قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن مفهوم السِّلم في المنظور التشريعي الإلهي لم ينسلخ عن مطالبات الفطرة الإنسانيَّة، ولم يصطدم بالحقائق الحيويَّة للكينونة الإنسانيَّة، بل خاطب الإسلام الوجود كلَّه بالسِّلم والسَّلام بمنهج يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وساق البشريَّة كلَّها إلى حياة الإلف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة وإراقة الدماء والغَصْب والسَّلْب.

الإسلام دين القِيَم في سِلمه وحربه 

وأضاف الجندي، خلال كلمته التي ألقاها اليوم في ندوة مجلة الأزهر (فقه الأخلاق في السِّلم والحرب) التي عقدها مجمع البحوث الإسلامية واستضافتها كليَّة الدراسات الإسلاميَّة والعربية للبنات بالقاهرة، أنَّ الحرب حربان: حرب باردة تعمل من طرف المغرضين، ومنها حملات التشويه المسببة؛ كالتطرف، والشُّبُهات المثارة حول الثوابت، وحملات الاستقطاب للإرهاب المنظَّم لهدم الهُويَّة وزلزلة الاستقرار، وهذا النوع يأتي من طرف العدو فقط، والإسلام فقط يصحِّح المفاهيم، والنوع الثاني: الحرب الحامية، وقد حمي وطيسها، وهي حرب البغي والدمار والهدم والتجريف والاحتلال والتهجير والتشريد والتجويع، وهي أيضًا من طرف واحد.

وأوضح الأمين العام أنَّ “مشهد الحروب المنفلتة في عالمنا اليوم، وما تلحقه من أضرار على البشريَّة، يُعدُّ قفزةً جامحةً في الخروج عن حدود الإنسانية التي رسم الإسلام خطوطها، وأننا نلحظ أنَّ الإسلام دين القِيَم في كلِّ أحواله وأحيانه، في سِلمه وحربه وضع قانونًا للحرب نموذجًا فريدًا ومميّزًا ورائعًا وراقيًا في تشريعه وآثاره، ومِن قِيَم أخلاق السلام والحرب”.

وأشار إلى أنَّ مِن أخلاق السِّلم حتى في الحرب: ألَّا يُعتدَى على غير المحارب؛ قال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ قال الشوكاني: «وقال بعض العلماء: إنَّ المراد بقوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ ما عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم»، وكذا ألَّا يُجهز على المحارب الجريح، ولا يمثَّل به أو يُهدم منزله أو تُسرق أعضاؤه، فمن قِيَم الإسلام في الحرب عدم التعرُّض للمدنيين غير المشاركين في الحرب؛ ففي الحديث الشريف عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «أَلَا لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ».

رئيس جامعة الأزهر يشيد بانضباط العملية التعليمية بكليات فرع تفهنا الأشراف رئيس جامعة الأزهر يشيد بجهود كلية الأصول في الحفاظ على ثوابت الدين وتراث الأمة

وتابع: "نهى النبي ﷺ عن الضعفاء الذين لا سهم لهم في الحرب، بل غضب ﷺ وحزن لمَّا وُجِدَت امرأة مقتولة؛ فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: «أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ ﷺ مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»، وأوصى النبي ﷺ بوصيَّة في أسلوب الحرب لو أُقيمت لتنعَّم الإنسان وعاش حياة الاستخلاف كاملة في كرامة وبناء، وعن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: «انطلِقُوا باسم الله، وبالله، وعلى مِلَّةِ رسول الله، ولا تقتُلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا، ولا صغيرًا، ولا امرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضُمُّوا غنائمَكم، وأصلِحُوا (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)».

واستطرد الجندي أن من هذه الأخلاق أيضًا: حسن المعاملة في الحرب، والرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ، والتسامح مع المغلوبين، فهذه قيمة من قِيَم الإسلام، والسلم هو الأصل في الإسلام، والحرب إنما شُرّعت لأسباب وأهداف محددة، لكنها بقيود وبقانون مضبوطة بالأخلاق، ويدلُّ عل أخلاق الحرب في الإسلام وصيَّة سيدنا أبي بكر -رضي الله عنه- ليزيد بن أبي سفيان لمَّا بعثه إلى الشَّام، ومنها: «وإنَّكم ستجِدون أقوامًا قد حبسوا أنفُسَهم في هذه الصَّوامع، فاتْركوهم وما حَبسوا له أنفُسَهم، وَلَا تَقْتُلُوا كَبِيرًا هَرِمًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا وَلِيدًا، وَلَا تُخَرِّبُوا عُمْرَانًا، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً إِلَّا لِنَفْعٍ، وَلَا تَعْقِرُنَّ بَهِيمَةً إِلَّا لِنَفْعٍ، وَلَا تَحْرِقُنَّ نَحْلًا وَلَا تُغْرِقُنَّهُ».

