جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-29@00:16:54 GMT

مشاهد الموت وأطفال غزة

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

مشاهد الموت وأطفال غزة

 

محمد بن رامس الرواس

لم أحتر كثيرًا عندما بدأت أكتب هذه المقالة، فمنذ أن بدأت أتابع الأحداث التي جرت في غزة بعد السابع من أكتوبر 2023، هالَني مستوى الأحداث المؤسفه التي جرت للأطفال والفتيان الصغار تحديدا لأنهم الفئة الأضعف، فآثرت أن أكتب عن تلك الصدمات المريعة التي ألمت بهم وتعرضوا لها جراء ما كان يحدث من قصف وتدمير منازلهم ومشاهدتهم آثار الدمار والقتل من حولهم.

أكتب اليوم عن ذلك الطفل الفلسطيني الذي يمثل شريحة الأطفال في المعاناة، يقول أحد هؤلاء الأطفال: اليوم أصبحت في سن الثانية عشرة من عمري لكن عندما تشاهدني تحسب أنني كهل لأنَّ الأحداث التي عايشتها خلال الأشهر الفائتة تراكمت بداخلي وأوجدت بنفسي كماً كبيراً من تجارب نفسية كلها صدمات ومآسٍ فأرهقتني رغم صغر سني بشكل كبير وأثرت على نفسيتي التي انعكست على وجهي وتصرفاتي ومعاملتي مع الآخرين ومع الأحداث حولي.

لقد كنت قبل عام واحد فقط فتى مثل بقية أطفال العالم لديه أحلام وأصدقاء وألعاب وأسرة يعيش بينها في سعادة وهناء، لكنه الأن أصبح يرقد منهكاً بعد أشهر دامية بأحد مخيمات رفح تراوده كوابيس وأحلام مُزعجة بين الحين والآخر وأرق يجثو على صدره دون انفكاك وكوابيس تأتيني ليلاً بشكل منتظم كان من بينها رؤية صديق عمري الذي كنت لا أفارقه في المدرسة ولا عند لعب الكرة بالحي ولا عند مشاهدة التلفاز فلم نكن نفترق إلا عند النوم.

لقد كنَّا نتشارك أحلامنا وطموحاتنا وتطلعاتنا سويًا، كنت أشاهد في المنام رفيقي يقترب من حافة هاوية ستؤدي به إلى الموت والهلاك وأنا أحاول أن أمسك به ألا يقع، لكنني عندما استيقظ أتذكر الحظات الجميلة التي كنَّا نستمتع بها سويا، فتهدأ نفسي قليلا، لكن عندما أنام ترجع تأثيرات الصدمات الكبرى في حياتي على هيئة أحلام مزعجة مرة أخرى.

أنا هذا الفتى الصغير الذي فقد مُعظم أسرته وجيرانه ممن كانوا حوله والذي تنتابه هذه الصدمات المتواصلة وهي بلا شك قد حدثت لآلاف الأطفال أمثالي بقطاع غزة فشكلت آلاماً عميقة بأنفسهم، وقلوبهم، وأجسامهم، لقد تجمعت بنفسي كافة التحولات الماساوية بدءًا من نزوحي من مدينة غزة التي كنت أسكنها بعد أن تم قصف منزلنا واستشهاد جميع أفراد أسرتي الصغيرة وجيراني ثم نزوحي إلى مدارس الأنروا بوسط القطاع ثم قصف المدرسة التي لجأنا إليها مع مئات الأطفال والأسر، والآن أصبحنا في أحد مخيمات رفح لا نعلم ماذ يحمل لنا الغد من أخبار.

إن كل خطوة كان يخطوها هذا الطفل كانت معها حكاية تتعمق بداخله فيطرح بينه وبين نفسه الكثير من الأسئلة التي لا يجد لها إجابات في مسألة التقلبات التي حدثت وتحدث له حتى هذه اللحظات التي أدون بها هذه الخاطرة.

