عربي21:
2025-01-11@10:11:59 GMT

تحرير العقل من الإرث المألوف ومعاداة المجهول!

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

قالوا قديما: الإنسان عدو ما يجهل وأسير ما يألف.. عقبة كؤود في طريق العقل، تحرمه التفكير العلمي والبحث المنهجي والتقدم الحضاري، تمنعه الراحة والسعادة في الحياة بل تجعله مرتبكا في تصوره لآخرته.

وقد عُرف عن بعض أهل العلم أصحاب الشأن والمكانة قناعتهم بأفكارهم العقلية وآرائهم الفقهية، لكن منعهم من الإفصاح والجهر عدم جاهزية المناخ العام، حفاظا على سمعتهم العلمية ومكانتهم الشرعية والاجتماعية، وتأوّلوا حتى لا يُفتن العوام بأفكارهم وفتواهم ولا يُشق صف العلماء بجرأتهم، وقد نُقل هذا عن كبار العلماء أمثال الشيخ شلتوت وأبي زهرة وغيرهما.



طرح الجديد وغير المألوف له ثمن، من الضغوط والاتهام وربما التشويه والتشكيك والكلام، ثمنٌ دفعه الأنبياء والدعاة والمصلحون، دفعه إبراهيم عليه السلام وقالوا: حرّقوه، ودفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: جاء بدين جديد فكذبوه، وهو الصادق الأمين.

طرح الجديد وغير المألوف له ثمن، من الضغوط والاتهام وربما التشويه والتشكيك والكلام، ثمنٌ دفعه الأنبياء والدعاة والمصلحون
حتى في مجال العلوم كُذب العلماء هنا وهناك واتُهموا بالهرطقة، هكذا الحال مع كل جديد هنا وهناك. فبعضهم يتخوف من طرح الجديد وغير المألوف في تقدير المواقف وحل الأزمات لعدة اعتبارات:

- منهم من لا يملك جديدا لذا يقاومه لأن الإنسان عدو ما يجهل.

- ومنهم من يملك الجديد، لكن تعطله الحسابات والمصالح والاتهام الجارح.

- ومنهم من يملك الجديد، لكنه يخشى تحمل المسؤولية التاريخية حتى لا يقال عنه: فعل كذا يوم كذا.

- ومنهم من يملك الجديد، لكنه يتأوّل مخافة التداعيات وتعقيد المواقف والحسابات.

كل هؤلاء لا يراهَن عليهم في التطوير والتجديد والتقدم، لكن يراهن عليهم في إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى يأتي من يتحمل المسؤوليات ويتجاوز التخوفات، لذا يطلق عليهم سياسيا بالمحافظين أو الحرس القديم، وهو وصف ليس فيه اتهام، لكن فيه دلاله على عدم التغيير ومخافة الإقدام.

أما المجددون فكتبوا أسماءهم بحروف من نور في لوحة المصلحين، لوحة بها قائمة طويلة ممن تحرروا من الإرث المألوف ومعاداة المجهول، منهم الصديق أبو بكر وعمر الفاروق وخالد سيف الله وغيرهم كثير.. ومنهم حسن البنا وسيد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي ومحمد عمارة رضي الله عنهم أجمعين.

فيا عزيزي المؤمن انظر لنفسك في أي اللوحات وأي القوائم تحب أن تكون وفقك الله.


ثم إن الرأي مهما بلغ نضجه ورشده وحكمته هو رأي شخص يحتمل الصواب والخطأ، وليس سنة كونية ثابتة وغالبة. مثلا الآراء متنوعة في الشعوب والحكام والعلاقة بينهما، رأي في صفات الشعوب وأفهامهم وسلوكهم وخضوعهم أو مقاومتهم وشجاعتهم أو جبنهم، في كرمهم أو بخلهم، ورأي في حال الحكام مع الشعوب خاصة حالات الاستبداد والفساد والقمع.

وتأتي الأحداث والحوادث لتثبت أن كل الآراء في الشعوب لم تنضج بعد، والشعوب هي دائما الأنضج والأرشد، لكن بطريقتها هي، وليست بالطرق التي تكتب عنها.

