وإلاّ فأَدْركْني ولمّا أُمَزَّقِ!
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
أقرأ فـي العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي وأنا أتقطع ألمًا مما رأيته فـي الغارة الصهيونية الجبانة على النائمين من الأبرياء العُزَّل الذين استشهدوا حرقًا، فـي القرن الحادي والعشرين وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع!. قُلتُ لنفسي لعلي أجد ما يهدئ النفس ويخفف الجزع والذهول الذي لم يصبني لوحدي فحسب، بل أصاب كل من رأى المقطع فذابت نفسه حسرات وهو فاقدٌ الحيلة لا يلوي على شيء.
لم تكن عقيدة الإبادة وليدة اليوم والحاضر، بل هي عقيدةٌ مستفحلة فـي الفكر السياسي الغربي -إلا ما رحم ربي- فـي الماضي كما اليوم تماما. فلم تتورع بريطانيا عن إبادة السكان الأصليين لأستراليا، كما لم يتورع ملك بلجيكا ليوبولد الثاني عن إبادة سكان الكونغو، أو إبادة الهنود الحمر فـي أمريكا. أما عن حروب الإبادة التي لم تمض عليها مائة عام، فلآسيا النصيب الوافر منها؛ بدءا بهيروشيما وناجازاكي وليس انتهاء بفـيتنام وإندونيسيا وفلسطين!. فالعقيدة العسكرية الغربية قائمة على منطق القوة لا غير؛ لذلك كُشِفَ فـي أرشيف الجيش الإسرائيلي، الخميس المنصرم، عن تسجيل نادر لرئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة غولدا مائير من اجتماع حكومي خلال فترة حرب أكتوبر عام 1973 «سوف يغفر لنا أشياء كثيرة، شيء واحد لن يغفر لنا وهو ضعفنا، بمجرد إدراجنا فـي قائمة الضعفاء، سينتهي الأمر». هذه عقيدة تنبئ عن أمرين أساسيين؛ الأول أن العقيدة الصهيونية لا تؤمن بأن الأرض تتسع للصهاينة بمختلف دياناتهم وأعراقهم، وبين أصحاب الأرض الفعليين، الفلسطينيين. والثانية بأن الاحتلال لن يتوقف عند حدود فلسطين وحدها ، فلو أحس المسؤولون بضعف الجوار أو أحسوا بالتهديد، فلن يترددوا عن الهجوم!؛ لأن السارق يظن بأن الجميع يلاحقه، فكيف بالقاتل الذي لا يركن إلا إلى مزيد من القتل خوفا من الحساب والعقاب.
إن أهمية قراءة الأدبيات العربية القديمة، أنها تذكرنا بما نسيناه؛ أو بما أنستنا إيَّاه الأمركة العالمية، فمِن أمركة اللغة إلى أمركة نمط العيش والحياة والتفكير حتى ؛ إلى أمركة الدولة ذاتها. وذلك لأن النظام العالمي الحالي لا يهدأ ولا يستكين ولا يصنف الدولة فـي خانة الأصدقاء إلا بقدر خضوعها للأمركة، من المعاملات البسيطة إلى أعلى القرارات؛ والعكس صحيح. وللمرء أن يلاحظ العلاقة بين حركات المقاومة والتحرر الوطني من الاستعمار الخفـيِّ والجليِّ على السواء، وبين تمسك تلك الحركات والحكومات المُقاوِمة بلغتها وهويتها. وهذا المفكر والفيلسوف الأمريكي -اليهودي النشأة- نعوم تشومسكي يصف فـي كتابه «سنة 501، الغزو مستمر» فـي معرض حديثه عن دور الولايات المتحدة فـي المجازر المرتكبة فـي إندونيسيا فـي ستينيات القرن الماضي، وعلاقة الولايات المتحدة بالانقلابات وتغيير نظام الحكم، يقول: «إن الضباب يلف التاريخ السياسي. أمَّا فـيما يخص التاريخ الثقافـي، فإن السجل العلني يعطي بيِّنات كافـية. إن التاريخ الثقافـي هو الأكثر غنى بالمعلومات، نظرا لما يتضمنه على المدى البعيد، فمن ردود الفعل نستنتج دروسا عن المستقبل». وهذا ما سيحدث بعد هذه الموجة العالمية من الوعي تجاه القضية الفلسطينية وواقع الاحتلال. وهذا أيضا ما دفع المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي يطرح مفهوم «القابلية للاستعمار» فـي كتابه المهم «شروط النهضة».
