هل تشتعل حرب شاملة بين إيران والاحتلال؟.. خبير يتحدث عن عائق البعد الجغرافي
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
شدد مقال نشر في مجلة "فورين أفيرز" على أن الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران اندلعت بالفعل على وقع شن طهران هجومين إلى الآن على "إسرائيل" فيما تتجهز "إسرائيل" لثاني ردا على الأخيرة خلال هذا العام، موضحا أن السؤال الآن يجب أن يكون "ما الذي سيقتضيه الصراع الموسع بينهما؟.
وقال الزميل الأول في معهد "أميركان إنتربرايز"، كينيث بولاك، في المقال المشار إليه والذي ترجمته "عربي21"، إن العديد من المحللين الذين يراقبون الصراع في الشرق الأوسط حذروا من أن القتال الحالي قد يتصاعد أكثر.
وأضاف أن هذه الحرب جارية بالفعل، حيث شنت إيران هجومين مباشرين على إسرائيل، بينما نفذت إسرائيل ضربة واحدة ردا على ذلك ومن المؤكد أنها تستعد لشن هجوم ثانٍ. مشيرا إلى أن عددا من حلفاء إيران هاجموا "إسرائيل" واغتالت هذه الأخيرة مجموعة من القادة الإيرانيين الرئيسيين، ونفذ الجانبان ضربات إلكترونية.
لذا فإن السؤال الحقيقي ليس كيف ستبدو الحرب بين إيران وإسرائيل ولكن ما الذي سيقتضيه الصراع الموسع بينهما. والإجابة، في جوهرها، بحسب المقال، هي هذا: المزيد مما يحدث الآن، ولكن بكثافة متزايدة. إن السبب وراء هذا هو أن الجانبين يواجهان عقبات مادية واستراتيجية كبيرة تجعل من غير المحتمل اندلاع حرب شاملة بينهما.
وفي هذا الصدد، أشار الكاتب إلى أن تتخلف عن إسرائيل في كل القدرات الهجومية والدفاعية تقريبا، وبالتالي فهي ببساطة غير قادرة على إلحاق أضرار مدمرة. وفي الوقت نفسه، تتمتع إسرائيل بقدرة هائلة على توجيه الضربات الموجهة، ولكنها لا تمتلك التنوع في الموارد التي قد تتطلبها حرب غزو أو تدمير ضد إيران.
وكلا الدولتين بعيدتان جغرافيا عن بعضهما وتفتقران إلى القدرة على شن غزوات برية أو بحرية. وتعني هذه العقبات أن الحرب غير المقيدة أمر مشكوك فيه.
وقال كاتب المقال، إن العامل الأكثر أهمية الذي يقيد الحرب بين إيران وإسرائيل هو المسافة. فالبلدان لا يشتركان في حدود. وفي أقرب نقطة بينهما، يبعدان عن بعضهما البعض مسافة 750 ميلا. ويقع وسط إسرائيل على بعد 1000 ميل تقريبا من طهران.
فضلا عن ذلك، تقع بينهما تركيا وسوريا والعراق والأردن والسعودية والكويت. بعض هذه البلدان أكثر اصطفافا مع إسرائيل، وبعضها أكثر اصطفافا مع إيران، وبعضها معادٍ لكليهما، على حد قول الكاتب.
ويمكن للخصمين المحتملين، حسب المقال، أن "يعتمدا على المساعدة من البعض ــ من حيث السماح لقواتهما بالمرور وإعاقة قوات العدو ــ ولكن لا يمكنهما أن يفترضا أكثر من ذلك. فالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، على سبيل المثال، حليف رئيسي، وإن كان ضمنيا، لإسرائيل، ولكنه يحكم أغلبية من السكان الفلسطينيين الذين يكرهون الدولة اليهودية، الأمر الذي يحد من قدرته على دعم إسرائيل".