كما أشار الأمين إلى أنَّ من أخلاق السلم في الحرب احترام دور العبادة، فقد أَوْلَتْ الشريعة الإسلامية دُور العبادة احترامًا كبيرًا واهتمامًا بالغًا، فحرَّم الإسلام التعرّض لدُور عبادة غير المسلمين في السلم أو الحرب، ولا يعرف في التاريخ الإسلامي أنَّ مسلمًا هدم دار عبادة أو اعتدى على أهلها، بل على العكس من ذلك فقد أعطى الفاروق عمر لأهل فلسطين من غير المسلمين أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولدُور عبادتهم، وسقيمهم وبريئهم؛ أنه لا تسكن دُور عبادتهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا يكرهون على دِينهم، ولا يضار أحد منهم، مبينًا أن استهداف المساجد ودور العبادة يعدُّ في نظر الشريعة الإسلامية جريمة حرب مخالفة للشرائع كافة، ومخالفة لتعاليم الإسلام السمحة، وأننا نعيش أجواء الجرائم الصهيونية على أهل غزة، التي دمّرت أكثر منازلها، وقتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والكهول، فهذا يستدعي المحاكمة العادلة والعاجلة للصهاينة ومَن دعمهم، والتاريخ سيحكم عليهم كذلك، والمخاصمة بين يدي الله تعالى.

وشدَّد فضيلته في ختام كلمته على أن الإسلام نهى عن قطع الطرق وتضييقها؛ ففي الحديث: «مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلَا جِهَادَ لَه»، وأن من أخلاق السلم حتى في الحرب: السلم مع الأسرى؛ فقد ورد كذلك إكرام الأسير والله تعالى يقول: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، بل أمر الرسول ﷺ أصحابه يوم (بدر) أن يُكرموا الأُسَارى، فكانوا يُقَدِّمُونهم على أنفسهم عند الطعام.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: البحوث الإسلامية مجمع البحوث الاسلامية مجلة الأزهر الدكتور محمد الجندي م الإسلام فی الحرب

إقرأ أيضاً:

البحوث الإسلامية يطلق الموسم الثاني من مسابقة بنت الأزهر الوافدة

كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

أعلن مجمع البحوث الإسلاميَّة بالشَّراكة مع قطاع مدن البعوث، إطلاق مسابقةَ (بنت الأزهر الوافدة) للطالبات الوافدات في موسمها الثاني؛ وذلك في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيِّب، بغَرْس قِيَم التُّراث الإسلامي الأصيل في نفوس الطلَّاب الوافدين، وتعريفهم علماءَ المسلمين وإسهاماتهم في خدمة الدِّين والإنسانيَّة.

وقال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، إنَّ إطلاق هذه المسابقة في موسمها الثاني كجزء من رؤية الأزهر الشَّريف الشَّاملة في رعاية الطالبات الوافدات، وتوفير بيئة محفِّزة للإبداع والتميُّز، مضيفًا أنَّ الأزهر لا يقتصر دَوره على الجانب الأكاديمي فحسب، بل يحرص على تنمية جميع جوانب شخصيَّة الطالبة، من خلال توفير الفرص التي تمكِّنها من اكتشاف قدراتها وتطويرها؛ ممَّا يعزِّز شعورها بالانتماء والولاء لهذه المؤسَّسة العريقة، لتكون سفيرةً لها في بلادها بعد تخرُّجها في هذه المؤسسة الضاربة بجذورها الدعويَّة والعِلميَّة في أعماق التاريخ.

