عربي21:
2025-03-15@19:33:06 GMT

تحرير العقل من الإرث المألوف ومعاداة المجهول!

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

قالوا قديما: الإنسان عدو ما يجهل وأسير ما يألف.. عقبة كؤود في طريق العقل، تحرمه التفكير العلمي والبحث المنهجي والتقدم الحضاري، تمنعه الراحة والسعادة في الحياة بل تجعله مرتبكا في تصوره لآخرته.

وقد عُرف عن بعض أهل العلم أصحاب الشأن والمكانة قناعتهم بأفكارهم العقلية وآرائهم الفقهية، لكن منعهم من الإفصاح والجهر عدم جاهزية المناخ العام، حفاظا على سمعتهم العلمية ومكانتهم الشرعية والاجتماعية، وتأوّلوا حتى لا يُفتن العوام بأفكارهم وفتواهم ولا يُشق صف العلماء بجرأتهم، وقد نُقل هذا عن كبار العلماء أمثال الشيخ شلتوت وأبي زهرة وغيرهما.



طرح الجديد وغير المألوف له ثمن، من الضغوط والاتهام وربما التشويه والتشكيك والكلام، ثمنٌ دفعه الأنبياء والدعاة والمصلحون، دفعه إبراهيم عليه السلام وقالوا: حرّقوه، ودفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: جاء بدين جديد فكذبوه، وهو الصادق الأمين.

طرح الجديد وغير المألوف له ثمن، من الضغوط والاتهام وربما التشويه والتشكيك والكلام، ثمنٌ دفعه الأنبياء والدعاة والمصلحون
حتى في مجال العلوم كُذب العلماء هنا وهناك واتُهموا بالهرطقة، هكذا الحال مع كل جديد هنا وهناك. فبعضهم يتخوف من طرح الجديد وغير المألوف في تقدير المواقف وحل الأزمات لعدة اعتبارات:

- منهم من لا يملك جديدا لذا يقاومه لأن الإنسان عدو ما يجهل.

- ومنهم من يملك الجديد، لكن تعطله الحسابات والمصالح والاتهام الجارح.

- ومنهم من يملك الجديد، لكنه يخشى تحمل المسؤولية التاريخية حتى لا يقال عنه: فعل كذا يوم كذا.

- ومنهم من يملك الجديد، لكنه يتأوّل مخافة التداعيات وتعقيد المواقف والحسابات.

كل هؤلاء لا يراهَن عليهم في التطوير والتجديد والتقدم، لكن يراهن عليهم في إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى يأتي من يتحمل المسؤوليات ويتجاوز التخوفات، لذا يطلق عليهم سياسيا بالمحافظين أو الحرس القديم، وهو وصف ليس فيه اتهام، لكن فيه دلاله على عدم التغيير ومخافة الإقدام.

أما المجددون فكتبوا أسماءهم بحروف من نور في لوحة المصلحين، لوحة بها قائمة طويلة ممن تحرروا من الإرث المألوف ومعاداة المجهول، منهم الصديق أبو بكر وعمر الفاروق وخالد سيف الله وغيرهم كثير.. ومنهم حسن البنا وسيد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي ومحمد عمارة رضي الله عنهم أجمعين.

فيا عزيزي المؤمن انظر لنفسك في أي اللوحات وأي القوائم تحب أن تكون وفقك الله.


ثم إن الرأي مهما بلغ نضجه ورشده وحكمته هو رأي شخص يحتمل الصواب والخطأ، وليس سنة كونية ثابتة وغالبة. مثلا الآراء متنوعة في الشعوب والحكام والعلاقة بينهما، رأي في صفات الشعوب وأفهامهم وسلوكهم وخضوعهم أو مقاومتهم وشجاعتهم أو جبنهم، في كرمهم أو بخلهم، ورأي في حال الحكام مع الشعوب خاصة حالات الاستبداد والفساد والقمع.

وتأتي الأحداث والحوادث لتثبت أن كل الآراء في الشعوب لم تنضج بعد، والشعوب هي دائما الأنضج والأرشد، لكن بطريقتها هي، وليست بالطرق التي تكتب عنها.

زالت الأحداث الشواغل تصنع بقصد لصرف المصلحين عن جادة الطريق، وما زال المصلحون يوقنون بأنها علامات صحة الطريق، فاطمأنوا من حيث أريد لهم التشكيك، وتبينوا من حيث أريد لهم الجهالة والتعتيم، واستمروا حين أريد لهم التعطيل
لكن يبقى أن ندرك أن من فوائد الأحداث الجسام والأحداث العظام أنها تأتي لتختبر الأفكار والقيم والسلوك، نظل نتكلم ونطرح، ثم تأتي الأحداث لتقيس الفجوة بين القيم والإجراءات والأقوال والأفعال والاستيعاب والصدمات؛ لذا كانت الحكمة النبوية "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، والقاعدة القرآنية "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" (آل عمران: 173).

