لجريدة عمان:
2024-09-19@10:35:22 GMT

مسلك التقدم العلمي

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

شهدنا قبل أقل من عقد من الآن رصداً لموجات الجاذبية، تم الأمر من خلال مراصد تداخل الليزر المخصصة لذلك، وقدم الاكتشاف دليلًا مباشرًا على وجود موجات الجاذبية، ما أكد تنبؤاً رئيسيًا لنظرية أينشتاين وفتح حقبة جديدة من علم فلك موجات الجاذبية، هذا التأكيد يرسخ نظرية علمية وبالتالي يزحزح أفكاراً أقدم منها، إنه ضرب من التغييرات التي اعتبرها توماس كون ثورات في التفكير العلمي، وهي استعارة من علم الاجتماع السياسي، أما كارل بوبر فإنه إضافة إلى اعتباره أن المنهج العلمي إنما يقوم على إمكانية الدحض فإن التقدم عنده يكمن في ممارسة الافتراض والتفنيد، ويرى مسألة التقدم العلمي من منظور تطوري وتحديداً من مبدأ الانتخاب الطبيعي، فكيف يتقدم العلم؟

يمكن اعتبار التقدم العلمي وسيلة بشرية للتكيف مع البيئة، تستند إلى مبدأ التجربة والخطأ، لاغتنام فرص موجودة أو اختراع فرص أخرى، فمنذ العصور الغابرة تحكم البشر بالتقنيات ليتكيفوا مع محيطهم ولتسخير ذلك المحيط لتحقيق غاياتهم، مسخرين طاقة الاحتراق مثلاً ما أدى إلى تغير كبير في الأنظمة البيئية، يرى بوبر أن الاكتشاف العلمي هو نوع من التكيف، مشيرا إلى ثلاثة مستويات من التكيف: التكيف الجيني والتكيف السلوكي والاكتشاف العلمي، ومن حيث المبدأ فإن آلية التكيف في الحالات الثلاث واحدة وإن اختلفت عن بعضها في أوجه أخرى، يقول بوبر: «يبدأ التكيف من بنية موروثة أساسية في المستويات الثلاثة: وذلك واضح في وراثة التركيب الجيني للكائن الحي، أما على المستوى السلوكي، فإن المخزون السلوكي هو أيضاً متأصل ومتاح للكائن الحي؛ وعلى المستوى العلمي تنتقل الفرضيات أو النظريات العلمية المهيمنة بإيعاز داخلي من بنية كل واحدة منها» ويمكن اعتبار الطفرات في المستويات الثلاثة في أنها تتمثل في الطفرات الجينية في الأولى والسلوك الجديد في الثانية أما في الثالثة وهي التقدم العلمي فإن الطفرة تتمثل في تبني فرضيات جديدة ينتج عنها أفق من التحديات والمشكلات الجديدة، وكما هو واضح فإن الفكرة تخلص إلى أن مخرجات التكيف في المستويات الثلاثة إنما تنبع من داخل البنى لا من البيئة الخارجية المحيطة بها.

ويرى كون أن الثورة العلمية تكون مسبوقة بممارسة اعتيادية لما يسميه العلم العادي، أي الممارسات المستندة إلى النظريات المعتادة في زمن تلك الممارسة، حتى يظهر ما يسميه عدم انتظام التوقع وخير مثال على ذلك هو التحدي الذي واجه العلماء في تفسير إشعاع الجسم الأسود والذي أدى إلى ظهور نموذج نمطي جديد للتفكير أو «بارادايم» جديد هو ميكانيكا الكم، هذا التغيير هو ما يطلق عليه كون مسمى ثورة وتستتبع الثورة العلمية تعارضاً بين النظرية الجديدة والقديمة كالتعارض بين الفكرة القديمة للفيزياء الكلاسيكية بإمكانية قياس متغيري الموضع والزخم لجسيم ما، وبين مبدأ عدم التحديد لهايزنبرج في فيزياء الكم والذي ينص على محدودية إمكانية قياس المتغيرين بدقة في ذات الوقت.

وعلى قدر التعقيد والتشعب الذي تتسم به مجالات العلم تكون التحديات والعقبات معقدة ومتشعبة بدورها، وأهمها التحديات الاقتصادية، ولا يتعلق الأمر بحجم التمويل متمثلاً بتفاوت نسبة الإنفاق على البحث العلمي بين دول وأخرى، حيث يصل في بعض الدول إلى 4 في المائة بينما يكون أقل من واحد في المائة في دول أخرى، ليس ذلك وحسب، وإنما هناك تحديات تتعلق بتوزيع التمويل، وإذ تفرض المبادئ الربحية نظامها في التمويل فإن انعكاس ذلك يكمن في أن المجالات العلمية التي تحصل على قدر أعلى من ضخ الأموال فيها تكون أكثر أهمية، ويؤدي ذلك إلى تأخر التقدم العلمي في المجالات الأخرى.