وأشار الكاتب إلى أن الأردن "ساعد إسرائيل في إسقاط المسيّرات والصواريخ الإيرانية التي عبرت أراضيها خلال الهجوم الصاروخي الإيراني الأول على إسرائيل في 13 نيسان/ أبريل. ولكن عمان كانت حريصة على الإصرار على أنها كانت تدافع عن مجالها الجوي فحسب، وأنها ستفعل ذلك ضد كل المتسللين الأجانب. وعلى نحو مماثل، تعتمد سوريا بشكل كبير على إيران. ولكن الرئيس السوري بشار الأسد تعلم من والده ألا يقاتل إسرائيل أبدا، وهو الدرس الذي تعلمه الأسد بعد الهزائم المتكررة في أعوام 1967 و1973 و1982".
ونتيجة لهذا، ورغم أن إيران قادرة على تحريك قواتها عبر سوريا وإقامة قواعد لها فيها، فإن دمشق منعت حتى الآن طهران من شن هجمات كبرى مباشرة ضد إسرائيل من الأراضي السورية خوفا من أن توسع "تل أبيب" هجماتها هناك، وفقا للمقال.
وقال الكاتب إن هذه الحقائق تجعل أي نوع من الغزو البري مستحيلا في أي اتجاه. ولغزو إيران، يتعين على القوات البرية الإسرائيلية أن تتقدم عبر الأردن والعراق أو سوريا والعراق، وهو ما يشكل تحديا لوجستيا وغباء استراتيجيا. فإيران أكبر ثمانين مرة من إسرائيل، وحتى لو تمكنت إسرائيل من إيجاد طريقة لنقل نصف فرقها البرية التي يبلغ عددها نحو اثني عشر فرقة إلى هناك، فإنها سوف تبتلعها المساحة الجغرافية الشاسعة للجمهورية الإسلامية ولن يكون لديها القدرة على إنجاز أي شيء ذي معنى، ولن ترغب إسرائيل أبدا في إرسال هذا العدد الكبير من جيش مواطنيها إلى أماكن بعيدة إلى هذا الحد.
وأضاف أن "الإسرائيليين تمكنوا من تدمير منشآت رئيسية للعدو باستخدام فرق صغيرة من القوات الخاصة يتم إنزالها جوا، ومن المحتمل جدا أن يقوموا بواحدة أو أكثر من هذه العمليات ضد أهداف إيرانية مهمة. ولكن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع احتلال الأراضي الإيرانية بهذه الطريقة دون وجود طريق لإعادة إمداد وتعزيز الموجة الأولى من الوحدات التي يتم إنزالها جوا".
كما أن "إسرائيل" تفتخر أيضا ببحرية قادرة، وإيران لديها ساحل طويل. وقد تشن إسرائيل غارة بحجم كتيبة أو حتى لواء ضد منشأة ساحلية إيرانية مهمة باستخدام واحدة أو أكثر من وسائل النقل البحرية المجهزة من نوع ما. لكن "إسرائيل" تفتقر إلى الهجوم البرمائي والقدرات الجوية القائمة على حاملات الطائرات اللازمة لشن غزو أكبر من البحر، حسب المقال.
وشدد الكاتب على أنه "في حال لم تتمكن إسرائيل من إنشاء أسراب مقاتلة في البحرين أو الإمارات، وهو أمر مستبعد للغاية، فإن الحفاظ على قوة على الشاطئ لأكثر من بضع ساعات في مواجهة الصواريخ والغارات الجوية الإيرانية سيكون صعبا للغاية. وحتى لو تمكنت هذه القوات من الاستيلاء على رأس جسر ساحلي، فإن الحفاظ عليه يتطلب مرور سفن النقل الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب الذي يهدده الحوثيون ومضيق هرمز الذي تهدده إيران. وبالتالي، فإن مثل هذه القوة الصغيرة قد تدمر بشكل واقعي منشأة إيرانية واحدة أو عدد قليل من المنشآت الإيرانية عالية القيمة بالقرب من البحر قبل أن تضطر إلى الانسحاب خارج نطاق القوات الجوية والبحرية الإيرانية".
