تساهم المرأة بشكل أساسي في بناء المجتمعات وتشكيل هويتها، من خلال دورها في تنشئة الأجيال وتحقيق التماسك والاستقرار الأسري، ومع التغيُّرات الاجتماعية والاقتصادية بين الماضي والحاضر ما زالت المرأة تغرس القيم والأخلاق الحميدة، وتساهم في تنشئة جيل واعٍ محافظ على هويته مع التطورات التكنولوجية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وتغيُّر ديناميكيات التربية وتحدياتها، وأصبحت التكنولوجيا تشكّل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، مما يتطلّب توازنًا دقيقًا بين تبني التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم الأساسية.

قالت الدكتورة هدى بنت عبدالله الحوسنية من كلية التربية بجامعة السلطان قابوس: في الماضي، كانت الأسر تؤكد على مجموعة من القيم الأساسية عند تربية الأطفال، والتي كانت تعد ضرورية لبناء مجتمع متماسك ومسؤول. كان الاحترام قيمة أساسية، حيث تم تعليم الأطفال تكريم كبار السن وإظهار الاعتبار للآخرين، كما تم إعطاء الأولوية لطاعة الوالدين وشخصيات السلطة في الأسرة، مما يضمن اتّباع الأطفال الإرشادات وتعلُّم الانضباط، كما تم غرس العمل الجاد والمثابرة في وقت مبكر، مما يعزز أخلاقيات العمل القوية والمرونة في مواجهة التحديات، كان التعاون والشعور بالمجتمع أمرًا مهمًا، حيث تعلم الأطفال أهمية المساهمة في رفاهية الأسرة والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، أكدت الأسر على التعليم الأخلاقي والديني، ورعاية الصفات مثل الصدق واللطف والتواضع، والتي ساعدت في تشكيل الأفراد إلى أعضاء صالحين في المجتمع، وقد قامت هذه القيم بدور محوري في بناء روابط عائلية قوية والحفاظ على النسيج الاجتماعي، ومن وجهة نظري إن التكنولوجيا وعلاقتها بتنشئة الأبناء تشبه علاقة الدواء بالمرض؛ فأخذ الجرعة حسب وصف الطبيب يكون مفيدًا، ولكن إذا زادت الجرعة فإنها قد تفتك بالمريض، فهي واحدة من أساسيات هذا العصر التي لا يمكن تجاهلها، بل لابد من معرفة طرق التعامل معها، ومن أهم الطرق: التوعية بأهميتها وخطورتها، وتعزيز الرقابة الذاتية لدى الأبناء. فقد غيّرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل عميق الطريقة التي يتم بها تربية الأطفال اليوم، مما أثر على ديناميكيات الأسرة والقيم التي تم غرسها في الأطفال، ومع سهولة الوصول إلى الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والإنترنت، يتعرض الأطفال لكميات هائلة من المعلومات والتأثيرات، والتي غالبًا ما تكون خارج سيطرة الوالدين، في حين توفر التكنولوجيا فرصًا تعليمية وتواصلًا عالميًا، فإنها تقدم أيضًا تحديات مثل انخفاض التفاعل وجهًا لوجه، وقصر فترات الانتباه، والتعرض لمحتوى غير لائق. تعمل وسائل التواصل الاجتماعي، على وجه الخصوص، على تشكيل احترام الأطفال لذواتهم وسلوكياتهم الاجتماعية، وغالبًا ما تخلق ضغوطًا للامتثال لمعايير غير واقعية للمظهر والنجاح، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام الأجهزة إلى إضعاف الروابط الأسرية، حيث قد يصبح الأطفال أكثر انخراطًا في شاشاتهم من المحادثات أو الأنشطة العائلية الهادفة، أضاف هذا المشهد الرقمي تعقيدًا إلى الأبوة والأمومة، مما يتطلب من الأسر إيجاد توازن بين تبني التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم التقليدية للتواصل والانضباط والارتباط العاطفي.