قد تبدو الصورة مرعبة ومؤلمة لمثل هذا الفتى الصغير وأمثاله لكن في المقابل هناك شعب بأكمله ينتفض رويدًا رويدًا بإذن الله ليقول للعالم إنني هنا أريد أن استردَّ أرضي وحريتي وإن كان الثمن باهظاً ومؤلماً، قد تبدو الصورة قاتمة بمشاهدها، البيوت التي قصفت والأسر المنكوبه، والنازحون والقتلى والمرضى مناظر شنيعة، قصف، وإجرام، وإبادة لكن هذه المأساة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته خاصة الأطفال والفتيان الصغار منهم هي بمثابة ولادة جديدة لشعب يريد الانفصال، الانفصال التام عن الذل والهوان ليكون حرا يصنع قراره بنفسه.

لا لتخيلات الموت بعد الآن قالها الفتي الصغير لنفسه، نعم إنه انفصال تأثرت به كافة مكونات المجتمع الغزاوي ودفعوا ثمنه أنفسهم، وشتات أفكارهم، وحزن مشاعرهم، كبيرهم.وصغيرهم من أجل أن تتبلور وتتشكل صورة جديدة لوضع جديد في فلسطين القادمة بحول الله تعالى وقوته.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كبلته الهموم

قال الله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد).

سنة الله الكونية أن خلق الإنسان مجبولاً على العناء والتعب والنصب، ويتفاوت الناس في ذلك. عندما تتأمل الحياة الدنيا وتستعرض شريط حياتك، تجد أنه قد اجتاحتك الهموم والأحزان، حتى الأنبياء وهم أفضل خلق الله اجتاحتهم الهموم والأحزان.

قال الله عز وجل عن نبيه محمد (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يحجدون) – تفسير السعدي.

أي: قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوؤك، ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية.

بداية قصتي حين صليت المغرب، وبعد انتهائها سلم علي شخص في مقتبل عمره في العشرينات وطلب مني أن أستمع له، فقد ألم به هم ضاقت به نفسه وتحجرت عيناه من الحزن فهو كظيم.

فلما جلسنا قال لي إنني رجلٌ سوي ولدي من العقل والفكر الكبير وأنا متحدث وأخذت الجوائز على ذلك وخريج من جامعة بتخصص صحي، ولكن لي قرابة 7 سنوات وأنا أعيش تيهاً وحزناً وهماً، لا أعلم ماذا أفعل بنفسي، وأعيش تعلقاً بفرد لم أستطع مفارقته.

هذا الهم نهش من جسدي وكبل يدي وأخذ من صحتي حتى أصبحت أهيم في الأرض حيران بلا هدف، فقد ضاقت علي الأرض بما رحبت.

أصبحت الدنيا كئيبة، أصبر نفسي لعل الله يفرجها من عنده، وأردف قائلاً في يوم ما ركبت السيارة وانتقلت من مدينة إلى أخرى قرابة ثمان ساعات، وكانت الدموع لا تفارق صفحات خدي، لا أعلم ماذا بي وما هي خطيئتي التي ارتكبتها.

فكرت في الانتحار فقد تفاقم الهم في قلبي ومداركي وسيطر على جوارحي، كانت عيناه وهو يتحدث معي قد ارتسم عليهما الحزن والأسى، وختم قوله بأنه يراجع طبيباً نفسياً لعله يجد عنده مبتغاه والأمل والسعادة المنشودة.

ذكرته بالله ونصحته بما عندي ثم جلست أتفكر وأتأمل، ذلك الإنسان القوي عندما تجتاحه الهموم والأحزان والأكدار يكون ضعيفاً مثل الطفل الذي يرتمي في أحضان أمه فيبحث عن من يضمه ويستمع إليه.

الأحزان والهموم تخيم على بني آدم فهي مثل خيوط العنكبوت، عندما تصطادك فاعلم أنك في معركة مع ناظم الخيوط فيصطادك ذلك العنكبوت فتكون فريسة له.