وفي السياق، أوضح المقال أن "البحرية الإيرانية سوف تواجه عقبات أكثر صعوبة في محاولة شن غزو برمائي لإسرائيل ضد القوات الجوية والبحرية والبرية للدولة اليهودية، ناهيك عن الكابوس اللوجستي المتمثل في محاولة نقل القوات وإمدادها هناك من خلال الإبحار حول أفريقيا بالكامل. إن الهجوم البري ضد إسرائيل لن يكون أكثر جاذبية إلا قليلا. من الناحية النظرية، تتمتع إيران بميزة لوجستية تتمثل في المرور الحر عبر العراق وسوريا. لكن قواتها البرية هي العنصر الأضعف والأكثر تخلفا في قواتها المسلحة، ولن يكون لها أي فرصة ضد الجيش الإسرائيلي المعبأ للدفاع عن مواقعه المحصنة بشدة في مرتفعات الجولان".
وقال الكاتب، إن "هذه القيود المفروضة على العمليات البرية تعني أن الجوانب التقليدية لحرب أوسع نطاقا بين إسرائيل وإيران ستقع في الغالب على عاتق قواتهما الجوية، والتي هي أيضا محدودة فيما يمكنها القيام به. تمتلك إسرائيل صواريخ باليستية يمكن أن تصل إلى كل إيران ولديها صواريخ كروز ومسيّرات يمكنها القيام بذلك من السفن والغواصات، وربما من إسرائيل نفسها. لا أحد يعرف عدد هذه الصواريخ التي تمتلكها إسرائيل، لكنه ليس عددا كبيرا - ربما في المئات أو الآلاف لكل منها. جميعها تحتوي على رؤوس حربية صغيرة نسبيا، لا تشبه الحمولة التي يمكن للطائرات المأهولة أن تنقلها. إن الطائرات الإسرائيلية المأهولة قادرة على تدمير الأهداف الصغيرة نسبيا ذات القيمة العالية ـ المعدات والمباني العسكرية، ولكن ليس القواعد الشاسعة، ناهيك عن المدن".
ورغم أن الدفاعات الجوية الإيرانية من شأنها أن تعقد عمليات الطائرات الإسرائيلية المأهولة، فإنها لن تكون أكثر من مجرد مصدر إزعاج، على حد قول الكاتب.
وقال إن المشكلة الحقيقية بالنسبة لإسرائيل هي المسافة. فمن المؤكد أن طائرات إف-15 الإسرائيلية قادرة على القيام بهذه الرحلات، ولكن طائرات إف-35 وإف-16 المتطورة، والتي تمثل الجزء الأكبر من قوتها الجوية القتالية، لا يتجاوز مداها 600 ميل. والواقع أن الذخائر الإسرائيلية بعيدة المدى قادرة على زيادة هذا الرقم بعدة مئات أخرى، ولكن الأمر لا يزال يشكل مهمة كبيرة بالنسبة لهذه الطائرات لضرب أهداف في وسط إيران دون التزود بالوقود جوا. وما لم تفتح الأردن أوالسعودية مجالها الجوي أمام القوات الجوية الإسرائيلية، فسوف يضطر الإسرائيليون إلى اختيار الوقت المناسب لاستخدام الطائرات المأهولة لضرب إيران.
وأضاف ان إيران لديها قوتان جويتان، إحداهما تابعة للقوات المسلحة النظامية والأخرى تابعة لحرس الثورة الإسلامية. ولكن كل طائراتها قديمة وحتى لو استطاعت الوصول إلى إسرائيل فإنها لن تكون قادرة على الصمود في مواجهة الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
وهذا من شأنه، بحسب الكاتب، أن يضع عبء الحملة الجوية الإيرانية على عاتق قوتها الصاروخية والمسيّرات. ومثلها كمثل "إسرائيل"، ربما تبقى لدى الجمهورية الإسلامية مئات (أو حتى آلاف قليلة) من هذه الصواريخ القادرة على ضرب "إسرائيل". ولكن في هجماتها في الثالث عشر من نيسان/ أبريل والأول من تشرين الأول/ أكتوبر، أطلقت إيران ما مجموعه خمسمائة صاروخ باليستي ولم تحدث أي أضرار تقريبا.
