بوابة الفجر:
2024-11-18@04:26:10 GMT

عادل حمودة يكتب: لعبة الأمم فى السودان

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

لعبة الأمم فى السودان

الخير يأتى من السودان والشر أيضا

لا تزال أصداء مقال الكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة عن دولة السودان مستمرة، وما زال المقال يحظى بمتابعات وردود أفعال واسعة على مستوى الدولتين، ما يجعلنا نعيد نشره مرة جديدة مع التأكيد على أهميته نظرًا لوجهة النظر التى عبر عنها الكاتب الكبير فى مقاله.

نموذج من ردود الفعل على المواقع السودانية

«حميدتى» لن يحكم السودان لأسباب قبلية  حساسيات زرعها الإخوان طوال حكم «البشير» أفسدت العلاقات

بين البلدين  السودانيون يعرفون عن مصر كل شىء ونحن لا نعرف عنهم شيئا

يأتى النيل من عيون السودانيين ليصب فى قلوب المصريين.

يجمع شريان الحياة بيننا.

لو نزف فى الخرطوم دخلت القاهرة غرفة الرعاية الفائقة.

وبلغة السياسة فإن السودان جزء من الدائرة الأولى المباشرة للأمن القومى المصرى بحدود مشتركة تمتد إلى ١٢٧٦ كيلومترا بينما الحدود بيننا وبين غزة لا تزيد على ١٢ كيلومترا.

ومصر والسودان شريكان فى البحر الأحمر وهما معا ضمن دول حوض النيل.

وبين البلدين مصالح عربية وإفريقية وإسلامية مشتركة فى حالة غير موجودة على خريطة الدنيا غالبا.

ولنتذكر أن حكم مصر اثنان بهما دماء وجينات سودانية هما «محمد نجيب» و«أنور السادات».

وكانت الأحزاب المصرية لها فروع وأنصار فى السودان وعلى رأسها حزب الوفد إلى جانب التنظيمات الشيوعية.

لا أتحدث من دماغى وإنما أتحدث من تجاربى.

فى سنوات سياسة «التكامل» بين البلدين توليت مسئولية تحرير مجلة «الوادى» بمشاركة الصحفى السودانى «شريف طمبل».

أتاحت التجربة معرفة السودان عن قرب.

مساحة تزيد على مليون و٨٦١ ألف كيلومتر مربع قسمت إلى سبعة أقاليم، كل منها يختلف عن الآخر فى اللغة والديانة والثقافة والقبيلة.

شاهدت ذلك بنفسى عندما زرت «الجنوب» قبل انفصاله و«دارفور» فى الغرب و«بور سودان» فى الشرق و«كوردفان» فى الوسط حين كانت شركة «شيفرون» الأمريكية تنقب عن النفط فى منطقة «المجلد».

ولكن الخطيئة الكبرى التى لا تغتفر أن حكام البلاد فى الشمال أرادوا فرض اللغة العربية والديانة الإسلامية وأساليب الحياة المختلفة على الأقاليم الأخرى بقوة السلاح دون احترام خصوصية كل منها.

على أن الوحيد الذى فهم فضيلة الاختلاف كان «جعفر نميرى» الذى منح الحكم الذاتى لكل إقليم بعد حرب أهلية لم تؤد إلا إلى سقوط ملايين من الضحايا بلا ذنب، كما أنه يكاد يكون الحاكم الوحيد الذى زار غالبية الأقاليم السودانية، بل إنه كان يخدم فى حامية الجنوب عندما قام بانقلاب ٢٥ مايو ١٩٩٦.

ولكنه فى سنوات حكمه الأخيرة تغلبت عقده الشخصية والنفسية على براعته السياسية وانقلب على نفسه بما أسماه «النهج الإسلامى» بخديعة من «حسن الترابى» زعيم الإخوان المسلمين الذى كان يخطط للإطاحة به.

وسهل التخلص منه تطبيق الحدود بعشوائية أزعجت الدنيا كلها.

وعند عودته من آخر رحلة إلى الولايات المتحدة مر فى القاهرة واستسلم لنصيحة مبارك بالبقاء فيها وعدم السفر إلى الخرطوم حتى لا يقتل أو يسجن.

