الهوية الوطنية من الموضوعات المهمة في عصرنا الحالي، في خضم التسارع في استحداث التقنيات وتضخم المعلومات وسهولة إتاحتها للجميع، والتطورات الهائلة في عالم التكنولوجيا والاتصال، وظهور منصات التواصل الاجتماعي التي سهلت وسرعت من تدفق المعلومات والأفكار المستوردة.

إنها ثورة عصرية بلا شك نشهدها منذ فترة، ومحاولات مستمرة لذوبان الهويات، وخلق قوالب موحدة لهويات عالمية.

ويبقى التحدي في كيفية التمسك بالأصالة والقيم والسمت في المجتمعات، والتكيف مع التطورات، وتوظيف الأدوات والتقنيات الحديثة بطرق إيجابية تخدمنا جميعًا، لا أن ننجرف نحو تيارات تنسف هويتنا الأصلية. وفي دراسة سابقة قمت بها لتحليل مفردات أولوية رؤية عُمان 2040 «الهوية والمواطنة والتراث والثقافة الوطنية»، لربط هذه المفردات ببعضها البعض، ومحاولة إيجاد الترابط الجوهري فيما بينها، وإيجاد تعريفات للهوية الثقافية العُمانية والسمات والسلوكيات المتوارثة التي جعلت من المجتمع العُماني مختلفًا عن باقي الشعوب، وجدت أن معرفة الهوية الوطنية والثقافية لعُمان مطلب أساسي، لرفع درجة وعي المواطن بهويته الوطنية، والاعتزاز والتمسك بها. وإن معرفة تاريخه وأمجاد العمانيين عبر الزمن، يفسح المجال لمعرفة مدى عمق التاريخ العُماني، وأثره على المستويات: المحلية، والإقليمية، والدولية، حتى بزوغ حضارة عُمان من فجر التاريخ الإنساني، وكشف عما قدموه من خير وأثر وفضل للبشرية، وفي نشر الإسلام أيضًا. وعن ما غرسوه في مواطنيهم من هوية متكاملة، تميزت بها سلطنة عُمان عن سائر البلدان. كما أوصلني ذلك، أن معرفة مفهوم المواطنة والمواطنة المسؤولة يسهم في تعزيز الهوية الوطنية للأفراد والانتماء للأرض، ومعرفة المساحة المتاحة للمشاركة الفاعلة لبناء المجتمع، وأمثلتها النموذجية. كما أن الأسرة هي شريك أساسي يساند المدرسة في تربية وتأهيل الناشئة لمعرفة وتأصيل الهوية الوطنية والثقافية ومعرفة ما يميزنا عن باقي الشعوب. وإن تغيرت بعض من ملامح الهوية مع التحديثات والمتغيرات ومتطلبات العالم المعاصر، إلا أنها تبقى أصيلة الجوهر، ويصعب الانسلاخ كليًا عنها. وبذلك تكون درجة الولاء متجذرة أكثر عند الأفراد الذين يرفضون عمليات التغيير ومقاومتهم عالية للتحديث والانفتاح. كما أن الولاء للوطن عبارة عن مجموعة من الممارسات والسلوكيات الإيجابية التي يحملها الفرد تجاه وطنه، وتترجم في العطاء المستمر، والمسؤولية تجاه الأرض، والتضحية من أجل رفعة الوطن وبنائه، والعمل الدؤوب لخدمته، وهذه المشاعر قد تكون بالفطرة وقد تكون مكتسبة من المحيط والبيئة، والتنشئة الصحيحة، فالشعور بالولاء والانتماء للوطن يعني وجود شعور بالطمأنينة والاستقرار وأنه جزء لا يتجزأ من هذه الرقعة الجغرافية، وهذا الشعور لا يتحقق إلا بالمعرفة الكافية حول قيمة الوطن وبناء معتقدات وقيم متجذرة في العمق، لذلك ولكل ما ذكرت ولإيماني التام بضرورة نشر الوعي حول الهوية الوطنية ومعرفة هويتنا الثقافية، أرى أن الدراسات حول موضوع الهوية من الضروريات الحتمية لتحقيق أهداف رؤية عُمان 2040 ولتحقيق ممارسات أولويتها، ولترسيخ الهوية، وإذا ما تحدثنا عن أهمية نشر الوعي حول الهوية، فإن المرأة العُمانية تلعب دورًا محوريًا منذ القدم في توارث ونقل ثقافة المجتمع، فهي الأم والمربية والمعلمة والقدوة لتنشئة أجيال متمسكين بالقيم والسمت الأصيل، مقدرين لتاريخهم وأمجادهم، ومفتخرين بهويتهم وثقافتهم بين الشعوب، وبحكم أن الأم لها نسبة تأثير أكبر على الأبناء في غرس القيم والعادات والتقاليد في مرحلة الطفولة والتنشئة، وأن هذه المرحلة تعتبر من أهم المراحل التي تسبق المدرسة لمعرفة ماهيتنا، وبناء معتقدات وروابط اجتماعية وعلاقات وممارسات تحدد مستوى انتماءاتهم، والتي تتكون وفق عمليات اجتماعية متراكمة يمر بها الفرد منذ النشأة، ويندمج من خلالها إلى جماعات مختلفة، تبدأ من الأسرة، ثم المدرسة، والمنطقة..إلخ، وطوال هذه الفترة تكون الأم هي الأكثر ملازمة لأطفالها حتى يتمتع بالشخصية الاجتماعية، وهذه الشخصية تبدأ في الانغماس مع الآخرين، وممارسة السلوكيات التي تعلم عليها، مما يؤدي إلى انتمائه بلا وعي للمكان والمعتقدات والقيم ويتحلى بالسمت الأصيل. إن المرأة العُمانية تقوم بأدوار عظيمة شملت التربية والتعليم وتنشئة الفرد فكريًا وعاطفيًا وأخلاقيًا، لبناء مجتمع سليم يستمد قوته من قوة أفراده، فالنمو وتنشئة الفرد بقدر ما هو أساسي للتربية، فهو غاية من غايات تطور المجتمعات القائمة على شبابه المعتز بثقافة وطنه ومقدر هويته الوطنية وبتفاخر بها بين الشعوب في العالم.