وذكر الكاتب أن هناك تقارير تفيد بأن الفنيين الروس يحاولون مساعدة الإيرانيين على تحسين قدرة هذه الصواريخ على البقاء وقدرتها على الفتك، لكن الأشهر الستة بين الهجومين الإيرانيين لم تظهر أي تحسن كبير. ومن المهين لإيران أن تستمر في الضرب والفشل بهذه الطريقة. والأسوأ من ذلك، أن هذا يدعو إلى انتقام إسرائيلي أكثر إيلاما.
وقال إن ما ينبغي أن يوضحه كل هذا هو أن "إسرائيل" قادرة على إلحاق قدر كبير من الألم بإيران من خلال ضربات جوية ومسيرات وصواريخ صغيرة نسبيا ودقيقة للغاية، في حين أن إيران ستواجه صعوبة في إلحاق الكثير من الألم بإسرائيل على الإطلاق. ولا يستطيع أي من البلدين شن حملة جوية ضخمة ومستدامة ضد الآخر.
وأضاف أنه من المرجح أن يحاول الجانبان استكمال (أو استبدال) عملياتهما العسكرية التقليدية بمزيد من الضربات السيبرانية والعمليات السرية. وفيما يتعلق بالأخيرة، يبدو أن ميزة "إسرائيل" أعظم مما قد تكون عليه في حرب جوية. فعلى مدى عقود من الزمان، أظهر "الموساد" قدرة غير عادية على اغتيال كبار الشخصيات وتخريب المرافق الحيوية داخل إيران. ومن غير الواضح كم من الوقت استغرقته "إسرائيل" لإعداد مثل هذه العمليات، ومدى سهولة ارتجال عمليات جديدة، أو ما إذا كانت لديها عمليات أخرى جاهزة بالفعل.
على النقيض من ذلك، شدد الكاتب على أن إيران بدت عاجزة في هذه الساحة أيضا. وعلى الرغم من أنها حاولت قتل كبار المسؤولين الإسرائيليين، إلا أنها فشلت حتى الآن. ويبدو أن أفضل جهد لها كان هجوما صغيرا في ليلة الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، والذي نفذ في نفس وقت هجومها الثاني بالصواريخ والمسيّرات والذي أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص في تل أبيب. ربما شارك أفراد إيرانيون في عدد من الهجمات الصغيرة النطاق في إسرائيل خلال العام الماضي، لكن كل هذه الهجمات لا تذكر مقارنة بالنجاحات السرية التي حققتها "إسرائيل".
وقال إنه في عالم الإنترنت، يبدو أن إيران في وضع أقوى إلى حد ما ولكنها لا تزال تبدو متفوقة على الإسرائيليين. لقد أنفقت إيران ما يقرب من عقدين من الزمان في تطوير قدراتها في الحرب الإلكترونية، وأصبحت جيدة بما يكفي لإحداث فوضى في أهداف غير محمية. حتى أن الإيرانيين أظهروا بعض القدرة على ضرب أهداف أكثر صعوبة. ولكن في التبادلات الإلكترونية، سادت إسرائيل باستمرار. على سبيل المثال، خلال صيف عام 2023، أدت الهجمات الإلكترونية الإيرانية إلى قطع التيار الكهربائي عن العديد من المستشفيات والعيادات الصحية الإسرائيلية. لكن الإسرائيليين ردوا بشن هجمات إلكترونية خاصة بهم، مما أدى إلى إغلاق محطات الوقود في جميع أنحاء إيران. أوقفت طهران هجماتها.
