جمال الغيطاني.. وليٌّ صالح في قاهرة المعز
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
رغم تحقُّق مشروع الروائي المصري جمال الغيطاني الكتابي، وترجمة أعماله إلى أكثر من ثلاثين لغة عالمية، في كُبريات دور النشر الأوروبية والأمريكية والصينية وغيرها، وحصوله على عدد من الجوائز المرموقة مثل جائزة "العويس"، و"لورباتليون" الفرنسية، و"جرينزانا كافور" الإيطالية، والشيخ زايد، بالإضافة إلى وسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة "فارس"، إلا أنه ظلَّ مقتنعاً حتى نهاية حياته بأنه صار معروفاً حينما اتَّجه إلى التلفزيون وقدَّم من خلاله برنامجه "تجليات" على قناة "دريم"، وأن الكاتب لا يمكن أن يعتمد على الأدب في أكل العيش ومصاريف البيت والأولاد إلا في حالات استثنائية ونادرة جداً.
اهتمَّ الغيطاني في هذا البرنامج بإطلاع الناس على عظمة الحضارة الإسلامية في القاهرة، وخصوصاً في منطقة المعز لدين الله الفاطمي والحسين والأزهر. نقل إليهم جمال المعمار، والتعاشيق، والخطوط العربية الجميلة، واهتمَّ بأن يشرح لهم فكرة التكامل بين المساجد والبيوت والأسبلة، فكل مبنى في تلك المنطقة لم ينشأ بمعزل عن المباني حوله، فإذا سرتَ مثلاً في شارع المعز لدين الله الفاطمي فإنَّ المساجد تفسح لك الطريق، وكلَّما تخيلتَ أن الشارع يضيق سرعان ما يتَّسع ويظهر البراح، أي أن المكان قد خضع لتصميم فني صارم نفذه معماريون وبناؤون عظام.
تحوَّل الغيطاني إلى وليٍّ صالحٍ في تلك المنطقة، وقد رأيتُ الناس يهرولون تجاهه إذا ظهر، بل إن بعضهم كان على وشك تقبيل يده، لولا أنه سحبها بسرعة. الناس البسطاء اعتقدوا، بما أنه يتحدث عن المساجد، وعظمة الحضارة الإسلامية، أنَّ فيه "حاجة لله"، أما سكَّان المنطقة أنفسهم فقد استحسنوا اهتمامه بهم، فهو لم يكن يتحدث عن الآثار بمعزل عن الحياة حولها، ونبَّه دائماً إلى ضرورة الاهتمام بالبيوت والآثار، ووصل صوته إلى المسؤولين فأدخلوا كثيراً من الخدمات الناقصة إلى المكان، وبالتالي استفاد الناس مما يقدمه صاحب "الزيني بركات".
ذهبتُ بصحبته ذات يوم إلى الأقصر، وبينما نجلس متجاوريْن في الطائرة ترك بعض الركاب مقاعدهم وجاءوا للحديث معه، معبِّرين له عن إعجابهم بما يقدمه على التلفزيون. مال على أذني قائلاً وهو يضحك: "الناس عرفوني بس لما اشتغلت في التلفزيون!"، لكنه كان يبالغ طبعاً، فهناك أجيال في مصر تعرف جيداً قيمته كمراسل حربي، حمل روحه على كفيه، لينقل بطولات الجيش المصري في حرب الاستنزاف، ويرسم بالكلمة تفاصيل خنق العدو الإسرائيلي وإلحاق خسائر فادحة بصفوفه وعتاده، متنبئاً بانتصار قريب، تحقق فعلاً في أكتوبر 73.
اقتناع الغيطاني بأن للتلفزيون تأثيراً كبيراً، جعله يقبل كثيراً من الدعوات للظهور في برامج مختلفة، سواء في مصر، أو أوروبا، كما أنه آمن بأن التلفزيون سيمكِّن ابنه محمد وابنته ماجدة من مشاهدته بعد رحيله، وهذا لا يعني قطعاً عدم اهتمامه بالأدب، أو عدم إيمانه بقيمته، بل إنه اهتم بتطوير نفسه وعالمه وتوسيع رقعة مشروعه السردي، بحيث يشمل إلى جانب الأعمال الروائية والقصصية تأملاتٍ فلسفية، ظهرت في كتابه "التجليات"، حيث تأمَّل فيها الحياة من خلال النوافذ المتعددة، كما تأمل "الاسم" وما يتركه من تأثيرٍ على صاحبه، وكذلك تأمَّل الموت والبعث وارتباطهما بالإنسان المصري من أول الحضارة الفرعونية وحتى اللحظة الحاضرة.
وعلى مستوى الكم تجاوز الغيطاني إنتاج صاحبه ومعلِّمه نجيب محفوظ، حيث ترك للمكتبة العربية أكثر من 70 كتاباً، بينما ترك محفوظ 55 عملاً منها ترجمته لكتاب البريطاني جيمس بيكي "مصر القديمة"، فقد شعر الغيطاني، طوال الوقت، بأنه في صراع مع ملاك الموت، وأراد أن ينجز أكبر قدر ممكن من الأعمال الجيدة، تخلد اسمه، قبل أن يستسلم له أخيراً ويغلق عينيه إلى الأبد في 18 أكتوبر 2015، لكنه كان مطمئناً غاية الاطمئنان إلى بقاء اسمه إلى الأبد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري تنسيق المواقف تجاه قضايا المنطقة ذات الاهتمام المشترك
شمسان بوست / القاهرة:
بحث وزير الخارجية وشؤون المغتربين، الدكتور شائع الزنداني، اليوم، مع وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج، الدكتور بدر عبد العاطي، العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها بالإضافة الى تنسيق المواقف السياسية تجاه قضايا المنطقة ذات الاهتمام المشترك.
وأشاد الدكتور الزنداني خلال اللقاء المنعقد في العاصمة المصرية القاهرة على هامش اعمال الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة العربية الطارئة بشأن فلسطين، بعمق العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها وتطويرها..موكداً حرص مجلس القيادة الرئاسي والحكومة على دعم جميع مبادرات السلام التي تهدف الى انهاء الانقلاب الحوثي، وتحقيق سلام عادل ومستدام يضع حداً لمعاناة الشعب اليمني.
كما اطلع الوزير الزنداني، وزير الخارجية المصري على آخر المستجدات في الشأن اليمني، والجهود المبذولة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام..مثمناً موقف مصر الثابت تجاه الحكومة والشعب اليمني.
من جانبه اكد وزير الخارجية المصري، موقف مصر الثابت والداعم لليمن والحكومة والشعب اليمني، وعلى متانة العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين..مجدداً موقف بلاده الثابت والداعم لمجلس القيادة الرئاسي، ووحدة واستقرار اليمن.
حضر اللقاء سفير اليمن لدى جمهورية مصر العربية، السفير خالد بحاح، والقائم بأعمال المندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية السفير الدكتور علي موسى.