فـي زمن غير الزمان، وحين كان الناس غير الناس، والقلوب غير القلوب، كان المطر «رحمة» كما يسميه العمانيون، يسأل عنها الجميع، ويفتقدونها حين تغيب، ويصلّون لأجل أن ينزلها الله، كان المطر نعمة كبيرة، يستبشر بها المزارعون، ويحنُّ لها أهل البادية، وينتظرها أهل الساحل، ويفرح بها أهل الجبال، وكان الماء شفافًا كقمر، يسيل كنهر جارٍ، فـيسقي الزرع والحرث، وكان السؤال الذي اجتمع عليه العمانيون دائمًا بعد كل زخة مطر: «كيف أنتو والرحمة»؟.
نعم كان المطر رحمة، ونعمة، وكانت الأرض خصبة، وخضراء، وكان المطر لا ينقطع، يفرح به الصغار، ويلعبون فـي برك الماء التي يخلفها السيل، وكان الوادي هو الآخر نعمة أخرى؛ فأصحاب المزارع ينظرون إليه باعتباره دليل الاخضرار، وفـيه ارتواء الشجر، وخصوبة التربة والطين، وكانوا يفسحون له طريقًا نحو مزارعهم، ولا يُعيقون حركته، ويتباركون بمجيئه، كان المطر حدثًا سعيدًا، وفرحة لا توصف للجميع، كان رحمة السماء للأرض، ومن عليها.
الآن.. تغيّر الحال، وأصبح المطر «حالة طوارئ» فـي طول البلاد وعرضها، تحذيرات فـي وسائل الإعلام، وإنذارات من الشرطة، وتنبيهات من الأرصاد، ورسائل من شركات الكهرباء، أصبح المطر اليوم استثنائيًا، ونادرًا، ومليئًا بالخطر، وحاصدًا للأرواح، وهادمًا للممتلكات، وبات الناس يخبئون أطفالهم عنه، ويحرصون على عدم الخروج إلا حين الانتهاء من «الحالة، وزاد المتهورون ـ الذين يتحدون الأودية ـ الطين بلة، أولئك الذين يجازفون بأرواحهم، ويقتلون الفرحة فـي قلوب أسرهم، والذين لا يعرفون ماذا تعني كلمة «الوادي»، ويستصغرون من شأنه، فتذهب فـي أعماقه حياتهم فـي لحظة طيش، أو تهور.
انقطع المطر عن المجيء، وبات يأتي على استحياء، وماتت الزروع، وهلكت المزارع، وأصبحت مناطق ومحافظات بأكملها أراضي بور، وتملّحت التربة، وغدت تلك البقع الخضراء خرابًا، وترابًا منثورًا، ولعل محافظة شمال الباطنة التي كانت ذات زمن «سلة غذاء سلطنة عُمان» أقرب مثال لهذا الوضع، فتلك الأراضي الخصيبة أمحلت، وأضحت أثرًا بعد عين، وبدلًا من وضع الحلول الناجعة لتملُّح التربة، أُهملت، وتُركت للريح تعبث بها، حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه، فماتت النخيل، وتهاوت أشجار الليمون، والمانجو، والبيذام، وغيرها، ولم يعد الماء صالحًا للري أو الشرب، وتحولت تلك القوة الاقتصادية الهائلة إلى أكوام من التراب، لا تصلح حتى للسكنى إلا بعد معالجة التربة.
لعلنا افتقدنا «الرحمة» والتراحم فـيما بيننا، غابت عنا تلك الألفة الروحية، وتحوّل المطر إلى ناقوس خطر يدق أمام كل باب، هربنا منه، فاعتزلنا، وغادرنا، وأصبح مبعثًا للحذر، والخطر، لم نعد نحتفل به إلا ونحن نهرب منه، وأصبح عبئًا على رجال الأمن، والإسعاف، ورغم ذلك تبقى عبارة «كيف أنتو والرحمة»؟.. سؤال أزلي فـي الذاكرة العمانية، تذكّرهم بزمان مضى، ووقت ذهب، ولن يعود.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کان المطر
إقرأ أيضاً:
ريهام عبد الغفور: طلبت تغيير دوري في «العميل 1001» وكان نقطة تحول في مسيرتي الفنية
انطلقت منذ قليل ندوة تكريم الفنانة ريهام عبد الغفور، ضمن فعاليات مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.
وخلال الندوة، قالت ريهام عبد الغفور: “كان معروضًا عليّ دور آخر في مسلسل (العميل 1001)، لكنني طلبت من المخرجة شيرين عادل أن أؤدي دورًا مختلفًا، وبالصدفة وافقت، وكان هذا الدور بمثابة نقطة تحول حقيقية في حياتي الفنية”.
كما حرصت الفنانة سلوى محمد علي على توجيه التحية لريهام وتهنئتها بالتكريم، وقالت عنها: “ريهام عبد الغفور نشأت في بيئة فنية راقية، ووالدها الأستاذ أشرف عبد الغفور علمنا اللغة العربية. هي فنانة مؤدبة، ومن أحب أدوارها لديّ شخصية أم محمد صبحي في (فارس بلا جواد)، وكذلك مشاركاتها في (حديث الصباح والمساء) وأعمالها مع الفنان الكبير يحيى الفخراني”.
وشهد حفل افتتاح المهرجان تقديم ميدلي من أشهر أغاني أفلام السينما المصرية، أدته فرقة الأنفوشي الغنائية، وسط حضور عدد كبير من نجوم الفن، منهم: شيري عادل، سلوى محمد علي، المخرج أمير رمسيس، النجم محمود حميدة، الفنانة بشرى وزوجها خالد حميدة، المخرج يسري نصر الله، ريهام عبد الغفور، أحمد مالك، وأحمد مجدي، وغيرهم.
تستمر فعاليات مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير حتى الثاني من مايو، حيث يتضمن عروضًا لمجموعة من الأفلام القصيرة من مصر والعالم، إلى جانب ندوات وورش عمل تهدف لدعم المواهب السينمائية الشابة وتعزيز الحوار حول قضايا الفن والسينما.
يُذكر أن المهرجان، الذي تأسس عام 2015، يُقام سنويًا بمدينة الإسكندرية خلال شهر أبريل، وينظمه “جمعية دائرة الفن” برعاية وزارة الثقافة وهيئة تنشيط السياحة وعدد من الشركات والمؤسسات، منها: ريد ستار، بيست ميديا، لاجوني، أوسكار، ديجيتايزد، ومحافظة الإسكندرية، وشركة باشون للإنتاج الفني (نيو سينشري).
اقرأ أيضاًريهام عبد الغفور: وسائل التواصل الاجتماعي مؤذية وعانيت من سوء اختياراتي في السينما
بعد معاناتها من التنمر.. أحمد السعدني لـ ريهام عبد الغفور: أحلى واحدة | صورة
«أسطورتنا وقدوتنا».. ريهام عبد الغفور توجه رسالة لـ يسرا لهذا السبب