زالت الأحداث الشواغل تصنع بقصد لصرف المصلحين عن جادة الطريق، وما زال المصلحون يوقنون بأنها علامات صحة الطريق، فاطمأنوا من حيث أريد لهم التشكيك، وتبينوا من حيث أريد لهم الجهالة والتعتيم، واستمروا حين أريد لهم التعطيل
لكن يبقى أن ندرك أن من فوائد الأحداث الجسام والأحداث العظام أنها تأتي لتختبر الأفكار والقيم والسلوك، نظل نتكلم ونطرح، ثم تأتي الأحداث لتقيس الفجوة بين القيم والإجراءات والأقوال والأفعال والاستيعاب والصدمات؛ لذا كانت الحكمة النبوية "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، والقاعدة القرآنية "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" (آل عمران: 173).

هناك أزمات لا حيلة لنا أمامها، لا نملك أسباب الحل أو المنع أو الإنقاذ، لكننا نملك، توضيح الرؤى وتصحيح المفاهيم ودعم النفوس والعقول حتى تستوعب أنت وغيرك ما يحدث، ومعها تتجرد من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته.

دورات حياة الأجيال؛ في الدعوة والدولة، في المصلحين والفاسدين، في الأنبياء والمشركين، المهم فهم واستيعاب ما يحدث، وبذل ما في الوسع للإصلاح والتغيير ونصرة المظلوم ومكافحة الظالم، قدر الطاقة.

وللعلم، ما زالت الأحداث الشواغل تصنع بقصد لصرف المصلحين عن جادة الطريق، وما زال المصلحون يوقنون بأنها علامات صحة الطريق، فاطمأنوا من حيث أريد لهم التشكيك، وتبينوا من حيث أريد لهم الجهالة والتعتيم، واستمروا حين أريد لهم التعطيل.

في الأحداث الجسام والخطوب العظام، نستدعي سيرة الأنبياء والمرسلين والأنصار والصحب الكريم، ونردد بثقة ويقين: "وَلَمَّا رَأى الْمُؤمِنُونَ الْأحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚوَمَا زَادَهُمْ إلَّا إيمَانا وَتَسْلِيما".

هنا يكون الميزان هو اليقين والإيمان قد ينفرج الكرب أو يطول، فما علينا إلا السير على أمل الوصول، منا من يصل ويشاهد، ومنا من يرحل وهو يجاهد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العقل الأزمات الإصلاح أزمات تجديد العقل سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد التوبة الجديد بحلايب

نشرت الفضائية المصرية، بثا مباشرا لنقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد التوبة الجديد بحلايب محافظة البحر الأحمر.

وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم لتكون تحت عنوان: "ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من الخطبة توعية جمهور المسجد بأهمية التعايش السلمي باعتباره من أهم أسباب استقرار المجتمع.

وقالت الوزارة إن موضوع الخطبة الأولى موحد على مستوى الجمهورية، وإن موضوع خطبة الجمعة الثانية يستهدف معالجة مفهوم المواطنة، بباقي المحافظات.

ونشرت وزارة الأوقاف (النموذج الثاني) لموضوع خطبة الجمعة بعنوان: 
"ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"
الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وهادي السماوات والأرض، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: 
فهذه كلمات نورانية خرجت من لسان الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه، لتعبر عن دعوته الشريفة إلى التحلي بأسمى آيات الإحسان والبشر والبر والإكرام في التعامل مع خلق الله تعالى: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»،  وها هو خير الخلق وحبيب الحق صلوات ربي وسلامه عليه قد وسعت ابتسامته الصادقة وأخلاقه السامية الدنيا بأسرها، في مزيج محمدي مدهش يجعل القلوب تأرز حبا إلى حضرته وتستبشر بدعوته.

فيا أيها المحمديون، إن هذا السر النبوي الشريف هو الذي جذب القلوب والأرواح والعقول، ليؤسس فلسفة الحب بين البشر جميعا، فاعلموا أيها الناس أنكم لن تصلوا إلى القلوب بأموالكم ولا بعوارض دنياكم، وإنما تسعون قلوب البشر بالأخلاق التي أتم الجناب الأنور بناءها، ورفع قدرها، حين قال عن ذاته الشريفة: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». 
فقف أيها العقل عند منتهاك، وأنت ترى الأخلاق المحمدية تسمو فوق السماء برا وبشرا ووفاء ولطفا، حين تبدو نواجذه الشريفة، كأن النور يخرج من بين ثناياه، لتفتح ابتسامته الصافية وكلماته الطيبة قلوب الناس إجلالا واحتراما وإقبالا على هذا الدين القويم ولهذا النبي المصطفى الأمين الذي كرمه ربه بهذا الوصف المقدس {وإنك لعلى خلق عظيم}.


