الزراعة الحضرية في الإمارات.. مبادرات مجتمعية تعزز الاستدامة الغذائية وتحول المستهلكين إلى منتجين
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
يمثل الأمن الغذائي أحد أهم الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات، التي تسعى لتحقيقه بوسائل عدة، على رأسها ترسيخ استدامة القطاع الزراعي، عبر التغلب على التحديات التي تواجه عملية تنميته، بالاستعانة بأنماط زراعية متطورة، في مقدمتها التوسع في الزراعة الحضرية.
ويلعب القطاع الزراعي دورا كبيرا في تحقيق مساعي دولة الإمارات لتمكين أهداف التنمية المستدامة وتعتبر الزراعة الحضرية، أحد أهم الحلول المبتكرة والرئيسة في تطوير كامل النظم الغذائية، التي تمكن المجتمع من إنتاج محاصيل متنوعة.
وتسعى دولة الإمارات إلى استثمار إمكاناتها الهائلة، في تعظيم قدراتها الزراعية الحضرية، من خلال تشجيع المواطنين على إنتاج غذائهم في منازلهم، ليتحولوا من مستهلكين إلى مستهلكين ومنتجين في الوقت نفسه.
وعرفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة « فاو»، الزراعة الحضرية، بأنها ذلك النوع المختص بإنتاج المحاصيل، وتربية الحيوانات من مساحات صغيرة، ومن قطع الأراضي الفارغة، وحدائق المنازل الخلفية، وشرفات المنازل داخل المدن المزدحمة بالسكان، والكتل الإسمنتية، التي تتحول لمدن منتجة للخضروات والفاكهة داخل مبانيها الشاهقة، وشققها السكنية، ونوافذها، وحتى حدائقها المنزلية.
وأولت دولة الإمارات اهتماما بالزراعة الحضرية التي تمنح سكان المدن، فرصة للتواصل مع الطبيعة، وتتميز بالمرونة بوصفها نمطا لإنتاج الغذاء، ينسجم مع التوقعات الخاصة بتأثير التغير المناخي على الإنتاج الزراعي ويتضمن هذا القطاع، زراعة نباتات وفواكه وخضراوات في المناطق الحضرية، باستخدام تقنيات صديقة للبيئة.
وواجهت دولة الإمارات التحديات التي تقف أمام الزراعة الحضرية المستدامة، التي تتمثل في محدودية المساحة، ونوعية التربة، بتقديم حلول إبداعية مبتكرة، مثل استخدام أحواض الحدائق المرتفعة، وحاويات الزراعة، والتسميد لتحسين جودة التربة.
وتتوافق الزراعة الحضرية مع مستهدفات البرنامج الوطني “ازرع الإمارات” الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتشجيع أفراد المجتمع على تبنى سلوكيات للانتقال من دور المستهلك التقليدي، إلى منتج فعال يساهم في دعم الاقتصاد الزراعي، وتنمية الإنتاج الزراعي.
ويستهدف البرنامج الوطني “ازرع الإمارات”، تشجيع المجتمع المحلي على الإنتاج الذاتي المنزلي، لأهم المنتجات الزراعية، وتوسيع الرقعة الخضراء في الدولة، ودعم جهود الحفاظ على البيئة، وترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن المنتج المحلّي ذي القيمة الغذائية العالية.
ويدعم البرنامج “عام الاستدامة 2024″، ويُعزز منظومة الاستدامة البيئية، عبر المساهمة الفعالة للمنتجات المحلية في خفض البصمة الكربونية كمنتجات طازجة.
تعزيز التنوع.
وتتعدد المزايا التي تحملها الزراعة الحضرية المستدامة فهي تعمل على تعزيز التنوع البيولوجي، وتساعد على إنشاء مساحات خضراء، يمكن أن تحسن جودة الهواء عبر امتصاص النباتات ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين.