د. حنان بنت محمود أحمد / باحثة في الهُوية الوطنية والدراسات الإعلامية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهویة الوطنیة الع مانیة

إقرأ أيضاً:

مساهمة المرأة في حماية الهوية العمانية ونقلها للأجيال

للمرأة استعداد بيولوجي للتعليم والتنشئة فهي على مر التاريخ والحضارات المربي الأول للأجيال والبنية الأساسية لصنع الهوية لديهم وهو ما اتفقت عليه الأديان والعرف والتقاليد، ومن دلالات هذه الأهمية ما ورد في الأقوال المأثورة من أبرزها «للتعرف على مدى رقي الأمة يتم النظر إلى نسائها» و«الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق» وهذا تأكيد على أهمية الدور الذي تقوم به في الحفاظ على الهوية وثقافة المجتمع وترسيخ ذلك في اللبنة الأساسية لبناء الحضارة وهو الإنسان. وإذا نظرنا عن قرب لواقع المرأة العمانية من خلال التاريخ الحضاري لسلطنة عمان هي دائما وأبدا الشريك في بناء المجتمع والعمود الفقري للحفاظ على الهوية العمانية، سواء من خلال دورها في الأسرة، أو عبر مشاركتها في مجالات الحياة المختلفة مثل التعليم، والسياسة والاقتصاد وذلك بالحفاظ على التراث، وبناء المجتمع. وتوجيه الأجيال نحو الفخر بجذورهم والحفاظ على منجزات بلادهم والمساهمة في الحفاظ على العادات والتقاليد التي تمثل الشخصية العمانية وتؤكد عمق الإنسان العماني وهويته المتميزة من حيث الانتماء لهذه الأرض والحفاظ عليها. وتبدأ مساهمة المرأة العمانية في حماية الهوية داخل الأسرة، حيث تلعب دورا محوريا في تنشئة أطفالها على القيم والتقاليد العمانية والفخر باللغة العربية وقيم المجتمع العماني مثل الاحترام، والتضامن، والكرم والتي هي جزء لا يتجزأ من الهوية العمانية، ويتم تمريرها من جيل إلى آخر بفضل دور الأمهات في المنزل. وتتميز أيضا بدورها في مجال التعليم فإذا نظرنا على مستوى العالم نجد أن معظم العاملين في قطاع التعليم للمراحل الأولى من عمر الأطفال هم من النساء، لما يتميزن به من قدرة وصبر على التعليم ونقل المعرفة للآخر من خلال المؤسسات التعليمية والمناهج الدراسية والأنشطة اللاصفية التي تُبرز التاريخ العماني. كذلك تستطيع المرأة العمانية الحفاظ على الهوية من خلال الحرف التقليدية التي تسهم فيها مثل الصناعات التقليدية والالتزام بالزي العماني ودورها كسفير في التعريف بالهوية العمانية وهي خارج نطاق الوطن بالعمل كسفيرات وعاملات في السلك الدبلوماسي أو مشاركات في الفعاليات الدولية وأيضا الطالبات الدارسات خارج سلطنة عمان. كما أن المرأة العمانية أصبحت جزءًا من عملية صنع القرار في سلطنة عمان، فالمرأة تشغل مناصب قيادية في الحكومة والقطاع الخاص وتعمل على تعزيز السياسات التي تحافظ على الهوية الوطنية وتدعم جهود التنمية المستدامة التي توازن بين الحداثة والتمسك بالجذور، وكذلك من خلال مشاركتها في العديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي ونقل الهوية العمانية إلى الأجيال الجديدة، ومما سبق يمكن أن نستنتج أهمية دور المرأة بشكل عام في حماية الهوية وتعزيزها لدى الأجيال والجهود التي تبذلها الحكومة في تأكيد أهمية هذا الدور ودعم المرأة بتأهيلها وإعدادها من مختلف النواحي حتى تستطيع أن تقوم بهذا الدور كما يجب أن يكون.

د. عائشة بنت سعيد الغابشية

عضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • المرأة القيادية شريك فعّال في صون الهوية الوطنية والازدهار
  • المرأة العُمانية قوة مؤثرة ونموذج للتسامح في المجتمعات
  • مساهمة المرأة في حماية الهوية العمانية ونقلها للأجيال
  • المرأة ودورها المحــوري في تنشئــة الأجيــــــــــال.. من جذور الماضي إلى آفاق المستقبل
  • سلطنةُ عُمان تحتفل بعد غدِ بيوم المرأة العُمانية تقديرا لدورها في البناء والتقدم
  • سلطنة عُمان تحتفل بيوم المرأة العُمانية الخميس القادم
  • الخميس.. فقرات موسيقية متنوعة بـ"الأوبرا السلطانية" احتفالًا بـ"يوم المرأة العُمانية"
  • تحقيق مكسب للمرأة العُمانية في كل عام
  • الهوية الوطنية بين خصوصية الثوابت وعالمية التغيير