أيها المحمدي، ألم يحك التاريخ لك عن الرسائل والخطابات النبوية للأمراء والقياصرة والأكاسرة وقد جمعتها لغة واحدة هي لغة الاحترام والتفخيم والبهاء وبذل السلام؟! ألم تكتب الصفحات عن رقي التعامل النبوي مع وفد نجران الذي أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلوا صلاتهم بمسجده الشريف في مشهد يبهر الدنيا ويأسر القلوب؟! 
أيها النبيل، اعلم أن هذا الحال الشريف هو باب هداية الخلق، ومفتاح الإقبال على الحق، فحبيبك صلى الله عليه وسلم هو من أبهر الدنيا بأصول التعامل مع الناس على اختلاف عقائدهم، وهذا تلميذه النجيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعدد محاسن الإسلام ومفاخره ومناقبه للنجاشي في مشهد عجيب، وحوار مهيب درس جعفر أدواته، وعرف كيف يخاطب الأدب النبوي قلوب الملوك ليسعها ببسط الوجه وحسن الخلق، حين قال للنجاشي: «أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام»، فما كان من النجاشي إلا أن انفتح قلبه، واستبشر وجهه ووجدانه بهذا الدين العظيم، فبكى حين تذكر أخلاق عيسى عليه السلام الذي جعله الله تعالى باب بر ووفاء وحنان ورحمة وعلم، وجعله الله تعالى آية في العطاء والتسامح والسلام؛ لينطلق لسانه قائلا: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة». 
أيها السادة، لقد استقى الشعب المصري هذه الأنوار المحمدية وتلك العظمة المصطفوية، فكانت اللحمة الوطنية حاضرة بكل ربوع المحروسة، وكان احترام شركاء الوطن منهجا مرسوما، فأصبح الشعب المصري نسيج وحده بجميع طوائفه تعايشا وتكاملا، تغمره السكينة والطمأنينة، مجبورا مستورا منصورا.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الناس، إن شريعتنا الغراء تفيض الخير على الجميع، شعارها إكرام الخلق وإيصال الرحمة إليهم على اختلاف عقائدهم ومشاربهم وأفكارهم، وإن شئتم فانظروا إلى المعاملات، بيعا وشراء، عدلا وقسطا، وزواجا مباركا وحسن جوار، في إطار متين من الإرشاد الإلهي الذي يجمع الناس جميعا تحت مظلة المواطنة التي تجمع ولا تفرق، يقول ربنا سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
أيها النبيل، انتبه إلى وصف رب العالمين لمقام النبي الأمين صلوات ربي وسلامه عليه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ولقول الجناب المعظم صلى الله عليه وسلم: «بعثت للناس كافة»، فالآية الكريمة والحديث الشريف يرسخان لمواطنة حقيقية قوامها التواصل بالخير والتعاون والتكافل بين أبناء الوطن جميعا، على ميثاق الحقوق والواجبات الذي لا يفرق بين مواطن وآخر، في ظل وطن واحد لا تعكر صفوه شبهة، ولا تؤرقه فتنة.
ألا تعلم أيها النبيل أن المواطنة أساس البنية الاجتماعية المتماسكة والترابط المجتمعي في ظل وطن واحد تجمعنا شوارعه وحاراته، وتحوطنا أحلامه وطموحاته؟! إنها إيمان حقيقي بالتعددية والتنوع الإنساني الذي أراده الله رب العالمين في الكون، {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}.
فلننشر ثقافة المواطنة والتعايش بين أبناء الوطن جميعا؛ حتى ننعم بالسلام والأمان، ويفيض الخير على وطننا المبارك.

مقالات مشابهة

  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد التوبة الجديد بحلايب
  • حزب الله والاقتصاد.. تحديات كبرى تواجه الرئيس اللبناني الجديد
  • فرحة تحرير مدني
  • تحرير الشبارقة أصبحت قوات المليشيا داخل مدينة ود مدني تحت مرمي نيران مدفعية الجيش
  • 3 أحداث عربية “مزلزلة” هي الأبرز عالميا عام 2024
  • الأحداث الجارية وأثرها على مصر..ندوة تثقيفية بجامعة الوادى الجديد
  • أحمد داود يعلن بدأ تصوير مسلسله الجديد "الشرنقة".. رمضان2025
  • مخرج Squid Game: أريد استكشاف قمة اليأس في الموسم الأخير
  • العالم الجديد وإنكار الذات في الزنزانة 54
  • الكفاءَةُ أولا.. معيار صناعة الأحداث المفصلية