المرأة العُمانية.. رمز القوة والعطاء
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
بدر بن أحمد البلوشي
في عالم تتشابك فيه خيوط الحضارات وتتجاذب فيه القوى، تتجلى قوة المرأة العُمانية كواحدة من العلامات البارزة في تاريخ الأمة العُمانية، تلك المرأة التي وقفت شامخة في وجه التحديات، واستمرت في البناء والعطاء، تشكل ركيزة أساسية في المجتمع العُماني. لقد أثبتت عبر العصور أنها ليست مجرد مكون إضافي؛ بل هي العنصر الحيوي الذي يسهم في تشكيل الهوية الوطنية، وترسيخ القيم الثقافية والاجتماعية.
ومسيرتها الغنية بالأحداث التاريخية تمثل شهادة حية على التقدم الذي أحرزته على مر العصور، وقدرتها على الابتكار والإبداع في جميع مجالات الحياة. ومع حلول 17 أكتوبر، يوم المرأة العُمانية، نحتفل بإنجازاتها التي لا تعد ولا تحصى. لقد كانت المرأة العُمانية، عبر الزمن، ملهمة لكثير من الأجيال؛ حيث تمكنت من فرض نفسها في مجالات متعددة؛ بدءًا من التعليم والطب، وصولاً إلى السياسة والفنون. إن دورها ليس مقتصرًا على التكيف مع الظروف المتغيرة فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى الريادة والإبداع، مما جعلها محط تقدير واعتزاز في المجتمع. في هذا اليوم، نستذكر كل امرأة عُمانية ساهمت في نهضة الوطن، ونسلط الضوء على الأثر العميق الذي تركته في جميع جوانب الحياة، ونعبر عن فخرنا بإنجازاتها المستمرة.
تحتفل عُمان في 17 أكتوبر من كل عام بيوم المرأة العُمانية، وهو مناسبة تعكس تقدير المجتمع لدور المرأة وامتنانهم لإسهاماتها القيمة، تاريخ المرأة العُمانية يمتد لآلاف السنين؛ حيث كانت النساء العُمانيات منذ العصور القديمة جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
في عصور ما قبل الإسلام، كانت المرأة تُعتبر عنصرًا محوريًا في المجتمع؛ حيث أسهمت في التجارة وكانت رائدة في العديد من الحرف اليدوية مثل النسيج والتطريز وصناعة الفخار. ومع بزوغ فجر الإسلام، لعبت المرأة العُمانية دورًا بارزًا في نشر الدعوة الإسلامية؛ حيث شاركت في الفتوحات وأثبتت قوتها وشجاعتها. وفي العصور الوسطى، استمر دور المرأة العُمانية في الازدهار؛ حيث انخرطت في الحياة السياسية والاجتماعية، وساهمت في حل القضايا العائلية وتوجيه القرارات المجتمعية، مما أظهر تأثيرها القوي على الأجيال التالية. ومع دخول القرن العشرين، شهدت عُمان تغييرات جذرية في واقع المرأة؛ حيث برزت جهود النساء في تعزيز التعليم بين الفتيات، مما أتاح لهن فرصاً جديدة للانخراط في المجتمع والمشاركة في الحياة العامة. ومع التوجه نحو العصر الحديث، أظهرت المرأة العُمانية قدراتها في جميع مجالات الحياة. تمكنت من دخول مجالات التعليم والعمل، وحققت إنجازات ملحوظة في عدة مجالات مثل الطب والهندسة والفنون. ارتفعت نسبة الفتيات الملتحقات بالتعليم العالي بشكل ملحوظ، وأثبتت المرأة قدرتها على القيادة والإدارة؛ حيث تولت مناصب قيادية في الحكومة والقطاع الخاص.
وتتجلى قوة المرأة العُمانية أيضًا في مساهمتها في المجال الثقافي والفني؛ حيث استخدمت الفنون كوسيلة قوية للتعبير عن قضايا المجتمع، مما أضاف بعدًا جديدًا للتواصل الاجتماعي والثقافي. تعكس هذه المساهمات الجوانب المتعددة للهوية العُمانية، وتساهم في تعزيز الوعي الثقافي والتاريخي بين الأجيال الجديدة.
وختامًا.. تحتفل عُمان اليوم بإنجازات المرأة؛ باعتبارها رمزًا للقوة والكرامة، ويمثل الاحتفال بيوم المرأة العُمانية فرصة لتقدير إنجازاتها وإظهار الدعم المستمر لتمكينها في جميع المجالات. ومن خلال التعليم والعمل والريادة، تؤدي المرأة العُمانية دورًا محوريًا في بناء مجتمع قوي ومزدهر، مما يعكس التزام عُمان بمستقبل أفضل لجميع أفراد المجتمع. إن إرادة المرأة العُمانية وتصميمها على النجاح، بمثابة خارطة طريق نحو المزيد من النجاح والتقدم؛ مما يُسهم في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: القوة الحقيقة في الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب
قال الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام : اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون.
أركان متلازمةوأضاف “ بن حميد” خلال خطبة الجمعة الأخيرة من شهر شوال اليوم من المسجد الحرام: اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم، ومن أدب الفراق دفن الأسرار، من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساق سيسقى بما سقى.
واستشهد بما قال الله تعالى: (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا)، منوهًا بأن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض، وإصلاحها أركان متلازمة.
وأوضح أن المسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد، الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله مستشهدًا بقوله تعالى (أقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
وأشار إلى أن العلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
تكلم عن الأمم السابقةوأبان أن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بين ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد.
ودلل بما قال جل وعلا: (إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد)، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ).
وأردف: غرتهم قوتهم وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا، ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم - بقوله: ﴿كِتَبُ أَنزَلْتَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).
واستند لما قال جل وعلا: ﴿هُوَ الَّذِي يُنزِلُ عَلَى عَبْدِهِ وَايَتٍ بَيِّنَتِ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة.
ليس ذمًا للعلوموأفاد بأن الدين الإسلامي ليس ذمًا للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعاتها وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصا من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
ولفت إلى أن الازدهار الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورًا بالسيارات والقاطرات.
واستطرد: وفي بريد الرسائل: من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح أن القوة الحقيقة هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، والعزة الله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
القائد للعقلوأكد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق، والباطل، والصالح، والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح، وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
ونبه إلى أن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره يعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس (وإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وسنة الله أن الصالح يبقى لان فيه نفعًا للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.