وأوضح الجندي أنَّ موضوع المسابقة لهذا العام يتمثَّل في عَرْضٍ لكتاب (المقالتين: مصالح الأبدان والأنفس) لأبي زيد البلخي (ت: 322هـ)، وأنها تستهدف بثَّ روح الانتماء لمناهج الأزهر الشريف، وتعريف الطالبات الوافدات كُتُبَ التراث وكيفيَّة الاستفادة منها، وفَتْح المجال للتعبير عن فهم هذه الكُتُب بطريقة منهجيَّة مفيدة، وتنمية المهارات اللُّغوية لدى الطالبات، وإذكاء روح الإبداع والابتكار لديهنَّ، وشَغْل وقتهنَّ بعملٍ إبداعيٍّ علميٍّ وثقافيٍّ.

من جانبها، أشارت الدكتورة إلهام شاهين، مساعد الأمين العام لشئون الواعظات، إلى أنَّ على الطالبات الوافدات اللاتي يرغبن في المشاركة، أنْ يتقدَّمن بعَرض للكتاب موضوع المسابقة، على أن يتضمَّن أحد الموضوعات التالية: (مصالح الأبدان- مصالح الأنفس- مصالح الأبدان والأنفس)، مبيِّنةً أنه يُشترط في التقديم للمسابقة: أن تكون المشاركات مِنَ الطالبات الوافدات في أيَّة مرحلة تعليميَّة بالأزهر الشَّريف، وألَّا يزيد عدد المشاركات في العمل الواحد على أربع طالبات، وألَّا يقل عن طالبتَين، إلى جانب وضوح الفكرة، ووضوح اللُّغة صوتًا و كتابةً، وألَّا تزيد مُدَّة الفيديو عن (20) دقيقةً، وأن يُعرَض الكتاب مكتوبًا ومسموعًا ومرئيًّا.

ويمكن التقدُّم للمسابقة عن طريق تسجيل الأسماء عبر (بوابة الأزهر الإلكترونية) في النموذج المُعدِّ لذلك، والاحتفاظ برقم التسجيل، وتُسلَّم الأعمال على قرص مدمج(CD) يتضمَّن فيديو يحتوي على محاور المسابقة، وملف ورقي موضَّح فيه محتوى القرص، وبيانات فريق العمل كاملة: (الاسم، ورقم الهاتف مُتاح عليه واتساب، ورقم جواز السفر، والمرحلة التعليميَّة، والتخصُّص، والبلد، ومحل الإقامة بمصر، على أن يُسلَّم هذا القرص المدمج –وهو مدون عليه رقم هاتف دائم للتواصل- يدويًّا إلى مجمع البحوث الإسلامية، أو مدينة البعوث الإسلامية للوافدات، بَدءًا من أول شهر نوفمبر المقبل، وحتى نهاية إجازة نصف العام الدراسي الجاري..

وتتمثَّل جوائز المسابقة في عَشر جوائز لعشرة أعمال جماعيَّة تكون كالآتي: الأول: 15 ألف جنيه، والثاني: 14 ألف جنيه، والثالث: 13 ألف جنيه، والرابع: 14 ألف جنيه، والخامس: 11 ألف جنيه، والسادس: 10 آلاف جنيه، والسابع: 9 آلاف جنيه، والثامن: 8 آلاف جنيه، والتاسع: 7 آلاف جنيه، والعاشر: 6 آلاف جنيه، ويمكن الاشتراك في المسابقة من خلال بوابة الأزهر الإلكترونية عبر الرابط الآتي: هنا

مقالات مشابهة

  • «البحوث الإسلامية»: العدوان الإسرائيلي على غزة قفزة خروج عن الإنسانية
  • سنن الفطرة وحكم الالتزام بها في الشرع الشريف.. دار الإفتاء ترد
  • أمين البحوث الإسلامية يلتقي أعضاء لجنة مراجعة المصحف
  • أمين "البحوث الإسلامية" يلتقي أعضاء لجنة مراجعة المصحف
  • البحوث الإسلامية يطلق الموسم الثاني من مسابقة بنت الأزهر الوافدة
  • البحوث الإسلامية يطلق مسابقة (بنت الأزهر الوافدة)
  • صحف عالمية: الحرب الإسرائيلية غيرت مفهوم أخلاق الحرب
  • أمين «البحوث الإسلامية»: بناء الأوطان لا ينفك عن بناء الإنسان
  • أمين البحوث الإسلامية: بناء الأوطان لا ينفك عن بناء الإنسان