وأضاف أن كلا من إيران وإسرائيل تواجهان ظروفا استراتيجية تحد بشكل أكبر من نطاق الصراع المحتمل بينهما. فإيران لا تدرك فقط أنها تقاتل في وضع غير مؤاتٍ بشكل واضح ضد إسرائيل في الحرب التقليدية وحتى غير التقليدية، بل إن الإيرانيين يعتقدون أيضا أن إسرائيل تمتلك مجموعة من أسلحة الدمار الشامل. ورغم أن النظام الإيراني كثيرا ما يُتَّهَم بالسلوك غير العقلاني، فإن الواقع هو أنه أظهر قدرا كبيرا من الحكمة، ولا شك أنه سيسعى إلى تجنب اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يستفز رد فعل إسرائيلي هائل.
لكل هذه الأسباب، وفقا للكاتب، فإنه من المرجح أن تتألف الحرب الموسعة بين "إسرائيل" وإيران من سلسلة متقطعة من الهجمات التي تنفذها الطائرات والصواريخ والمسيرات والأسلحة السيبرانية، بالإضافة إلى بعض العمليات السرية والهجمات الإرهابية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاحتلال إيران سوريا إيران سوريا غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسرائیل فی بین إیران قادرة على أن إیران وأضاف أن أکثر من حرب بین على أن
إقرأ أيضاً:
الجبهة تشتعل مجددًا.. حزب الله يحسمها: الكلمة للميدان!
لم يُكتَب للحديث عن اتفاق لوقف إطلاق النار أن يصمد طويلاً، إذ إنّ مجريات الميدان طغت عليه في اليومين الماضيين، ولو أنّها لم تجهضه بالمُطلَق، بانتظار بعض اللقاءات "المحورية" بين الأميركيين والإسرائيليين، ليسجَّل "اشتعال متجدّد" للجبهة على مختلف مستوياتها، ترجمته الغارات الإسرائيلية التي تجدّدت على الضاحية الجنوبية لبيروت، نهارًا هذه المرّة لا ليلاً كالعادة، فضلاً عن القصف المركّز في مناطق عدّة من الجنوب والبقاع.
لكن في مقابل التصعيد الإسرائيلي المتجدّد، الذي وضعه البعض في خانة مرحلة جديدة، بعدما صادق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قبل أيام على توسيع العملية البرية، لوحظت كثافة تكاد تكون غير مسبوقة أيضًا في عمليات "حزب الله"، التي أخذت منحى تصاعديًا في اليومين الماضيين، بالتزامن مع إحياء الحزب لـ"يوم الشهيد"، مع تسجيل رشقات صاروخية وُصِف بعضها بالأضخم منذ بدء الاشتباكات، وقد أدّت إلى وقوع خسائر فعليّة.
وبين التصعيد الإسرائيلي المتجدّد وعمليات "حزب الله" المكثّفة، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام عن مصير "التسوية" التي كثر الحديث عنها في الأيام الأخيرة، ولكن أيضًا عن "الرسائل" التي يتبادلها الطرفان في هذه المرحلة من الحرب، وتحديدًا عن الرسائل التي يسعى "حزب الله" لإيصالها إلى الجانب الإسرائيلي، وقد تعمّد القول إنّ بعض صواريخه انطلقت من القرى الأمامية جنوبًا، بل من مناطق قيل إنّ الجيش الإسرائيلي دخلها؟!
"حزب الله" والرهان على الميدان
يقول القياديّون في "حزب الله"، وآخرهم مسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف، وقبله الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، إنّ الحزب يراهن على الميدان، من أجل دفع الإسرائيلي ليكون هو من يطالب بوقف إطلاق النار، وليس العكس، مستعيدًا بذلك المعادلة التي كان أمينه العام السابق السيد الشهيد حسن نصر الله أول من أطلقها في "يوم الشهيد" من العام الماضي للمفارقة، وهي أنّ الكلمة الأولى والأخيرة تبقى للميدان، وليس للجانب السياسي.
