تلعب المرأة العمانية دورًا محوريًا في نشر قيم التسامح في المجتمع، حيث تسعى في بناء أسرة متماسكة وتعزيز القيم والمبادئ الأخلاقية، وتعد الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، يتم من خلالها توجيه الأطفال وتعليمهم مبادئ التسامح، وتشارك العديد من النساء العمانيات في الأعمال التطوعية التي تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية والتسامح، مما يعكس روح التعاون والمشاركة، وبفضل هذه الأدوار المتعددة، تسهم المرأة العمانية في بناء مجتمع متسامح ومتماسك، يعزز من قيم الحوار والاحترام المتبادل.

وقالت الدكتورة رقية بنت إسماعيل الظاهري -كاتبة وطبيبة وناشطة حقوقية ورئيسة قسم الأبحاث والدراسات القانونية- وعضوة فريق الذكاء الاصطناعي بالمستشفى السلطاني: «المرأة العمانية ركيزة التسامح في بناء الأجيال في كل مجتمع، حيث تظل المرأة ركيزة أساسية في بناء الأجيال والمساهمة في صياغة قيمهم وأفكارهم ويتجسّد ذلك في الأدوار المحورية التي تقوم بها فهي الأم والمعلمة والقائدة والمربية، وتُعد المرأة عماد المجتمع ومحورا جوهريا في بناء أجيال متسامحة ومتصالحة مع ذاتها ومع الآخر، فالتسامح هو قيمة محورية في الإسلام».

وأضافت الظاهرية: «تُعد الأسرة النواة الأساسية للمجتمع وفي هذه الوحدة الصغيرة تتشكل القيم والمبادئ التي تُمثل قاعدة لبناء مجتمعات متماسكة، ومن هنا يأتي دور المرأة في تعليم أبنائها كيفية التعايش السلمي مع الآخرين ومواجهة التحديات الاجتماعية بحكمة وروية. إن المرأة القادرة على تربية أبنائها وعلى تقبل الآخر تسهم بشكل مباشر في بناء مجتمع أكثر تسامحا وتنوعا، وخالٍ من التمييز والتفرقة حيث تبدأ مهمتها العظيمة في ترسيخ قيم التسامح والاحترام منذ اللحظات الأولى للتربية، وذلك بسبب قدرتها الفريدة على التأثير العاطفي والنفسي فهي تُعد أول من ينقل قيم التسامح والتعايش لأطفالها لتزرع فيهم كيفية التعامل مع الخلافات بحكمة وتشجعهم على احترام آراء الآخرين وتغرس فيهم مفهوم تقبل الاختلاف، كما أن تربية الأبناء على قيم التسامح لا تأتي عشوائية بل تتطلب وعيا وفهما عميقا للأدوار التربوية، فالمرأة الواعية تُعلّم أبناءها أن الاختلاف سنة كونية وأن البشر يتفاوتون في أفكارهم ومعتقداتهم وحتى طرق حياتهم حيث إن التنوع هو الذي يُثري الإنسانية. ومن جهة أخرى تسهم المرأة في نشر التسامح من خلال تحفيز أبنائها على المشاركة المجتمعية والتفاعل الإيجابي مع محيطهم فتربية الطفل على مساعدة الآخرين دون النظر إلى خلفياتهم الاجتماعية أو الثقافية، تُعد خطوة حاسمة في بناء جيل ينبذ التعصب، وأن القيم التي تنقلها الأم في هذا السياق لا تتوقف عند حدود الأسرة بل تمتد لتشمل الأصدقاء، والزملاء والمجتمع ككل ما يؤدي إلى إيجاد بيئة أوسع تسود فيها روح التسامح والتفاهم».

