باحثة دولية: الحرب الخفية ستحدد مستقبل إسرائيل
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
توقعت ميراف زونسزين كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية، أن يحدد الخلاف المحتدم بين أقصى اليمين الإسرائيلي وقادة الجيش مستقبل إسرائيل.
وكشفت في مقال بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، كان قد حذر في رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته في أغسطس/آب الماضي، من أن الهجمات المكثفة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، والتي وصفها بـ"الإرهاب اليهودي"، تتحدى "الأمن القومي الإسرائيلي" وتشكل "وصمة عار كبيرة على اليهودية".
واعتبرت أن هناك توجها لا يقتصر على "شبيبة التلال" -وهي مجموعة استيطانية صهيونية متطرفة- يهدف إلى الاعتداء ليس على الفلسطينيين في الضفة الغربية وحدهم، بل يستهدف أيضا قوات الأمن الإسرائيلية بدعم من كبار وزراء الحكومة.
شرعية المليشياتوكتب بار في رسالته أن مليشيات المستوطنين لم تعد تتجنب الاشتباك مع قوات الأمن، لكن تهاجمها، وأضحت "تنأى بنفسها عن المؤسسة الأمنية، وتحصل على شرعية يضفيها عليها بعض المسؤولين في المؤسسة ذاتها".
وعلى مدار العام الماضي، عمدت تل أبيب إلى التعتيم على الأحداث في الضفة الغربية؛ أولا بسبب الهجوم الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والآن بسبب تفاقم الحرب في لبنان والهجمات الإيرانية على الأراضي الإسرائيلية.
وأشارت زونسزين إلى أن مسؤولين في وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي حذروا من أن الضفة الغربية على وشك الانفجار الذي قد يتسبب في مقتل المئات من الإسرائيليين في حرب متعددة الجبهات تخوضها دولة الاحتلال في الوقت الراهن.
صراع حول الهوية
إن الطريقة التي تتصرف بها إسرائيل في الضفة الغربية -برأيه- تنذر بعواقب تتجاوز مصير الفلسطينيين، ذلك أن الخلاف بين المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأقصى اليمين الصاعد وحلفائه من المستوطنين، لا يتعلق باستخدام إسرائيل القوة في غزة، أو الامتناع عن احتلال الضفة الغربية، أو تقديم تنازلات للمساعدة في إيجاد حل للصراع المستمر منذ عقود، بل يدور حول أمن دولة إسرائيل "وهو صراع على هويتها بالنسبة لكثير من الإسرائيليين".
وتعتقد المحللة في مجموعة الأزمات الدولية أن بإمكان إسرائيل أن تستجيب لتحذيرات المسؤولين عن أمنها -مثل بار- أو أن تستمر في الاسترشاد بمتطلبات أقصى اليمين. ومن شأن هذا الخيار الأخير أن يتسبب في إراقة المزيد من الدماء، الذي سيضر في نهاية المطاف بمكانة إسرائيل ودعم الغرب لها، كما سيؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية وحتى إلى اعتبارها دولة منبوذة، كما تقول الكاتبة.
صراع وجودووفقا للمقال، فإن العديد من الإسرائيليين، الذين ما انفكوا ينظرون إلى دولتهم على أنها علمانية وليبرالية وديمقراطية، يرون أن المعركة ضد أقصى اليمين "صراع وجود"، وله تداعيات على كل مستويات الحكم وعلاقات إسرائيل الخارجية. وستشكل هذه المعركة بشكل حاسم سياسة إسرائيل وأمنها في السنوات القادمة.
ويدق كبار مسؤولي الأمن في إسرائيل ناقوس الخطر، ويؤكدون أن قطاعات من اليمين السياسي الإسرائيلي "تعمل بشكل مباشر ضد مصالح البلاد". ويوجهون أصابع الاتهام إلى وزير المالية القومي الديني، بتسلئيل سموتريتش -الذي يمثل حركة المستوطنين المتطرفين، والذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على الشؤون المدنية في الضفة الغربية من خلال منصب آخر في وزارة الدفاع- وإلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، "الذي أُدين عدة مرات بتهمة التحريض على العنصرية ودعمه لجماعة إرهابية يهودية".
ووصف مسؤول استخباراتي إسرائيلي كبير سابق، الصدام المحتدم بين أقصى اليمين والمؤسسة الأمنية بأنه "غير مسبوق" ومتجذر يتجلى في محاولات نتنياهو البقاء في السلطة من خلال ربط نفسه بأقصى اليمين وإلقاء اللوم على الجيش وأجهزة الاستخبارات في أحداث طوفان الأقصى، بينما ينكر هو مسؤوليته عنها.