ومع كل فتح علمي هناك من يرى كارثة جلبها ذلك التقدم، فقد أعلنت المفوضية الأوربية مؤخراً عن تخفيف القيود التشريعية المتعلقة بالمنتجات الزراعية الناتجة عن استخدام أداة التعديل الجيني كريسبر، التقنية التي تحمل آفاقا واعدة تتمثل في تخليص المواليد من الأمراض الجينية وتعطي أملا للدول الإفريقية بالقدرة على تحسين النوع النباتي خلال فترة وجيزة ما يؤدي إلى وفرة غذائية، إلا أن تلك التقنية تواجه معارضة كبيرة بسبب المخاطر البيئية والأخلاقية المحتملة، وهذه التحديات يرى فيها الكثيرون الحد الآخر لسيف العلم، فكما أحيا التقدم العلمي متمثلاً في إنجازات الطب الحيوي النفوس من خلال اللقاحات التي اجتثت العديد من الأمراض الفتاكة وخفضت معدل الوفيات من الأمراض المعدية، إلا أن ذلك التقدم فتح الباب لإمكانية التصنيع المتعمد للأسلحة البيولوجية في الوقت ذاته الذي يحفظ فيه نفوس البشر. يرى بوبر في كتابه المهم «المجتمع المفتوح وأعداؤه» أن الاعتماد على نظريات اجتماعية تتنبأ بالمسار المستقبلي للتاريخ هو أمر معرقل للتقدم العلمي ويرى أن المستقبل تشكله التطورات العلمية وهي تطورات لا يمكن التنبؤ بها وبالتالي فإن التقدم العلمي لا يرتهن بتنبؤات حول المستقبل بل بالظروف التي ينشئها الإنسان المعاصر لتحرير الأفكار العلمية بتهيئة ظروف العمل المؤسسي والقانوني في المجتمعات ما يدعم تقدم العلم ويقلل من أثر الجانب المظلم منه.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ندوة بنقابة المهندسين تبحث دور العلم والتكنولوجيا في التنمية بإفريقيا

نظمت لجنة الصناعة وريادة الأعمال بنقابة المهندسين، برئاسة المهندس مصطفى هدهود، بمشاركة بيت العائلة ندوة «العلم والتكنولوجيا والابتكار مفتاح التنمية في إفريقيا»، وعدد من المهندسين من مختلف الشُّعب الهندسية، ومثقفون ورجال صناعة.

التنمية في جميع القطاعات

رحَّب الدكتور المهندس مصطفى هدهود بالحضور، مؤكدًا أن نقابة المهندسين هي دومًا قلعة العلم والابتكار، لاسيما وأنها تضم في عضويتها عقول مصر الهندسية التي تقود بناء التنمية في جميع القطاعات، مشيرًا إلى أن الندوة تتزامن مع اليوم الدولي للعلوم والتكنولوجيا والابتكار في دول الجنوب والذي تم تحديده خلال قمة العلوم والتكنولوجيا والابتكار، والتي عُقدت في هافانا يومي 15 و16 سبتمبر من العام الماضي.

وقال السفير عزت البحيري، في كلمته دورالعلم والتكنولوجيا والابتكارات في تحقيق التنمية المستدامة، ودور الأمم المتحدة في تحفيز التنمية في إفريقيا قائلا: «نعيش حاليًا في مجتمع المعرفة، وهو ما يتطلب أنواعًا جديدة من المعارف، ومستويات أعلى من التعليم، ومرونة أكبر في الحوكمة لمواكبة التطور العالمي».

العلم والتطور التكنولوجي

ومن جانبه أكد الدكتور المهندس مصطفى هدهود، أن مستقبل مصر رهن بالتمسك بالعلم والتطور التكنولوجي، قائلا: "علينا أن نهتم بالبحث العلمي التطبيقي، خاصة في العلوم الأساسية: الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء»، ودعا إلى إنشاء مراكز بحوث في كل محافظات مصر، وفي كل منطقة صناعية، مشيرًا إلى أن إفريقيا كنز ثمين تتطلع إليه عيون كل دول العالم المتقدمة، ونجحت دول كثيرة على رأسها الهند والصين ودول أوروبا وتركيا في التغلل داخل دول إفريقية كثيرة.

مقالات مشابهة

  • ندوة بنقابة المهندسين تبحث دور العلم والتكنولوجيا في التنمية بإفريقيا
  • "العلم والتكنولوجيا" ندوة للجنة الصناعة وريادة الأعمال
  • باحث سياسي: تطور العلم يساهم في حل لغز قضية علاء الدين نظمي
  • المقريف: نبدأ عامًا دراسيًا جديدًا تستأنف فيه رحلة العلم والمعرفة
  • تفاصيل اندلاع النيران في أحد المحلات بالدقي والسبب في «التكيف»
  • السليمانية تحتضن مؤتمراً دولياً للأبحاث العلمية والاجتماعية بمشاركة عربية ودولية (صور)
  • ما هي أبرز التفسيرات العلمية لحادث «أجهزة الاتصالات»؟
  • «عبد الغفار»: نسعى لزيادة أعداد الخريجين من الكليات العلمية
  • العلم والمجتمع
  • أحمد موسى: الرئيس السيسي يقدر العلماء وأهل العلم