المنظومة القيمية

ذكرت الدكتورة وفاء الشامسية، كاتبة قائلة: تعد الأسرة حجر الأساس لبناء شخصية الطفل ولذلك تلعب دورًا محوريًا في تشكيل سلوكه وبناء شخصيته، فمن خلال تفاعله مع أفراد الأسرة، يتعلم الطفل القيم والمعايير والسلوكيات الاجتماعية، وتُؤثّر الأسرة على شخصية الطفل بشكلٍ كبير وذلك من خلال غرس القيم والمعايير؛ فالأسرة تُساعد الطفل على فهم القيم والمعايير الاجتماعية، مثل الصدق والاحترام والمسؤولية، وتوفير الحب والدعم. ولأننا عشنا في أسرٍ ممتدة فقد تنوّعت القيم التي تربّينا عليها، بدءا من توقير الكبير واحترام الصغير، والتعاون، والمشاركة، وتحمّل المسؤولية، وغيرها الكثير من القيم الاجتماعية والأخلاقية، والمعرفية، والشخصية، والاقتصادية، وبالنظر إلى أدوار الأسرة في الماضي وأدوارها الحالية نجد تأثيرًا كبيرًا أوجدته الثورة الصناعية والتكنولوجية في مفاهيم التنشئة وتطبيقاتها، فالمنظومة القيمية التي كان ينشأ عليها الأطفال سابقًا أضيف لها كثير من المبادئ والقيم المرتبطة بالتكنولوجيا والعالم الرقمي. لقد أصبح العالم الرقمي مصدرًا من مصادر الترفيه والتعليم والتدريب، وبالتالي صار لزامًا على الأسرة أن تربّي أبناءها على التعامل مع التكنولوجيا ومعطياتها، فمن خلالها بات الطفل يتعلم مهارات جديدة، أو يطوّر مهاراته من خلال التطبيقات والبرمجيات الموجودة، وهذا جعل مداركهم أكثر اتساعًا، وتواصلهم مع الآخرين أكثر سلاسة، ولا ننسى الإشارة إلى ما يتميز به الأطفال من جيل الألفية من مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع وزيادة ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالاستقلالية، وفي المقابل ظهرت سلوكيات كثيرة مرفوضة وأمراض نفسية مرتبطة بزيادة معدل تعرض الأطفال لوسائل التواصل الرقمي والاجتماعي، على خلاف ما كان سابقًا، من ذلك الإدمان على التكنولوجيا، ومشكلات القلق والاكتئاب والشعور بالوحدة والانفصال عن العالم الحقيقي، وربما يصاحب ذلك التعرض للمحتوى غير المناسب، ولا يسعني إلا القول: إن التكنولوجيا ما وجدت إلا لمصلحة البشرية متى ما عرفت الأسرة كيفية توظيفها وتقنين استخدامها في البيت، وهذا يشكّل عبئًا جديدًا من أعباء التربية التي لم تكن موجودة في السابق.

راية العطاء

كما تقول أمل بنت عبدالله الصخبورية كاتبة وتربوية: إن المرأة وتحديدًا الأم هي عنصر أساسي في منظومة العالم البشري وانتظامه وسيره على ركائز إنسانية قويمة، فدورها في تنشئة الأجيال يبدأ منذ تخلّق الطفل في أحشائها وهو يتغذى من دمها وعظامها، وسعيها الأمومي الفطري لحمايته وخروجه للحياة بكامل صحته وعافيته، ليمتد هذا العطاء طوال فترة عمرها، فتظل تسعى لتشريب أبنائها الأخلاقيات والذوق العام، والنمو الوجداني والفكري السوي، لجعلهم أفرادًا صالحين ساعين لما فيه الخير لهم ولمجتمعهم، وتكدح حتى وإن كانت موظفة على رأس عملها لراحتهم وحمايتهم، وتحرص على تعليمهم ومتابعتهم وتوجيههم على المسار الصحيح الذي يقودهم نحو مستقبل مشرق، ليخرج لهذا الوطن أجيال مبدعون ومنتجون ومتماسكون ليبنوا نسيجًا إنسانيًا عظيمًا، وليتسلموا راية العطاء من بعدها لإكمال دورة البناء والتنشئة لجيل جديد ونسيج آخر أكثر بهاء ورفعة لهذا الوطن، وأضافت: مؤخرًا أكثر ما يؤرقنا نحن الأمهات هو المحيط العام بنا والذي يؤثر على تنشئتنا وتربيتنا لأبنائنا ابتداءً من الأقران ومجتمع الأصدقاء في الأقارب والمدرسة، مرورًا بأخطر عالم وهو عالم الإلكترونيات ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي ما زالت في تزايد مستمر، حتى تلك الألعاب الإلكترونية وخصوصًا الجماعية التي يتواصل فيها أبناؤنا مع أطياف مختلفة من داخل الوطن وخارجه، والتي تخدر حواسهم وتعزلهم عن محيطهم تقودهم نحو عوالم لا يسلم المرء من سوء عواقبها، لذلك نعمل وبكل حرص لتعزيز جانب القدوة الحسنة المتمثلة فينا كوالدين أو كأحد الأصدقاء أو الأقارب الصالحين الثقات، إلى جانب النصح والإرشاد والسيطرة والتقييد الناعم فيما يتعلق بعالم الإلكترونيات كتحديد وقت محدد وأيام معينة للتعامل معها وغلق شبكة الواي فاي في حالة التمادي، ووضع قيود على ممارسة الألعاب والتحكم بالمواقع الضارة بعقولهم، واستخدام السلطة الأبوية ـ إن تطلب الأمر ـ بإدخال البريد الإلكتروني الذي يحدد التطبيقات المسموح بها والمناسبة لمراحلهم العمرية، خصوصًا في ظل وجود تلك الإعلانات المخلة بالأدب خلال لعب الأبناء بتلك البرامج والتطبيقات؛ لخلق سياج أمان يحمي كافة خطواتهم حتى يشتد عودهم ويدركوا الصواب من الخطأ.

