المرأة والفن وسيلة للحفاظ على الإرث والأصالة والرموز التراثية
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
الفن، سواء كان رسما، موسيقى، أو حرفة يدوية، هو إحدى وسائل المرأة للتعبير عن هويتها الثقافية، وتستخدمه الفنانات كطريقة للحفاظ على تقاليدهن والتعريف بثقافتهن للعالم، فتعكس المرأة من خلال الأعمال الفنية جزءا من روح مجتمعها وهويتها، وتعبّر عنها بأسلوبها الخاص لتشاركها مع الآخرين، سواء كانوا من الثقافة نفسها أو من ثقافات مختلفة.
فترسم الفُرَش والألوان واللوحات قصصا من الثقافة والتراث تعكس حياة يومية، أو عادات تقليدية، أو مناظر طبيعية محلية، أو تفاصيل مميزة، لتفتح نافذة نطل من خلالها على الماضي والحاضر معًا.
في عُمان، تستخدم الفنانات العمانيات التفاصيل الدقيقة في الأزياء التقليدية أو رموزا من التراث في أعمالهن لإبراز هوية ثقافية متأصلة. وأخذنا في السطور القادمة على سبيل المثال لا الحصر، ثلاث فنانات عمانيات تميزن بهذا الأمر في أعمالهن الفنية: سارة العولقية التي سافرت بعملها «البرقع» إلى البندقية، حاملة أربعة آلاف ملعقة معدنية، ونورة البلوشية التي اختارت الأزياء التقليدية «الطرحة/ الشال» بتفاصيلها الدقيقة، وريا المنجية التي توظف رموزا تعبّر عن العروبة والأصالة، وتستخدم الزخارف والنقوش التي تعبّر عن الإرث العماني في الأزياء والحلي والأثاث في اللوحة.ماذا قالت الفنانات الثلاث عن استلهامهن للتراث والهوية الثقافية في أعمالهن؟ وكيف عكست هذه الأعمال الهوية ككيان مرن وقابل للتطور دون أن يفقد جوهره؟ وماذا قلن عن دور رموز التراث أو التفاصيل الدقيقة في الأزياء التقليدية وغيرها في إبراز هوية ثقافية متأصلة؟
تقول الفنانة التشكيلية سارة العولقية عن استلهامها للتراث والهوية الثقافية في عملها الفني «البرقع»: «لم تكن هذه الرموز مجرد زخارف، بل كانت تحمل دلالات اجتماعية عميقة، تؤثر على الديناميكيات الاجتماعية والنفسية عبر الثقافات المختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن تشير الحُلي التي ترتديها المرأة إلى عدد أطفالها، بينما قد يكشف لون ثوبها أو حجم البرقع الذي ترتديه ما إذا كانت عزباء، متزوجة أو حتى أرملة. كذلك، فوائد شرب الماء من الأواني الفخارية، أو إتقان حرفة صنع تلك الأواني، لا تقل أهمية. هذه التفاصيل سواء في الملابس، أو الزينة، أو الأدوات اليومية هي تعبيرات قوية عن هوية ثقافية متأصلة، تحفظ القصص والتقاليد التي شكّلت المجتمعات على مر الأجيال».
وأشارت إلى أن البرقع هو رمز للقوة والشجاعة لكل امرأة، فهو بمثابة الدرع التي تحميها، تماما كما يحمي الضلع قلب الإنسان. يحمل البرقع معاني متعددة تختلف من منطقة إلى أخرى، حيث تعكس كل منطقة تفسيراتها الخاصة لهذا الرمز بمختلف أحجامها وألوانها.
