د. حامد بن عبدالله البلوشي

shinas2020@yahoo.com

 

 

في كل عام، يأتي يوم السابع عشر من شهر أكتوبر حاملًا معه يومًا عظيمًا للاعتراف بجميل المرأة العُمانية، وللتذكير دائمًا بمكانتها السامية، ودورها الرائع في رفعة الوطن، حيث نحتفل سويا بالمرأة العُمانية، والتي تستحق منا جميعًا كل تقدير واحتفاء، وهو ليس يومًا للاحتفال بالإنجازات فحسب، بل هو دعوةٌ للتأمل في المكانة السامية التي وضعها الإسلام للمرأة، وتأكيدٌ على الدور الفعال الذي تلعبه في بناء المجتمعات ورقيها.

وقد كرم الإسلام المرأة تكريمًا عظيمًا، ورفع من مكانتها في المجتمع، فجعل لها حقوقًا وواجبات واضحةً، تحفظ كرامتها، وتصون دورها كأم، وزوجة، وعضو فاعل في بناء الأمة. وتضمن لها المشاركة في الحياة العامة، والتملك، وكل ما يجعلها فردًا نافعًا لمحيطها ومجتمعها. فمن أوائل مظاهر هذا التكريم أن منح الإسلام المرأة حق التعليم، وبين فضل طلب العلم للجميع، كما قال الرسول ﷺ: «طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم ومسلمة». كذلك، منحها حق التملك والتصرف في أموالها، وحق المشاركة في الحياة العامة.

وأستشهد هنا بمقولة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، والتي أكدت على أهمية دور المرأة في المجتمع، حيث يقول سماحته: "إذا كان مما يتردد على الألسنة أن المرأة نصف المجتمع، فإني أقول وأؤكد بأن المرأة هي المجتمع كله، فبقدر ما تكون عليه من عفة وطهارة ونزاهة يرجى للمجتمع أن يسعد بجيل في المستقبل يتصف بهذا كله، فإن المرأة هي صانعة الأجيال".

بهذا التكريم الشامل، ضرب الإسلام أروع الأمثلة في احترام المرأة وإعطائها حقوقها، وجعلها شريكًا متساويًا في مسؤوليات بناء الأسرة والمجتمع، لتكون لبنةً أساسيةً في تحقيق الحضارة الإسلامية وترسيخ القيم النبيلة.

وقد كانت السلطنة كما جرت العادة سباقة في تخصيص يوم لتكريم المرأة العُمانية، وهي من أوائل الدول العربية التي أولت اهتمامًا خاصا بتكريم المرأة التي هي نصف المجتمع، وهي الشريك في حمل راية الوطن الغالي، ففي عام 2009، جاء التوجيه السامي من المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بتخصيص يوم سنوي للاحتفاء بالمرأة العُمانية، ليكون السابع عشر من أكتوبر يومًا تاريخيا يخلد فيه دور المرأة العُمانية في مسيرة النهضة والتطور، وتقديرًا لما قدمته المرأة من عطاء وبذل في مختلف المجالات، وما أبدته من تفان في بناء المجتمع العُماني منذ فجر النهضة الحديثة.

وقد أصبح هذا اليوم رمزًا للنهضة النسائية العُمانية التي تمثل شريكًا أساسيا في دفع عجلة التنمية المستدامة، وإسهامًا في تطوير المجتمع العُماني وتقدمه على مر العقود.

ومن أقوال السلطان قابوس الخالدة عن المرأة ودورها في حمل مشعل التقدم والتطور والرقي في الوطن الغالي قوله رحمه الله: "إن الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضًا منكسرًا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟".

ومنذ السنوات الأولى للنهضة، حصلت المرأة العُمانية على فرص متساوية في التعليم والعمل، حتى وصلت إلى مناصب قيادية في الدولة، حيث شغلت مناصب وزاريةً وقياديةً في مؤسسات حكومية. ولقد أثبتت المرأة العُمانية قدرتها على مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات، وأصبحت جزءًا أساسيا من التنمية المستدامة التي تتبناها السلطنة. وأثبتت المرأة العُمانية جدارتها وقدرتها على المساهمة الفاعلة في مسيرة النهضة الحديثة. ففي مختلف المجالات، استطاعت المرأة أن تحقق إنجازات لافتةً تجعل منها نموذجًا يحتذى به.

ومنذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم، أولى المرأة العُمانية اهتمامًا بالغًا، مؤكدًا على الدور المحوري للمرأة في بناء المجتمع، واستمرار التنمية. وأعطى جلالته توجيهات ساميةً لتعزيز مكانة المرأة العُمانية، وضمان تمكينها في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وقد أكد جلالته- حفظه الله- على أهمية دور المرأة ومشاركتها في نهضة المجتمع، حين قال: "إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب في مختلف المجالات، خدمة لوطنها، ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا نحيد عنها ولا نتساهل بشأنها .