كالعادة لم يستمر الحكم الديمقراطى طويلا فى السودان ودبر «حسن الترابى» انقلابه الذى خدعت فيه مصر وجاء بالعقيد «حسن البشير» من الجنوب ليكون واجهه التغيير قبل أن يفصح عن التوجه الإسلامى المتشدد للحكم الجديد.

تجددت الحرب الأهلية من جديد مخلفة وراءها ملايين من الضحايا وسحقت حالات التمرد بذبح وقتل ملايين أخرى وصلت إلى مستوى الإبادة الجماعية كما حدث فى دارفور.

وكما يأتى النيل من السودان إلى مصر.

جاء أيضا الإرهاب إليها.

هنا يمكن صياغة قاعدة استراتيجية فرضت نفسها دائما.

«لا خير يأتى إلى مصر مثل الخير الذى يأتى من السودان ولا شر يمكن أن يأتى إلى مصر مثل الشر الذى يأتى من السودان».

إن الشوكولاتة والشطة تختلطان معا.

لكن الوجه الآخر لهذه الحقيقة أن السودانيين يعرفون كل شيء عن مصر ربما أكثر مما نعرف نحن ولكننا لا نعرف عنهم شيئا.

بل ربما ما نعرفه عنهم يحمل تصورًا خاطئا عنهم يضاعف من حساسيتهم تجاهنا.

وغياب الوعى فى الحقيقة يمتد من السودان إلى إفريقيا كلها التى غاب الاهتمام بها بغياب «جمال عبد الناصر» وأصبحت عواصمها عقابا للدبلوماسيين المصريين الذين يخدمون فيها وإن بدت الصورة فى التغير فى السنوات العشر الأخيرة.

ولكن على الجانب الآخر نجد فى تيارات سودانية غير منصفة إصرارا على استدعاء الأحداث التاريخية القديمة لوضعها أمام مدافع ثقيلة موجهة إلى مصر.

فى عام ١٨٢٠ بدأ محمد على باشا الكبير فى إرسال حملات عسكرية إلى السودان لمطاردة المماليك الذين فروا إلى هناك ودعمتهم قبائل الشايقية حتى أصبحت لهم دولة هناك.

قاد إسماعيل بن محمد على ومحمد الدفتردار زوج ابنته أولى الحملات لوضع السودان ــ من شماله إلى جنوبه ــ تحت السيادة المصرية ولكن الحملة تجاوزت حدودها وأهان إسماعيل باشا ملك منطقة «شندى» التى تبعد عن العاصمة بنحو ١٥٠ كيلومترا فاستدرجه الملك وقتله.

مثل هذه الأحداث لا تزال يرويها البعض وكأنها وقعت أمس ليضع شحنة متفجرات فى العلاقات الضرورية بين البلدين.

أحداث مضت ليس الجيل الحالى من المصريين الرسميين مسئولا عنها فلم الحساب بأثر رجعي؟

على أن علينا التفاهم فى مثل هذه الأمور حتى لا نفتح الجراح كلما تعافت.

وعندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا وجدنا فى السودان من يتعجب من ذهاب مصر إلى دولة بعيدة مثل سوريا دون أن تفكر فى دولة ملاصقة لها مثل السودان.

وكان الرد جاهزا:

«لقد كنا بلدا واحدا أنتم من اخترتم التصويت للانفصال».

ومما يضاعف من حساسية الشخصية السودانية أنها لم تحسم بعد هويتها القومية.

هل السودان دولة عربية مسلمة أم دولة إفريقية قبلية متعددة الديانات السماوية والوثنية؟

بالقطع يصعب الحسم فالسودان حسب توصيف «محمد حسنين هيكل»: «حيز جغرافى أكثر منه دولة» لكن هذه الحقيقة ينكرها السودانيون ولا يعترفون بها إلا عند انفصال جزء منه كما حدث فى الجنوب ونخشى أن يحدث فى أقاليم أخرى.

ولكن علينا استيعاب ذلك كله لضمان تدفق مياه النيل من المعبر إلى المصب.