وتضيف: «الإنسان ليس مجرد كيان معزول، بل هو نتاج لتفاعلاته مع الثقافات المختلفة التي يتعرّض لها على مر الزمن. كل تجربة، كل لقاء مع حضارة أو تقليد، يترك أثرا في نفسه، يُشكّل وعيه ويوسّع رؤيته للعالم. رحلة الفهم والعلم تبدأ بالتساؤل والانفتاح على الآخر، حيث يُصبح الإنسان جزءا من مسيرة التاريخ؛ يتعلم من ماضيه ليفهم حاضره، ويسهم في رسم مستقبل يحمل في طياته مزيجا غنيا من الهويات التي لا تفقد جوهرها، بل تتطور وتتعزز من خلال التواصل والحوار المستمر».
وصفت الفنانة التشكيلية ريا المنجية التراث العماني بالتراث الأصيل والفريد من حيث خصوصيته الحضارية والجمالية، وقالت: «بصفتي فنانة تشكيلية عمانية فإنه يسعدني أن أنثر جماله في لوحاتي، فعندما تمتزج أصالة وجمال عمان بالخيال والإبداع تتكون مفردات ملهمة جميلة وساحرة أترجمها في لوحاتي بكل حب وإحساس بلمساتي ومنظوري الخاص. وكل لوحة هي بمثابة درس لي في التطور والتحدي والتعلم المستمر. وكل لوحة فنية تحمل مختلف الجماليات والأحاسيس والأفكار. في النهاية هي تجمع كل التفاصيل لتبدو كلحن خيالي جميل يلامس القلب والروح».
تحدثت الفنانة التشكيلية نورة البلوشية عن استلهامها للتراث قائلة: «في عملي الفني، أستمد الإلهام من التراث العماني العريق الذي يحمل في طياته قصصًا وتفاصيل تعبّر عن هويتنا الثقافية. أحببت أن أستكشف العناصر الجمالية في الأزياء التقليدية العمانية، وأحاول إبراز التفاصيل الدقيقة مثل النقوش والزخارف التي تعكس أصالة الشعب العماني وتاريخه العريق. يُعد الفن بالنسبة لي وسيلة لإحياء هذه الموروثات وتقديمها بصورة حديثة تحافظ على أصالتها».
وأضافت: «أرى أن الهوية الثقافية ليست ثابتة بل هي كيان حي يتأثر بالزمان والمكان. في هذا العمل، حاولت أن أدمج العناصر التقليدية مع لمسات فنية حديثة، مما يعكس كيف يمكن للهوية أن تتطور وتتكيف مع العصر الحديث دون أن تفقد جوهرها. التركيز على القماش والأزياء التقليدية بأسلوب معاصر يعزز فكرة أن التراث يمكن أن يكون جزءًا من الحاضر والمستقبل، وليس فقط الماضي».
وتابعت: «الرموز والتفاصيل في الأزياء التقليدية العمانية لها أهمية كبيرة في إبراز الهوية الثقافية. فالزخارف، والنقوش، والألوان كلها تحكي قصصًا عن القبائل والمناطق المختلفة في عمان. كل قطعة حلي وكل تفصيلة في الملابس تحمل دلالة معينة، ومن خلال التركيز عليها في أعمالي، أستطيع تسليط الضوء على غنى وتنوع التراث العماني. هذه التفاصيل تُعد الجسر الذي يربط الأجيال بالهوية الأصيلة ويجعلها تستمر عبر الزمن».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
القانون الدولي وسيلة للوصاية الأمريكية
لا نسمع عن القانون الدولي وإجراءاته العقابية إلا عندما يكون المُعاقَب خصماً لدوداً للأنظمة الغربية، أما إذا كان حليفاً لهم، فإن الحديث عنه يتبخر كلياً حتى لا يكون عقبة أمام المجرم وهو يمارس إجرامه، كما هو الحال في غزة حيث غابت كل القوانين والجهات المنادية بحقوق الإنسان أمام صلف العدو الصهيوني ومذابحه اليومية بحق النساء والأطفال.
هذه الازدواجية ليست جديدة، فالقانون الدولي يُفعَّل فقط عندما يتعلّق الأمر بأطراف لا تنسجم مع المشروع الأميركي. فقد شهد العالم كيف جرى استخدام المؤسسات الأممية والمحاكم الدولية كأدوات ضغط ضد دول وقوى اصطدمت بالمصالح الأميركية، بينما تُمنح الدول الحليفة حصانة شبه مطلقة.