وقد دعا جلالته- أيده الله- إلى تذليل الصعوبات التي قد تواجه المرأة، وتعزيز بيئة داعمة تمكنها من المساهمة الفاعلة في بناء الوطن. إضافة إلى ذلك، تم التركيز على تهيئة الفرص الكافية لتأهيل النساء العُمانيات في شتى الميادين، وتوفير الرعاية اللازمة لحل المشكلات التي قد تعيق تقدم المرأة سواءٌ في العمل أو الحياة العامة، مما يعزز التزام السلطنة بإدماج المرأة بشكل كامل في رؤية "عُمان 2040".

وفي ظل هذا الاهتمام الكبير والدور المحوري الذي تؤديه المرأة في المجتمع، يصبح من واجبنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، أن نواصل دعم المرأة وتعزيز مكانتها في جميع المجالات. فالمرأة ليست فقط شريكًا في الحياة؛ بل هي عمود الأساس في بناء الأسرة والمجتمع. ولذا، علينا أن نسعى جميعًا لتوفير بيئة آمنة وداعمة تتيح لها تحقيق طموحاتها، وتضمن لها حقوقها كاملةً في التعليم والعمل والرعاية الصحية، وعلينا أن نغرس في أجيالنا القادمة قيم الاحترام والتقدير لدور المرأة في المجتمع، وأن نعزز من وعي المجتمع بأهمية المرأة في المشاركة الفعالة في جميع مناحي الحياة، لتكون بحق نموذجًا يحتذى به على مستوى العالم.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية الاجتماعية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية يهنئ المرأة في يومها العالمي..ويؤكد: شريك في بناء الحضارة

هنأ فضيلة أ.د نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المرأة المصرية والعربية ونساء العالم بمناسبة يوم المرأة العالمي، الذي يوافق الثامن من مارس من كل عام ، مؤكدًا أن الاحتفاء بها ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو اعترافٌ مستحقٌ بمكانتها ودورها الفاعل في بناء الحضارات وصناعة النهضة، فقد كانت المرأة على مر العصور شعلة مضيئة في دروب الإنسانية، تترك بصماتها الراسخة في كل ميدان، ودلائل التاريخ ناطقةٌ بأن المجتمعات لا تقوم إلا بتكامل جهود رجالها ونسائها.

أجمل دعاء في رمضان.. يجلب الخير من حيث لا تدريدعاء 8 رمضان 2025.. ردد الآن وللمغرب 10 كلمات تقضي أصعب الحوائج

وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن المرأة كانت ولا تزال ركنًا أساسيًّا في مسيرة التقدم، صانعةً للعقول، ومؤسسةً للقيم، وقائدةً لمسارات التحول والنهضة، فالتاريخ يزخر بنماذج نسائية سطّرت أعظم المواقف وأرسَت قواعد المجد، منذ السيدة خديجة -رضي الله عنها- التي كانت أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووهبته دعمها المطلق، فكانت مثالًا خالدًا للحكمة والإيمان. والسيدة عائشة –رضي الله عنها– التي حملت لواء العلم، فنهل من معينها الفقهاء والعلماء، وساهمت في نشر المعرفة وإرساء دعائم الفقه الإسلامي، مشيرًا  إلى أن دور المرأة لم يتوقف عند الماضي، بل ظل ممتدًّا عبر الأزمان، فكانت في كل عصر طاقةً مُلهمةً للإبداع والتغيير، تُسهم في بناء الأوطان، وتُثري الفكر، وتُرسخ القيم، وتُسطر ملاحم التضحية والعطاء، مشيدًا بالمرأة المصرية التي أثبتت في كل المحطات التاريخية أنها قوةٌ لا يُستهان بها، وقلبٌ نابضٌ بحب الوطن، تُساند في الأزمات، وتُشارك في التنمية، وتقف جنبًا إلى جنب مع الرجل في مسيرة البناء.

واختتم فضيلته، أن تمكين المرأة ليس خيارًا، بل ضرورةٌ حضاريةٌ تفرضها سنن التطور، فهي ليست مجرد نصف المجتمع عددًا، بل هي قلبه النابض، وعقله المفكر، وضميره الحي، وحضورها في ميادين الفكر والعمل هو حجر الأساس في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا وعدالة.

مقالات مشابهة

  • أحمد علي سليمان: المرأة المسلمة كانت دائمًا ركيزة أساسية في نهضة الأمة
  • "إشراقة" تساهم في توزيع 10 آلاف طرد غذائي على الأسر المتعففة
  • الحسن: المرأة عمود المجتمع ودعوة لتعزيز حقوقها وإزالة العقبات
  • فضل الله: نشعر بالخجل امام تضحيات الام اللبنانية في مواجهة العدوان
  • في يوم المرأة العالمي.. المرأة الليبية شريك أساسي في بناء الوطن
  • إطلاق صفحة إلكترونية متخصصة لمؤشرات المرأة العُمانية
  • مفتي الجمهورية: المرأة المصرية تساند الوطن وتقف مع الرجل في مسيرة البناء
  • مفتي الجمهورية يهنئ المرأة في يومها العالمي..ويؤكد: شريك في بناء الحضارة
  • مفتي الجمهورية: المرأة شريك في بناء الحضارة والتاريخ شاهد على بصماتها الراسخة
  • مفتي الجمهورية : المرأة شريك في بناء الحضارة والتاريخ شاهد على بصماتها