وتساعد الزراعة الحضرية داخل المدن، على تثبيت التربة والحد من التصحر، خاصة في البيئات الصحراوية وتقلل من تأثير الحرارة العالية في ضوؤ مساهمة النباتات في إبطاء معدل انتقال الحرارة بين داخل المبنى وخارجه، إذ يؤثر العزل بالنباتات في طريقة تخفيف تأثير درجة الحرارة تبعا لفصول السنة.
وفي فصل الشتاء، يقلل العزل معدل الانتقال من الداخل إلى الخارج، بينما في فصل الصيف فإنه يبطئ معدل انتقال الحرارة من الخارج إلى الداخل.
وتتميز المباني في الإمارات بأنها مؤهلة للزراعة الحضرية، التي تستخدم نظم زراعة من دون تربة ولا تحتاج إلى أي تغيير في مواصفات المباني ويشكل هذا النوع من الزراعات في الإمارات، خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة والأمن الغذائي وتعد جزءا من رؤية أوسع لخلق بيئة حضرية مستدامة ومتكاملة، بفضل الابتكار والدعم الحكومي، وهو ما يجعل من الإمارات نموذجا رائدا في هذا المجال على مستوى المنطقة والعالم.
حلول شاملة.
وتتخذ الزراعة الحضرية في الإمارات أشكالا عدة، منها المزارع العمودية، التي أخذت في الانتشار داخل المدن، إذ تشهد تقنيات هذا النوع من المزارع، تطورات كبيرة وأخذت في الانتشار محليا وعالميا لتؤسس لحل شامل يحقق الأمن الغذائي، نتيجة اختصارها المواسم والمسافات.
وتشهد الإمارات توجها متزايدا نحو تطوير المزارع العمودية، باعتبارها مكونا واعدا لمحفظة حلول تحديات الأمن الغذائي، نتيجة كفاءتها التشغيلية والحصاد على امتداد المواسم كافة وإمكانية إنشاء مزارع عمودية داخل المدن بمساحات متنوعة ومرنة، ما يخفض بشكل كبير من تكاليف النقل والشحن الخارجي والداخلي، ويسهم في تخفيف مخاطر اضطرابات سلاسل الإمداد عالمياً والحد من ارتفاع تكاليف الشحن.
وشهدت أبوظبي العام الماضي، تدشين مزرعة «آيروفارمز AgX”، أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية والتي تسهم في تطوير الزراعة البيئية المستدامة الخاضعة للرقابة، والزراعة العمودية الداخلية للمساعدة في مواجهة تحديات سلاسل توريد المنتجات الزراعية على مستوى العالم.
تستهدف المزرعة إجراء الأبحاث العلمية، والتطوير في قطاع الزراعة، وتطوير الجيل التالي من تقنيات وحلول الزراعة المستدامة في البيئات القاحلة والصحراوية، بدعم من مكتب أبوظبي للاستثمار.
وعززت دبي الزراعة الحضرية، بافتتاح مزرعة “بستانك”، أكبر مزرعة رأسية تعتمد على الزراعة المائية في العالم، باستثمارات تصل إلى 150 مليون درهم، التي تعتمد على تقنيات متطورة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المتقدمة، ويديرها فريق متكامل من المتخصصين ذوي الكفاءات العالية، من خبراء زراعيين ومهندسين وأخصائيين في علوم البستنة، وعلماء النبات.
وتعتمد المزرعة على دورة إنتاج مستمرة، تضمن إنتاجا فائق النضارة والنظافة، ودون استخدام أي مبيدات أو مواد كيماوية، في حين تم تزويد المزرعة بنظام الدائرة المغلقة للري، حيث يعاد تدوير المياه، ما يسهم في توفير 250 مليون لتر من الماء سنويا، بالمقارنة مع الزراعة الخارجية التقليدية التي تنتج نفس كمية المحصول.
وتسهم “بستانك” في تأمين سلاسل الإمداد والتوريد التابعة لشركة “الإمارات لتموين الطائرات”، وضمان تمتع المسافرين على متن الرحلات المستفيدة من خدمات الشركة، وفي مقدمتها “طيران الإمارات” بمنتجات غذائية عالية الجودة منتجة محليا.