استنادًا إلى ذلك، يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ الأخير لا يعوّل فعليًا على كلّ التسريبات التي تتحدث عن اتفاق لوقف إطلاق النار وغيره، وهو يعتبر أنّ الميدان هو وحده الذي يتحكّم بمسار الحرب، علمًا أنّ مسؤول العلاقات الإعلامية كان واضحًا في هذا السياق، حين قال في مؤتمره الصحافي قبل يومين، إن أيّ مفاوضات حقيقيّة إن حصلت، فإنّ الفضل فيها سيكون للميدان وإنجازاته، وتحديدًا لصمود المقاومة واستمرار عملياتها ضدّ العدو.
ولعلّ الرشقات الصاروخية التي أطلقها الحزب في اليومين الماضيين باتجاه شمال الأراضي المحتلة شكّلت الرسالة الأهمّ التي يسعى لإيصالها، وهي أنّه لا يزال قادرًا على التحكّم بالميدان، خلافًا لما يحاول العدو أن يروّجه حول ضعفه وعجزه، وخسارته جزءًا كبيرًا من ترسانته العسكرية والصاروخية، وهو بالتالي يكرّس ما سبق أن أكّده في أكثر من مناسبة، عن كونه لا "يستجدي" وقف إطلاق النار، وبالتالي فهو ليس في موقع القبول بأيّ شروط غير مناسبة.
مرحلة جديدة من الحرب؟
يقول العارفون بأدبيّات الحزب إنّ الأخير يطبّق وسط كلّ ذلك، معادلة "إيلام العدو" التي سبق أن أطلقها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، وهو بتكثيفه لعملياته ورشقاته الصاروخية، يوجّه رسالة واضحة للعدو مفادها أنّ مرحلة "الارتباك" التي قد تكون طبعت أداءه في مرحلة ما، خصوصًا بعيد اغتيال السيد حسن نصر الله، قد ولّت، حيث استعاد عافيته، واستعاد معها القدرة على تحقيق "الضربات النوعية" كما حصل في حيفا ونهاريا وغيرهما.
لكن، بموازاة الرسائل التي يوجّهها "حزب الله"، ثمّة من يقول إنّ التصعيد الميداني الذي سُجّل في اليومين الماضيين، مرتبط أيضًا بانتقال الحرب إلى "مرحلة جديدة"، في إشارة إلى التوسيع الإسرائيلي للعملية البرية وربما لأهدافها، وهو ما تطلب من الحزب مقاربات جديدة وتكتيكات مختلفة، في محاولة لـ"ردع العدو"، إن صحّ القول، ولعدم التفريط بالإنجاز الأهمّ حتى الآن، وهو منع الإسرائيليين من احتلال أيّ قرية لبنانية، رغم التوغلات المستمرّة.
وبمعزل عن كلّ ذلك، يبدو أنّ تصعيد اليومين الماضيين يحمل رسالة واضحة على مستوى كلّ ما أثير عن اتفاق لا يبدو أنّه نضج بعد، ما يجعله مرّة أخرى أقرب إلى الخديعة منه إلى الحقيقة، علمًا أنّ العارفين يرجّحون أن يبقى هذا الاتفاق مؤجَّلاً إلى ما بعد انتهاء هذه المرحلة من الحرب، التي يسعى كلّ طرف من خلالها لرفع سقفه إلى الأعلى، بما يتيح له استثمار النتائج على طاولة المفاوضات، التي يعتقد أنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيدفع باتجاهها.
هي رسائل متبادلة إذاً بين إسرائيل و"حزب الله"، فالأولى بتصعيد قصفها ومجازرها، بما في ذلك استهداف الضاحية الجنوبية على امتداد النهار، تقول إنّها تستطيع دائمًا فعل المزيد، وإنّ لا خطوط حمراء بالنسبة إليها، فيما يردّ الحزب بالقول إنّه لا يزال قادرًا على التحكّم بالميدان، رغم كلّ الضربات التي مني بها، وأنّ كلّ التصعيد الإسرائيلي لن ينفع في تحقيق الهدف المُعلَن، وهو إعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم، الأمر الذي يبقى متعذّرًا بلا اتفاق! المصدر: خاص "لبنان 24"