قبل اتفاقية عام ١٩٥٩ كانت حصة مصر من النهر ٤٨ مليار متر مكعب، وحصة السودان ٤.٥ مليار متر مكعب، وبعد الاتفاقية ارتفعت حصة مصر إلى ٥٥ مليار متر مكعب، وارتفعت حصة السودان إلى ١٤ مليار متر مكعب.

ولا بد أن نعترف أن السودان هو العمق الاستراتيجى لمصر.

بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧ نقلت الكلية الحربية إلى الخرطوم ونقلت طائرات حربية إلى هناك حتى استكملت مصر حائط الصواريخ.

وشهدت الخرطوم مؤتمر القمة العربية يوم ٢٩ أغسطس ١٩٦٧ ليعرف بمؤتمر اللاءات الثلاث «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض».

ولكن ما إن بدأ الحكم الدينى فى السودان تحت سطوة «عمر البشير» حتى خرجت كل أصناف الكراهية تجاه مصر ومع بقاء النظام نحو ثلاثين سنة قويا ومستقرا تربت الأجيال السودانية الجديدة على هذه الكراهية.

على الجانب الآخر لم تجد الأجيال الجديدة فى مصر وفى السودان سوى مصدر للإرهاب وتصدير العنف وإيواء الجماعات المسلحة التى دبرت محاولة اغتيال رئيس الدولة خلال زيارته إلى إثيوبيا عام ١٩٩٥.

أصبحت الأجيال الجديدة فى البلدين فى حالة سوء فهم تناست خلالها المصالح الحيوية المشتركة والمتبادلة.

فى الوقت نفسه لم يتخيل أحد أن يسقط النظام فى السودان لكن المعجزة حدثت فى ١١ إبريل ٢٠١٩.

لكن سقوط النظام جاء بانقسامات سياسية وقبلية وأيديولوجية وعسكرية مما فرض جيلا جديدا من الحرب الأهلية بين الجيش النظامى وقوات الدعم السريع.

ونشب صراع ظاهر على الفضائيات الإخبارية بتفاصيل دقيقة ومذهلة ولكنه صراع كالعادة على السلطة والثروة.

وفتح ذلك الصراع أبواب السودان أمام لعبة الأمم.

من يدعم ميليشيات الدعم السريع محددا ما يريد من مكاسب، ومن يدعم قوات الجيش النظامى مقابل قاعدة بحرية على البحر الأحمر.

لا عشاء مجانى حسب المثل الأمريكى.

لا مساعدة بلا مقابل حسب قواعد لعبة الأمم.

لم يعد هناك تحرك فى السودان غالبا إلا وخلفه يد خارجية.

تلعب أمريكا وروسيا وإيران وغيرها فى الخفاء.

وربما انتهز الإخوان الفرصة للظهور من جديد.

وربما لا يفهم الدخلاء طبيعة الأصول القبلية المؤثرة فى المجتمع وتحكم مقدراته.

لن يفهموا مثلا أم «حميدتى» لن يحكم السودان لجذوره المتواضعة التى لن تقبل بها القبائل التى تزهو بنفسها وبأصولها ولها القرار النهائى فى اختيار من يحكمها ومن ترفض أن يقترب منها؟

وما يساعد على التمزق أن التيارات السياسية السودانية منقسمة على نفسها ولا ينظر أغلبها إلا تحت قدميها.

ويمكن أن نصدق أن فى السودان ٤٠ مليون رئيس جمهورية بعدد سكانه.

مما يعنى أن من الصعب الاتفاق على حد أدنى يؤدى إلى استقرار ما.

كما أن نتائج ما يحدث على الأرض هناك لن يزول بسهولة وسرعة وربما لن نشهد تغيرا يذكر فيها ونحن على قيد الحياة.

إن النتائج تؤثر تأثيرا مباشرا على الحدود بيننا وبين السودان.

وتؤثر على أمن البحر الأحمر.

وتؤثر على اللاجئين.

وحسب ما هو معلوم فإن فى مصر خمسة ملايين سودانى استقروا فيها منذ سنوات طوال ولكن المشكلة فى تدفق نحو ٤٥٠ ألف لاجئ إليها فى وقت تحاول فيه مصر الخروج من أزمة اقتصادية مؤلمة وهى أزمة تتزايد شدتها فى وجود اللاجئين إليها.