شريكة في التنمية

كما تطرقت منى بنت سعيد العبرية، مدربة معتمدة لمنهج فلسفة «منتسوري» في حديثها إلى أن دور الأمهات في السابق لطالما كان مختصرًا ومحصورًا على تربية الأبناء والأعمال المنزلية، ولم تكن هناك أساليب مختلفة ومتنوعة في التربية، فكان نمط التربية وأسلوبها مقتصرًا على المعرفة المتداولة بين جيل بعد جيل كقوانين ثابتة تحكمها القيم والأخلاقيات المعروفة. فكانت الأم تقوم بدورها على أكمل وجه ولكن دون دراية عن مضار تلك الأساليب ومساوئها التي تترك أثرًا على أجيال متعاقبة، ولكن مع مرور الأيام أصبحت الأم شريكة في التنمية في كل المجالات، فقد أضحت المرأة الآن تلعب دورًا كبيرا جدًا في المجتمع لا يتنافى ودورها في التربية.

وأضافت العبرية: مع التطور والتقدم التكنولوجي أصبحت تواجه المرأة مشكلات تربوية أكبر عمّا هي في السابق مثل إدمان الشاشات وانفتاح الأطفال على ثقافات مختلفة ومتنوعة تحمل سلوكيات وأخطاء لا تتناسب مع ثقافتنا. لذلك مع هذا الانفتاح تحتاج المرأة إلى أساليب وطرق جديدة تتبعها لتحمي أطفالها بطريقة تتناسب تقدمهم ومعرفتهم دون الحاجة لقمعهم أو حرمانهم، ومع تنوُّع مصادر المعرفة الآن وطرح أساليب تربوية حديثة مثلما يقال عنها ولكن أساسها القرآن والسنة، أصبح من السهل على المرأة أن تربي أطفالها بطريقة تتناسب مع التقدم والحداثة الحاصلة. ولكن أيضًا هناك بعض الصعاب والتحديات التي قد تواجه المرأة العاملة والتي لا يمكن التغافل عنها ألا وهي التوفيق بين كونها أمًا لديها أطفال يحتاجون الوقت الكافي والمتابعة المستمرة وبين عملها المهم في نهضة المجتمع، ويبقى التساؤل التالي دائمًا، هل كانت التربية في القديم سهلة حتمًا؟

تنشئة الأجيال تعد عنصرًا أساسيًا لتحقيق التماسك والاستقرار الأسري، وتعتمد بشكل كبير على القيم والتقاليد التي تغرس في الأبناء منذ الصغر، وفي الماضي كانت الأسر تركز على تعليم الأبناء قيمًا أساسية مثل الاحترام والطاعة والعمل الجاد، مما أدى إلى تعزيز الروابط العائلية والمجتمعية، ولكن في الوقت الحاضر ومع ظهور الكثير من التطورات التكنولوجية وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي تغيرت ديناميكيات التربية وتحدياتها، حيث أصبحت التكنولوجيا تشكل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، مما يتطلب توازنًا دقيقًا بين تبني التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم الأساسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التقدم التکنولوجی التواصل الاجتماعی والحفاظ على على القیم من خلال

إقرأ أيضاً:

مستشارة شيخ الأزهر لشؤون الوافدين: المرأة ركيزة أساسية لبناء المستقبل

ألقت الدكتورة نهلة الصعيدي مستشارة شيخ الأزهر لشؤون الوافدين رئيسة مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر، ومستشارة المجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا، كلمة في المحاضرة، التي نظمها الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية بتشاد، والمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا بالتعاون مع الأزهر الشريف، على هامش انعقاد المؤتمر الدولي للمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا، وموضوعها«دور المرأة في تعزيز التنمية ومجابهة التحديات».