فجوة أساسية
ولا يزال نتنياهو، بعد مرور أكثر من عام على طوفان الأقصى، يرفض تشكيل لجنة مستقلة تابعة للدولة للتحقيق في تلك الأحداث. ولكن ما وراء الاتهامات المتبادلة، هناك فجوة أساسية بين من تسميهم زونسزين "الأيديولوجيين اليهود" العازمين على إضفاء الطابع الرسمي على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية من جهة، وبين قادة الأجهزة الأمنية المخضرمين المنخرطين بعمق في العمليات اليومية للحفاظ على أمن إسرائيل والتواصل مع نظرائهم الأميركيين من جهة أخرى.
وأوضحت أن أولئك القادة هم جزء من المؤسسة العسكرية التي كانت تقليديا متماهية مع النظام العلماني الليبرالي الديمقراطي في إسرائيل، وهم مصممون على الأقل على الظهور بمظهر من يلتزم بسيادة القانون، بينما أصبح الأيديولوجيون اليهود معادين للجيش.
بؤرة الاشتعال الرئيسيةوثمة محرك آخر للصدام بين المؤسسة الأمنية والحكومة، أو على الأقل عناصرها اليمينية المتطرفة، هو الوضع المتدهور في الحرم القدسي الشريف، الذي تدعي الكاتبة أنه بؤرة اشتعال رئيسية ومتكررة.
وقد أدانت مؤسسة الأمن تصرفات وزير الأمن القومي بن غفير، الذي يحث اليهود على الصلاة هناك، والتي تعدها زونسزين استفزازات خطيرة لا تثير غضب الفلسطينيين فحسب، بل تستفز الأردن والعالم الإسلامي العريض.
وخلصت محللة الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية إلى أن هذه الخلافات تحدث شرخا كبيرا في إسرائيل، وإذا خرج منها أقصى اليمين منتصرا، "كما هو مرجح على ما يبدو"، فإن إسرائيل ستواصل تجريد الفلسطينيين من مساحات واسعة من أراضيهم في الضفة الغربية، وبناء مزيد من المستوطنات فيها.
وقد ينذر انتصار المتطرفين بكارثة على إسرائيل، ذلك لأن ترسيخ ثقافة الفوضى وانعدام هيبة القانون لن يقود إلا إلى إضعاف آليات الديمقراطية الإسرائيلية التي تعاني أصلا من مشاكل، على حد تعبير زونسزين في ختام مقالها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات فی الضفة الغربیة المؤسسة الأمنیة أقصى الیمین
إقرأ أيضاً:
اليمين الإسرائيلي من الهامش إلى الهيمنة
المقدمةمنذ عقود كان المشهد السياسي في إسرائيل موزعا بين تيارين رئيسيين: اليسار الذي تبنى سياسات أكثر انفتاحا وديمقراطية، واليمين الذي ركّز على تعزيز الطابع اليهودي للدولة متبنيا التوسع الاستيطاني، لكن المؤسسات السياسية والأمنية كان لها دور في خلق نوع من التوازن داخل إسرائيل. مع تصاعد قوة الأحزاب اليمينية، ولا سيما بقيادة بنيامين نتنياهو وتحالفاته مع الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة، بدأت تظهر تشققات واضحة في بنية المجتمع الإسرائيلي، تحديدا منذ التسعينيات عندما بدأ اليمين يحقق تقدما كبيرا في المشهد السياسي، متجاوزا التيار اليساري الذي ضعف بعد انتفاضة الأقصى عام 2000م، حيث اتبعت هذه التيارات سياسات قائمة على تأجيج العداء الداخلي بين التيارات الليبرالية والعلمانية من جهة، والتيارات الدينية والقومية من جهة أخرى.
تعزيز القومية الدينية
مع صعود بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 2009، بدأ تيار اليمين يتجه نحو سياسة تأجيج المخاوف الأمنية وتعزيز الهويات القومية والدينية، والاستفادة من التغيرات الديموغرافية، مثل ازدياد نفوذ اليهود الحريديم (المتشددين دينيا) والمستوطنين، مما منح الأحزاب اليمينية قاعدة شعبية قوية. وفي عام 2018 أقر الكنيست الإسرائيلي "قانون القومية"، الذي ينص على أن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي"، مع إعطاء العبرية وضعا رسميا وتهميش للغة العربية والذي اعتبره اليمين انتصارا للهوية اليهودية.