هناك أزمات لا حيلة لنا أمامها، لا نملك أسباب الحل أو المنع أو الإنقاذ، لكننا نملك، توضيح الرؤى وتصحيح المفاهيم ودعم النفوس والعقول حتى تستوعب أنت وغيرك ما يحدث، ومعها تتجرد من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته.

دورات حياة الأجيال؛ في الدعوة والدولة، في المصلحين والفاسدين، في الأنبياء والمشركين، المهم فهم واستيعاب ما يحدث، وبذل ما في الوسع للإصلاح والتغيير ونصرة المظلوم ومكافحة الظالم، قدر الطاقة.

وللعلم، ما زالت الأحداث الشواغل تصنع بقصد لصرف المصلحين عن جادة الطريق، وما زال المصلحون يوقنون بأنها علامات صحة الطريق، فاطمأنوا من حيث أريد لهم التشكيك، وتبينوا من حيث أريد لهم الجهالة والتعتيم، واستمروا حين أريد لهم التعطيل.

في الأحداث الجسام والخطوب العظام، نستدعي سيرة الأنبياء والمرسلين والأنصار والصحب الكريم، ونردد بثقة ويقين: "وَلَمَّا رَأى الْمُؤمِنُونَ الْأحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚوَمَا زَادَهُمْ إلَّا إيمَانا وَتَسْلِيما".

هنا يكون الميزان هو اليقين والإيمان قد ينفرج الكرب أو يطول، فما علينا إلا السير على أمل الوصول، منا من يصل ويشاهد، ومنا من يرحل وهو يجاهد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العقل الأزمات الإصلاح أزمات تجديد العقل سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

تفكيك نظرية التهميش: هل هي حقيقة أم وهم متجذر؟

كتب الدكتور معتصم التجاني في تعليقه على التسجيل :
تحليل نظرية التهميش ودور العقل الباطن في الشعور بالدونية والاضطهاد: رؤية نفسية واجتماعية
مقدمة
في مجتمعاتنا، تبرز بين الحين والآخر نظريات تكرس الإحساس بالتهميش والاضطهاد، مدفوعة بواقع معقد تساهم فيه العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. إلا أن النظرة النقدية العميقة تكشف أن هذا الشعور ليس مجرد انعكاس للواقع فقط، بل هو أيضًا نتاج تراكمات عقلية ونفسية، تلعب فيها برمجة العقل الباطن دورًا رئيسيًا.

في هذا السياق، نجد شبابًا واعيًا قادرًا على تفكيك هذه النظريات السلبية، محاربًا خطاب الضحية الذي يقيد العقول، ومؤمنًا بأن النهوض بالمجتمع يبدأ من الوعي الذاتي أولًا.
تفكيك نظرية التهميش: هل هي حقيقة أم وهم متجذر؟

التهميش، بمفهومه السائد، هو إحساس فئة معينة بأنها مهمشة اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا. هذه الفكرة، رغم أنها قد تستند إلى حقائق على أرض الواقع، إلا أنها ليست قانونًا ثابتًا، بل هي حالة نفسية أيضًا تتأثر بالإدراك الشخصي وطريقة تفسير الفرد والمجتمع للواقع.
الشاب الذي نتحدث عنه هنا أظهر وعيًا عاليًا حينما قدم رؤية نقدية لنظرية التهميش، محاولًا تفكيكها وكشف حقيقتها. حيث أشار إلى أن الشعور بالتهميش غالبًا ما يكون نتاجًا للتربية والثقافة الموروثة أكثر من كونه أمرًا مفروضًا بالقوة. فالذي يرى نفسه مهمشًا يرسخ في عقله هذا الاعتقاد، مما يجعله يعيش في دائرة مغلقة تمنعه من التقدم والانخراط في المجتمع بشكل إيجابي.
دور العقل الباطن في تكوين الشعور بالدونية والاضطهاد
العقل الباطن هو المسؤول عن تخزين التجارب والمعتقدات التي تتكون منذ الطفولة، وهي التي تحدد طريقة استجابتنا للأحداث التي نعيشها. عندما يُغرس في الفرد منذ صغره أنه ينتمي لفئة “مظلومة” أو “مضطهدة”، فإنه ينمو بهذا الشعور، ويبدأ في تفسير كل موقف يمر به على أنه شكل من أشكال التهميش، حتى لو لم يكن كذلك في الواقع.