تناولت الدكتورة نهلة الصعيدي خلال كلمتها، أهمية اللغة العربية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية، ودورها في تعزيز قيم التسامح والسلام.

وأكدت مستشارة شيخ الأزهر، على المكانة المحورية للمرأة في المجتمع، موضحةً كيف يمكن للمرأة أن تكون عاملًا رئيسيًا في دعم مسارات التنمية المستدامة من خلال التعليم، والإبداع الفكري، والمشاركة المجتمعية الفعالة، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تواجه المجتمعات الحديثة، من خلال اللغة العربية التي تُعد أداة رئيسية للتعبير وبناء المجتمعات.

وأشارت مستشارة شيخ الأزهر أنه في مجالات التعليم، تمثل المرأة حجر الأساس في بناء الوعي الثقافي والمعرفي، إذ إنها المربية الأولى للأجيال الجديدة. أما في ميدان الاقتصاد، فتسهم النساء في تعزيز الإنتاجية من خلال ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يخلق فرص عمل ويسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمجتمعات.

على الصعيد الاجتماعي، أوضحت الدكتورة نهلة الصعيدي أن المرأة تلعب دورًا رئيسيًا في مواجهة التحديات المتعلقة بالفقر والبطالة والعنف. من خلال برامج التوعية والمبادرات المجتمعية، تعمل النساء على نشر قيم السلام والتعاون، وتعزيز التماسك المجتمعي.

أكدت الدكتورة نهلة الصعيدي، أن المرأة تلعب دورًا محوريًا في بناء الأسرة وصناعة الأجيال، حيث تُعد الحاضنة الأولى للقيم والأخلاق، وهي التي تُشكّل شخصية الأبناء وتغرس فيهم مبادئ الانتماء والوطنية.مشيرةً أن المرأة ليست فقط صانعة أجيال، بل هي أيضًا شريك أساسي في التنمية الشاملة، حيث تسهم في مختلف المجالات بوعيها وإبداعها، مما يعزز تقدم المجتمعات ورخائها.

وأضافت رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين أن رغم الأدوار العظيمة التي تؤديها المرأة، لا تزال تواجه العديد من التحديات، والعقبات المتعلقة بتمكينها من المشاركة الكاملة في الحياة العامة. لذلك، بات من الضروري تعزيز السياسات الداعمة للمرأة، وتوفير بيئة تساعدها على تحقيق إمكاناتها كاملة، من أجل ضمان مستقبل أكثر إشراقًا للجميع.

وأكدت أن تعزيز دور المرأة في التنمية ليس مجرد مطلب حقوقي، بل هو استثمار في المستقبل، حيث إن إشراك المرأة في صنع القرار وبناء السياسات يسهم في تحقيق التوازن والاستدامة على المستويات كافة.

مقالات مشابهة

  • مارجريت عازر: دعم القيادة السياسية جعل العصر الحالي ذهبيا للمرأة
  • قومي المرأة ينظم 27 جلسة حوارية في قرى كفر الشيخ | صور
  • السنجل مزر أبرزها.. مفتي الجمهورية يحذر من ظواهر تهدد القيم الأسرية
  • سوريا جذور عميقة ومستقبل واعد
  • وكيل وزارة الأوقاف: بناء الأجيال مسؤولية كبيرة وأمانة في عنق الجميع «فيديو»
  • وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة: بناء الأجيال مسؤولية كبيرة وأمانة في عنق الجميع
  • المؤسسة العامة للكهرباء تعلن عودة التيار الى جميع المحافظات
  • مستشارة شيخ الأزهر لشؤون الوافدين: المرأة ركيزة أساسية لبناء المستقبل
  • القيم الأخلاقية ودورها في بناء الأسرة والمجتمع ندوة بوعظ الغربية
  • القيم الأخلاقية ودورها في بناء الأسرة والمجتمع ندوة لوعظ الغربية بديوان مديرية الزراعة