سودانايل:
2024-10-16@14:13:34 GMT

إنما العاجز من لا يستبد

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

بقلم عمر العمر

استرداد الجيش وكتائبه مساحات من تحت أقدام الجنجويد يرجّح في بعض ملامحه العسكرية تكتيك الصبر على الحماسة. لكن انكسار الدعم السريع لايعني هزيمته فهو لايزال أوسع انتشارا . خطاب حميدتي يؤشّر في أحد أبرز أبعاده إلى ولوج محنتنا نفق (الحرب القذرة) في المعنى الحرفي -لا المجازي كما كنا نردد- للعبارة.

فعند المنحنى الراهن للحرب يشحذ المتقاتلون كل أسلحة العنف في كل الاتجاهات ،على كل الأهداف ، بما في ذلك الإنسان ،بلا رحمة ودون تروٍ أو تردد. (من ليس معنا فهو ضدنا) شعار مرحلة كسر العظم . ليس ثمة وقت للفرز . المكان ، الملمح والعمر أبرز معايير الهوية المستهدفة. مايسمى بمجزرة الحلفايا شاهد طازج.كلذلك طلب حميدتي من مقاتليه الكف عن التصوير.عمليات التصفية الفردية والجماعية من قبل الطرفين ستنجز على عجل في الظلام خارج كل الأعراف.مزيد من الضحايا الأبرياء،مزيد من الخسائر مع التوغل في الدم والتدمير. هذه مرحلة دفع الشعب بأسره داخل متاهات فوضى بلا حدود واستبداد بلا كوابح.
*****
في الفكر السياسي تنشب الحرب بين فرقاء غير متجانسين بغيةإعادة ترسيم المشهد السياسي من أجل بلوغ غايات محددة.بعد مضي أكثر من العام لايزال الجدل مفتوحا عمّا إذا كان طرفا هذه الحرب الكارثية فرقاءً أم حلفاء؟ كما هو الجدل لايزال مثار حول دوافع المتقاتلين وغاياتهم. فقط ثمة اتفاق غير موقع بينهما على إعلاء مصالح كل منهما مع الإهمال المتعمّد لحقوق الشعب و مصيره! فالشعب وحده يسدد فاتورة حرب باهظة الكلفة من دمه ،شبابه، مؤسساته ، حاضره و مستقبله .التدمير الممنهج والعشوائي حطّم الدولة،جرّد الشعب من مقومات الوجود دع عنك الصمود.كأنّما هي منافسة غير شريفة للفوز ببطولة مأساوية على نسق التراجيديا الإغريقية؛ البرهان وحميدتي أو الجيش الجنجويد.
*****
التباين في شأن الإسناد والتدخل الخارجييْن لا يبرئ القطبين من مسؤولية اشعالها.فلا ولوج لطرف في حرب عارٍ من الرغبة والارادة الذاتية.الخلاف عمّن أشعل فتيل الحرب لا يبرئ أحدهما.فكلاهما كان في حالة تأهب والضربة الاستباقية ليس غير تكتيك عسكري للامساك بزمام المبادرة على نحو مباغت.كما أن الاستقواء بالخارج هو محاولة لفرض التفوق في موازين القوى.هناك فرق بين الاستقواء و الارتهان للخارج .في الحالة الاولى يكون الخارج لاعباً مساعدا في الثانية يكون لاعباً اساسياً.
*****
بتقدم الجيش على حساب الجنجويد ينأى الطرفان - مؤقتاً على الأقل -عن الإصغاء لنداءات التفاوض وتبادل التنازلات.الرهان أصبح الضغط على الطرف الآخر حد التركيع .لذلك سيتطاول حتما كابوس الحرب وعذابات السودانيين. مع التوغل في متاهات الفوضى يتخلى الطرفان عمّا تبقى لديهما من عقل . في الطريق إلى القبض على مفاصل السلطة يتم اسقاط حُجج المنطق عمدا .التاريخ يعدنا بلسان مبين في كل اللغات عن استبداد سافر جموح حال إمساك أيٍ من الطرفين على مفاتيح سلطة الدولة المضاعة.تلك مرحلة استعراض الزهو بالنصر، مرحلة زجر الخصوم حد التوحش.عندئذٍ يدرك أشباه الساسة الهواة مجهضو فرص الثورة البازخة معنى عواقب التفريط في استثمار الفرصة التاريخية.فالأطباء يعلمون جيدا معاناة الاجهاض المبكر وتداعياته.أؤلئك الهواة هم أول ضحايا الاستبداد الجديد.
*****
كما لا وقت للندم فلاسبيل للمساومة.المستبدون الجدد طرحوا على قارعة الطريق المشرّب بالدم إلى السلطة كل أفكار المساومة ،المشاركة والتنازل .هم الآن مدججون بكل عتاد الثأر ، الانتقام والحرص عل الإنفراد بغنائم السلطة و مصادر الثروة .هذا زمن إملاء الشروط وفرض الاستسلام أو مواجهة العقوبات دون محاكمة او مماحكة .هذا موسم تعزيز النفوذ وتكريس الهيبة وجني الثمار. منطق المنتصرين عبر التاريخ دوماً :(انما العاجز من لايستبد).فالاستبداد هو واجهة متقدمة للطغيان حيث انكار المشورة واستنكار النقد وموازاة الظلم بالعدالة والقمع بالحرية.حتى ندرك مستقبلنا فلنقرأ توصيف الكواكبي (الاستبداد أصل انحطاط الشعوب وتخلفها).
*****
كِبْرُحميدتي تجاوز نَطْحَ قادة الجيش إذ أدار ظهره في خطابه الأخير عن التفاوض ،السلام ،الشراكة السياسية والديمقراطية.بما أن النار لامست العظم فتلك الشعارات البرّاقة لم تعد تلائم طبيعة المرحلة.الأولوية لاستنفار المقاتلين وتوفير العتاد والزخيرة.العزف على النعرة الإثنية نغمة محببة في نشيد الاستنفار. حميدتي يعرف- ربما أكثر من غيره -الحرب كرٌ و فرٌ .هو على استعداد للقتال حتى الرجل الأخير بمنطق (لنا الصدر أو القبر).لافرق حتى في محاججة البعض بأن أولويته للإمبراطورية المالية على حساب المصداقية السياسية . فالثابت في كل الفرضيات هو استطالة كابوس الحرب وعذابات المدنيين. اذاكانت ثمة دول تولد من لهب الحروب فثمة دول تندثر تحت ركامها.
*****
حال انتصار فريق على آخر يرتفع منسوب الطغيان على نحو يغمر مؤسسات الدولة إذ تتجمع مقاليد السلطة في يد فرد أو أيادي زمرة. ساعتئذٍ تسقط مقولة مونتيسكيو(السلطة توقف السلطة).هم ونحن نعرف جميعا (السلطة المطلقة مفسدة مطلقة).بالطبع سيتم مأسسة الدولة لكن المؤسسات المستولدة تعمل جميعا من أجل تكريس توحش المستبدين الجدد(القدامى). قادة الجيش لم يستوعبو دروس التاريخ .فهم يقاتلون الميليشيا بميليشيا من الطراز ذاته. من المؤسف كذلك انجاز ذلك الطغيان تحت عباءة الدين.دعاة الدولة و إعلامها يكرسون كل الآيات والأحاديث بغية الذهاب إلى أقصى الغايات.لا أحد منهم يريد استذكار الحديث الشريف(كل ابن آدم خطاء).فهو حديث يمكن به محاججة اهل السلطة لصالح الخصوم!هم بذلك يضعون الدين في تصادم مع مكارم الأخلاق.
*****
من الصعب إن لم يكن مستحيلا دفع طرفي الحرب إلى طاولة التفاوض مالم تتولد لديهما قناعة بالسلام.تلك قناعة يعزز فرصها اقتراب أحدهما من تحقيق نصر حاسم ، أو تغيُّر الموازين العسكرية. للقوى السياسية يدٌ في هذا التغيير إن افلحت في تجميع فسيفسائها المتشظية حول برنامج الحد الأدنى على نحو يجعل لها دورا فاعلاً داخل المشهد السياسي.فهي ليست مطالبة فقط باسكات المدافع بل بتكريس كل ما من شأنه تجنيب الأجيال الحائرة ويلات الحرب، النزوح واللجوء .من المهم بناء كتلة سياسية صلبة متجانسة على برنامج وطني تنهض بموجبه على التأثير في موازين القوى.الأهم من ذلك تصميمه على نحو جاذبٍ جماهيريا ومقنعٍ بإعادة البناء الوطني.في غياب مثل هذه الكتلة والبرنامج ينفتح الأفق أمام الطغيان لا محالة.لكن غيابهما لا ينفي اصطدام الطغاة بالشارع -المستبد الأكبر- والجماهير الخلاقة.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: على نحو

