العُمانية تفوح ألقًا
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
"إنَّ الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات". السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه.
"إنَّ شراكة المُواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون وأن تعمل مع الرجل جنبًا إلى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا نحيد عنها ولا نتساهل بشأنها".
حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه اللّه ورعاه.
الحديث عمّا حظيت به المرأة العُمانية من اهتمام ورعاية كاملة لابد أن يمر ضمن سياق ومنظور حضاري، فما تمكين المرأة إلا تجسيد لتاريخ مشرف سطرته الماجدات العُمانيات على مر التاريخ العُماني الممتد منذ زمن بعيد، وما قدمته المرأة العُمانية من مساهمة مشهودة ظل عالقًا في ثنايا التاريخ والذي سطر أسماء خالدة مثل الشعثاء بنت الإمام جابر، وهند بنت المهلب والعالمة الضريرة عائشة الريامية، والسيدة موزة بنت أحمد والغالية بنت ناصر وشمساء الخليلية وغيرهن.
وفي التاريخ الحديث ومنذ بزوغ عهد النهضة المباركة لعبت المرأة العُمانية دورًا بارزًا في مسيرة التنمية فكانت المعلمة والمهندسة والطبيبة والداعية والمربية الفاضلة، وعملت جنبًا إلى جنب مع الرجل في بناء هذا الوطن العزيز وقدمت واجبها الوطني بكل إخلاص وتفانٍ ووصلت لأعلى المراتب القيادية في الدولة، وبرزت كعادتها وعكست صورة المرأة العربية المسلمة المحافظة التي تقوم ببناء أسرتها ومجتمعها ووطنها في آن واحد.
وقد أضاف تمكين المرأة قيمةً عظيمة لمسيرة التنمية في وطننا، فقد ساعد هذا التوجه على رفد سوق العمل بما يحتاجه من كوادر نسائية عُمانية وتخطى النظرة القاصرة التي عانت منها بعض المجتمعات التي جعلت من المرأة مورداً بشرياً معطلاً ظنًا منهم بقصورها ومحدودية تأثيرها وانتقاصًا من قدراتها وإمكانياتها ولذلك ظلت هذه المجتمعات تعاني من تكامل الأدوار الذي تحتاجه الدول في سبيل تحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز فرص النجاح.
لقد عملت سلطنة عُمان منذ بداية النهضة الحديثة على توفير البيئة المناسبة لتقوم المرأة بدور حيوي وفعال ومؤثر في مجتمعها، ولذلك جاءت منظومة القوانين والتشريعات في هذا الاتجاه وحفظت حقوق المرأة المدنية والشرعية؛ بل إنَّ المرأة في دولة المؤسسات استحقت ميزات عديدة تمكينًا لها وحرصًا من القيادة الرشيدة على أن تقوم بدورها المناط بها، وعلى سبيل المثال صدر قانون العمل الجديد الذي أعطى للمرأة العاملة في القطاع الخاص نفس الحقوق التي تحظى بها المرأة العاملة في القطاع الحكومي، كما إنَّ قانون الحماية الاجتماعية اشتمل على عدد من المواد التي تخص المرأة وفق منظومة متكاملة من الدعم.
إنَّ المرأة في سلطنة عُمان تعيش أزهى عصورها، وهي تلقى الرعاية الكاملة من السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المُعظم- حفظها الله ورعاها- والتي أولت المرأة العُمانية جُل اهتمامها وركَّزت على تفعيل دور المرأة من خلال الفعاليات والمناشط الخاصة بها، ورعاية المميزات من ماجدات سلطنة عُمان في مختلف المجالات، وتقديم الدعم بكل أنواعه لإبراز دور المرأة العُمانية، وهذه قيمة كبيرة تضاف إلى مكاسب المرأة العُمانية التي لا تحصى، وما تُقدمه السيدة الجليلة من جهود مجتمعية يجب أن يكون نموذجًا يحتذى به من قبل المرأة العُمانية.
