت أبا أخذ العز كله
واليا تحدِّيت اتحدَّى الرجاجيل.
ثم أرسل أبيات شعر تُظهر مدى إجلاله برجال اليمن الشقيق وحبه وفخره بأصدقائه اليمنيين وكأنه يقول- كلمة حق أقولها فيكم بأنكم فخر لمن يخاويكم.
يا مرحبا يا أهل اليمن وألف ترحيب
أقولها ولواني عن الشعر جايز
اللي يخاوي واحدٍ من أهل الطيب
في ذمتي إنه على الكل فايز
فأرسل الشاعر اليمني عبدالرحمن الزبيري برسالة ضمّنها ترحيبه واعتزازهم به.
يا مرحبا وأهلا براعي المواجيب
بالشاعر اللي للفخر دوم حايز
وانشهد إنك كفو يابن الأجاويد
في مدحكم أمسيت أنا اليوم عاجز
وفي موقف جميل صادفه في نجران بعض من الإخوة اليمنيين وعرفوه ورحّبوا به وأبدوا له جل تقديرهم واحترامهم فأرسل الشاعر ابن جرشب رسالة شكر لأهل اليمن ذكرَ فيها خصالهم العربية مثل الطيبة والوفاء والكرم والشجاعة والثقافة.
يا أهل اليمن من بعد ما جيت نجران
استقبلوني بالعلوم الوفيّة
أنا استفز أهل المراجل على شان
ألقى المراجل والعلوم الطرية
توافدت للشاعر عدة رسائل من شعراء يمنيين يثنون على الشاعر ذكْره لليمن واليمنيين وذكَّروه أننا شعبان متلاحمان نحمل خصال وفكر الجزيرة العربية. اخترْتُ من بينها رسالة لشاعر لم يذكر اسمه يقول:
يشهد لنا التاريخ في كل ميدان
فينا الكرامة والشهامة عليَّة
الضيف لا جانا نرفع له الشأن
ونكرمه بالطيب منا بنية
متواردين القبيَّلة عبر الأزمان
يا ابن السعودي شل رَدي التحية
الشاعر مسعود ابن جرشب مُدركًا لثقافة شعب الحضارات والتاريخ العربي؛ فكمْ من شاعر فحل وأديب فذ قدمته أرض اليمن؛ ففيهم الفصاحة والبلاغة والفكر ومنهم الشاعر محمد محمود الزبيري الذي وقف في موسم حج 1940م – 1358هـ. بمكة المكرمة وقال قصيدة في الملك عبدالعزيز أثنى عليه:
قلب الجزيرة في يمينك يخفقُ
وهوى العروبة في جبينك يُشرِقُ
ولعمر مجد المسلمين لأنت في
أنظارهم أمل منير شيِّقُ
حتى قال:
وإليك يا أسد الجزيرة خفْقَة
من قلب صبٍ لمْ يزلْ بكَ يخفِقُ
ناءت بمحملها حنايا لوعتي
وهفت إليكَ بها القوافي السُبَّقُ
يمنيّة نجديّة مكيّة
قل ما تشاء فإنها لا تفرقُ
أظهرت الرسائل السابقة ما يتمتع بهِ شعراء البلدين الشقيقين من ثقافة واحدة راسخة في أخلاقهم وما يتمتعان به من رقي في تعاملهما المتبادل كأخوة تربطهما علاقات دم ودين وجوار منذُ بزوغ التاريخ.
عبدالرحمن الزبيري
مسعود ابن جرشب
الشاعر محمد محمود الزبيري
المصدر: صحيفة الرياض