فإن سلمت نفسك أُخذ منك كل شيء وسلبك وأعياك حتى يفقدك ما ترجوه، وإن قاومته وكنت صلباً لا تخاف ولا تلين فسوف تنتصر وتخرج من تلك الشباك المقيتة. فهذا مثله مثل الهموم والأحزان، فلا تدع لها طريقاً في حياتك.

ابتسم وتفاءل، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. عندما تنزل عليك الهموم يريد الله منك أن يرى انطراحك بين يديه ودعاءك له.

الله سبحانه لم يخلقنا ليعذبنا في الحياة الدنيا بل يبتلينا ويرفع ذلك الابتلاء بالصبر واليقين، هو قادر على كشف الضر لا يعجزه شيء. عندما تبتعد عن الله تجتاحك الهموم والأحزان وتتسلط عليك شياطين الإنس والجن.

ولذلك قال النبي ﷺ لابن عباس رضي الله تعالى عنه: (يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

معنى احفظ الله: أن تحفظ دينه وأن تستقيم على أمره وشريعته، فمن حفظ دين الله فقد حفظ الله. احفظ الله يحفظك، يعني احفظ دين الله وشريعته وما أمرك به؛ يحفظك سبحانه في الدنيا والآخرة، كان النبي ﷺ يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال).

ومن أصابه الهم والحزن فقد وردت الأحاديث النبوية لكيفية علاجه، يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب).

أكثر من الاستغفار وسوف تجد انشراح الصدر وإزالة الهم، لن يتركك الله وحيداً تصارع الهموم والأكدار. تحلَّ بالصبر والتجئ إلى الله، أقبل ولا تخف وتحين مواطن إجابة الدعاء ومواطن العبادة والأماكن التي توصلك به سبحانه، عند الكعبة، وسوف يكون ذلك الهم أثراً بعد عين. رسالة إلى كل محزون: لا تيأس ولا تكل ولا تمل.

كن واثقاً بربك، علق قلبك به ولا تعلقه بالبشر.

لا تجزع ولا تقنط وتحلّ بالصبر وسترى بشارات الرحيم تهطل عليك. سنة الله في أرضه لا تبديل لها، تذكر من قبلك من الأنبياء والصالحين، ابتلي أيوب بالمرض فدعا ربه فاستجاب له وشفاه، ويونس التقمه الحوت فدعا ربه فأنجاه، ويوسف رموه في السجن فصبر فأخرجه الله وأعلاه، ومحمد طرده قومه من مكة فواساه الله ومكنه وحباه. وأختم بقول الله سبحانه (فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا).

مهما اشتد ظلام الليل فسعيقبه فجر مشرق، ومهما طاشت بنا الأحزان والآلام فستعقبها السعادة والرحمات من رب البريات. إنما النصر صبر ساعة، وستهطل الرحمات من عنده سبحانه بعد الجدب ولكننا قوم نستعجل، فأنت تشاء أن يكشف ما حل بك من ضر، ويشاء الله أن يعطيك الخير كله.

وتشاء أنت من البشائر قطرةً
ويشاء ربك أن يغيثك بالمطر

مقالات مشابهة

  • الحوثيون ينشرون مشاهد لطاقم السفينة إيترنيتي سي التي تم إغراقها (شاهد)
  • لا أتعرف على أصدقائي.. عاملة إغاثة في وسط غزة تصف مشاهد اليأس
  • التنين ليس عدونا !
  • مأساة الطفلة أشواق.. الموت جوعًا في أحد مخيمات حجة (تقرير)
  • 100 ألف رضيع فلسطيني يصارعون نزعات الموت ووفاة 1200 مسن في القطاع نتيجة التجويع الصهيوني
  • ضحايا مصايد الموت.. نيران الاحتلال شلَّت رائد المريدي وجوّعت أطفاله
  • عرض مشاهد من مسلسل جديد مقتبس من عالم آليان
  • كبلته الهموم
  • الإعلامي الحكومي:100,000 طفل في غزة يوجهون خطر الموت الجماعي
  • الإعلامي الحكومي:100,000 طفل في غزة يواجهون خطر الموت الجماعي