لقد حظيت المرأة العُمانية بالرعاية السامية من لدن مولانا جلالة السلطان المعظم- أيده الله- الأمر الذي يزيد من أهمية أن تقوم المرأة العُمانية بدورها الريادي، وما الاحتفال بيوم 17 أكتوبر بالمرأة العُمانية إلّا تكريس لهذا الاهتمام من لدن المقام السامي، وإدراك بأهمية دور المرأة الحيوي في المجتمع وتكامله مع دور الرجل العُماني، ويجب على المرأة في هذا السياق أنت تدرك أن هناك مسؤولية مُلقاة على عاتقها تتمثل في رد الدين لوطنها والوفاء بواجباتها سواء كمربيّة للأجيال أو عاملة تحمل أحلام الوطن.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نهضتنا المتجددة في ذكرى عيدنا الوطني الـ 54
بعد أيام قليلة تحتفل بلادنا بعيدنا الوطني الرابع والخمسين المجيد، واقتراب مرور 5 أعوام على تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ الحكم في البلاد، في الحادي عشر من يناير 2020، ولا شك أن هذه الذكرى السنوية، هي محطة نعيش معها وبها ذكريات ما تحقق من إنجازات على الصعد الداخلية والخارجية، واستعادة روح هذا اليوم الخالد في مسيرة النهضة العمانية الحديثة والمتجددة، التي قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله مثواه- ثم جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وخلال السنوات الخمس التي مرت، حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق بعد توليه الحكم على البناء الداخلي، وإعطائه الأولوية في الاهتمام والمتابعة في قيادة مسيرة عُمان المتجددة، وفي ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، وأزمة وباء كورنا، وإيجاد الحلول الايجابية للمديونية التي كانت تحديًا وعقبة للتنمية المستدامة في بلادنا، وتم التخطيط لذلك للخروج من هذه الأزمة بحكمة فائقة ورؤية ثاقبة، واستطاعت سلطنة عمان أن تجتاز الكثير من العقبات، بفضل البرامج والسياسات والرؤى التي طرحها جلالته ـ حفظه الله ـ للحكومة والسير فيها للتنفيذ الجدي، وفق رؤية عمان الاستراتيجية 2040. فمنذ خطابه الأول بعد تسلمه الحكم في 23 فبراير 2020، كانت التوجيهات للبناء المتجدد، تسير مترافقة مع العمل الدؤوب والمضني لتحقيق ما تم وضعه من خطط وبرامج وتوجيهات، سواء في جانب خُطةِ الاستدامةِ الماليةِ، أو الحفاظ على المركز المالي لسلطنة عمان، أو رفعِ كَفَاءةِ الإنفاقِ في جوانبه المرسومة، إلى جانب إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة في تحسين كفاءة الأداء وفاعليته في القطاعات الحكومية ، وقال جلالته ـ أيده الله ـ في خطابه بمناسبة افتتاح دور الانعقاد السنويّ الأول للدورة الـ 8 لمجلس عُمان في 14نوفمبر 2023، «إننا استحدثْنَا أجهزةً تَضْمَنُ تَحسينَ عمليةِ اتخاذِ القرارِ، وقياسِ الأداءِ المُؤسَّسِيّ، وإننا لَنَحْرِصُ على متابعةِ ما تمَّ إقرارُه من أسسٍ لتبسيطِ الإجراءاتِ وانسيابِها لتصبحَ سمةً بارزةً في الأداءِ الحكومي. ولأنَّ مرفقَ القَضَاءِ يُعَدُّ رُكْنًا أسَاسِيًّا مِن أركانِ الدولةِ، فقد حَرَصْنَا