بناء مجتمعات متحضرة

وأكدت أن التسامح قيمة تشكل حجر الزاوية في بناء المجتمعات المتحضرة والمسالمة، وأن المرأة العمانية كغيرها من نساء العالم تسهم بشكل جوهري في زرع قيم التسامح والمحبة بين أفراد أسرتها، ومن ثم في أوسع دوائر المجتمع بما يجعلها قادرة على قيادة أجيال تنبذ التعصب وتحتضن الآخر، وفي عُمان، تُعد المرأة جزءا لا يتجزأ من التقدم والتنمية، وتلعب دورا مركزيا في تعزيز قيم التسامح بنضوجها الفكري ووعيها الاجتماعي كما تسهم في إيجاد بيئة تُحترم فيها جميع الأطياف، وتُنبذ فيها الأفكار المتطرفة التي تُمزق نسيج المجتمع، كما أن مشاركتها في الحياة العامة سواء كان ذلك من خلال العمل السياسي أو الاجتماعي، يجعلها أنموذجا يُحتذى به في التسامح وقبول الآخر، فقد شهدت المرأة العمانية منذ عقود دعما غير محدود من القيادة العمانية بدءا من السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، وصولا إلى القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وكان هذا الدعم واضحا في تمكين المرأة العمانية في مختلف المجالات مما أتاح لها الفرصة لتكون جزءا من اتخاذ القرارات وصنع السياسات التي تدعم التعايش السلمي، ولا يمكننا في هذا السياق إلا أن نتوقف أمام الدور البارز الذي تؤديه السيدة الجليلة عهد البوسعيدية حرم صاحب الجلالة في دعم النساء وتمكينهن في كافة المجالات.

واختتمت الدكتورة رقية حديثها قائلة: «يعد دور المرأة في نشر التسامح جزءا لا يتجزأ من رسالتها الإنسانية والوطنية فهي القادرة على تعليم الأجيال كيفية التعايش مع الآخرين بسلام، وتقديم أنموذج يُحتذى به في المحبة والتسامح، ومع احتفالنا بيوم المرأة العمانية، نُثمّن هذا الدور العظيم وندرك أن بناء مجتمع متسامح ومستقر يبدأ من الأسرة التي تقودها المرأة بحكمة ومحبة».

غرس القيم

وأوضحت نائلة بنت محمود البريدية -موجهة دينية- أن الله سبحانه وتعالى خلق المرأة بطبيعة متفردة، ففيها امتزاج عجيب، تلتقي فيها القوة والضعف، فالمرأة لها تأثير في غرس القيم، ولقد أشار سماحة الشيخ الخليلي إلى أنه «إذا كان مما يتردد على الألسنة أن المرأة نصف المجتمع، فإني أقول وأؤكد أن المرأة هي المجتمع كله» وذلك دلالة على أن للمرأة دورا أساسيا ومحوريا في تعزيز القيم، ومن أبرزها التسامح، فالتسامح مبدأ جوهري في المجتمعات فكيف إذا كانت المجتمعات ممتزجة ثقافيا، ومن أبرز ما يُميز المرأة قدرتها على الاحتواء، وهو ما يتطلب في كثير من الأحيان التسامح، سواء كان ذلك في إطار الحياة الزوجية أو الأسرية بشكل عام، وإرادتها في الحفاظ على قوة الأسرة وتماسكها يجعلها أكثر قدرة على التسامح وعلى حث الآخرين عليه، فإذا رأى منها الرجل التسامح حَفِظ لها ذلك في الشدائد، فالمرأة مصنع القيم في الإنسان ويُعزز هذه الصناعة الرجل المُساند لها، ففطرة المرأة تميل إلى التواصل الفعّال والعلاقات الاجتماعية على مختلف المستويات، كما قد يُكسبها في كثير من الأحيان مهارات وقيم تُمكنها من البقاء باحترام مع الآخرين، ولا يتأتى ذلك من منظومة القيم التي من أبرزها التسامح».