ثقافة منتشرة.
وتعتبر الزراعة المنزلية أحد أشكال الزراعة الحضرية وتلعب دورا مهما في التخفيف من ظاهرة التغير المناخي، من خلال استخدام أساليب وتقنيات زراعية صديقة للبيئة تحافظ على الموارد الطبيعية، عبر إنشاء مزارع في الحدائق المنزلية بتقنيات مبتكرة، تحقق استدامة اقتصادية واجتماعية وبيئية أيضا، ما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، مع مواجهة تداعيات التغير المناخي وحماية البيئة.
وتدعم زراعة الأسطح الثقافة المنتشرة في مناطق عدة حول الدولة، قطاع الزراعة الحضرية في الإمارات كونها تعمل على تجميل الفراغات الموجودة في الأسطح بمواد صديقة للبيئة، وتحسين جودة الهواء وتصفيته من الملوثات، وتقليل الانبعاثات الكربونية ودرجة الحرارة بالمبنى أيضا.وام
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: دولة الإمارات فی الإمارات داخل المدن
إقرأ أيضاً:
سندات الأثر الإنساني.. نقلة نوعية في مبادرات تمويل المشروعات الخيرية
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، التي تفرض ضرورة البحث عن وسائل تمويل مستدامة وفعالة لدعم المشروعات الخيرية والاجتماعية، ظهرت على الساحة العالمية "سندات الأثر الاجتماعي والإنساني" كأداة مبتكرة في بدايات عام 2010، تجمع بين الاستثمار والهدف الاجتماعي. وتتيح هذه السندات توفير التمويل اللازم بآلية مختلفة عن التبرعات التقليدية، حيث تعتمد على استثمار رأس المال، وتحقيق النتائج الملموسة لضمان استمرار الدعم المالي.
فما هي سندات الأثر الاجتماعي والإنساني؟ وكيف يمكن الاستفادة منها في تمويل المشروعات الخيرية؟ وما أبرز التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال؟
سندات الأثر الاجتماعي والإنساني هي أداة مالية تهدف إلى جذب رؤوس الأموال لتمويل مشروعات تعالج قضايا اجتماعية محددة، وتقوم هذه السندات على مبدأ الدفع بناءً على النتائج، إذ يحصل المستثمرون على عوائد مالية إذا تحققت الأهداف الاجتماعية المتفق عليها، بينما يتحملون الخسائر في حال فشل المشروع في الوصول إلى تلك الأهداف. هذا النموذج يخلق توازنًا بين تحقيق العائد المالي وإحداث تأثير اجتماعي إيجابي.
تتطلب آلية عمل هذه السندات تعاونًا بين عدة جهات، الجهة الأولى هي الحكومة أو المؤسسة الممولة التي تحدد المشكلة الاجتماعية، وتتعهد بالدفع عند تحقق النتائج. الجهة الثانية هي المستثمرون الذين يقدمون التمويل اللازم لتنفيذ البرامج. أما الجهة الثالثة فهي المنظمات التنفيذية التي تتولى تنفيذ المشروع على أرض الواقع. وأخيرًا، هناك جهة مستقلة تتولى مراقبة الأداء، وتقييم مدى تحقيق الأهداف.
تتيح سندات الأثر الاجتماعي والإنساني فرصًا كبيرة للمؤسسات الخيرية والاجتماعية. فهي توفر مصدرًا متجددًا للتمويل بدلاً من الاعتماد على التبرعات الموسمية، وتدفع نحو تطوير حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية، كما أنها تعزز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتشجع على تبني نهج يعتمد على الأداء والنتائج، مما يزيد من كفاءة إدارة الموارد المالية، ويعزز الشفافية.
على سبيل المثال، يمكن لمنظمة غير ربحية تعمل على الحد من التسرب المدرسي أن تطلق برنامجًا تعليميًا لدعم الطلاب المهددين بترك الدراسة. إذا تمكن البرنامج من خفض نسب التسرب وفقًا للمستهدف، يحصل المستثمرون على عائد مالي بينما تحقق الجهة الداعمة أهدافها الاجتماعية. هذه الآلية ليست مجرد وسيلة للتمويل بل هي نموذج لتعزيز المساءلة، والشفافية في تنفيذ المشروعات الاجتماعية.