على تطويرِ منظومتِهِ، وتَعْزِيزِهَا بالقُدُراتِ البشريةِ، وهو يَحظى باهتمامِنَا، كي يؤديَ دورَهُ الحيويَّ المَنُوطَ بِهِ، في تحقيقِ العدالةِ الناجزةِ، بكفاءةٍ واقتدار. لقد تَجَلَّتْ الجهودُ الوطنيةُ -بفضلٍ مِنَ اللهِ تعالى- في استمرارِ مسيرةِ تطويرِ قطاعاتِ الصحةِ والتعليمِ والخدماتِ التي عَمِلْنَا جاهدينَ على أنْ تُواكِبَ التَزَايُدَ في عددِ السُّكان، وحَرَصْنا على تنفيذِها وتقديمِها وِفقًا لاستراتيجياتٍ وخططٍ مدروسةِ وواقعيّةِ، تأخذُ هذه العواملَ في الحُسبان، فشملتْ جميعَ المحافظاتِ والولاياتِ دُونَ استثناء». ومن المنجزات على الجانب الاجتماعي، ووفق ما وعد به جلالته -حفظه الله- في خطابه بالعيد الوطني الخمسين لتحقيقها لأبناء وطنه، بالرغم من التحديات القائمة عند توليه قيادة البلاد، ومنها الظروف الاقتصادية ـ كما أشرنا آنفًاـ التي كانت تعيق الانطلاق المطلوب، وقد عبر جلالته عن ذلك في هذا الخطاب، وأن هذا الأمر ضمن اهتمامنا كما أشار جلالته وهو: (توفيرِ الحمايةِ والرعايةِ اللازمةِ لأبنائِنا المواطنين، فقد وجّهْنَا بالإسراع ِفي إرساءِ (قانون الحمايةِ الاجتماعيةِ). وتحقق هذا الوعد السامي من جلالته، وتم إنجازه مع بداية هذا العام 2024، وتحركت العديد من القضايا الاجتماعية التي تمس حياة المواطنين التي يتم إعدادها للتطبيق الفعلي، ولا شك أن قانون الحماية الاجتماعية، كان الهدف الأساسي منه - كما أكد على ذلك جلالته ـ وفقه الله تعالى- توفير الحياة الاجتماعية الكريمة للمواطنين والعيش الكريم اللائق، والتخفيف عليهم من أعباء الحياة وتحولاتها بمختلف ظروفها . ونتيجة للجهود التي وضعتها الدولة في ضبط الإنفاق ورفع كفاءته، فقد حققت سلطنة عمان فوائض مالية كبيرة، وما تزال الجهود مستمرة، ما انعكس على انخفاض الدين العام، والمؤشرات إيجابية في استمرار هذه الفوائض بفضل السياسة المالية، التي اتسمت بالدقة كما وضعت لها وتم إعدادها إعدادًا منهجيًا، وفق الأنظمة المالية المعروفة ، فهذه المؤشرات الإيجابية من حيث الأداء المالي للدولة، تعكس بلا شك نجاح الخطط الموضوعة التي أشار إليها جلالته ـ حفظه الله ـ في افتتاح دورة انعقاد مجلس عمان العام المنصرم. صحيح أن إنتاج للنفط تتأثر بتقلبات أسعاره العالمية ، وسلطنة عمان تتأثر من هذه التقلبات في الأسعار وإن استقراره كان معقولا في السنوات الأربع الماضية، لكن الخطط التي وُضعت كانت مبنية على رؤى ومنطلقات إيجابية، بما لا تكن مجازفة في خططها، كانت تُبنى على مؤشرات واقعية يتم النظر إليها برؤية ثاقبة بعيدة عن حرق المراحل، أو القفز على الواقع وتقلباته. وفي إطار اهتمام جلالته بقيام نظام للمحافظات وتعزيز الإدارة المحلية واللامركزية، ووضع اختصاصات واضحة وواسعة ومرنة للمحافظين، لتمكينهم من القيام بمهام تنفيذية مباشرة فيما يتصل بالتنمية الاقتصادية وتعزيز مصادر الدخل الذاتية في المحافظة، وتعزيز تنافسيتها، وتشجيع الاستثمارات فيها، وبما يلبي تطلعات واحتياجات المواطنين، وبما ينسجم