الأسرة نواة المجتمع

من جهتها قالت انتصار بنت سيف الحراصية باحثة شؤون إسلامية: «لا شك أن المرأة هي الضلع الذي يحمي أحشاء المجتمع من كل سقيم، فإذا كان هذا الضلع هشا ضاع وأضاع كل ما ينبغي عليه حمايته، ومما لا شك فيه كذلك أن المرأة قادرة على أن تكون صاحبة رسالة بنّاءة في هذا المجتمع أينما صيّرتها وظيفتها، أو مكانتها الاجتماعية، لكن لا يختلف اثنان على أن الدور الأعظم الذي تقوم به المرأة هو دورها في أسرتها حيث إن الأسر هي نواة المجتمع ومثل هذه القيم والأخلاق لو أردنا أن نعممها على المجتمع ليكون مجتمعا متسامحا مترابطا، لا بد أن تكون انطلاقتها من الأسرة، وأول الأدوار التي تقوم بها المرأة في غرس التسامح وأهمها، أن تتصف هي بهذه الصفة فتكون بذلك قدوة، فالتربية بالقدوة هي أهم أنواع التأثير، كما أن المرأة عندما تربي أبناءها على أخلاق القرآن، وسيرة النبي الكريم هي بذلك تقدم دورا مهما في غرس هذه القيمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضرب أروع الأمثلة في التسامح، فبقدر ما يتعزز في نفوس الأبناء الاهتداء والاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بالقدر الذي ستغرس معه هذه القيمة تبعا في المجتمع». وأوضحت أن دور المرأة ابتداء في غرس هذه القيمة يخرج من بيتها، ثم بعد ذلك سيكون كل فرد من أسرتها سفيرا عنها ليغرس التسامح في المجتمع كما تربى عليه، ثم يأتي بعد ذلك تباعا، سعيها لغرس هذه القيمة أينما وكيفما كانت، فبالكلمة الطيبة، وإن كانت تحسن الكتابة فبالكتابة تحث وتسلّط الضوء لقيمة التسامح وأثره، وإن كانت قادرة على أن تحيي مبادرات وأنشطة حسب مكانتها المجتمعية فتؤدي ذلك، بمعنى أن كل صاحبة رسالة تؤدي رسالة الإسلام في غرس التسامح حيثما استعملها الله في ذلك».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المرأة العمانیة قیم التسامح فی المجتمع بناء مجتمع هذه القیمة المرأة فی أن المرأة هذه القیم فی بناء على أن التی ت فی غرس

إقرأ أيضاً:

تحقيق مكسب للمرأة العُمانية في كل عام

 

 

د. خالد بن علي الخوالدي

 

أكثر من 15 عاماً ونحن نحتفل بيوم المرأة العُمانية وبما أنَّها مناسبة غالية علينا جميعاً علينا أن نفكر تفكيراً عميقاً في جعل هذا اليوم يومًا مُهمًا نُعدد فيه ما وصلت إليه المرأة العُمانية من إنجازات وتمكين في مختلف المجالات، ونحاول جاهدين التركيز على معالجة عدد من التحديات التي تصادفها لتحقيق ذاتها وتحقيق مستقبلها ودورها المنوط في خدمة الوطن العزيز ونعالجها معالجة واقعية ومنطقية.

ولا يختلف اثنان في أن المرأة العُمانية لها دور بارز وحيوي ومهم وفاعل وحقيقي في بناء الوطن، ولهذا من المهم أن تكون لنا رؤية لاستغلال هذا اليوم في تحقيق مكسب ولو واحد في كل عام على الأقل، فلو فكرنا مثلاً في عام 2025 بحصر النساء غير العاملات (المُربيات العظيمات) وتحديد مكافأة شهرية لهن على غرار كبار السن والأطفال، تحدد ملامحها ومستحقاتها وكيفية العمل على تحقيقها في أرض الواقع، وفي عام 2026 نفكر في تحقيق مكسب آخر للمرأة كأن نُحدد حدائق ومراكز ترفيهية وثقافية ورياضية خاصة للنساء في كل ولاية أو محافظة، وفي عام 2027 نعمل على تنفيذ فكرة لتعزيز المبادرات التي تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة المملوكة للنساء، وتوفير التمويل اللازم لهن لدخول عالم الأعمال.