شهدت العديد من الدول تجارب ناجحة في تطبيق سندات الأثر الاجتماعي والإنساني. ففي مدينة بيتر بورو بالمملكة المتحدة، أُطلقت أول تجربة في 25 يونيو 2010 بهدف تقليل معدلات عودة السجناء السابقين إلى السجن. استثمرت جهات خاصة في تمويل برامج إعادة التأهيل، وعندما انخفضت معدلات العودة إلى السجن بنسبة 9%، حصل المستثمرون على عوائد مالية.
وفي الولايات المتحدة، أطلقت ولاية يوتا في 30 أغسطس 2013 مشروعًا لتمويل التعليم المبكر عبر سندات الأثر الاجتماعي. استهدف المشروع تحسين الأداء الأكاديمي للأطفال المحرومين، وعندما أظهرت النتائج تحسنًا ملموسًا، تم تعويض المستثمرين بينما وفرت الحكومة جزءًا من تكاليف الرعاية الاجتماعية.
أما في أستراليا، فقد أُعلن في 15 مايو 2016 عن استخدام سندات الأثر الاجتماعي لتمويل برامج الصحة النفسية. ركزت المبادرة على تقديم دعم نفسي للأفراد الذين يعانون من أمراض عقلية، وأسهمت هذه البرامج في تحسين جودة حياة المرضى، وخفض نفقات الرعاية الصحية.
في اليابان، وتحديدًا في مدينة يوكوهاما، تم تطبيق نموذج مشابه في 27 أكتوبر 2017 بهدف تحسين الرعاية الصحية للمسنين. مول المستثمرون برامج للوقاية من الأمراض المزمنة، مما ساعد في تقليل معدلات دخول المستشفيات، وتحقيق تحسن في جودة حياة كبار السن. استفاد المستثمرون من عوائد مالية بينما حققت الحكومة أهدافها في خفض النفقات الصحية.
وفي خطوة متقدمة، أصدر البنك الدولي منذ عام 2021 ثلاثة سندات بارزة لدعم مبادرات إنسانية مختلفة. تمثل الأول في سندات الكربون التي مولت مشروع أجهزة تنقية المياه في فييتنام، حيث تم تصنيع وتوزيع 300 ألف جهاز على 8000 مدرسة، مما وفر مياهًا نظيفة لما يقرب من مليوني طفل. أما السند الثاني فكان مخصصًا لحماية الحياة البرية، من خلال مشروع الحفاظ على وحيد القرن في جنوب أفريقيا. والسند الثالث خُصص لدعم منظمة اليونيسيف في جهود مكافحة جائحة كورونا.
على الرغم من النجاح الذي حققته هذه السندات في العديد من الدول، إلا أن تطبيقها لا يخلو من التحديات. فهي تتطلب معايير دقيقة لقياس التأثير الاجتماعي وتقييم مدى نجاح البرامج. كما أن المستثمرين يتحملون مخاطر خسارة أموالهم إذا لم تتحقق الأهداف، وتحتاج هذه السندات إلى أطر قانونية وتنظيمية معقدة لضمان التنفيذ الناجح، إضافة إلى أهمية تعزيز الثقة بين الأطراف المعنية لضمان الالتزام بالنتائج.
تشكل سندات الأثر الاجتماعي والإنساني تحولًا نوعيًا في تمويل المشروعات الخيرية، حيث تجمع بين تحقيق الربح والأهداف الاجتماعية. ومن المتوقع أن يستمر انتشار هذا النموذج عالميًا ليشمل مجالات أوسع في التعليم، والصحة، والبيئة، مما يفتح المجال أمام تعاون أعمق بين القطاعين العام والخاص. فهل تصبح سندات الأثر الاجتماعي والإنساني الأداة المفضلة لتمويل المشروعات الإنسانية في المستقبل؟