هنا، يلعب العقل الباطن دورًا مزدوجًا؛ فهو من جهة يساعد الفرد على التكيف مع بيئته، لكنه من جهة أخرى قد يقيده إذا كانت برمجته سلبية. عندما يستمر المجتمع في تداول أفكار التهميش والظلم دون تحليل عقلاني، فإن الأفراد يصابون بما يسمى في علم النفس بـ”الهوية الضحية”، حيث يصبح الشخص غير قادر على رؤية الفرص المتاحة له، ويركز فقط على العقبات، ما يؤدي إلى تكريس وضعية التهميش بشكل غير مباشر.
علم النفس الاجتماعي وعلاقته بالشعور بالتهميش

يؤكد علم النفس الاجتماعي أن الشعور بالتهميش ليس مجرد نتيجة لظروف خارجية، بل هو أيضًا نتاج للكيفية التي يتفاعل بها الأفراد مع مجتمعهم. هناك عدة نظريات تشرح ذلك، مثل:
• نظرية الإدراك الاجتماعي: والتي تشير إلى أن الإنسان يبني قناعاته بناءً على المعلومات التي يتلقاها باستمرار من بيئته، سواء كانت صحيحة أم خاطئة. فإذا كان المجتمع يكرر خطابات التهميش، فإن الأفراد يميلون إلى تصديقها دون تحليل منطقي.

• نظرية الهوية الاجتماعية: والتي تشير إلى أن الأفراد يميلون إلى تصنيف أنفسهم داخل مجموعات اجتماعية معينة، وإذا كانت هذه المجموعة تُعرّف نفسها كمجموعة مضطهدة، فإن هذا الشعور ينتقل تلقائيًا إلى كل أفرادها.

• تأثير التوقعات الذاتية: حيث يؤثر تصور الفرد لنفسه على تصرفاته وإنجازاته، فإذا آمن بأنه مهمش فلن يسعى إلى تحقيق أهداف كبيرة، وسيبقى عالقًا في دائرة الإحباط.
إعادة صياغة الوعي للخروج من دائرة التهميش

الوعي هو المفتاح الأساسي لتحطيم قيود التهميش، وهنا تتجلى أهمية الأصوات الواعية التي ترفض الانسياق وراء الأفكار الانهزامية. هذا الشاب، بمستواه الفكري الراقي، يقدم نموذجًا لشخص لم يسمح للعقل الجمعي السلبي بالتحكم في نظرته لذاته ولمجتمعه، بل سعى لتحليل الواقع بعقل ناقد، يدرك أن تغيير الواقع يبدأ من تغيير الفكر.

إن محاربة الشعور بالدونية تبدأ من تعزيز الهوية الإيجابية، وتوجيه طاقة المجتمع نحو البناء بدلًا من الشكوى. وهنا يأتي دور التربية، والإعلام، والمؤسسات التعليمية في زرع مفاهيم التمكين بدلًا من التهميش، والإيمان بأن لكل فرد دورًا يستطيع أن يؤديه في مجتمعه.
خاتمة: نحو وعي جديد ينهض بالمجتمع

إن الأفكار السلبية التي تحاصر عقول الكثيرين ليست قدرًا محتومًا، بل هي مجرد أنماط فكرية يمكن تجاوزها عبر الوعي والتفكير النقدي. المجتمعات تنهض حين تتخلص من عقلية الضحية وتتبنى عقلية الفاعل المشارك في التغيير.

كل التحية للشباب الواعي، الذي امتلك الشجاعة ليقول الحقيقة في زمن كثر فيه التبرير والاستسلام للواقع. إن وعيه العالي هو دليل على أن الأمل في التغيير موجود، وأن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع للمساهمة في خلق واقع جديد، أكثر عدلًا وإنصافًا. حفظك الله بوعيك، وانطلق في توعية المجتمع، فأمثالك هم الشعلة التي تنير طريق التقدم.
دكتور معتصم التجانى
باحث فى دراسات السلام وفض النزاعات
المهجر ٩مارس ٢٠٢٥

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: قصة سيدنا إبراهيم نموذج قرآني للتفكر في الكون والتوصل إلى الإيمان
  • مفتي الجمهورية: دراسة الفلسفة ليست حرامًا فهي من ألوان إعمال العقل والاجتهاد
  • الشاعر شكيب جهشان.. معلم الانتماء الوطني الفلسطيني والجندي المجهول
  • العقل والشهوة.. طبيب يؤكد ضرورة مقاومة النفس لتحقيق التوازن النفسي
  • ماذا أريد؟
  • أحمد هارون يكشف أسباب تكريم الله للإنسان «فيديو»
  • ضرورة تقدير الموقف
  • تفكيك نظرية التهميش: هل هي حقيقة أم وهم متجذر؟
  • تحقيق لـعربي21 يكشف كيفية اختراق التمور الإسرائيلية لموائد المغاربة (شاهد)
  • تحرير عائلة من قبضة مسلح مخمور جنوبي العراق