لن تختلف هذه الحرب عن سابقاتها، الاحتلال لن يترك شبرا مما احتله بدون مقاومة فعلية، والتاريخ القديم والحديث يثبتان هذه الحقيقة. أما عن المقاومين وثباتهم، فهم من يعيش فعلا يومه بكل دقائقه وثوانيه بوعي تام ويعيش حياة ذات معنى؛ لأن الإنسان يفعل كل ما بوسعه عند اقترابه من الموت، فكيف بمن يعيش دقائقه مترقبا من أين يأتيه الموت! والثبات لا يكون إلا لصاحب المبدأ، فمن يضحي بروحه لأجل وطنه، لا يبالي متى يموت ما دام ينافح عن أرضه قدر استطاعته. ولربما عاش الواثب المقتحم الأهوال، ولربما مات العاجز الجبان، وهذا ليس من ضرب التشجيع والمجاز، بل هو حقيقة ألم يقل «خالد بن الوليد عند موته: لقد لقيت كذا وكذا زحفا، وما فـي جسمي موضع شبر إلا وفـيه ضربة أو طعنة أو رمية ؛ ثم هأنذا أموت حتف نفسي كما يموت العَيْر؛ فلا نامت أعين الجبناء»!. وما دام هنالك بصيص أمل، فعلينا جميعا كل حسب وسعه وطاقته ومجاله أن نساند إخوتنا المستضعفـين الذين يتعرضون لكل أصناف الموت والعذاب، أم أن صرخة عثمان ستعود من أقاصي الذاكرة!
فَإِن كُنتُ مَأْكولاً فَكُن خَيرَ آكِلٍ
وَإِلَّا فَأَدرِكني وَلَمّا أُمَزِّقِ
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الغارديان: غالبية الفلسطينيين يعارضون تدخل الإمارات في غزة
وأبرزت الصحيفة أن “قِلة قليلة من الفلسطينيين يوافقون على التدخل الخارجي” في قطاع غزة عقب الحرب الإسرائيلية التي استمرت أكثر من 15 شهرا.
وأضافت الصحيفة أن الموقف الفلسطيني “يتناقض مع الخطط التي طرحتها الإمارات على سبيل المثال، والتي تقضي بتأمين غزة من قِبَل قوات عربية متحالفة مع إسرائيل بعد وقف إطلاق النار”.
ونبهت إلى أنه لكي تكون أي حلول مستدامة، فلابد وأن يشارك فيها المجتمع الفلسطيني. وهذا يعني السماح للفلسطينيين باختيار قيادتهم، حتى يتسنى لأي شخص يتفاوض نيابة عنهم أن يحظى بالشرعية في نظرهم.
وتابعت “هذا يعني أيضاً السماح للفلسطينيين بالمساحة اللازمة للتفاوض داخلياً، من دون أعمال انتقامية أو اغتيالات، من أجل التوصل إلى سبل للتحرك وهذا يعني أيضاً أن المجتمع الدولي لابد وأن يأخذ الحلول الجريئة والإبداعية على محمل الجد
ولا شيء أقل من ذلك سوف يحل الأزمة المباشرة المتمثلة في المعاناة والدمار في غزة ــ ولا شيء أقل من ذلك سوف يحقق السلام على المدى الطويل