إقرأ أيضاً:

طلاب المدارس أمام السيسي: الحرب ضد الإرهاب لا تقل عن نصر أكتوبر

تحدثت الفنانة سهر الصايغ برفقة مجموعة من طلاب المدارس، عن الحرب ضد الإرهاب وأنها لم تكن حرب سهلة، ويؤكد طلاب المدارس على أن هذه الحرب لا تقل عن 73.

 

وشددت "الصايغ"، في الندوة التثقيفية الـ40 للقوات المسلحة، تحت عنوان "نصر أكتوبر 1973 حكاية شعب"، على أن هذا التاريخ عاشه الجيل الحالي وكان تحديا قويا، موضحة أن الدولة المصرية تعلمت الدرس من هذا التحدي بشكل كبير، وبدأت الدولة في تطوير إمكانيات وقدرات الجيش المصري بشكل أبهر العالم.

 

ونوهت بأن القوة هي التي تحمي السلام وبدون القوة ليس هناك سلام، موضحة أنه مصر دائمًا خلف وتساند وتدعم القضية الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • حزب الله يقصف تجمعا لجنود الاحتلال.. وإصابة 4895 بين صفوف الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب على غزة
  • عامر حسن: الخطة الأمريكية (ب) في السودان
  • دق الزار السياسي!
  • إيران بدأت تخسر.. الجيش الإسرائيلي: نحن لا نحارب الدولة اللبنانية بل حزب الله
  • لا قيادات الجيش ولا الدعم السريع ولا الكيزان مؤهلون أخلاقياً ليحاكموا مواقفنا من هذه الحرب
  • الاقتصاد يدفع ثمن الحرب في المنطقة| فلسطين.. اختناق من غزة إلى الضفة الغربية
  • لحماية الدولة المصرية : السيسي يرفض الانتقادات حول صفقات الجيش المصري
  • طلاب المدارس أمام السيسي: الحرب ضد الإرهاب لا تقل عن نصر أكتوبر
  • الجيش الصيني: المناورات العسكرية في مضيق تايوان "مشروعة" و"ضرورية" لحماية سيادة الدولة والوحدة الوطنية