إن كل ١٠٠ ألف لاجئ يكلف الدولة ٦٠ مليون دولار سنويا تؤخذ من مخصصات دعم السلع الضرورية.

لكن كل ذلك لا ينفى أهمية السودان بالنسبة لنا.

ولا ينفى أن علينا أن نساهم فى إزالة الحساسيات بيننا وبين أهله بقدر ما نستطيع.

لنبذل مجهودا شعبيا يقوم به كتاب وفنانون ومبدعون لتقريب وجهات النظر بيننا وبينهم، ولنقنعهم بأن مصلحتنا مشتركة، ومصلحة أعدائنا أن نختلف ونبتعد ونحرق الجسور بيننا وبينهم.

بصريح العبارة السودان لا يقل أهمية عن غزة إذا لم يكن أكثر أهمية منها غالبا.


السودان أهم دوائر الأمن القومى المصرى وشريكنا فى البحر الأحمر والعمق الاستراتيجى لنا  فى مصر ٥ ملايين سودانى استقروا منذ سنوات طوال ولكن المشكلة فى اللاجئين الجدد


حميدتى

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: السودان عادل حمودة حميدتي ملیار متر مکعب البحر الأحمر بین البلدین بیننا وبین لعبة الأمم فى السودان من السودان إلى مصر

إقرأ أيضاً:

ميكالى: شباب مصر كانوا الأفضل والحظ ساند المغرب

أكد البرازيلى ميكالى المدير الفني لمنتخب الشباب مواليد 2005 لكرة القدم، أن شباب مصر كانوا الأفضل والأكثر استحواذا  وسيطرة على مجريات اللعب فى مباراة المغرب الافتتاحية ببطولة شمال أفريقيا التى انتهت بفوز المنتخب المغربي بهدفين مقابل هدف فى الجولة الأولى باستاد هيئة قناة السويس بالإسماعيلية وهى البطولة المؤهلة لنهائيات أفريقيا.

 وتابع ميكالى وسط سيطرة مطلقة للفراعنة فى الشوط الأول تقدم المنافس من هجمة وحيدة على المرمي وتدارك منتخب مصر النتيجة سريعا وتعادل فى بداية  الشوط الثاني الذى تكرر فيه نفس السيناريو وكان الحظ من نصيب المنافس .

ويضيف ميكالى، مدة عملنا مع منتخب الشباب لم تتجاوز 14 يوما خلال شهر فقط هو فترة تولينا المسئولية ونجحنا بشكل كبير فى التفوق والسيطرة دون إيجابية كاملة على المرمي عكس المنافس الذى وضح عليه فترة تكوينه التى تجاوزت العامين وعدد الوديات الكبيرة التى لعبها كما أن الحكم لا يمكن أن ننتقده ولكن يمكن أن نقول هناك علامات استفهام كبيرة .

وشدد على أن مصر تمتلك جيلا شبابيا واعدا وبه عناصر متميزة افتقدنا منهم الكثير فى مباراة اليوم أبرزهم سليم طلب المحترف فى هيرتا برلين والذى تعرض لإصابة مباشرة فى أول دقائق المباراة واللاعب محمد عبد الله الذى تعرض للإصابة خلال تدريبات الاهلى وابتعد عن البطولة .

ويقول ميكالى، المباريات القادمة ستكون أفضل بكثير وسنسعي لبذل قصاري جهدنا  للوصول إلى أبعد نقطة فى البطولة .

مقالات مشابهة

  • سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (3)
  • الترند.. و"حرمة البيوت"
  • سيادة القانون
  •  أشرف غريب يكتب: «عاش هنا» ذاكرة البشر والأثر
  • عادل حمودة يكتب: أسوأ ما كتب «بوب وود ورد»
  • عادل حمودة يكشف كيف ارتبط الملك فيصل بن عبدالعزيز بالقضية الفلسطينية
  • المرأة.. ذلك الكاىٔن المحير!!
  • دفتر احوال وطن «٢٩٧»
  • خارج السرب(خارج السرب)
  • ميكالى: شباب مصر كانوا الأفضل والحظ ساند المغرب