ويمكن في كل عام تنفيذ أكثر من مكسب وتنفيذ أكثر من فكرة، وبهذا سنُحقق رؤية مختلفة ونحتفل بها بدل الاحتفالات الحالية التي لا جديد فيها، فبعد سنوات سنجد أننا حققنا الكثير من المكاسب للمرأة، مع إيماننا التام بأنَّ الحكومة قد قامت بخطوات عملية في هذا الجانب من خلال تعزيز مكانتها ومراعاة وضعها في العديد من القوانين السارية في مختلف المؤسسات، إلا أن تحقيق الأكثر للمرأة العُمانية هو واجب مستحق، فهي الأم والأخت والزوجة والخالة والعمة والجدة والمعلمة والطبيبة والقائدة والملهمة والنور المبين لكثير من الأسر والعوائل.

إننا نؤمن بأنَّ يوم المرأة العُمانية هو يوم يرمز إلى التقدير والاحترام لدور المرأة في المجتمع العُماني، واحتفاء بالإنجازات التي حققتها النساء في مختلف المجالات، ومع هذا الإيمان التام علينا جميعاً ضرورة دعمهن في مسيرتهن نحو تحقيق المزيد من التَّقدم، فقد أثبتت التجربة أن المرأة العُمانية تمتلك قدرات وإمكانيات كبيرة ساهمت بها جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل في بناء هذا الوطن الغالي، فهي المربية للأجيال وهي من صنعت القيادات الوطنية والسواعد التي ساهمت في بناء سلطنة عُمان في كافة المجالات العسكرية والأمنية والعلمية والأدبية والثقافية والصحية والاقتصادية والسياسية وغيرها من المجالات.

لهذا اقترح أن تتم دراسة تحديد إنجاز نحتفل به للعام المقبل في يوم المرأة العُمانية كتكريم لها فبالرغم من الإنجازات الملحوظة، لا تزال هناك حاجة إلى دعم أكبر لتحقيق التفاعل والتناغم والتمكين للمرأة في المجتمع، ومع تزايد الوعي بأهمية دور المرأة يجب أن يكون هناك جهد جماعي من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لدعم المرأة العُمانية وتحقيق مكسب لها في كل عام، فحفل تقدم فيه الورود والهدايا وغيرها من كلمات الثناء والشكر لا تكفي.

إن يوم المرأة العُمانية ليس فقط احتفالاً بالإنجازات؛ بل هو دعوة للعمل من أجل تحقيق المزيد من الحقوق والفرص للمرأة، إن دعم النساء وتمكينهن هو استثمار لمستقبل عُمان، ويجب أن نتذكر أن الجهود المبذولة من أجل المرأة ليست رفاهية، بل ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

وكل عام ونساء عُمان بخير.. ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • المرأة العُمانية.. رمز القوة والعطاء
  • العُمانية تفوح ألقًا
  • المندوبة الدائمة لسلطنة عمان لدى اليونسكو.. آمنة البلوشية لـ «عمان»: القيم الثقافية العُمانية متأصلة فينا.. وانعكست على تمكين المرأة في جميع المجالات
  • مساهمة المرأة في حماية الهوية العمانية ونقلها للأجيال
  • المرأة العمانية ركيزة التغيير وقوة بناء المجتمع
  • المرأة الرياضية.. فخـر الوطن ونمــوذج مشرف في المحافل العالمية
  • تحقيق مكسب للمرأة العُمانية في كل عام
  • 17 أكتوبر
  • جامعة قناة السويس تعزز القيم الإيجابية لدى الطلاب من خلال برنامج تدريبي