فإيران مثلًا، رغم التزامها المتكرر بشروط الاتفاقيات الدولية، كانت دومًا هدفًا للعقوبات تحت عناوين سياسية أكثر منها قانونية، في حين تمر ممارسات خصومها الإقليميين بلا محاسبة. وكذلك الحال بالنسبة لروسيا، حيث تحرك الغرب سريعًا لتفعيل العقوبات وتجييش الخطاب القانوني، بينما تُرتكب انتهاكات واضحة من دول أخرى دون أن يقترب منها أحد.
حتى بعض فصائل المقاومة في المنطقة، والتي استندت في مواقفها إلى حق الشعوب في الدفاع عن نفسها وفق مبادئ القانون الدولي نفسه، وُضعت على قوائم العقوبات بمجرد أن اصطدمت بواشنطن أو عارضت سياساتها، رغم أن القانون الدولي يمنح الشعوب حق مقاومة الاحتلال ورفض الهيمنة الخارجية.
بل وحتى على المستوى الإنساني، لا يتحرك الغرب إلا عندما يخصّ الأمر دولة أو طرفًا خارج مظلته، أما حين يتعلق الأمر بانتهاكات حلفائه، فإن كل المنظمات الحقوقية التي كانت تصرخ ليل نهار تتلاشى فجأة، ويصبح «القانون الدولي» مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي.
وفي فنزويلا، رغم أنّ الخلاف السياسي فيها داخلي الطابع، إلا أنه تحوّل إلى ملف دولي بمجرد أن عارضت حكومتها سياسات واشنطن، فانعقدت جلسات لمجلس الأمن، وصدرت عقوبات تحت عنوان «الديمقراطية»، بينما لم تُتخذ إجراءات مماثلة بحق دول أخرى حليفة للغرب تمارس سياسات قمعية بحق شعوبها كدول الخليج التي لا تتعامل مع مواطنيها حتى كبشر لهم الحق في التعبير.
وفي كوبا، قلب المقاومة النابض في وجه المشروع الأمريكي، تخنق واشنطن البلاد بحصار اقتصادي وحشي امتد لأكثر من ستة عقود، ورغم الإدانة السنوية شبه الاجماعية في الجمعية العامة، لم يتحرك القانون الدولي خطوة واحدة لفرض رفع هذا الحصار، لأن واشنطن ببساطة تقف فوقه لا تحته. وهو المشهد ذاته في كوريا الشمالية، وفي العراق خلال حكم البعث، حين غضّت الولايات المتحدة الطرف عن ممارسات صدام حسين في الثمانينيات ما دام يؤدي دوره كحليف لها، لكنها ما لبثت أن ارتدت عباءة «المدافع عن القانون الدولي» بعد أن اختلف معها مطلع التسعينيات، ليظهر بوضوح أن هذا القانون لا يتحرك إلا عندما يريد الغرب معاقبة من يخرج عن طاعته.
وفي النهاية، تبقى فلسطين الشاهد الأوضح على سقوط القانون الدولي أمام ميزان المصالح الغربية؛ فبرغم كونها من أكثر قضايا العالم وضوحًا من حيث الانتهاكات الصهيونية، تُجهَض كل محاولة لتمرير أي إجراء ملزم بمجرد أن ترفعه واشنطن بفيتو واحد، وهكذا يتحول القانون الدولي، إلى مجرد ورقة تُفعَّل فقط حين تتماشى مع مصالح الغرب، وتُمزَّق فورًا عندما تمس الاحتلال أو حلفاءه، لتثبت القضية الفلسطينية أن الشرعية الدولية لم تعد مرجعًا يُحتكم إليه بقدر ما أصبحت أداة انتقائية تُستخدم حينًا وتُعطَّل حينًا آخر، وفقًا لمشيئة من يملك النفوذ لا من يملك الحق.