ارهاصات تفكك المجتمع الاسرائيلي
منذ بداية عام 2023، حاولت حكومة نتنياهو تمرير إصلاحات قضائية بالهجوم على القضاء واستقلال المؤسسات بهدف تقليص صلاحيات المحكمة العليا، مما أدى إلى احتجاجات غير مسبوقة داخل إسرائيل، هذه الخطوة اعتبرت من قبل اليساريين بداية عهد جديد من اليمين الإسرائيلي لتقويض الديمقراطية وتحويل النظام السياسي إلى حكم استبدادي يخدم أجندة اليمين المتطرف. هذا الإجراء يعتبر بداية صراع وانقسام المجتمع بشكل غير مسبوق، بعد خروج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع، في مشهد يعكس عمق الشرخ الداخلي بين مؤيدي اليمين ومعارضيه وتحول المظاهرات من سلمية الى تصادمية تدريجية، وما زاد الشرخ حدة قانون التجنيد والذي ستكون له عواقب سياسية ومجتمعية داخل المجتمع الإسرائيلي.
العلاقة مع التيارات الدينية: شراكة أم تهديد للعلمانية؟
يتمتع التيار الديني القومي بنفوذ قوي داخل اليمين الإسرائيلي بهدف الحفاظ على الهوية اليهودية، حيث فرضت هذه الأحزاب أجندتها الدينية على السياسات العامة، مثل منع وسائل النقل العام يوم السبت، وفرض مناهج دينية في المدارس، وإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، والذي أدى بدوره إلى توتر متزايد بين العلمانيين والمتدينين، حيث بات الشعور من اليهود العلمانيين بأن إسرائيل تتحول تدريجيا إلى دولة دينية، مما دفع بعضهم إلى الهجرة خارج البلاد أو الانخراط في الاحتجاجات ضد الحكومة. هذه السياسات اليمينية بدأت تصاعديا بتعزيز الهوية القومية معتبرين أن السيطرة على القضاء بهدف حماية الدولة من الضغوط الداخلية والخارجية، وأن النخب الليبرالية منعزلة عن الواقع وأنها تسعى لجلب المخاطر على الدولة القومية، إلا أنها فعليا بدأت بتفكك المجتمع الإسرائيلي.
انقسام داخلي يهدد استقرار إسرائيل
السياسات اليمينية في إسرائيل لم تعد مجرد خيار سياسي، بل أصبحت عاملا رئيسيا في تشكيل مستقبلها سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، وبينما يرى اليمين أن هذه السياسات ضرورة لحماية الهوية اليهودية، الا أنها بداية تفكيك المجتمع الإسرائيلي وزيادة العداء بين مكوناته المختلفة
يشهد المجتمع الإسرائيلي تحولات اجتماعية كبرى نتيجة لهذه السياسات، حيث يتفاقم الصراع بين اليهود الشرقيين والأشكناز، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين اليسار واليمين، كما أن صعود القوى الدينية المتشددة وزيادة نفوذها في الحكومة والجيش يهدد قطاعات واسعة من المجتمع التي تخشى تحول إسرائيل إلى دولة دينية على حساب الطابع الديمقراطي. ومن جاب آخر فالتوسع الاستيطاني انعكس بالتوتر مع الفلسطينيين في الداخل فاليمين يعتبر دعم الاستيطان أحد الركائز الأساسية لسياساته، فمنذ تولي اليمين الحكم في إسرائيل توسعت المستوطنات في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق خلال العقدين الأخيرين بتعزيز وجود المستوطنين ببؤر استيطانية سرطانية سريعة الانتشار، هذه التوترات انعكست على الداخل الإسرائيلي بازدياد حدة العنف بين اليهود المتطرفين والفلسطينيين داخل الخط الأخضر، خاصة خلال أحداث أيار/ مايو 2021، عندما اندلعت مواجهات عنيفة في مدن مختلطة مثل اللد وعكا والمثلث، وتصاعدت بعد الحرب على قطاع غزة.
الخاتمة
تشير التطورات الأخيرة إلى أن السياسات اليمينية في إسرائيل لم تعد مجرد خيار سياسي، بل أصبحت عاملا رئيسيا في تشكيل مستقبلها سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، وبينما يرى اليمين أن هذه السياسات ضرورة لحماية الهوية اليهودية، الا أنها بداية تفكيك المجتمع الإسرائيلي وزيادة العداء بين مكوناته المختلفة. وفي ظل هذه الانقسامات العميقة، يبدو أن إسرائيل تقف على مفترق طرق حاسم، حيث سيكون للقرارات السياسية القادمة تأثير طويل الأمد على استقرارها وتماسكها الداخلي، فهل سيتمكن اليمين من تحقيق رؤيته دون إحداث تصدع داخلي خطير؟ أم أن الاحتجاجات والمقاومة الداخلية ستعيد رسم المشهد السياسي الإسرائيلي خلال السنوات المقبلة؟ لكن المؤكد أن إسرائيل لم تكن يوما بهذا الانقسام الحاد، وأن مستقبلها بات أكثر غموضا من أي وقت مضى.