مع الأهداف والخطط الحكومية في هذا الشأن. وإذا نظرنا للسياسة العمانية الخارجية، في ظل نهضتنا المتجددة التي يوجهها جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله- فإن الثبات على المبادئ التي سارت عليها بلادنا، ثبات الجبال في مطلقاتها وتوجهاتها، خاصة في قضية العرب والمسلمين الأولى، قضية فلسطين، سواء فيما وضعته القرارات العربية في المؤتمرات التي حددتها القمم العربية، أو القمم على مستوى مجلس التعاون أو غيرها من المؤتمرات الفرعية في قضايا أجمعت على ثوابت القضايا العادلة، وفي هذا الصدد قال جلالة السلطان هيثم بن طارق أيده الله : «إننا إذ نُتابعُ بِكُل أسى ما يتعرضُ له الأشقاءُ في فلسطينَ المحتلةِ، من عدوانٍ إسرائيليٍّ غاشمٍ، وحصارٍ جائرٍ؛ لَنُؤكّدُ على مبادئِنا الثابتةِ لإقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ وعاصِمَتُها القُدسُ الشرقيةُ، ومؤكدين على ضرورةِ تَحَمُّلِ المجتمعِ الدوليِّ مسؤولياتِه والتزاماتِه تجاهَ القضيةِ الفلسطينيةِ، والمسارعةِ في إيجادِ حلولٍ جذريةٍ لتحقيقِ آمالِ الشعبِ الفلسطيني في إقامةِ دولتِه المستقلةِ، وبذلك يَعُمُّ السلامُ في منطقتِنا ويَنعمُ العالمُ أجمعُ بالأمنِ والأمان». وقد اتخذت سلطنة عمان سياسة محددة وثابتة ومستمرة في القضايا المصيرية، تقوم على الدعم الكامل للنضال الفلسطيني في مختلف الأصعدة والمستويات، وعلى تأييد كل ما من شأنه أن يقرب من التوصل إلى حل شامل ودائم وعادل في إطار الشرعية الدولية ويعاد الحق السليب إلى أصحابه الشرعيين. ولا شك أن السياسة العمانية، في كل القضايا العربية والدولية، سارت بمنهج من الواقعية والمصداقية، تجاه كل القضايا العالقة والخافتة في مسيرة الأمة العربية، والموقف من قضايا الأمة وظروفها، محل اهتمام سلطنة عمان ومتابعتها، بما يعبر بحق عن المشاركة الفعالة، لكل المستجدات والتطورات، قد عبّر عنها جلالته عن هذا الموقف الثابت في السياسة العمانية في أكثر من مناسبة. وعندما تعود بنا الذكرة للوراء قليلًا، مع تولي جلالة السلطان هيثم الحكم، نجد أن اللفتة التي ربما لم يتوقف عندها الكثير من أبناء الوطن أو خارجه، وهو أن السلطان الراحل ـ طيب الله ثراه ـ عندما كلّف جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ـ في عام 2013 بتولي رئاسة «رؤية عُمان2040» «بهدف إعدادها وبلورتها وصياغتها بإتقان تام ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع، وبحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي في العقدين القادمين». تبرز الثقة من جلالة السلطان الراحل ـ كما جاء في الوصية ـ وأنه ـ أي السلطان الراحل ـ (توّسم ـ في جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ صفات وقدرات تُؤهله لحمل الأمانة)، وهذا ما تحقق في الممارسة الفعلية قولًا وعملًا، وهي شهادة جديرة بالتقدير الكبير، إذ عرف الشعب العماني هذا واقعيًا ولمس مآثرها، وهي مسيرة انطلقت إلى الأمام لخير عُمان وشعبها بعون الله وتوفيقه.. |